أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

الميدان الخامس للحرب: الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي جنرال الحروب الجديدة

إعداد فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

المراجعة: الدكتورة بدرة قعلول

تونس 12-12-2023

الذكاء الإصطناعي في تعريفه الموسع”هو قدرة الألة على محاكاة العقل البشري”.

ما من شك وأن البشرية تشهد أعلى مقدرات التهديد بما يضعها تحت خنوع الألة والخوارزميات الذكية، هذه البرامج تم توجيهها نحو اختراق الأنظمة وقرصنة البيانات حيث تصبح بنوك وبيانات الدولة بمختلف وزاراتها ودواوينها وشبكات اتصالاتها والنظم المعلوماتية السرية الخاصة وذات الاعتبار الأمني أو القومي في قبضة مجندي الميدان الخامس للحرب.   

الميدان الخامس للحرب هو الفضاء الذي يجري فيه الأن الإستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي إنه “جنرال الحروب الجديدة” ففي المجال الأمني- العســكري، بات الذكاء الاصطناعي هو المحدد، لمن القوة؟

ولئــن كان الــذكاء الاصطناعي يســهم في تحســين حيــاة الإنسان في كثيــر مــن المجالات، في مقدمتهــا الرعايــة الصحيــة والتعليــم والنقــل إذ يســهم في رفــع الإنتاجية والكفــاءة، فــإن الجــدل يحتــدم بشــأن مخاطــره الأمنية – العسكرية  والأخلاقيــة مثــلا  في المجال العســكري والطبــي، وهــي مخاطــر يجــب حملهــا على محمــل الجــد وفقًــا لبعــض الخبــراء في مجــال الــذكاء الاصطناعي لأنهــا تهــدد مســتقبل البشــرية على هـذا الكوكـب.

واليوم أصبحت الأنظمة والحكومات تبني اســتراتيجياتها العســكرية والأمنية الوطنية بشكل جديد كليا عما تعودت عليــه القيادات المتوارثة وقــد بــات الذكاء الاصطناعي يتدخل في النظم التســليحية والدفاعية ويثير أســئلة جوهرية :

  •  ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على استراتيجية الــردع والتهديد في المجالين الأمني والعسكري المهدد للمصالح القومية للدول؟
  • هل هناك حدود لذكاء الآلة التي باتت سيدة اتخاذ القرارات المصيرية خلال الحروب في تجربة أثبتت وأن شريعة حقوق الأنسان قد ضرب بها عرض الحائط ؟
  • ثم ما القدرات الفعلية لاستيعاب التطورات التقنية في العقيدة العسكرية للجيوش، وفي نظمها القتالية والتدريبية، وفي التمييز بين قدرات الجندي والآلة القتالية؟

الذكاء، تطور على مر الســنين ليصبح واحدًا من أبرز التقنيات في القرن الحادي والعشرين، إذ يتمثل الهدف الرئيسي منه في محاكاة القدرات الذهنية البشرية، التفكير والتحليل والتعلم، من خلال الأنظمة الحاسوبية والخوارزميات. لذلك سعت الأنظمة التكنولوجية    الرائدة عالميا منها الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان كذلك الولايات المُتّحدة وروسيا كندا وتايوان وسنغافورة وأستراليا وألمانيا وهولندا وفرنسا والسويد والمملكة المُتّحدة الى ضــرورة التفكير فيما توفره التكنولوجيا الذكية للإنسان من إمكانية خروجها الكامل عن ســيطرته في إطار تعزيز منظومتها الدفاعية.

تســعى الدول كافة في سياساتها الاستراتيجية للأمن والدفاع، لتأمين أقصى درجات التفوق والتحصين ويعتبر الاستخدام العسكري لتقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم من أهم عناصر التفــوق القومــي، ودخلت هذه التقنيات بكثافة في الصناعة والعمليات العســكرية، وحماية الأمن القومي، ليصبح الاستثمار في هذه الصناعة هو الأكبر في العديد من الدول المتقدمة، فتم تخصيص ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير في التقنيات الحالية والمســتقبلية بما يخدم التطبيقات والأجهزة والمعدات العســكرية، ويطور التعاطي بكفاءة مع البيانات الضخمة، وتعزيز مهارات التخطيط وصنع القرار وتقليل المخاطر.

