بحيرة التشاد والساحل الإفريقي: كيف أدت “الهيدرو- سياسة” الى صناعة الإرهاب والجريمة العابرة؟
إعداد زينب الذوادي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 12-06-2024
تقديم
تعد منطقة بحيرة تشاد واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، حيث صنفت بلدانها سنة 2020 حسب مؤشر اﻹرهاب العالمي من بين العشر دول اﻷقل أمانا في القارة اﻹفريقية.
فالعلاقة بين المتغيرات البيئية والصراعات ، شكلت ظاهرة جديدة نسبيا وتتنزل ازمة بحيرة التشاد في هذا السياق اذ تجمع القضية بين المتغيرات البيئية والصراعات الاقليمية التي اثرت على بلدان المنطقة منذ عقود.
إفريقيا لم تكن تاريخيا مسرحا للنزاعات الهيدروسياسية، و لكنها أصبحت تواجه تحديات غير مسبوقة في مجال إدارة الموارد المائية في السنوات الأخيرة، هذه التحديات فرضت نفسها بشكل متزايد نتيجة سياقات مستجدة صنعتها ندرة المياه الصالحة والخلافات المتزايدة بشأن الحق في الوصول إليها وتوزيعها بطرق عادلة و متوافق عليها.
إن حيوية المصالح التي تتواجد بهذه المركبات الهيدروسياسية الإقليمية تحولها إلى نطاق تتركز فيه رهانات سياسية و أمنية معقدة وإلى فضاء لمصالح و نشاطات دبلوماسية ثنائية و متعددة الأطراف يكون فيها للموارد المائية الدور الأساسي.
ففيما تتمثل هذه الصراعات الإقليمية وما هي الجهات الفاعلة فيها؟
أولا – أهمية التموقع الاستراتيجي “لبحيرة التشاد”
تقع بحيرة تشاد في منطقة الساحل الإفريقي في غرب وسط إفريقيا بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لنيجيريا في أقصى غرب تشاد.
وتمثل مياهها العذبة مصدرا حيويا لأكثر من 30 مليون شخص يعيشون بكل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون ويتم تغذية البحيرة بالمياه عن طريق العديد من اﻷنهار واﻷودية، إﻻ أن أهمها نهري “تشاري” الذي من المناطق يصب في جزئها الجنوبي الشرقي قادما من المناطق اﻹستوائية ويأتي بنسبة 90 % من مياه البحيرة حاليا، ونهر “لوجون” الذي يلتقي مع نهر تشاري قبل وصوله للبحيرة ويأتي من خلاله 10 % من مياهها.
تاريخيا البحيرة هي بقايا بحر داخلي سابق ويقدر أنها غطت مساحة مليون كلم2 اي أكبر من بحر قزوين اليوم، وكانت البحيرة سادس أكبر البحيرات في العالم إذ قدرت مساحتها بنحو 25 ألف كلم2 سنة 1963 وأخذت مساحة البحيرة في التقلص لتصل إلى ألفي كلم2 سنة 2017 وذلك بسبب الانبعاثات الحرارية وارتفاع درجات الحرارة وسحب المياه من الخزانات الجوفية في الواحات الليبية شمال تشاد بغرض ملء البحيرة الصناعية الليبية المسماة “بالنهر الصناعي العظيم”.
ثانيا – من هي أبرز الجهات الفاعلة؟
في سياق أزمة بحيرة التشاد هناك عدة جهات فاعلة استراتيجيا تلعب دورا مهما في ادارة هذه الازمة والبحث عن حلول، من بين هذه الجهات:
الدول المحيطة بالبحيرة: تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون:
تقلصت الموارد الطبيعية لهذه الدول بسبب الجفاف فتأججت التوترات الموجودة بين المجتمعات، وضاعفت أزمة تشريد السكان من حدتها، إذ يواجه أكثر من 17 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة أزمة معقدة سببها الفقر المدقع وتغير المناخ، ويحتاج أكثر من عشرة ملايين من بينهم إلى الحماية المنقذة للحياة والمساعدة اﻹنسانية. وتعود هذه المشاكل بالأساس إلى تناقص حجم المياه المتاحة التي كانت تمثل المصدر الرئيسي لتأمين الحياة اليومية للسكان ونموهم الاقتصادي.
