“بهندسة روسية هكذا استبطنت ايران العقل الأمريكي، واخترقت أقوى أنظمة دفاعها الجوية”
تونس 24-10-2023
إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
لسنا أمام فلم حربي أو تجارب مناورات في عرض البحر أو عمليات بيضاء جوية برية،…
نحن أمام صناعة حربية إيرانية حقيقية ندرك من خلالها الهندسة العسكرية الروسية حينما تندمج مع الصناعة الإيرانية وهذا ما تسكت عنه أمريكا و إسرائيل… لا توجد معلومات مفتوحة المصدر يمكن التحقق منها فيما يخص قدرات الأداء الفعلية لهاتين المنظومتين ولكن منذ العام 2016 وحينما اقدمت ايران على الهجوم الذي استهدف طائرة الاستطلاع التابعة للبحرية الأمريكية “غلوبال هوك أر كيو-4 ” فوق مضيق هرمز بدأ القلق والذعر بين المنافسين الأمريكيين في تطوير الأنظمة الهجومية الجوية المماثلة للقدرة الإيرانية.
يقول “فرزين نديمي” الخبير العسكري المتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج ، “انه وجب على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب وبإلحاح أكبر النمو الكمي والتقدم التكنولوجي لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، فبموجب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تم السماح لطهران قانونياً بتصدير مثل هذه الأنظمة أو نشرها في الخارج وهو ما يثير نقاط استفهام كيفما تمكنت إيران من ذلك حتما” ؟
طبقا لتقارير حساسة تم كشفها بفرضية وأن تكون أنظمة الدفاع الجوي أو الصواريخ المتقدمة قد وصلت الى لبنان وسوريا والعراق واليمن وهذا له عواقب غير متوقعة على العمليات الجوية الأمريكية والقوات المتحالفة معها في أي مكان على مقربة منها.
كيف تمكن العقل الإيراني من استبطان نموذج الدفاع الأمريكي وهل روسيا وراء ذلك ؟
تمتلك روسيا وحدات سرية خاصة ومتخصصة في الذكاء الاصطناعي العسكري مهمتها التجاوب مع الانظمة المتطورة عالميا، بينما تمتلك ايران القدرة على صناعة الأمثلة العسكرية الخارقة اذ لا تعترف ايران بحدود الصناعة النووية ولديها القدرة على التنفيذ وان ابقت ذلك سرا فهي تؤمن بمقارعة السلاح بالسلاح .
“الفتاح” الباليستي المضاد لنظام “ثاد” الجوي الامريكي
ان السرعة والقدرة على المناورة لصاروخ “الفتاح” الفرط صوتي مكونان يمكّنان هذا الصاروخ من تخطي حاجز أفضل أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية مثل “ثاد” و “السهم”.
هكذا هو العقل الإيراني المبتكر بعد أن أزاح الستار عن الصاروخ الفتاح الباليستي القابل للمناورة، كانت أهم ميزة لهذا الصاروخ والتي تم الكشف عنها هي قدرته على تخطي حاجز الأنظمة الدفاعية.
“فتاح” والذي هو في الواقع آخر منتج تم تقدمه في عائلة الصواريخ الباليستية التكتيكية الايرانية “فاتح” و”جيل” “خيبر” ، هو مزود برأس حربي بمحرك كروي يعمل بالوقود الصلب مع فوهة متحركة وقدرة على المناورة وتغيير الاتجاه تجعله قادرا على الوصول إلى سرعة مذهلة تتراوح من 13 إلى 15 ماخ. هذه الميزات هي التي جعلته قادرا على تجاوز حاجز أنظمة الدفاع الصاروخي.
ومع ذلك منذ الكشف عن هذا الصاروخ، كانت هناك تكهنات حول قدرة هذا الصاروخ على تخطي حاجز أنظمة الدفاع الصاروخي، وخاصة الأنظمة الأمريكية والإسرائيلية، ويشكك بعض الناس في القدرة المضادة للدفاع لهذا الصاروخ لكن للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً إلقاء نظرة على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية والإسرائيلية المنتشرة في المنطقة.
