تايوان والصراع الأمريكي- الصيني
عادل الحبلاني: باحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس
يبدو أن الأسباب والمسببات التي دفعت روسيا نحو اتخاذ قرار العملية العسكرية في أوكرانيا هي نفسها المبررات التي قد تدفع جمهورية الصين إلى التدخل في جزيرة تايوان عسكريا, ولئن تبدو السياقات التاريخية للأزمة بين كل من روسيا وأوكرانيا من جهة وبيكين وتايوان من جهة أخرى مختلفة, إلا انها تقف على نفس خط التماس في ما يتعلق بأمنها القومي في ظل محاولات أمريكا توسيع رقعة نفوذها على العالم وإحكام سيطرتها على المناطق ذات الصبغة الاستراتيجية.
فماهي الأهمية الاستراتيجية لجزيرة تايوان ؟
كيف يمكن أن تتحول الأزمات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية إلى صراع عسكري إذا ما تعطلت كل السبل الديبلوماسية ؟
تكمن الأهمية الاستراتيجية لتايوان في امتداد موقعها الجغرافي من مضيق تايوان وقناة باشي, الممرين البحريين الرئيسيين اللذين يربطان شمال شرق آسيا بجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط, ذلك أن وقوع جزيرة تايوان شرق قارة آسيا وتواجدها في الجهة الشرقية من الصين وحدودها الشمالية الشرقية مع اليابان وبحر الصين الشرقي من الشمال وبحر الفيليبين من الشرق و مضيق لوزونمن الجنوب, جعل منها موقعا استراتيجيا وجغرافيا يسمح بربط العديد من الدول بعضها ببعض وحولها في الآن نفسه إلى منطقة صراع محتمل سيما في ظل تعمّد الولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم السياسي والمادي لجزيرة تايوان لفك الارتباط بينها وبين بر جمهورية الصين الشعبية التي تعتبر تايوان تاريخيا اراضي صينية.
احتدم الصراع في الآونة الأخيرة بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية جزيرة تايوان, ويعود ذلك لأسباب عديدة ومختلفة تدعمها السياسة الأمريكية الهادفة إلى مزيد دعم تواجدها في المحيط الهادئ من خلال تقديم الدعم السياسي والعسكري لحكومة تايوان وتعهدها بالتدخل إلى جانبها في صورة تدخل الصين عسكريا, ومما فاقم الأزمة بين البلدين الوتيرة المتنامية للصفقات السلاح المبرمة بين تايوان وأمريكا, الأمر الذي أصبح يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الصيني.
وبالعودة الى الخلفيات الاستراتيجية التي تدفع أمريكا لتقديم الدعم لتايوان نتبيّن أن الهدف الأساسي وراء اصطفاف أمريكا إلى جانبها يتمثل بالأساس في محاولات واشنطن مزيد تعزيز تواجدها في المحيط الهادئ ومن وراءه مزيد توسيع دائرة أحلافها على غرار اليابان والفيليبين وكوريا الجنوبية, ناهيك عن أن دعم أمريكا لتايوان يوفّر لها وجود حكومة موالية تكون بمثابة الخنجر في خاصرة التعاظم العسكري والاقتصادي الصيني ويسمح استراتيجيا بالتواجد العسكري الأمريكي داخل الأراضي الاستراتيجية التايوانية التي تعتبر حلقة ربط ووصل بينها وبين حلافائها في المنطقة. هذه الأهداف الاستراتيجية فتحت الباب أمام صفقات سلاح غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأمريكية التايوانية كانت أضخمها تلك التي وصلت قيمتها إلى 2.2 مليون دولار أمريكي وشملت 108 دبابات ” أبرامز” و250 صاروخ أرض جو, تلتها صفقة قيمتها 303 مليون دولار احتوت على قطع غيار محدثة لطائرات ” إف15″ و “إف5”. الأمر الذي أنذر باحتمالات اندلاع حرب بين بيكين وتايوان وزاد من تعطل الأزمة الديبلوماسية بين بيكين وواشنطن وعجل ببوادر حرب طاحنة بين البلدين تزامنت مع رفع أهبة الاستعداد العسكرية الصينية وشدد في لهجة بيكين التحذيرية من مغبة اعتماد واشنطن ورقة تايوان كورقة ضغط على خلفية المؤتمر الصحفي الذي أجراه جو بايدن والذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام إمكاناتها العسكرية في حال اجتاحت بيكين تايوان. وتعتبر الصين أن لا مجال لإعلان تايوان الانفصال عن بر الصين الشعبية كائنا ما كان السبب والدواعي وبأنها أراضي صينية لا محالة وأن محاولات إغراء حكومة تايوان بالدعم العسكري من قبل واشنطن لن يجدي نفعا ولن يسمح بحصول الاستقلال الذاتي حتى وإن اضطرت بيكين إلى المواجهة العسكرية.
يبدو أن الأزمة الصينية التايوانية والاصطفاف الأمريكي إلى جانب هذه الأخيرة وإن يعرف الآن حالة من الهدوء النسبي والحذر سيما في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية, سوف يعود إلى واجهة الصراع بأكثر عنف خاصة وأن المطامع والمساعي الأمريكية في المنطقة تستهدف مباشرة مصالح بيكين وأمنها القومي.