آسياأخبار العالمأمريكاالشرق الأوسط

باكستان وخطة ترمب في غزة

يُمثل انخراط باكستان في الشرق الأوسط محورًا أساسيًّا في سياستها الخارجية، حيث يجمع بين الروابط الثقافية والدينية العميقة والمصالح الإستراتيجية المعاصرة. منذ تأسيسها عام 1947، اعتمدت باكستان على العالم الإسلامي بوصفه حليفًا طبيعيًّا لتعزيز هويتها الإسلامية، ومواجهة التهديدات الأمنية، خاصة في ظل التنافس المستمر مع الهند.

 الشرق الأوسط، بما فيه من دول عربية وإسلامية، يوفر لباكستان دعمًا اقتصاديًّا وعسكريًّا، بالإضافة إلى فرص لتوسيع نفوذها الإقليمي. هذا الانخراط ليس مجرد علاقات ثنائية، وإنما جزء من إستراتيجية شاملة تهدف إلى تحييد التفوق الهندي من خلال بناء تحالفات إسلامية قوية.

 في عام 2025، شهدت هذه العلاقات تطورات دراماتيكية، مثل الاتفاق الدفاعي المتبادل مع السعودية، الذي يعكس تحولًا في التوازنات الإقليمية، خاصة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وتأثيرها في جنوب آسيا.

كما أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقطاع غزة، المعلنة في سبتمبر (أيلول) 2025، أصبحت فرصة إستراتيجية لباكستان لتعزيز دورها كوسيط سلام في العالم الإسلامي.

الخلفية التاريخية للانخراط الباكستاني في الشرق الأوسط

ترتبط باكستان بالشرق الأوسط بروابط تاريخية تعود إلى القرن الثامن الميلادي، مع الفتح العربي للسند عام 712، الذي أدخل الإسلام شبه القارة الهندية، وشكل أساسًا للهوية الإسلامية الباكستانية.

هذه الروابط الثقافية والدينية أصبحت أساسًا للعلاقات الدبلوماسية بعد الاستقلال، حيث رأت باكستان في الدول العربية إخوانًا في النضال ضد الاستعمار والصهيونية. في الخمسينيات، كانت باكستان أول دولة إسلامية تعترف بالعداء المشترك تجاه إسرائيل، مما عزز مكانتها في العالم العربي.

خلال حربي 1967 و1973 العربية- الإسرائيلية، قدمت باكستان دعمًا لوجستيًّا وعسكريًّا، بما في ذلك تدريب الطيارين العرب على طائرات باكستانية، وإرسال مستشارين عسكريين إلى سوريا.

هذا الدعم لم يكن إنسانيًّا بحتًا؛ فقد سعت إسلام آباد إلى تعويض ضعف تحالفاتها الغربية بعد تراجع الدعم الأمريكي في السبعينيات، فتحولت إلى الدول النفطية العربية للحصول على مساعدات مالية واقتصادية.

في السبعينيات والثمانينيات، أصبحت السعودية والإمارات مصدرًا رئيسًا للإيرادات من خلال تحويلات العمال الباكستانيين، الذين يشكلون أكبر جالية باكستانية في الخارج، مساهمين بنسبة تزيد على 50% من إجمالي التحويلات الخارجية.

مع ذلك، امتد الانخراط إلى الجانب العسكري والأمني، حيث أصبحت باكستان شريكًا إستراتيجيًّا لدول الخليج. ومنذ الستينيات، تدرب آلاف الجنود السعوديين في الأكاديميات العسكرية الباكستانية، وتم توقيع بروتوكولات لنشر قوات باكستانية في السعودية لحماية الأماكن المقدسة.

بلغ هذا التعاون ذروته في الثمانينيات، خلال الحرب الباردة، حيث استخدمت باكستان نفوذها في الشرق الأوسط لتعزيز تحالفاتها مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. في الوقت نفسه، حافظت باكستان على توازن دقيق مع إيران، رغم التوترات الطائفية، لتجنب الوقوع في صراعات الوكالة بين طهران والرياض.

هذه السياسة الثنائية سمحت لباكستان بتجنب الالتزامات الإقليمية المباشرة، مع التركيز على الدعم الدبلوماسي للقضايا الإسلامية، مثل القضية الفلسطينية، مما عزز صورتها كقائدة محتملة في العالم الإسلامي.

