تحالف الضرورة: كيف يسعى ترامب وماكرون لتوحيد الجهود في مواجهة التحديات ولماذا الأن؟
قسم الأخبار الأمنية والعسكرية 10-01-2025
شهدت العلاقات بين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تحولاً لافتًا في سياق التطورات الدولية الراهنة، مع تزايد الحديث عن تقارب بين الطرفين بهدف تعزيز التعاون في مجالات متعددة. يأتي هذا السعي في وقت تواجه فيه الدول الغربية تحديات جيوسياسية واقتصادية كبيرة، من أبرزها الحرب في أوكرانيا، صعود الصين كقوة عالمية، والأزمات الاقتصادية الناتجة عن التضخم والاضطرابات في أسواق الطاقة.
دوافع التعاون بين ترامب وماكرون
التحديات الأمنية والسياسية:
- الحرب في أوكرانيا: يشكل استمرار الحرب في أوكرانيا تهديدًا كبيرًا للاستقرار الأوروبي، ما دفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى التركيز على توحيد الجهود لمواجهة التداعيات الأمنية لهذه الحرب. تسعى فرنسا إلى ضمان استمرار الدعم الأمريكي لأوروبا، خصوصًا في ظل دعوات ترامب السابقة لتقليص الإنفاق الأمريكي على حلف الناتو
2. صعود المارد الصيني: مع تنامي الدور الصيني في آسيا وأفريقيا، يرى الطرفان ضرورة تعزيز تحالفهما لمواجهة السياسات الاقتصادية والتكنولوجية التي تتبعها بكين. ترامب، المعروف بمواقفه الحازمة تجاه الصين، يسعى لتوسيع دائرة التعاون مع أوروبا لمواجهة الصين باعتبار أنّها تهدد النفوذ الأمريكي المتآكل.
الأوضاع الاقتصادية العالمية:
1. تجاوز التضخم الاقتصادي: تواجه الولايات المتحدة وفرنسا ضغوطًا اقتصادية متزايدة نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة. حيث تسعى باريس إلى تنسيق الجهود مع واشنطن لضمان استقرار أسواق الطاقة، خاصة مع استمرار تأثير العقوبات المفروضة على روسيا.
2. مبدأ الاقتصاد المشترك: يرغب ترامب، الذي يخطط لعودة قوية للسياسة الاقتصادية القومية، في تعزيز التعاون مع الحلفاء الأوروبيين لخلق توازن في الأسواق العالمية وتطوير سياسات تجارية مشتركة.
الأزمات المناخية والطاقة:
- التغيرات المناخية: يمثل تغير المناخ ملفًا ذا أهمية مشتركة، حيث تسعى فرنسا لتقديم رؤية شاملة للحد من الانبعاثات، في حين قد يسعى ترامب لإعادة صياغة مقاربته لهذا الملف مع التركيز على تعزيز استقلال الطاقة الأمريكي.
أبعاد التعاون المحتمل
من المتوقع أن يشمل التعاون تحسين التنسيق الدفاعي داخل حلف الناتو. حي يدرك ترامب وماكرون أهمية تعزيز الجاهزية العسكرية في مواجهة التهديدات المشتركة، خاصة في أوروبا الشرقية.
كما قد يشهد المستقبل القريب إطلاق مشاريع اقتصادية مشتركة تعزز من التكامل بين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي. فرنسا، التي تسعى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، قد تجد في عودة ترامب فرصة لإعادة ضبط السياسات التجارية.
كذلك مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد القوة الصينية، يبدو أن التنسيق بين الطرفين سيكون محورًا أساسيًا لتوحيد المواقف الدولية تجاه هذه التحديات.
لماذا الآن؟
يعكس اختيار ترامب وماكرون لهذه اللحظة لتعزيز التعاون إدراكًا مشتركًا لحساسية المرحلة الحالية على المستويات الدولية والإقليمية. عودة ترامب إلى الساحة السياسية ليست مجرد حدث انتخابي، بل نقطة تحول تتيح له فرصة لإعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، خاصة في ظل الانتقادات السابقة التي وُجهت لنهجه تجاه الحلفاء التقليديين. بالنسبة لماكرون، فإن فرنسا تواجه ضغوطًا متزايدة لتأكيد قيادتها في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، وتطمح إلى شراكة استراتيجية مع واشنطن لملء الفراغ الذي تركته لندن وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.
التوقيت يرتبط أيضًا بتعقيد الأزمات العالمية، بدءًا من الحرب المستمرة في أوكرانيا التي تهدد الاستقرار الأوروبي، مرورًا بالصعود الصيني الذي يفرض تحديًا على الهيمنة الغربية، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية العالمية التي فاقمتها التضخم واضطرابات أسواق الطاقة. هذه الظروف تُحتّم على ترامب وماكرون تجاوز الخلافات السابقة والعمل على تنسيق الجهود بين ضفتي الأطلسي.
ما يدفع الرئيسين للتقارب الآن هو شعور مشترك بضرورة التحرك السريع للحفاظ على النظام الدولي القائم. في ظل الأزمات الاقتصادية التي تضغط على الاقتصادات الغربية، يدرك الطرفان أهمية بناء شراكات تضمن استقرار أسواق الطاقة وتعزز التعاون التجاري. إضافة إلى ذلك، فإن الصراعات الجيوسياسية المستعرة تجعل التنسيق في مجال الدفاع والأمن ضرورة ملحة، خاصة في ظل تهديدات محتملة من قوى كبرى مثل روسيا والصين، مما يُبرز أهمية اللحظة الحالية كفرصة لإعادة صياغة تحالف استراتيجي شامل يواجه تحديات المستقبل.
إن نية ترامب وماكرون لتعزيز التعاون تأتي في لحظة تاريخية حاسمة، حيث تسعى الدول الغربية لتجاوز التحديات الراهنة وتحقيق استقرار عالمي مستدام. رغم التباينات في الرؤى، فإن المصالح المشتركة والتحديات المتزايدة تدفع باتجاه بناء شراكة أكثر متانة بين الولايات المتحدة وفرنسا، ما قد يسهم في رسم معالم جديدة للسياسة الدولية.