فكيف يتجاوز صاروخ “فتاح ” الفرط صوتي، نظام ثاد الأمريكي والسهم الإسرائيلي؟
أشهر نظام أمريكي مضاد للصواريخ في المنطقة هو نظام “ثاد”، ونظام آرو 2 و 3 هما أيضا أنظمة دفاع مضادة للصواريخ تابعة للكيان الصهيوني للتعامل مع الصواريخ الباليستية التكتيكية:
وضعت واشنطن نفسها في حالة تأهب قصوى تحسبا لتدخل حزب الله المدعوم من إيران، مع تصاعد حدة التوتر بالمنطقة، في أعقاب الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية.
لذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم التعزيزات العسكرية في مواقع مختلفة من الشرق الأوسط، لتعزيز حماية للقوات الأمريكية والمصمم لاعتراض الأهداف داخل وخارج الغلاف الجوي”.
– نظام ثاد ؟
يعتبر “ثاد” واحدا من أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية الأكثر تقدما، باعتباره سلاحا دفاعيا لإسقاط الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى ذات الارتفاعات العالية اذ يتحرك بسرعة ميل في الثانية وهو نظام من صنع شركة” لوكهيد مارتن ” الأمريكية .
ونظام “ثاد” لديه “5 مكونات رئيسية، هي أجهزة اعتراضية، وقاذفات، ورادار، ووحدة التحكم في الحرائق، ومعدات الدعم”، وتتكون بطارية النظام من 9 عربات مجهزة بقاذفات، تحمل كل منها من 6 إلى 8 صواريخ، إضافة إلى مركزين للعمليات ومحطة رادار.
وبحسب الشركة المصنعة، فإن “الرادار يكتشف الصاروخ القادم أولا، على أن يحدد مشغلو النظام التهديد بدقة”.
وبعد ذلك، تطلق قاذفة مثبتة على شاحنة مقذوفا تطلق عليه “لوكهيد مارتن” اسم “معترض”، لتدمير الصاروخ البالستي باستخدام الطاقة الحركية.
ولأن نظام “ثاد” الاعتراضي يعتمد على الطاقة الحركية، وليس الرأس الحربي الخاص به، لتدمير الصاروخ القادم، فإن خطر الانفجار النووي ينخفض إلى الحد الأدنى. ويتميز النظام برادار قوي لالتقاط التهديدات، حيث يمكنه الدفاع عن المراكز السكانية والبنى التحتية ذات القيمة العالية.
كذلك، يعد النظام قابلا للتشغيل المتبادل مع أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية الأخرى، وهو متنقل ويمكن نشره في أي مكان حول العالم.
ويملك “ثاد” معدل نجاح اعتراض بنسبة 100% في الاختبارات، بعد تسجيله 16 اعتراضا ناجحا في 16 محاولة اعتراض، وفقا لشركة لوكهيد المصنعة، فيما تبلغ تكلفته مليار دولار.
وتستخدم صواريخ “ثاد” الاعتراضية تكنولوجيا الضرب، حيث تدمر الأهداف ذات التأثير المباشر وتحمي الأصول الحيوية على الأرض.
ويذكر أن الولايات المتحدة كانت قد نشرت نظام “ثاد” الذي جرى تطويره خلال التسعينيات، في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك غوام وإسرائيل وكوريا الجنوبية واليابان.
“آرو” او “السهم”، هو اسم النظام الذي صممته وانتجته منظمة الصناعات الجوية الصهيونية بمشاركة الأمريكيين للتعامل مع الصواريخ الباليستية.
تم بناء نظام آرو-1 كمظهر للتكنولوجيا، وبعد ذلك تم تصميم صاروخ آرو-2 كنظام تشغيل، وفي عام 2000، دخلت اول منظومة له الخدمة في الأراضي المحتلة. من ذلك الوقت حتى عام 2017، تمت ترقية هذا النظام في أربعة مشاريع، وبعد ذلك تم تصميم وإنتاج صاروخ آرو 3.
كيف طوعت ايران نظام “ثاد” الأمريكي لتحصل على فعالية أقوى ومضادة ؟
الثغرة الموجودة في هذا النظام هي أن هذه الأنظمة قادرة على إعتراض الهدف عندما يصل الصاروخ إلى المرحلة المتوسطة من حركته، وإذا حدث تغيير في مكونات حركة الصاروخ فسيفشل النظام.