يتوقع من هذه الدول دور رئيسي محوري في التنسيق والتعاون لمعالجة أزمة الصراعات الأهلية خاصة واستعادة الأمن في المنطقة.
المنظمات الإقليمية والمجتمع الدولي
تشمل الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولها دور مباشر في توفير الإعانات للاجئي بحيرة التشاد فقد بلغ عدد النازحين ما يقارب 1.4 مليون شخص في شمال نيجيريا.
يعتبر دور هذه المنظمات حيويا في مواجهة أزمة بحيرة التشاد ومعالجة التحديات البيئية والإقتصادية والإجتماعية المرتبطة بها عن طريق التنسيق والتعاون بين الدول المحيطة بالبحيرة والشركاء الدوليين لتطوير استراتيجيات مشتركة واستعمال الضغط السياسي والقانوني على الدول المعنية لتعزيز التزامها بالاتفاقيات والمعاهدات البيئية الدولية والاقليمية المتعلقة بحماية بيئة بحيرة التشاد ويضل هذا الأمر بمثابة تحدي نظرا لإنعدام الأمن في المنطقة.
كما تسهم الجهات الدولية والأكاديمية ومراكز البحوث في إثراء النقاش حول أزمة بحيرة تشاد وتوفير البحوث والتحليلات والتوجيهات اللازمة لتحسين الفهم وتطوير السياسات لمعالجتها.
ثالثا – أي ديناميكيات وأي أطراف تحرك الصراع في المنطقة
تعتبر هذه المناطق متضررة بسبب النزاع الدائر بين الجمعات المسلحة للتنظيم الإرهابي “بوكو حرام” وقوات الجيش في منطقة بحيرة تشاد إذ تنظر الجماعات الإرهابية على أن بحيرة تشاد منطقة آمنة كونها قريبة من أكبر غابات المنطقة مما يجعلها بعيدة على سيطرة الأمن النظامي
وظل تنظيم “بوكو حرام” في حوض التشاد يتحدى قوات الأمن والتدابير العسكرية منذ 15 عام وقد ارتفعت العمليات الإرهابية بنسبة 20 % وتضاعفت أعداد ضحاياه بنسبة 30 % منذ وصول التنظيم إلى المنطقة ومن الجدير بالذكر أن غالبية الضحايا هم من المدنيين ولا سيما تلاميذ المدارس التي يعتبرها التنظيم مؤسسات غربية محرمة تنشر القيم العلمانية في بلاد إسلامية خاصة بين 2009-2021 حيث تعرضت 92 مؤسسة تعليمية لهجمات إرهابية تمثلت في خطف واغتصاب وقتل وتشريد لعشرات الآلاف من الأسر. تمول هذه المجموعة عملياتها بفرض ضرائب على السكان وعمليات الترهيب عبر البحيرة او المعابر التجارية البرية والحدود.
“ومما زاد الصراع حدة هو التنافس بين الجهات المانحة نذكر منها بنك التنمية الأفريقي، والبنك الدولي في فرنسا، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، واليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جميعها تتمتع بدور استراتيجي في المنطقة.
على غرار الغموض الفرنسي ففرنسا تنتهج سياسة أفريقية من خلال الاستثمارات في الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية، كما شاركت في تمويل الخبرات الجماعية و طرح موضوع اﻹستثمار في البنى التحتية الكبيرة، ونقل المياه، والمراكز النووية في إ فريقيا”.