 وعلى الرغم من أن قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على التعامل بدقة، إلا أن تطبيــق تقنياته في مجال الدفاع والمواجهة العســكرية مع العدو فــي البــر والبحر والجو يحتاج درجة عالية من الكفــاءة في بيئة قتالية متغيرة بشــكل ديناميكي مســتمر يجعل من هذه التقنيات عرضة للتشوش والإصابة الخاطئة للأهداف .

 لقد أثبتت العمليات العسكرية ارتكاب الأخطاء القاتلة والتي تؤدي لعواقب وخيمة لقد رأينا ذلك بشكل جلي في قصف العدوان الصهيوني على غزة بإستعمال الأسلحة فرط الصوتية والطائرات بدون طيار قاصفا مواقع مدنية ومستشفيات أودت بحياة الألاف من الأطفال والمدانيين لمجرد أن “الروبو” جائته إشارة.

والنساء والمدنيين العزل في أخطر سابقة لاستهداف عسكري  ممنهج نحو الإبادة الجماعية عن طريق تنفيذ الأهداف بواسطة الأقمار الصناعية ضمن منظومة ال “G.P.S ”  ذات الاستخدام العسكري.

تطوع الصناعات العسكرية الصهيونية الذكاء الاصطناعي بشكل فيه تحد صارخ لحياة الأنسان في أخطر وأعنف سلوكياته.

لقد كشف ذلك عن أن منظومات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري الصهيوني كانت غير آمنة وموثوقة وتم توجيهها نحو كارثة حرب فمن يتحكم في “الربوا” والخاورزمات الإنسان فبمجرد الضغط على الزر فهو ينفذ.

باتت براعة الجيوش في الحروب تعتمد حاليا على الذكاء الاصطناعي كجزء من التقدم التكنولوجي، تحولت الحرب الروســية-الأوكرانية تدريجيًّا من صفة الحرب التقليدية إلى حرب التقنيــات الذكية، فاليوم تنشــر أوكرانيا الخبراء الســيبرانيين على الخطوط الأمامية للمواجهــة، وهــم يتبارزون مع نظرائهم الروس في نــوع جديد من المعارك؛ حيث تمتــزج القوات الخاصــة والقناصة مع قراصنة الإنترنت فــي جهود حثيثة الاختراق الأنظمة المعادية وقد أصبحت الحرب الروســية-الأوكرانية، ميدانًا لاختبار التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في الصراع المســلح، وفي الاستراتيجيات والتكتيكات القتالية لسيما بين القوى الكبرى.

لقد دخلت الولايات المتحدة والصين في منافسة على التفوق العالمي في هذا المجال من أجل رسم المشهد العالمي المستقبلي،  تراهن واشنطن على حرب الذكاء الاصطناعي بالتركيز على التفكير الاستراتيجي للجيش الأميركي بشأن الصين والذكاء الاصطناعي والابتكار، رغم أن الذكاء الاصطناعي اكتسب شعبية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن القوى العظمى كانت تبحث في التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي منذ عقود. ومنذ عام 2014، كانت الولايات المتحدة تعمل على بناء الأساس لدمج الذكاء الاصطناعي في جيشها.

التكنولوجية العسكرية الصينية، الصين بدورها  لديها فهم مختلف تماما للذكاء الاصطناعي مقارنة بالولايات المتحدة، إذ أنها رغم أنها تهدف أن تصبح الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، إلا أنها ظلت حتى الآن متكتمة بشأن دمجها العسكري للذكاء الاصطناعي.

بحيازة الصين ترسانة تنافس دول عدة على تطوير وتصنيع وامتلاك “الأسلحة فرط الصوتية” التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تغير من قواعد اللعبة في الحروب، نظرا لقدراتها على الهجوم بسرعة، وإمكانية إطلاقها من مسافات كبيرة وامتلاكها المقدرة على التهرب من معظم وسائل الدفاع الجوي، واغلب التقديرات العسكرية والإستراتجية العالمية فهم ينتظرون المفاجأة الصينية في هذا المجال بالذات بل وينتظرون الذكاء الغصطناعي الصيني الذي لا يزال سرا في المجال العسكري.