وللتعويض عن هذه الثغرة، يجب أن ينجح النظام في اكتشاف وتعقب الصاروخ المهاجم مرة أخرى، وإذا نجح، إذا غير الصاروخ المهاجم اتجاهه مرة أخرى، يتم كسر قفل الرادار المحتمل ويجب تكرار العملية.
سؤال يطرح نفسه، على أي وضع يجب على المنظومة الدفاعية إطلاق صواريخها؟ .
صاروخ “فتاح” يطلق على الهدف من مسافة 1400 كم ويتم رصده بواسطة رادار نظامي “ثاد” والسهم عندما يكون في المرحلة المتوسطة من حركته، واذا كان نظام السهم يستخدم رادار الصنوبر الاخضر – نظرا الى مداه الذي يبلغ 500 كم – عندما يتم الكشف عن وجود صاروخ “فتاح” يكون قد بلغ الثلث الأخير من مساره.
لذلك، يحسب الرادار أيضا حساباته الأولية بناء على ملف حركة الصاروخ في هذه المراحل، يتم في تغطية جسم صاروخ فتاح استخدام مواد ماصة لموجات الرادار، مما يقلل من المدى الفعال ويسبب أخطاء في الحسابات، ولكن كإفتراض يسهم في توازن المشكلة، يُفترض أن صاروخ “فتاح” تم كشفه ضمن النطاق الأقصى لنظام العدو.
رغم أن هذه الرادارات تراقب الهدف في الوقت الفعلي وترسل التغييرات عن مسار طيران الصاروخ المهاجم إلى الصاروخ الدفاعي، لكن إذا كانت هذه التغييرات تتجاوز نطاق السرعة الذي يمكن أن يكتشفه الرادار أو سرعة الصاروخ الدفاعي، فان هذه الأنظمة لن تكون قادرة على الكشف عن الصاروخ وتدميره.
إذا تم إطلاق صاروخ دفاعي، فهناك إحتمال ضئيل لإمكانية تغيير مسار هذا الصاروخ لأنه ينفق طاقة الدفع للتغلب على جاذبية الأرض واكتساب السرعة بشكل متزامن، ومن خلال إجراء مناورتين أو ثلاث مناورات ثقيلة من قبل الصاروخ الفرط صوتي، فمن الناحية العملية لن يكون لدى الصاروخ الدفاعي طاقة كافية لمواصلة السعي والانتقال إلى الإحداثيات الجديدة، والتي لا يُعرف أنها صالحة في غضون لحظات قليلة.
وهذا الموضوع تمت ملاحظته بدقة في تصميم صاروخ “فتاح” القابل للمناورة.
من لحظة إطلاق صاروخ فتاح ولمسافة 500 كيلومتر من الهدف ثلثي مسار الصاروخ يسير الصاروخ في مسار محدد وبسرعة معينة، ولكن فقط في الثلث الأخير من مساره، عندما يتم تشغيل محرك يعمل بالوقود الصلب مزود بفوهة متحركة ويتسارع فجأة ويزيد سرعته إلى حوالي ثلاثة أضعاف السرعة الأولية، يبدأ في المناورة وتغيير الاتجاه وهذا يسبب أخطاء في حسابات أنظمة الدفاع.
الامر الذي حدث في ديسمبر 2014 ، ويبدو أن رادار نظام السهم لم يكن قادرا على اعتراض الصاروخ المستهدف لهذا السبب.
خلاصة
طبقا لمختصين ايرانيين، بهذه الطريقة يبدو أن تصميم صاروخ “فتاح” الإيراني قد تم من خلال الفحص الدقيق لقدرات أفضل أنظمة الدفاع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وسيكون قادرا على تدميرها بتجاوزه لهذه الأنظمة وتمهيد الطريق للموجة القادمة من الهجمات الصاروخية.
صناعة ايرانية بهندسة السلاح الروسي، فإلى جانب الأساليب الأخرى للتصدي لأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ للعدو، أضاف صاروخ “فتاح” قدرة جديدة إلى شبكة صواريخ ومسيّرات جبهة المقاومة الفلسطينية.