رابعا – الأعمال الانتقامية والجبهات المفتوحة :
تشير التقديرات الأمنية إلى أن انضمام تشاد إلى الحرب على “بوكو حرام” وتورط قواتها في الداخل النيجيري والكاميروني، قد يحوِّل هذا البلد إلى ثقب أسود يستقطب ويمتص مجموعات متطرفة أخرى على غرار كل من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى موجودة في شمال مالي، وهو ما سيورطها في صراع لن يتوقف بسهولة.
ويرجع الأمر إلى كون تشاد شاركت سابقًا بقواتها المسلحة في الحرب على تلك التنظيمات عام 2013، وذلك تحت ضغط وإيعاز فرنسي لتتحول على إثر ذلك تشاد إلى هدف لتلك المجموعات التي تسعى من أجل تأسيس تحالف كبير، يضم جبهات عديدة مفتوحة (في شمال النيجر وشمال تشاد وفي شرق نيجيريا وغربي تشاد).
هذا، بالإضافة إلى وجود مجموعات أخرى أبدت جاهزيتها للانضمام إلى ذلك التحالف موجودة حاليًّا في ليبيا إذ تشير بعض التقارير الأمنية الدولية إلى أن هناك حوالي 23 مليون قطعة سلاح ليبي، تم تسريبها بعد سقوط نظام القذافي، وتغذي الصراعات المسلحة والحركات القتالية في الساحل الإفريقي؛ حيث فُتِحت، على سبيل المثال أيضا، قنواتُ التواصل بين كل من تنظيم “داعش” في ليبيا و”بوكو حرام” في نيجيريا، وتنامت علاقات التعاون بينهما كخطوة يمكن أن تكون مقدمة لمشروع (جهادي) مهم ونشاط إرهابي كبير خلال المرحلة المقبلة.
وهذا التطور قد يفرض كذلك ضغوطًا كبيرة خاصة على مصالح الدول الغربية في المنطقة. فمثل هذا الأمر، من شأنه أن يعمِّق مخاوف دول المنطقة من إمكانية تشكيل ذلك التحالف لحزام إرهابي يربط بين منطقتي شمال إفريقيا وغربها؛ علمًا بأن تنظيم داعش كان يسعى، ومنذ فترة، إلى السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في المنطقة من أجل تمكين استراتيجيته القائمة في أحد جزئياتها على الدخول إلى منطقة شمال إفريقيا والتي تطلق عليها اسم “بوابة روما” وذلك من أجل الضرب بشكل أقوى.
هذا و أصبحت ليبيا الغارقة في الفوضى بيئة مناسبة للعمل الجهادي. لذلك من المتوقع أن تشهد في المستقبل القريب تدافعًا أكبر لمقاتلي بوكو حرام على مدينة (سرت) الساحلية، وهو ما قد يؤدي إلى موجة عنف تستهدف دول وشعوب المنطقة.
مقابل ذلك سيجني تنظيم داعش من وراء اندماجه مع بوكو حرام، أن يُصبح جماعة عابرة للحدود تجسيدًا لشعاره “باقية وتتمدد”، كما سيتمكن من إيجاد ملجأ للهروب نحو بلدان غرب إفريقيا، خاصة إذا حدث أي تدخل عسكري ضده في ليبيا، إضافة إلى كونه سيحصل على خطوط إمداد جديدة.
خلاصة:
يُظهر الوضع المأساوي لبحيرة تشاد اﻷزمة التي تهدد حياة 13 مليون شخص وتهدد أمن منطقة الساحل الإفريقي، وقد ساهم ذلك في زيادة الإرهاب والعنف المتطرف والجريمة المنظمة والأزمات الإنسانية.
وعليه يحتاج الشركاء الدوليون إلى:
- تعزيز التعاون وتنسيق الإجراءات مع الاستراتيجيات الإقليمية والوطنية الرامية إلى التخفيف من حدة الأزمة الآخذة في الاتساع؛
- إدماج الجوانب البيئية في فهم الأسباب الجذرية للإرهاب والصراع والسعي إلى حلها بطريقة مستدامة.
- إدانة الدول المتسببة في تنامي الأزمة وفرض العقوبات اللازمة لتحقيق العدالة.