والأسلحة “الفرط صوتية” قادرة على الهجوم بسرعة كبيرة، ويمكن إطلاقها من مسافات كبيرة والتهرب من معظم الدفاعات الجوية ويمكنها حمل متفجرات تقليدية أو رؤوس حربية نووية. والصين وروسيا لديهما “صواريخ فرط صوتية “جاهزة للاستخدام، ومجربة لكن في المقابل الولايات المتحدة لا تمتلكها وتدّعي أنها تمتلكها هي وألمانيا وقد فضح الأمر بأنهم لم يتوصلوا الى الآن اليها وحرب أكرانيا هي من “افشت كذبهم وسرهم” وحرب غزة اليوم كذلك بدأت تكشف الستار على الكثير من “الكذب” العسكري.

على مدار أكثر من 60 عاما، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في عشرات البرامج لتطوير نسختها الخاصة من هذه التكنولوجيا، وقد انتهت تلك الجهود إما بالفشل أو تم إلغاؤها قبل أن تتاح لها فرصة النجاح.

كما تعمل الولايات المتحدة لمواكبة الصين في مجموعة من التقنيات العسكرية، بدءًا من الذكاء الاصطناعي إلى التكنولوجيا الحيوية. والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تقع في أيدي قوى مثل الصين أو روسيا، لديها القدرة على تغيير التوازن الاستراتيجي العالمي.

  تستخدم الأقمار الصناعية العسكرية في إدارة المجال الجوي المشترك، وبالأخص في عمليات القيادة والسيطرة والإنذار المبكر في ميدان. أحدثت التطورات الأخيرة في الأقمار الصناعية العسكرية ثورة في أمن الاتصالات  بين القوى النووية. تم تصميم الأقمار الصناعية العسكرية لدعم الاتصالات ذات المهام الحرجة كما  تعمل الأقمار الصناعية في مدار عالٍ، وتتميز بتقنيات تشفير متقدمة تحافظ على الاتصال آمنًا وسريًا كما أنها توفر توفرًا عاليًا مما يضمن أن الاتصال موثوق به وغير متقطع في حالة الطوارئ إذ يمكن لهذه الأقمار الصناعية مراقبة حالة الأسلحة النووية، وتقديم معلومات عن موقع الأسلحة وسلامتها وأمنها.

بالمقابل تحظر معاهدة الفضاء الخارجي استخدام أسلحةَ الدمار الشامل خارج مدار الأرض لكن ذلك لا يعد حظرا للحرب في الفضاء لقد اختبرت بعض الدول أسلحة مدمرة مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء بنجاح ومن المفترض أن دولا عديدة أخرى تمتلك قدرات مضادة للأقمار الصناعية. وفي الوقت نفسه، يتم إجراء على نحو متزايد قدرات استراتيجية هامة، مثل الإنذار المبكر والاتصالات الآمنة وجمع المعلومات الاستخباراتية والقيادة والسيطرة، عبر الفضاء.

 وهذا من شأنه أن يثير احتمال مقلق بأن استخدام أسلحة مضادة للأقمار الصناعية وسط أزمة بين الدول المسلحة نوويا قد يؤدي إلى حرب نووية في الواقع، أظهرت المناورات الحربية الأمريكية مرارا أن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الأزمات على نحو غير متوقع.

لقد طرح الجدل في تأكيد تهديد الوجود البشري ضمن تنافس القوى العظمى في “عسكرة الفضاء”  وأهمية السيادة الجوية وكيفية تسيير العمليات القتالية في الميادين الأخرى “الجوية ، لبرية، البحرية، السيبرانية” وصوًلا للفضاء الخارجي. ولما كانت محاولة الحفاظ على حياة الإنسان أصعب في هذه البيئة كان البديل إعطاء هذه المهمــة للروبوتــات وبالفعل أصبحــت أنظمة الطيران والتحكــم الآلي والعمليات الانتحارية الافتراضية

ومن المتوقع أن يتم التوســع في إنتاج الأسلحة الروبوتية الفضائية ذاتية التشغيل بشكل يضمن تحييد القوى العسكرية في الميادين التقليدية الأخرى فهي تمكن من  القيادة والســيطرة والرصد والاستطلاع والقدرة على خوض حروب الفضاء الخامس  فضلًا عن إطلاق النار وتدمير الأهداف…

تسعى وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” الى بلوغ الريادة منافسة الأنموذج الصيني حيث تفصح البيانات الصادرة عن مركز القيادة بالبنتاغون عن تطوير تخصص تقني جديد يُعرف باســم “الذكاء الاصطناعي المســؤول” حيث يمكن من اعتماد وتطبيق معايير محددة في تطوير واختبار وفحص أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تجنــب الأخطاء.