في التسعينيات، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تحول التركيز إلى التعاون الاقتصادي، حيث أصبحت باكستان موردًا رئيسًا للعمالة والخدمات العسكرية، مقابل استثمارات خليجية في البنية التحتية الباكستانية.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعرض الانخراط لتحديات، مثل التوترات الطائفية في باكستان التي أثرت في علاقاتها مع إيران، والضغوط الأمريكية لمكافحة الإرهاب التي جعلت باكستان تُتهم بالانحياز للولايات المتحدة على حساب العالم الإسلامي. ومع ذلك، حافظت إسلام آباد على دورها في منظمة التعاون الإسلامي، حيث دعت إلى وحدة إسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

التعاون العسكري والاقتصادي المعاصر بين باكستان والشرق الأوسط

في السنوات الأخيرة، شهد التعاون بين باكستان والشرق الأوسط تعزيزًا ملحوظًا، خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية، كجزء من إستراتيجية لمواجهة التحديات الإقليمية. الاتفاق الدفاعي المتبادل الإستراتيجي بين باكستان والسعودية، الموقع في 17 سبتمبر  2025، يُعد نقطة تحول، حيث يلتزم الطرفان بالرد المشترك على أي عدوان خارجي، مما يضع المظلة النووية الباكستانية في قلب أمن الخليج.

هذا الاتفاق، الذي يبني على بروتوكول 1982، يشمل تمارين عسكرية مشتركة، وتدريبات بحرية، وتبادل تكنولوجيا دفاعية، مما يعزز قدرات باكستان اقتصاديًّا من خلال عقود عسكرية سعودية. كما أنه يعكس مخاوف الرياض من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، خاصة بعد تراجع الدعم الأمريكي في اليمن وإيران، فتتحول إلى باكستان كشريك إسلامي موثوق به.

اقتصاديًّا، يعتمد التعاون على تحويلات العمالة والاستثمارات الخليجية، حيث يرسل ملايين الباكستانيين إلى السعودية والإمارات، مساهمين بنحو 30 مليار دولار سنويًّا. في عام 2025، أعلنت باكستان اتفاقيات تجارة حرة مع دول الخليج لتقليل الاعتماد على الصين والهند، مع التركيز على الطاقة والزراعة.

هذا التعاون امتد إلى الإمارات، حيث وقعت اتفاقيات لإعادة إعمار البنية التحتية في غوراكبور، مقابل دعم إماراتي لمشروعات الطاقة الباكستانية. كما شاركت باكستان في قمم الدوحة للأمن الإقليمي، داعية إلى “ناتو إسلامي” يشمل تركيا والسعودية لمواجهة التهديدات المشتركة، بما في ذلك الإرهاب والتدخلات الإيرانية.

في سياق أوسع، يسهم هذا التعاون في تعزيز مكانة باكستان في العالم العربي، حيث أصبحت إسلام آباد وسيطًا في النزاعات الخليجية، مثل محاولة الوساطة بين السعودية وقطر في 2017، ودعمها لجهود السلام في اليمن. هذا الدور يعكس تحولًا من الدعم اللفظي إلى المشاركة الفعالة، مما يمنح باكستان نفوذًا سياسيًّا يفوق حجمها الاقتصادي، ويمهد لدورها في خطة ترمب.

خطة ترمب لقطاع غزة ودور باكستان

أعلن الرئيس دونالد ترمب في 29 سبتمبر 2025 خطة لإنهاء الحرب في غزة، تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق نار فوري، وإطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين، ونزع سلاح حماس، وإعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي.

الخطة تشمل أيضًا إنشاء حكومة انتقالية فلسطينية تقنية لإدارة الخدمات اليومية، ومسارًا نحو دولة فلسطينية، مع رفض الاحتلال الإسرائيلي الدائم أو التهجير القسري. حصلت الخطة على دعم إسرائيلي واسع، حيث أيدتها أغلبية الإسرائيليين، ودعم عربي من السعودية ومصر والأردن، رغم بعض التحفظات على التعديلات الإسرائيلية، مثل الحفاظ على محيط أمني دائم في غزة.

شاركت باكستان في صياغة الخطة من خلال اجتماعات مع قادة عرب وإسلاميين في الأمم المتحدة، حيث أشاد ترمب برئيس الوزراء شهباز شريف وقائد الجيش المشير عاصم منير؛ لدعمهما الكامل في البداية. رحب شريف بالخطة، مؤكدًا التزام باكستان بحل الدولتين بناءً على حدود 1967، وأعرب عن استعداد للمشاركة في قوات حفظ سلام دولية في غزة.

هذا الدعم يتجاوز الدعم اللفظي؛ فقد اقترحت باكستان نشر قوات قرب الحدود الإسرائيلية لضمان الاستقرار، مما يعزز صورتها كقوة إقليمية مسؤولة. ومع ذلك، بعد تعديلات الخطة بناءً على طلب نتنياهو، مثل توسيع شروط نزع السلاح، وإبقاء محيط أمني إسرائيلي، أعرب وزير الخارجية إسحاق دار عن رفض باكستان للنسخة المعدلة، مشددًا على أنها لا تلبي مطالب الفلسطينيين. هذا التوازن يسمح لباكستان بكسب نقاط في العالم الإسلامي.

دور باكستان في الخطة يعزز نفوذها، حيث أصبحت شريكًا في الإشراف الدولي على غزة، ربما من خلال لجان إعادة الإعمار مع السعودية والإمارات. هذا الدور يأتي في وقت يسعى فيه ترمب إلى جائزة نوبل للسلام، مما يمنح باكستان منصة دولية لدعم القضية الفلسطينية. كما أن الدعم السعودي للخطة، بالتنسيق مع باكستان، يعزز التحالف الإسلامي، مما يجعل غزة نقطة تحول في إستراتيجية إسلام آباد الإقليمية.

الدوافع الرئيسة وراء تعزيز مكانة باكستان في العالم العربي والإسلامي

تتمحور الدوافع الرئيسة لتعزيز باكستان مكانتها في العالم العربي والإسلامي حول تحييد الهند واقصائها من المنافسة الإقليمية، في سياق التنافس التاريخي الذي يعود إلى تقسيم 1947.

الهند، التي بنت علاقات اقتصادية قوية مع دول الخليج من خلال التجارة والطاقة، تمثل تهديدًا لنفوذ باكستان، حيث أصبحت نيودلهي شريكًا رئيسًا للسعودية في مشروعات مثل الممر الاقتصادي الهندي- الشرق الأوسط- أوروبا؛ لذلك، تسعى إسلام آباد إلى بناء تحالفات إسلامية لموازنة هذا التفوق، كما في الاتفاق السعودي الذي يربط أمن باكستان بأمن الرياض، مما يجعل أي تصعيد هندي- باكستاني يُعد عدوانًا على السعودية.

هذا الاتفاق يعقد حسابات الهند، التي ترى فيه تهديدًا لتوسعها في الخليج، ويمنح باكستان دعمًا ماليًّا وعسكريًّا سعوديًّا، بما في ذلك إمكانية مشاركة المظلة النووية.

اقتصاديًّا، تسعى باكستان إلى تعزيز التحويلات والاستثمارات الخليجية لمواجهة أزمتها المالية، مستخدمة الهوية الإسلامية لجذب الدعم ضد “التوسع الهندي”. وسياسيًّا، يساعد دعم القضايا مثل فلسطين في تعزيز الشرعية الداخلية، حيث تُتهم الهند بالتطبيع مع إسرائيل، مما يسمح لباكستان بتصوير نفسها على أنها مدافعة عن العالم الإسلامي. وعسكريًّا، يوفر التعاون مع السعودية تدريبات وتمويلًا، مما يعزز قدرات باكستان ضد الهند، خاصة بعد أزمة 2025 بين نيودلهي وإسلام آباد.

هذه الدوافع تجعل الانخراط أداة للردع الهندي، حيث تُقصى الهند من التحالفات الإسلامية، وتعزز باكستان دورها كقائدة في “الناتو الإسلامي”. وفي سياق خطة ترمب، يصبح الدعم للسلام في غزة أداة لتعزيز هذه المكانة، حيث تظهر باكستان على أنها شريكة في الجهود الدولية، مما يقلل نفوذ الهند في الخليج ويمنح إسلام آباد ميزة دبلوماسية.

هذا النهج الإستراتيجي يعكس فهم باكستان للتوازنات الإقليمية، حيث يُستخدم الشرق الأوسط لتحقيق أهداف جنوب آسيوية.

التحديات المرتبطة بانخراط باكستان

رغم الفوائد، يواجه انخراط باكستان تحديات داخلية وخارجية. داخليًّا، التوترات الطائفية بين السنة والشيعة، خاصة مع إيران، قد تعوق التوازن، حيث يُتهم الجيش الباكستاني بالانحياز إلى السعودية.

كما أن الاعتماد على الخليج يعرض باكستان لضغوط خارجية، مثل الضغط الأمريكي للانحياز في الصراعات الإقليمية. في غزة، قد يؤدي الدعم لخطة ترمب إلى انتقادات داخلية إذا اعتبرت منحازة إلى إسرائيل، خاصة بعد التعديلات. خارجيًّا، التنافس مع الهند يزداد تعقيدًا مع تقارب دلهي مع إسرائيل والخليج، مما يجبر باكستان على تعزيز تحالفاتها للحفاظ على التوازن.

كما أن الاتفاق السعودي أثار مخاوف إيرانية، مما قد يؤدي إلى تصعيد حدودي.  هذه التحديات تتطلب سياسة توازن دقيقة، حيث يجب على باكستان الحفاظ على استقلاليتها دون الوقوع في صراعات الوكالة. في النهاية، يعتمد نجاح الإستراتيجية على قدرتها على تحويل التحالفات إلى مكاسب مستدامة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق