تجاهل المحتل لقرار محكمة العدل الدولية والرد بمجزرة جديدة في مدينة رفح
صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الغستراتجية الأمنية والعسكرية 27-05-2024
قرار حاسم من المحكمة الدولة بوقف الحرب في مدينة رفح
كان يوم الجمعة يوما حاسما بالنسبة لقطاع غزّة، حيث قامت محكمة العدل الدولية بإصدار حكم أولي يقضي بإلزام المحتل الإسرائيلي بالوقف الفوري لعملياته العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة والانسحاب الكامل للجيوش الإسرائيلية من المنطقة، غير أنّ القرار لم ينص على إيقاف عملية الإبادة الحاصلة على كامل القطاع منذ ما يقارب تسعة أشهر.
ويأتي هذا القرار على خلفية الطلب الذي قدّمته جمهورية جنوب إفريقيا في 29 ديسمبر 2023 لإقامة دعوى ضد إسرائيل بشأن الانتهاكات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتي كانت خرقا جسيما للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين وبمنع جريمة الإبادة الجماعية، كما تضمّن الطلب أيضا طلبا للإشارة إلى التدبير المؤقتة بحسب المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 و74 و75 من قواعد المحكمة.
ويشن المجتمع الدولي حربا باردة ضد المحتل الإسرائيلي لما اقترفه من تجاوزات بدرجة غير مسبوقة ممّا وضعها في قطيعة دولية جعلتها في عزلة، كما يعتبر قرار المحكمة الدولية ثالث تحرّك مخالف للمصالح الإسرائيلية خلال هذا العام، حيث تشمل هذه التحركات طلب المدعي العام كريم أحمد خان في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع “يوآف غالانت، هذا الى جانب النفور الذي طال إسرائيل من عديد الدول حتى الصديقة منها على مبالغتها في قتل المدنيين بقطاع غزّة وتفانيها في انتهاك القوانين الدولية.
ويشير محلّلون الى مدى ثقل قرار المحكمة الدولية الأخير مقارنة بالقرارات الأخرى التي تجاوزها المحتل الصهيوني باعتبار أنّ الهيئة القانونية العليا للأمم المتحدة تفتقد كل الوسائل اللازمة لتنفيذ قرار العدل الدولية، وبالتالي فإنّ من المتوقع إثر صدور هذا القرار أن تزيد الضغوط الدولية على تل أبيب، خاصّة بعد تأكديها على أنّها غير معنية بقرارات المحكمة أيا كان مضمونها.
في نفس السياق، عبّر القاضي في محكمة العدل الدولية سلام نواف بعد اطلاعه على تفاصيل الحكم، عن مدى فقدان التدابير المؤقتة (في مارس الماضي) فاعليتها في إيجاد حلول بشأن الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، مؤكدا وفقا لتعبيره على ضرورة توقف الهجوم العسكري الإسرائيلي أو أي عملية عسكرية أخرى في مدينة رفح أو غيرها، باعتبار أنّ ذلك لن يزيد سوى من تعقيد الأوضاع بالنسبة الى الفلسطينيين وجرّهم الى كوارث أخرى محتملة.
من جهته اعتبر الموظّف القانوني السابق في محكمة العدل الدولية مايكل بيكر أنّ القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية يعد الأوّل من نوعه في تاريخ العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزّة، وأنّ ذلك من شأنه أن يضع المحتل تحت سلسلة كبيرة من الضغوط الدولية، التي ستكون واشطن على رأس قائمتها، حيث عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من المناسبات على موقفها من التجاوزات الإسرائيلية وقامت بتهديدها مرارا بعدم استمرارها بتزويد تل أبيت بعض الأسلحة ما إذا قام المحتل بهجومات عسكرية على مدينة رفح، إلاّ أنّ مواقفه ظلّت متذبذبة.
واليوم بعد صدور قرار المحكمة، لن تجد واشنطن أي طريق تنفذ منه لدعم إسرائيل التي بدورها ستنهار عليها الضغوط، خاصّة وأنّها عضوة في الأمم المتحدة وبالتالي فهي ملزمة قانونا بالاستجابة والامتثال لقرار محكمة العدل الدولية باعتبارها خاضعة لسلطة الأمم المتحدة.
قرار غير شامل بشأن ضمان سلامة المدنيين في قطاع غزّة ورفض قاطع من المحتل
عبّرت حركة حماس عن ترحيبها بقرار محكمة العدل الدولية القاضي بوقف العدوان الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب قطاع غزّة، إلاّ أنّها ذكرت أنّ ذلك لا يعد كافيا لضمان سلامة المدنيين، نظرا في أنّ العمليات العسكرية لا تشمل مدينة رفح فقط، فهي تشمل كامل قطاع غزّة وهي بنفس فظاعة الجرائم الوحشية المرتكبة في جنوب قطاع غزّة.
