أخبار العالمبحوث ودراسات

ايران ما بين مطرقة الاتفاق النووي القديم و سندان الاتفاق النووي الجديد

تقرير قسم البحوث و الدراسات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية

اعداد الباحثة صابرين العجرودي

تونس 02/03/2021

كان من المحتمل منذ مغادرة ترامب البيت الأبيض، و تزامنا مع حلول إدارة “جو بايدن” أن تلوح في الأفق جملة من الأهداف المغايرة التي تعيد رسم القرارات في خضم التغيرات العالمية الجديدة.

 انطلق بايدن في تعديل ما اعتبره ضمنيا ” فوضى ترامب “، و من بين ذلك شملت جملة القرارات الجديدة إعادة النظر في خطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي  المبرمة في عام 2015 و التي قام ترامب بإلغائها بعد ثلاث سنوات و إعادة تطبيق العقوبات على ايران، و يعود ذلك لكونها لم تلتزم بجملة الشروط المفروضة عليها.

وانطلقت فيما بعد سلسلة من النزاعات و التوترات بين الطرفين، نتيجة اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية ايران تتصدّر قائمة اعدائها، كان ذلك إلى موفى عام 2020  حيث قام ترامب بخطّة استفزاز كبيرة لإيران، لكنها لم تقع في الفخ بل أنها ناورت بطريقة محترفة جدا الى ما بعد الانتخابات و انتظرت تسلم بايدن الحكم مع أن الايرانيين يركون تماما أن الادارة الامريكية في نفسها في التمشي و لكن الاختلاف في الجزئيات.

تُعتبر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حاليا سياسة براغماتية  بامتياز، على خلاف سياسة ترامب الاندفاعية الشعبوية، لذلك فإن التعاطي مع ملف ايران حاليا مختلف تماما، كون العلاقة بين الطرفين تخفي العديد من المصالح المشتركة و في ظاهرها عداء و في عمقها مصالح مشتركة و خاصة في منطقة الشرق الاوسط المضطرب.

1- العودة للإتفاق النووي

كانت أهم  قرارات “جو بايدن” بخصوص ايران هو العودة للنظر في الإتفاق النووي، لكن ذلك لن يكون بتلك السهولة، حيث اشترطت الولايات المتحدة الأمريكية التزام طهران بجملة من الشروط التي يتضمّنها الإتفاق، في حين أنّ ايران تصرّ إلى جانب العودة لهذا الإتفاق على رفع العقوبات عليها في ظل اقتصاد منهك للغاية.

خلال حكم “ترامب” قامت ايران باستغلال توتّر الأوضاع  في الشرق الاوسط لصالحها، حيث قامت بترفيع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67% إلى 20%، لكن هذا لن يستمرّ في حالة العودة إلى الإتفاق النووي، لأن ايران ستعود إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% خلال 15 عام و سيقع التضييق عليها و الإشراف على نشاطاتها في مختلف الجوانب مقابل رفع العقوبات المالية و الإقتصادية.

 و تعتبر ايران هذه الشروط ” قيودا جديدة ” خاصّة و قد أشارت بنود الإتفاقية إلى ضرورة مصادقة ايران على بروتوكول الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتعلّق بالتفتيش الفجائي و القيام بكافة الإجراءات التي تسهّل عملية التفتيش إلى جانب إقامة المفتشين على اراضيها في المدة اللازمة للقيام بمهامهم، طبعا ايران لن تقبل بهذه الشروط التي تعتبر أكثر شططا من قرارات ترامب.

و تُشدّد الأطراف الأخرى أنّه مقابل تعهّد ايران ببنود الإتفاقية الجديدة سيقع مباشرة رفع العقوبات و ستتنازل كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي عن إمكانية القيام بأي حضر جديد.

