إعداد : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
بعد مقتل خليفتهم من البديل ؟ طبل وهلل ترامب ومن معه والعالم لمقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي وكأن المستحيل حققه المتغطرس ترامب وخاصة عندما قال منذ سنة بدأت أنتبه إلى اسم أبوبكر البغدادي وقررت تصفيته وأنا من تابع العملية الإستخباراتية وعملية التنفيذ كاملة من قاعة العمليات، وهو يقص الرواية وكأنه يحكي عن فيلم قد شاهده للتوّ.. يتحدث عن بكاء اليغدادي وعويله بطريقة “متخلفة جدا”.
من البديل وأين ولماذا؟ أثرنا هذه التساؤلات منذ أن بدأت أمريكا تعلن عن استهداف البغدادي وقتله.. طبعا وكالعادة الجثة ليست موجودة لأنه انتحر بحزام ناسف وانتهى أشلاء، لتنتهي مهامه ويأتي البديل.. فمن هو يا تُرى؟
كذلك ماهو التنظيم المقبل بعد داعش الذي ستدور حوله الكثير من الروايات والبروباغندا، وأين سيستقر التنظيم الإرهابي القادم بعد الشرق الأوسط؟
هل سيبقى داعش كجيوب إرهابية في منطقة الشرق الأوسط بقيادات مختلفة ربما تكون عراقية أو سورية ؟
وهل سينبثق تنظيم جديد في منطقة شمال إفريقيا بقيادات جديدة قد تربت على أيادي البغدادي واحترفت القتال ليندمج ضمن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي؟
رجوعا إلى أبو بكر البغدادي،يقول المنطق هل يعقل أن يكون هذا الشخص قد تجاوز بقدرته الخارقة الإستخبارات الأمريكية والقوات التكنولوجية والعملاء حتى يستمر إلى يوم 27 أكتوبر 2019 لتنتهي صلاحيته، خاصة ونحن ندرك جيدا أن التنظيم قد فرّخ في كل العالم وكون حواضن في مناطق هشة تعتبر إستراتيجية لقوى عديدة،على غرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وجنوب شرق آسيا؟ هذا إضافة إلى الرجوع الكبير للإرهابيين إلى أفغانستان وبلدانهم الأصلية وكذلك الحواضن الأوروبية والأخرى في الخليج العربي وكأننا اليوم أمام تجهيز خطير لحرب عالمية ثالثة بأشكال خطيرة ومختلفة! إذن..
يبدو ظاهريا أن ورقة داعش انتهت إلا أن التنظيم سيظل موجودا كجيوب إرهابية في المنطقة وربما بتسميات مختلفة كـ”حرّاس الدين” الذي أخذت بضاعته تزدهر في الآونة الأخيرة، وكان زعيمه أبو البراء مقربا جدا من البغدادي ويري فيه البغدادي خليفته..
وبالصدفة يوم مقتل البغدادي لم يكن أبو محمد الحلبي موجودا ليدافع عن زعيمه! وهنا تتواتر أخبار بأن البغدادي قد سلم العهدة له في الشرق الأوسط للمّ شمل الجيوب الإرهابية في الشرق الأوسط. إذن…
الخليفة القادم لتنظيم داعش الشرق الأوسط قد يكون أبو محمد الحلبي وقد تكون التسمية الجديدة “حراس الدين” اذا لم يتم فعلا قتله. لكن الورقة الخطيرة القادمة ستكون تنظيما إرهابيا جديدا وبتسمية جديدة في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء التي هُيئت فيها الأرضية السانحة للظهور، ويبدو أن العناصر الإرهابية المحترفة قد التقت على الأراضي الليبية وتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو والصومال،بعد تسللها منذ أكثر من سنتين إلى داخل هذه البلدان في مزاوجة بين القاعدة وداعش، وهي عناصر محترفة الحرب و السلاح.
وسبق أن طرحنا تساؤلا منذ أواخر سنة 2017 حول الكم الكبير من العتاد الحربي المنتشر في المنطقة مع عودة الإرهابيين وتسللهم إلى ليبيا والمناطق المجاورة. حين بدأت قيادات إرهابية تتسلل إلى ليبيا أعلن البغدادي النفير إلى بلاد الإسلام ليبيا وقد حدث ذلك التسلل تحت العديد من المظلات وساعدت تركيا في عبورهم الى منطقة شمال إفريقيا وبالتحديد الى ليبيا، مما يثير مخاوف كبيرة من أن تشهد المرحلة القادمة سيناريو جديدا، في وضع دولي يتسم بتنافس كبير بين القطبين (المعسكر الأمريكي الأوربي والمعسكر الشرقي الروسي الصيني) من أجل التموقع وأخذ”نصيبهم” من الثروات النفطية والمعدنية..
في خضم هذه الأوضاع،يبدو أن هناك أسماء مرشحة لخليفة الخليفة ،خاصة أن “سقيفة بني ساعدة” في البيت الأبيض قد اختارت زعامات جديدة في مناطق عديدة من العالم:
1- ابو محمد الحلبي.. أبو البراء – ابو محمد الحلبي المعروف بكنية أبي البراء والمنسق ما بين تنظيم داعش وجبهة النصرة وتولى حل ما طرأ بينهما من خلافات، له أطماع كبرى في قيادة التنظيم.
هو قائد وزعيم تنظيم “حرّاس الدين” وهو جناح من أجنحة القاعدة في الشرق الأوسط، وهذا التنظيم له علاقات جيدة بتنظيم داعش في سوريا والعراق وهو من حمى البغدادي في العديد من المناسبات وكذلك هو من استضاف البغدادي في قرية باريشا التي قتل بها والتي تبعد عن تركيا خمسة كلم،وتقع هذه القرية تحت سيطرة”حراس الدين” يعني تحت سيطرة أبو محمد الحلبي وأنصاره والعديد من قيادات القاعدة..
وقد أعلن في الفترة القصيرة الماضية مبايعته للتنظيم وأنه هو ومجموعته تحت إمرة البغدادي. الكثير من الأسئلة تطرح حول أبي البراء، وهناك تشكيك كبير في مقتله خاصة أن هناك من يقول إنه ربما قبض ملايين الدولارات من الإستخبارات الأمريكية وتم إخراجه هو وعائلته من سوريا وتأمينه من قبل الأمريكيين ليختفي عن الأنظار في ظل الترويج لمقتله هو وزوجته وأطفاله.
لماذا لم يستطع حماية البغدادي ولماذا شارك في العملية لحمايته ولم يمت ولم يجرح بل هرب في حين قيل إنه تم القضاء عليه؟ (حسب معلومات من المنطقة لا توجد جثته ولا جثة أبنائه ولا زوجته) فهل سيلعب أبو محمد الحلبي دورا في قادم الأيام؟ هل إنه اعتزل وغادر ليعيش بالملايين الذي قبضها من الإستخبارات الأمريكية؟
ما سرّ تضارب الخبار حول موته وحول هروبه؟ وهل فعلا قتل أبو البراء بعد أن دل على مخبإ صديقه البغدادي وفي تصوره أنه سيتولى هو الخلافة على خلفية وعود أمريكية بأنه قائد المرحلة القادمة؟
ولكن هل لعبت به الأيادي الأمريكية لأنها تنوي تنصيب خليفة من منطقة أخرى من خارج الشام والعراق؟ لقد اعتاد العالم على أن أمريكا تعلن عن مقتل بعض الزعامات الإرهابية ليتبين بعد ذلك عكس ما روجت إليه.
2- أبو عمر التركماني عبد الله قرداش العنيف..
وهو أكثر رجل مؤهل ليخلف البغدادي، وقد سبق أن أعلن عن ذلك حسب معلومات قريبة من البغدادي لأنهم يرون أن الخلافة لا تكون إلا لعراقيّي الجنسية وليس لغيرهم.
كما يحظى التركماني بموافقة أكبر القيادات في داعش لأنه عنيف ومتشدد حتى أنه يعتبر أكثر عنفا وتشددا من البغدادي وكان ضابطا في الجيش العراقي تحت حكم صدام حسين وهو من أصل تركماني.
وحسب وسائل إعلام عراقية، ينحدر التركماني من بلدة تلعفر، شمال غربي مدينة الموصل، وهي من أهم معاقل التنظيم المتطرف، وكانت البلدة مرشحة لتكون مقرًا رئيسيًا للتنظيم بعد سقوط مدينة الموصل، إلا أن القوات العراقية تمكنت من دخول البلدة بسهولة وسُمح وقتها لمئات المتطرفين بممرات هروب متعمدة.
وعلى غرار أكثر قيادات القاعدة وداعش كان أبو عمر التركماني معتقلا في سجن “بوكا” مع صديقه البغدادي وسبق أن شغل منصب القاضي الشرعي العام لتنظيم القاعدة، وهو خريج كلية الإمام الأعظم في مدينة الموصل.
كما تولى التركماني أعلى المناصب في تنظيم داعش وخاصة منصب أمير “ديوان الأمن العام”، في سوريا والعراق، وهو أحد أقوى الدواوين داخل “داعش”، والمسؤول عن حماية القيادات والتخلص من أعداء التنظيم، كما تدرج في المناصب العليا للتنظيم وتولى منصب وزير الدفاع داخل التنظيم، وأشرف بنفسه على عمليات التفخيخ في سوريا.
وصفته وسائل إعلام دولية بـ ” المدمر”، وبأنه شديد التسلط والعنف، ومن المتوقع حسب مراقبين أن تسود الفترة المقبلة عملية انتقام عشوائية من قبل التنظيم ردا على مقتل زعيمهم أبو بكر البغدادي.
3- عبد القادر مؤمن الصومالي شخصية إرهابية إفريقية من الصومال،وتختلف الروايات حوله..
هو صومالي الجنسية ولكنه مواطن بريطاني، وهو شخصية غير معروفة بالأساس، ولا يُتداول اسمه على القائمات الإرهابية في إفريقيا ولا في الشرق الأوسط بالرغم من كثرة الحديث عن القيادات الإرهابية خاصة تلك المرتبطة بداعش.. إنه وجه جديد وبدون سابق إنذار يسطع نجمه ويصنف على أنه إرهابي عالمي.
و قد أدرجته الإستخبارات الأمريكية منذ شهر مارس 2019 على قائمة الإرهابيين الدوليين ووصفته بأنه زعيم تنظيم داعش الإرهابي في شرق إفريقيا. كان عبد القادر مؤمن قياديا ضمن تنظيم الشباب الصومالي ولكنه في سنة 2015 بايع تنظيم داعش وبقي في الخفاء.
عاد عبد القادر مؤمن إلى الصومال من بريطانيا سنة 2010 وكان يتدرب على الخطب المتشددة في المساجد البريطانية منذ سنة 2000 كما كانت تربطه علاقات بقيادات إرهابية مثل محمد اموازي،الشهير بكنية الجهادي جون، المشهور بذبحه رهائن لدى التنظيم الإرهابي.
وبعد وصوله الصومال أحرق جواز سفره وأعلن الجهاد، وهدد الأمريكان عند مقتل أسامة بن لادن سنة 2011 قائلا:” سنواصل حربنا المقدسة حتى تتذوق كأس الموت مثل أخينا أسامة أو حتى ننتصر ونحكم العالم” وبعد أن استسلم زعيم تنظيم الشباب الصومالي،محمد سعيد أتوم، سنة 2014 خلفه عبد القادر مؤمن بالرغم من أنه يفتقر إلى خبرة القيادة العسكرية ويعتبر ضعيفا جدا أمام قيادات التنظيم ولكن دُفع به لقيادة الشباب الصومالي.
وفجأة وفي شهر أكتوبر سنة 2015 أعلن عبد القادر مؤمن مبايعته لداعش مما اضطره للهروب من الشباب الصومالي خوفا منهم لأنهم انتقدوه كثيرا وتوارى مؤمن عن الأنظار، وعلى ما يبدو جاءت الأوامر لمؤمن للإختفاء حتى يتم تحضيره وتأهيله لمهام قادمة .
وهذا ما يدفع الكثير من الخبراء إلى التوقع بأن يكون اختفاء عبد القادر مؤمن هو ضمن عملية تكوينية وتدريبية من أجل إعلان زعامته الروحية وربما خلافته للبغدادي لفرع التنظيم داعش في الصومال، وهناك معلومات تقول بأنه قد التقى البغدادي و باركه هذا الأخير وأوصى بأن يكون خليفته.
وقد تشهد إفريقيا حالات من تمدد الإرهاب والتوتر وخاصة منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا، لذلك قد يعمد التنظيم إلى أن يكون خليفته إما تونسيا أو جزائريا او صوماليا، والأقرب للخلافة هو عبد القادر مؤمن لأنه قد تدرب على الزعامة وخاصة الخطابة من أجل استقطاب أكبر عدد من الشباب للتنظيم القادم الذي قد ينبثق عن مزاوجة بين القاعدة وداعش.