كما ذكرت أنّها تطالب مجلس الأمن في الأمم المتحدة بسرعة تنفيذ ما طالبت به المحكمة الدولية وتحويله إلى إجراءات عملية لإلزام الاحتلال الصهيوني على تطبيق القرار.
كما ذكر المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أنّ قرار المحكمة الدولية قرار صائب وهو جزء من القرار الشامل الذي يحظى بإجماع دولي بإيقاف الإبادة الجماعية في كامل القطاع.
من جهتها أشارت السلطات الإسرائيلية في بيان مشترك لمكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية الى أنّ ” الاتهامات التي وجهتها جنوب افريقيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الإبادة الجماعية كاذبة ومشينة ومثيرة للاشمئزاز. فإسرائيل لم ولن تنفذ حملة عسكرية في منطقة رفح تخلق ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى هلاك السكان المدنيين الفلسطينيين كليا أو جزئيا”.
كما أشار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش الى أنّ استجابة إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية، يعني بكل بساطة نهايتها مشيرا الى أنّ بلاده ستواصل عملياتها العسكرية في رفح ولن توافق على أي قرار صادر من المحكمة الدولية.
في حين قال زعيم المعارضة في إسرائيل بائير لابيد إنّ “عدم ربط المحكمة في لاهاي في حكمها بين وقف القتال في رفح وعودة الرهائن وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب هو انهيار وكارثة من الناحية الأخلاقية”.
من جهته قال المبعوث الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون أنّ قرار المحكمة الدولية لا يعد عادلا بينما توجد 125 رهينة مع حماس، مشيرا الى انّ الحرب لن تتوقف إلا بهزيمة حركة المقاومة الفلسطينية.
وبينما تشن إسرائيل مجازر وجرائم مشينة في حق الفلسطينيين، أشار الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس أنّ دولته المزعومة ملتزمة بمواصلة عملياتها العسكرية على كامل قطاع غزّة بما في ذلك رفح، ورغم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والقيام بجرائم حرب فضيعة تمثّلت في الإبادة الجماعية للمدنيين، إلاّ أنه تحدّث أيضا على التزام إسرائيل بالعمل وفقا للقانون الدولي “مع ضمان أقصى قدر ممكن من الحماية للسكان المدنيين” وفقا لتعبيره.
تمعّن بتجاهل القرار بارتكاب مجزرة جديدة في رفح
في مجزرة جديدة، استهدفت غارات إسرائيلية خيام النازحين قرب مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين شمالي غرب رفح أودت يحياة 40 شهيد وفقا لما أشارت إليه مصادر فلسطينية محلية.
من جهتها ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني نقلت عددا كبيرا من القتلى والمصابين بعد العملية العسكرية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي لخيام النازحين.
وتأتي هذه العملية العسكرية لإسرائيل وفقا للمرصد الأور ومتوسطي لحقوق الانسان كعملية رد على قرار محكمة العدل الدولية بشأن وقف إطلاق النار في مدينة رفح وتأكيد المحتل الصهيوني على رفضه وتجاهله لهذا القرار.
وفي بيان له ذكر المرصد: “إسرائيل واصلت شن عشرات الغارات على رفح وقتلت أكثر من 70 فلسطينيا خلال اليومين التاليين لقرار محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم على المدينة وحماية مئات آلاف المدنيين فيها.”
وأكّد البيان على أنّ “إسرائيل ردت على قرار محكمة العدل والمطالب الدولية وقف هجماتها بقصف مخيم للنازحين شمال غرب مدينة رفح مساء الاحد ما خلف عشرات الضحايا بين قتيل ومفقود”.
مندّدا بمواصلة إسرائيل جرائمها والمجاهرة في رفض قرار المحكمة المتعمّد والقتل والتدمير بارتكاب مجزرة جديدة.
كما ذكر البيان: “المدنيون في رفح يدفعون ثمن الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك على نحو جسيم قواعد القانون الدولي الإنساني، وبخاصة مبادئ التمييز والتناسبية والضرورة العسكرية”، موضحا أنّه نتيجة للهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل على رفح، ولا يزال يتعذر الوصول إلى مركز التوزيع التابع للانروا ومستودع برنامج الإغدية العالمي، وكلاهما في رفح”.