ويعتمد هذا التخصص في جوهره على تطوير أنظمة الحاســوب التــي يمكنهــا أداء مهام تتطلب عادة ذكاءا بشــريًّا، مثل الإدراك البصري والتعرف علــى الكلام واتخاذ القرار وترجمة اللغات، وهي مهمات تختلف عن هدف الذكاء الاصطناعي، والمتمثل في تعليم خوارزمية كيفية القيام بمهمة محددة يتطلب الكثير من البيانات والعديد من الأمثلة لما يجب أن تفعله وما يجب ألا تفعله وتلعب سرعة تبادل المعلومات والتنبؤ بالخطوة القادمة للعدو في الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية تأثيرات استراتيجية وتكتيكية حاسمة إذ إنه يعمل على تقديم المعلومات بســرعة إلــى مراكز القيادة والمقاتلين حتى يتمكنــوا من اتخاذ قرارات حاســمة معززة بالبيانات قبل أية خطوة للعدو.

هذا وتحرز الأنظمة المتطورة في تصميم  تقنيات الذكاء خطوات في إطار تحقيق خمســة أهداف خلال تطوير واختبار وفحص أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تجنب أي خطأ في أنظمة التعرف وتحســين التقييم والاختيار والنمذجة والاعتماد من أجل تجنب النتائج الســيئة المحتملة، وتعزيز وتطوير (نظام الإدارة المتقــدم في ســاحة المعركــة) من خلال جمع البيانات عبر العديد من أجهزة الاستشعار ثم التوصية باعتماد  السلاح الأمثل من القوات الجوية أو البرية أو البحرية أو الفضائية أو الإلكترونية بالســرعة والنطاق اللازمين لتحقيق ميزة السرعة والتفوق وإنجاز المهمة.

يركز التصنيع العســكري لدى الدول المتقدمة سابقة الذكر، جهوده الحالية والمســتقبلية على تمكين الذكاء الاصطناعي في مســاعدة قادة القوات العســكرية في مختلف الأصناف في التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتطوير أداء هذه التقنيات في تحليل البيانــات والمعلومــات الاستخباراتية وتوفيــر توجيهات وتوصيــات دقيقة للقادة العسكريين، وتطوير نماذج تنبؤية للأعمال العسكرية وتحسين التخطيط والتنظيم.

سيشــهد المستقبل القريب زيادة مهمة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن الســيبراني والدفاع عن الأنظمة والشــبكات العسكرية، واستخدام هذه التقنيات لتحليل كميات ضخمة من البيانات المتعلقة بالأمن والاستخبارات، والتي تســاعد في اكتشــاف الأنماط والتهديدات المحتملة وتحليل المعلومات من مصادر متعددة بشــكل أسرع وأكثر دقة، والكشف عن هجمات القرصنة والاختراق واتخاذ إجراءات لمنعها أو التصدي لها.

لم تنجح  الجهود الدولية في حضر هذه الأسرب القاتلة المنتشرة في الفضاء كالصواريخ القائمة على محــاكاة العقــل البشــري عن بعد، بل أضحت هذه ميزة قوة ومنافسة ولعــل الخــوف مــن تطــور هــذه التقنيــات لتكــون بديلــة بالكامــل عــن الإنسان هــو مــا يشــغل الجميــع، لســيما عندمــا يتعلــق الآمر بالعمليــات العســكرية والتحكــم بالأسلحة الفتاكــة والحــروب.

ومــن المتوقــع أن يــؤدي تعاظــم دور تطبيقــات الــذكاء الاصطناعي والتوســع فيهــا وخاصــة فــي المجــال العســكري والدفاعــي والأمني إلــى عــدد مــن التحديــات المصيريــة، ومــا يصاحــب ذلــك مــن تبنــي استراتيجيات عســكرية وأمنيــة ووطنيــة جديدة كليًّــا عمــا تعــودت عليــه القيــادات المتوارثــة.