و في حالة عدم التزام ايران بشروط الإتفاقية تتولى اللجنة المشتركة المؤلفة من جميع الأطراف النظر في الخلاف في أجل لا يتجاوز 15 يوما، و إن لم تتمكّن اللجنة من ايجاد حل، تتدخّل وزارة الخاريجية،  و إن عجزت هي بدورها عن ذلك يُحال النزاع إلى لجنة استشارية مكوّنة من 3 أشخاص .

و يكون المرجع الأخير في حسم الخلاف هو مجلس الأمن الذي سيقوم بالتصويت على قرار رفع أو استمرار تطبيق الحظر على ايران، وإن لم يتمكّن من ذلك سيكون القرار النهائي تطبيق الأمم المتحدة العقوبات على ايران من جديد.

2- موقف الإتحاد الأوروبي من انسحاب ايران من من بروتوكول التفتيش

اتفق الثلاثي الأوروبي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا  على أنّ خرق إيران للبروتوكول الإضافي هو انتهاك واضح لالتزاماتها في الإتفاق النووي و أشارت في بيان لها ” “نشعر بأسف كبير من بدء إيران اعتبارا من اليوم تعليق البروتوكول الإضافي وإجراءات الشفافية في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة .

كما أضافت الدول الثلاثة أن البرتوكول الإضافي ليس إلا ضمانا لمبدأ الشفافية و تسييرا للإتفاق النووي، كما دعا الاتحاد الأوروبي ايران إلى العودة لإجراءات الضامنة للشفافية والتعهّد بالشروط اللازمة مشيرا أنه لازال على أتم ّ الإستعداد لدعم كافة الجهود من أجل العود إلى إبرام الإتفاق النووي

و يأتي موقف الإتحاد الأوروبي في إطار التخوف من وصول المفاوضات “ردا على ما فعلته ايران” إلى إلغاء العودة إلى الإتفاق النووي أو إلى مزيد تعطيل الإجراءات المتعلقة بيه، خاصّة و أنّ مصالحها ترتبط ارتباطا وثيقا بعودة الإتفاق.

من جهة اخرى أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنّ هناك التباس في أنشطة ايران النووية و أنّ بروتوكول التفتيش أمر ضروري خاصّة و أن هناك آثار لليورانيوم في بعض المواقع الإيرانية التي يجب الحصول على توضيحات بشأنها، في هذ الصدد قال المدير العام للوكالة  الدولية للطاقة الذرية “بعبارة أخرى، سنعرف بالضبط ما حدث وكم عدد المكونات التي تم تصنيعها بالضبط وكمية المواد التي تم معالجتها أو تخصيبها”.

3- موقف الولايات المتحدة الأمريكية :

رسمت الولايات المتحدة الأمريكية الصورة بوضوح، بداية من الضغط التي تمارسه ايران على مختلف أطراف المفاوضات حتى سعيها إلى تنازل إدارة ترامب على الإلتزامات المفروض على ايران ضمن  الإتفاقية و الرجوع الى الاتفاقية مع ادارة بايدن الجديدة. و قد تبيّنت ذلك في سرعة انتهاك البروتوكول الإضافي منذ البداية وكحركة تصعيد منها ردّا على جملة الإلتزامات الأخرى و إشارة إلى إمكانية خرق بقية الإلتزامات، بحيث تشير جرأة إيران على أنها لن تكون الطرف المتنازل ضمن الإتفاقية بل هي من ستضغط على أطراف المفاوضات التي ترتبط مصالحها بالإتفاقية.

و قد تمت الإشارة إلى أن موقف ايران ليس إلا حركة استباقية و تصعيدية لسياسات المتفاوضين التي من المؤكد أنها ستقوم بالإخلال بشروط الإتفاق، حيث أكدت ايران أنها لن تقوم بالإلتزام من طرف واحد، و ينبغي على بقية الأطراف احترام الإتفاقيات الدولية، و تشير بعض المصادر إلى أن ايران لديها شبه يقين بأن بايدن سينتهج نفس سياسة ترامب لكن بطريقة ناعمة و هس بالأساس طريقة قد خبرتها ايران مع ادارة اوباما التي كان بايدن طرفا فيها، و هو ما يبرّر مساعي ايران الحالية في تفادي ما قد يحصل مستقبلا.

4- إسرائيل و رفض الإتفاق النووي الايراني

نحن لا نُعلق آمالنا على أي اتفاق مع نظام متطرف مثل إيران”

 “مع أو من دون اتفاق، سيتم القيام بكل شيء حتى لا تتسلح إيران بأسلحة نووية “

 ” لن نسمح لنظامكم المتطرف والعدواني بامتلاك الأسلحة النووي”  

“لا نعوّل على أي اتفاق مع نظام متطرف كنظامكم، وقد شاهدنا بالفعل مدى جدوى الاتفاقيات التي أبرمت مع الأنظمة المتطرفة أمثال نظامكم، على مدار القرن الماضي والحالي أيضاً“.

هكذا كانت تصريحات نتنياهو واضحة و مباشرة بخصوص العودة للإتفاق النووي مع ايران، و قد عبّر عن استيائه الشديد اتجاه إدارة بايدن في هذا الخصوص.

و كانت المساعي الإسرائيلية  قد تركّزت في مرحلة أولى على الضّغط على الدول الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، من أجل إلغاء العودة إلى الإتفاق النووي مع ايران، و تركزّت أهداف إسرائيل فيما بعد على جعل أوروبا تُلزم ايران ببنود اخرى ضمن الإتفاق حتى يتم التضييق عليها أكثر و بضمانات اوروبية، و لكن في مرحلة ما بعد إلغاء ايران البروتوكول الإضافي استغلت اسرئيل فرصة إدانة الإتحاد الأوروبي لهذه الخطوة لتضغط عليها حتى يتمّ العودة إلى النظر في الإتفاقية.

5- أربعة سيناريوهات المحتملة

و أمام هذه السياسات و المفاوضات الديبلوماسية المتعلقة بالإتفاق النووي يخفي مستقبل الإتفاق النووي  نوعا من الإلتباس لكن قد يشير الى المستقبل مضطرب و تصعيدي في المنطقة :

 السيناريو الأول :

لا يُخفي الإتفاق النووي المصالح المتعددة لمختلف الأطراف التي لها علاقة بالإتفاق النووي، تستغل ايران هذه النقطة حتى تسير الأمور وفقا لمصالحها، خاصّة و أنه ليس هنالك ثمن آخر لتدفعه، إن لم يتم فعلا رفع العقوبات عليها، في ظل اقتصاد منهار تماما، لذلك فإن العودة إلى الإتفاق هو فرصة ايران الكبيرة التي ستقوم باستخدامها كوسيلة ضغط على الأطراف المنتفعة بما في ذلك الإتحاد الأوروبي.

 بذلك سيكون منهج ايران هو الحد من الشروط و الإلتزامات التي ستتطبّق عليها في حالة الإتفاق قدر الإمكان، فمن جهة يتم الضغط على ايران من خلال الإتفاق الذي سيكون منطلقا لها للخروج من أزمتها الإقتصادية، و من جهة اخرى تتركّز المساعي الإيرانية على توظيف العودة للإتفاق كوسيلة ضغط على الأطراف المنتفعة منه حتى تنال النصيب الأكبر من المصالح، و بذلك ستسعى لتغيير بنود الإتفاق قدر الإمكان حتى لا يُمثّل لها وسيلة تضييق بديلة عن العقوبات الإقتصادية المطبّقة في عام 2018.

كانت أول خطوة ايرانية نحو التحرّر من التضييقات “البديلة”هو الإلغاء التام في 23 من شهر فيفري 2021 البرتوكول الإضافي الذي يقضي بإجراء التفتيش الغير المعلن من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، و كانت حجّة إيران أنها لن تلتزم بأي إجراء خارج معاهدة ” الحد من انتشار السلاح النووي ” the Non Proliferation of Nuclear Weapons

و أنّها لن تلتزم إلا بـ ” إجراءات السّلامة “، مُعتبرة أن بروتوكول التفتيش هو إجراء متطفّل ليس له أي منطق ضمن الإتفاقية. و قد تم التأكيد إضافة إلى ذلك من طرف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ” علي خامنئي ” عن أنّ 20% كنسبة لتخصيب اليورانيوم لن تكون كافية بالنسبة لإيران و يُرجح أن هذه النسبة قد تصل لـ 60 % ، و يعني ذلك خرق للاتفاقية المبرمة بينهما و الالتزام الموقع عليه.

بالتالي فإنه من الواضح أنّ إيران لن تتسلّم  دور “المُستضعف ” ضمن هذه الإتفاقية لإداركها الجيّد لقوانين اللعبة و اكتسابها الخبرة الكبيرة في التفاوض مع الامريكان و معرفتها الكاملة بالمصالح الخفية وراء العودة لهذه الإتفاقية، و ستكون أوّل ورقة رابحة لها هي النيل من الإلتزامات التي ستُفرض عليها مُستغلة وجود إسرائيل و حلفاؤوها فقط في معارضة العودة إلى الإتفاق.

في هذا السياق يشير مدير المركز الأوروبي لدراسات التطرف ” مكرم خوري مخول “، أنّ بايدن على خلاف ترامب تماما لن ينفّذ طلبات رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نتنياهو “، كما سيكون الإتحاد الأوروبي ممتنّا لإدارة جو بايدن إن تمّ فعليا الرجوع للإتفاق النووي، خاصّة و أنّ أوروبا قد تضرّرت كثيرا على المستوى الاقتصادي بسبب قطع الإتفاق و بالدرجة الأولى، في حين أنّ بريطانيا تدعو جاهدة لعودة الإتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية لمصالحها المتعددة.

السيناريو الثاني

أنّ ايران ستصر على عدم التنازل و التشبث بموقفها حتى تحقق النصيب الأكبر من المصالح مُستغلة بذلك قوّة موقعها في المفاوضات و سوف تعلي سقف المفاوضات أكثر فأكثر، و بذلك ستقوم الأطراف الأخرى بالسير نحو التنازل و العودة إلى الإتفاق الأول أو ربما ستضغط أوربا على أمريكا للتنازل لصالح ايران كما أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تدخل على الخط و لا تشارك أمريكا في ضغطها على ايران خاصة و أن بايدن يهدد ولي العهد محمد بن سلمان بتقرير خاجقشي و ملف حقوق الانسان و رفع تصنيف الحوثيين من لائحة الارهاب و هذا يخدم مصالح ايران بل و يقويها على طاولة المفاوضات.

السيناريو الثالث

سيظل ملف الإتفاق النووي معلقا مع تصعيد الطرفين الامريكي و الايراني و تشبثهما بعدم التنازل للأخر، و ايران ستحاول ربح أكثر وقت للتقدم أكثر في برنامجها النووي، لكن موقف الإتحاد الأوروبي سيكون مغايرا عن المرحلة الأولى للاتفاق و عن فترة ترامب با أنه سيسعى قدر الإمكان في جعل المفاوضات تسير نحو العودة و سيلعب دوارا رئيسيا في المفاوضات لتقريب وجهات النظر لأن مصالحها الاقتصادية مع ايران قد تضررت و ستحاول الاسراع بحل المشكل العالق.

السيناريو الرابع  

سيقوم بايدن بإبرام الاتفاقية من جديد بشكل مغاير و بشروط جديدة اضافة الى النسخة الأولى للاتفاق، باعتباره أن الاتفاقية القديمة لا تنسجم مع الظروف العالمية الجديدة حسب تعبيره،  لكن ذلك يمكن أن يكون خطة جديدة ضد ايران حتى تقوم بالدخول في الإتفاقية و يقع التضييق عليها أكثر فأكثر في أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات عليها، و بالتالي ستكون الالتزامات القديمة هي نفسها و لكن بشكل جديد و هذا ما تدركه ايران جيدا و لن تقبل بهذه الشروط التي تعتبرها مجحفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق