بلينكن والمقاربة التكتيكية في الشرق الأوسط: “آخر فرصة لإسرائيل: ماذا وراء لغز الأعداء”؟
فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية 21-03-2024
تقديم:
للمرة السادسة منذ بدأ الحرب على غزة أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولة في الشرق الأوسط محادثات بدأت في السعودية على أمل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب على غزة وهجمات البحر الأحمر، وسط أجواء يتفاقم فيها التوتر في علاقة واشنطن مع حليفتها إسرائيل…
وتوجّه بلينكن إلى السعودية منذ يوم واليوم وصل القاهرة ويتوقع أن يجري لقاءات في قطر والأردن والإمارات ومع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كما سيناقش مع الأتراك الخطوات النهائية لإستكمال تصديق تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
جولة الى الشرق الأوسط، على غير العادة تبدو فيها أمريكا هذه المرة في “تصرف إقليمي مرتبك” فأي مخطط سيقلب المعادلة؟
وماذا وراء لغز الأعداء؟
من هو أنتوني بلينكن وأي فلسفة للشرق الأوسط؟
توني جون بلينكن هو ذلك الدبلوماسي والسياسي الأميركي الذي عاصر حروب الشرق الأوسط برمتها العراق، سوريا، اليمن، السودان وكذلك ليبيا…، ولد عام 1962 من أبويين يهوديين شغل منصب وزير الخارجية الأميركي الـ71، وعمل لنحو 30 عاما في أروقة الإدارة الأميركية متوليا عددا من المناصب الأمنية والسياسية، إضافة إلى إسهامه في القطاع الخاص في مجال الأبحاث والاستشارات الإستراتيجية وله تاريخ طويل في العمل الدبلوماسي.
كما أن أنتوني، سياسي مخضرم في مؤسستي الأمن القومي وادارة الاستخبارات المركزية والسياسة الخارجية، تعود بداية خبرته الحكومية إلى العام 1994، حيث عمل حينها في مجلس الأمن القومي التابع لإدارة الرئيس بيل كلينتون.
وبالنسبة لبلينكن تمثل القارة الأوروبية الشريك التاريخي لأمريكا حيث يعتبر مؤلفه “حليف مقابل حليف” والسياسة الدفاعية وتقنية المعلومات في إطار برنامج الأمن الدولي من أشهر مؤلفات أوروبا خلال القرن الفائت.
كان بلينكين من دعاة قيام الولايات المتحدة بدور أكثر فاعلية وإلى مزيد من التدخل الأمريكي القوي في الصراع السوري وخلال الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 و دعمه للتدخل المسلح في ليبيا.
ولا يزال بلينكن يؤمن بأن الدبلوماسية يجب أن تترافق بقوة ردع وأن “القوة يمكن أن تكون عنصراً مساعداً وضرورياً للدبلوماسية الفعالة”.
أولا -سياسة وقف الحرب: ذر الرماد في العيون
يعتبر بلينكن المترجم الحرفي لما تحمله العقيدة الأمريكية من سياسات في منطقة الشرق الأوسط منذ ان وضعت أعينها هناك.
فمنذ 7 أكتوبر تحركت الإدارة الأميركية على كل المستويات: عسكريا بإيفاد كل من حاملات الطائرات أيزنهاور والعتاد الأكثر فتكا كما خصصت الخزانة الأمريكية تريليونات الدولارات كمصاريف حرب، وأظهرت أنها متضامنة بشكل مطلق مع إسرائيل .
هذا النوع من التضامن القوي ظهر واضحا كذلك على المستوى الدبلوماسي فلا يعتقد أن بلينكن سيكون ناجحا بالشكل المطلوب في مهمته، لأن العروض التي يقدمها تقتصر فقط على الإفراج عن حوالي 200 أسير فلسطيني لدى إسرائيل مقابل إطلاق سراح 35 من الأسرى في غزة، منهم أميركيون في وقت يتعالى فيه صوت الجمهور الأمريكي والعالم بإتهام ادارة بايدن والبنتاغون وطلب وقف الحرب فورا تزامنا مع الانتخابات الأمريكية.
وبالتالي فأن ورقة بلينكن ليست هدنة وقف الحرب لصالح الفلسطينيين على الإطلاق، بقدر ماهي الورقة القوية التي تتوفر عليها حماس لحد الآن هي ورقة هؤلاء المحتجزين…
ربما سيحاول بلينكن أن يربط بين هذه المسألة وبين الواقع الذي سيكون في غزة بعد وقف إطلاق النار مضيفا أن واشنطن لا تدعم عملية برية إسرائيلية واسعة في رفح فالولايات المتحدة تحاول أن تقول إنه ينبغي أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية معنية بالعودة إلى غزة وتولي زمام الأمور فيها، عرض ربما لن تقبل به حماس ولا إسرائيل.
خلافات أميركا وإسرائيل
إن اضطرار بلينكن إلى القيام ب6جولات إلى المنطقة “يبين حجم الخلافات الكبيرة بين واشنطن وتل أبيب”.
والجولة الحالية لبلينكن من المرتقب أن يزيد فيها الضغط الأميركي على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن يدفعه لقبول المقترحات بما فيها الهدنة التامة وتبادل الأسرى، خاصة أن بينهم أميركيين تحتجزهم حماس.
فيما يخشى نتنياهو أي موقف سلبي أمريكي تجاه السلاح الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل طوال الفترة الماضية، ولا عن المستشارين العسكريين الأميركيين داخل الجيش الإسرائيلي الذين يديرون رأس العمليات، أو قوات دلتا الأميركية، الفصيل رقم واحد في إسرائيل والبحر الأحمر .
يهدد الوزير اليمني المتطرف الصهيوني بن غفير بالمعارضة، لأنه يعد الطرف المتشدد في حكومة نتنياهو، ويرفض أي صفقة للتبادل أو وقف إطلاق النار، ويهدد بإسقاط الحكومة إذا عقدت صفقة مع حماس وأكثر من ذلك تريد إسرائيل أن تقيم في غزة سلطة عسكرية مطلقة، وهذا يهدد المنطقة كلها بالاشتعال.
ثانيا -البحر الأحمر: الحوثي ثم إيران والجماعات المسلحة
ملف آخر لا يقل أهمية لدى واشنطن في جولة وزير خارجيتها، وهو السعي للحفاظ على “الاستقرار” في المنطقة ومنع توسع الحرب لتنخرط فيها أطراف أخرى وخاصة إيران والحركات المسلحة التي تدعمها في المنطقة من لبنان وسوريا والعراق.
عقب تنفيذ الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية على عدة أهداف في مواقع لجماعة الحوثي ردا على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر حيث تعيش المنطقة على صفيح ساخن مع قصف على قاعدة “البرج 22” في الأردن والذي أسفر عن مقتل جنود أميركيين تبنته المقاومة الإسلامية في العراق.
الملف الإيراني
لقد كان بلينكن المؤيد الصريح للاتفاق النووي مع إيران الذي تصوره حكومة بنيامين نتنياهو على أنه تهديد خطير محاذ لبرنامج إسرائيل وللمنطقة.
فقد كان بلينكن جزءا من الإدارة التي توسطت وفاوضت من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران، وتعهدت بموجبه طهران بتقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
الترويج لحملة بايدن مع الحكام العرب
من جهة أخرى، إحدى ركائز نهج بلينكن في وزارة الخارجية ستكون تغيير علاقات واشنطن مع ما يصفهم “بالحكام المستبدين” في المنطقة، حيث إنه انتقد مرارا خلال حملة بايدن الرئاسية علاقات ترامب الوثيقة مع منتهكي حقوق الإنسان، وتحديدا في مصر والخليج.
حيث يعمل بلينكن على الترويج الى حملة بايدن بأنه سيدعم مبادئ حقوق الإنسان في التعامل مع الحكومات بالمنطقة”، ناقدا سياسة النظير الأمريكي المنافس قائلا “عندما يصف ترامب الرئيس المصري السيسي بأنه دكتاتوره المفضل فإن لذلك تأثيرا كبيرا يقوض الموقف الأخلاقي لأمريكا عالميا وقدرتنا على القيادة“.
خلاصة :
بينما ينطلق وزير الخارجية الأميركي الأسبق “هنري كيسنجر” قبل وفاته ببضعة أسابيع عندما صرح بأن فتيل حرب عالمية ثالثة غير بعيد عن الواقع المأساوي لما يعيشه المجتمع الدولي”.
مشيرا الى أنه “آنت الضرورة على الإدارة الأمريكية أن تغير ورقة ما في اللعبة…”
ان هذه الفكرة تعبر من منظور غامض عن نوايا الإدارة الأمريكية التي تترجمها زيارة بلينكن المعمقة الى منطقة الشرق الأوسط ل7 مرات على التوالي بما تحمله من رسائل تجاه سوء تسيير أدارة نتانياهو لما أوكل لها من مهام في هذه المنطقة بالذات وهو ماهدد بالفعل مصالح أمريكا هناك.
بالنسبة لأمريكا فإن المكلف الإسرائيلي الحالي لم يعد قادرا على التسيير، فشل يعقبه تغيير وقد تكون هي فرصة أخيرة تتخلى بمقتضاها الإدارة الأميركية بقيادة بايدن عن حكومة نتنياهو، على أن يحل محلها حكومة جديدة تبدأ عملها إنطلاقا من اليوم التالي من إنتهاء الحرب على غزة.