وقــد أصبحــت الحــرب الروســية-الأوكرانية، ميدانًــا لإختبار التكنولوجيــا الحديثــة والــذكاء الاصطناعي فــي الصــراع المســلح، وفــي الاستراتيجيات والتكتيــكات القتاليــة، لســيما بيــن القــوى الكبــرى.

أن دخــول الــذكاء الاصطناعي فــي النظــم التســليحية والدفاعيــة بــات يثير جدلا واسعا في تهديد بقاء الأنسان على قيد الحياة فحتى اليوم لم تبتكر الدول أية قوانين دولية – وطنية  تكبح جماح هذه الخوارزميات القاتلة  في ضل عدم وجود معايير التــزام الجميع بضمانات حقوق الإنسان وحقه في البقاء والسلم والأمن الدوليين وحماية المدنيين في زمن الحرب دون الأهداف العسكرية بل على العكس ترتفع حدة التنافس الى أعلى مستوياتها بما حققت فيه خسائر فادحة في الأرواح فمن يحاسب دولة كأمريكا أو إسرائيل وغيرها  من المتورطين في تقنيات قتل البشر، وهنا يكمن القلق الأكبر.

الإعلام مجال تسويقي هام للأسلحة ذاتية التشغيل التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، الروبوتــات والدبابات والغواصــات والطائرات المقاتلة والقاصفة بدون طيار، والتي تتــم برمجتها ذاتيًّا للتعامل والاشتباك والقتل أثناء المعارك العســكرية دون تدخل من أي عنصر بشــري، أو المركبات غير المأهولة شــبه المســتقلة التي يتم التحكم فيها عن بُعد بواســطة ذراع التحكم. فبدلً من أن يتم إرســال طائرات حربية مكلفة للغايــة، بداخلهــا طيارون تم إعدادهم وتهيئتهم على مــدار فترات زمنية طويلة، أو الدفع بالمئات من الدبابات والألف من الجنود والمشاة المعرضين جميعًا للإصابة والقتل والتدمير، ووقوع خســائر بشــرية ومادية حتى في حالة تحقق النصر، ســيتم إرســال أسراب من الطائرات المســيرة المحملة بالصواريخ، والروبوتات العسكرية متنوعــة المهام، والدبابات ذاتية التشــغيل، محكومة جميعهــا بخوارزميات وقواعد بسيطة للغاية هي قتل كل ما يوجه صوبه الهدف في ساعات معدودة يتم إرسال رسالة لغرفة العمليات والتحكم الرئيسية التي يقبع بداخلها الجنود، تحت أجهزة التكييف، بأن (المهمة قد تمت بنجاح Accomplished (Mission

قد يبدو الأمر أشبه بأحداث أحد أفلام الخيال العلمي، لكن التكنولوجيات التي يتم تطويرهــا حاليًّا داخل مختبرات الذكاء الاصطناعي، وبفضل توافر البيانات العمالقة وخوارزميــات، أصبحت معها هذه الأسلحة قادرة، إلى حد كبير، على خوض حرب عسكرية دون أي تدخل بشري على الإطلاق. من خلال الأسلحة التقليدية أو أسلحة الدمار الشامل مما ينبئ بتصاعد السباق في ميدان الروبوتات الفضائية العسكرية

أدى تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بســرعة مذهلة إلى حدوث تأثير كبير على قطاعات التوظيف بتقليص الحاجة للعنصر البشــري، وبالتأكيد شمل هذا التأثير دور المقاتلين وسياســة التجنيد الإلزامي أو التطوعي في الجانب العســكري ومدى تأثر النقص في أعداد القوة القتالية استراتيجيا بتطبيق هذه التقنيات حيث كان النقص في عدد القوات العسكرية في الماضي يُحدث خلًلا أمنيًّا ويُهدد الدولة.

في 22 من  أكتوبر الماضي، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطات فيديو لوحدة “ماجلان” وهي تستخدم قذيفة هاون جديدة عالية الدقة، أطلقت عليها “اللدغة الحديدية”، في قصفها للمدنيين داخل قطاع غزة. هذه القذائف استُخدمت للمرة الأولى في الحرب الدائرة حاليا على قطاع غزة، وفقا لما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية

تستخدم فرق المشاة قذائف الهاون عادة في مناطق القتال، كما تستخدمها كتائب القسام نفسها ضد جنود الاحتلال، لكن دقة قذائف الهاون العادية تظل منخفضة إلى حدٍّ ما، ما يتطلب استخدام أعداد كبيرة منها، وهنا تأتي قيمة هذه القذائف المتطورة التي تذكر الشركة أنها صُممت للاشتباك مع “أهداف ثابتة بدرجة عالية من الدقة، باستخدام التوجيه بالليزر أو بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)

أشار تقرير في صحيفة “بوليتيكو” إلى أنه بعد ساعات من هجوم “طوفان الأقصى”، سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مراسلة شركة “سكايديو” (Skydio)، وهي شركة تقنية أميركية تعمل في إنتاج المسيرات، وطلب منها توريد طائرات استطلاع قصيرة المدى تعتمد في تحركها على الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى توجيه بشري، وتُستخدم في إجراء مسح ثلاثي الأبعاد للهياكل الهندسية المعقدة مثل المباني بمختلف أنواعها.

في غضون الأسابيع الثلاثة بعد “طوفان الأقصى”، أرسلت الشركة الأميركية أكثر من 100 مسيرة جديدة من هذا النوع إلى جيش الاحتلال، مع وعد بإرسال المزيد في المستقبل وفقا لمارك فالنتين، المدير التنفيذي المسؤول عن التعاقدات الحكومية في الشركة. بيد أن “سكايديو” لم تكن الشركة الأميركية الوحيدة التي تتلقى طلبات من جيش الاحتلال لإرسال هذا النوع من الطائرات،  حسب صحيفة أميركية، فإن حرب غزة خلقت طلبا على تلك التقنيات العسكرية المتطورة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتوفرها شركات تقنية صغيرة الحجم نسيبا.

لا يقتصر استخدام الجيش الصهيوني للذكاء الاصطناعي على هذه المسيرات الحديثة فحسب، بل يستفيد منه في تحديد الأهداف على الأرض عند القصف. الحرب الحالية أتاحت الفرصة لجيش الاحتلال لاستخدام هذه التقنيات في مسرح عمليات أوسع كثيرا، وخاصة فيما يتعلق بمنصة تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم “” (The Gospel).

في عالم اليوم،  الذكاء الاصطناعي مسألة تتعلق بالأمن القومي، ويصنّف  الخبراء العسكريون الحرب الإلكترونية في فئة تسمى “المنطقة الرمادية”، أي الفضاء  الخامس الواقع بين العمليات السلمية والروتينية والعمليات الحربية ميزة هدا النوع من الحروب أنه يوفر مجالا لإنكار المسؤولية عن الهجمات وهذا ما يحصل في الحروب الدائرة الأن، مما يُعيق مسؤولي الدفاع في منع الهجمات واتخاذ قرارات سريعة بمجرد شنِّ الهجوم، ومع ذلك، أصبحت الهجمات الإلكترونية في السنوات الأخيرة شبيهة بالحرب، حيث تهدّد المواطنين وتسبّب اضطرابات كبيرة، وقد أظهر المتسلِّلون (الهاكرز) والإرهابيون السيبرانيون، الذين يعملون بصفتهم الرسمية لدول أخرى أو يعملون بمفردهم، القدرة على تعطيل البنى التحتية الحيوية مثل المفاعلات النووية، والشبكات الكهربائية، وأنظمة الاتصالات، والمصانع، والمؤسسات…

يُمثّل قطاع البحث والتطوير في النطاق العسكري جانباً مهماً من الأمن القومي – العسكري الذي يجب أن تتبناه الدول النامية في استراتيجياتها المستقبلية بما  يعزّز استمرار التطور التكنولوجي العسكري  والبحوث والدراسات ومركز الفكر والبحث المستشرفة للمستقبل وما يترتب عليه من احتقانات ومواجهات بمستويات مختلفة، وهو ما يعني أن الفترة بين 2023-2030 ستعرف تنامياً في عدم الاستقرار الدولي، خصوصاً مع تزايد القناعة بين الباحثين في مستقبل النظام الدولي أنه في طريقه لنظام متعدّد الأقطاب وهو عصر حرب بامتياز لكنها حرب متعددة الأقطاب نووية، تكنولوجية، تنظيمات إرهابية متطورة، استراتيجيات إبتزاز وهجمات أمنية ملتبسة لا يعرف مصدرها بما يجعل مؤشر التقدير في أدنى المنحدر ويرفع عنصر الاختراق …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق