بحوث ودراسات

“الإمبراطورية الأمريكية والرمال المتحركة في الشرق الأوسط”(5)

يتابع البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية،قوله في كتابه “الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط”: كان في العراق أيضا نفط… نفط كثير، وإذا كانت “أجندة الحرية” الساذجة على نحو ما قد ألهت الرئيس، فقد كانت لدى إدارته المنقوعة في النفط اهتمامات أكثر ارتباطا بالنواحي العملية.

وقد حاول بوش نفسه وفشل في العمل كواحد من رجال النفط قبل أن يصبح حاكما لولاية تكساس، وكان نائب الرئيس تشيني المدير التنفيذي لشركة هاليبيرتون، أكبر شركات العالم للخدمات النفطية، في فترة الإنتقال بين إدارتي بوش الحادي والأربعين وبوش الثالث والأربعين.

والتحقت كوندي رايس مستشارة الأمن القومي بمجلس إدارة شركة شيفرون، وتولى دون إيفانز وزير التجارة رئاسة شركة نفط كبيرة في ميدلاند بولاية تكساس، وكانت مؤسسة إنرون ومركزها في هوستون واحدة من بين أكبر داعمي بوش، وهي التي قامرت وأدارت بدهاء أزمة كهرباء كاليفورنيا عامي 2000-2001.

وهؤلاء الذين تحركهم شركة إنرون ويفرضون التعتيم على الحقائق هم الذين حثوا بوش على تعيين تشيني رئيسا لقوة العمل الخاصة بالطاقة والمحاطة بتكتم شديد، والتي بلغت أوجها في تقرير تشيني عن سياسة الطاقة القومية.

وقد ضخم تقرير تشيني من الهموم التي كان قد أطلقها علنا كرئيس تنفيذي لشركة هاليبرتون، ألا وهي أن العالم، بحلول عام 2010، سوف يصبح في حاجة إلى “50 مليون برميل نفط إضافية يوميا” – أي ستة أضعاف الإنتاج اليومى للمملكة العربية السعودية – ومع ذلك فليس لدى العالم ست ممالك سعودية مستعدة لإمداده بحاجته.

وبدلا من ذلك تعلق العالم بمنتجين مثل العراق الذي كان إنتاج النفط فيه عملا تديره الحكومة، وبعبارة معتدلة فإن هذه الحكومة “لا تضع مصالح أمريكا في مركز اهتمامها دائما”..

وكان العراق بوجه خاص يمتلك كميات مؤثرة من النفط أشارت إليها وثائق قليلة أعلنتها للجمهور قوة العمل التي رأسها تشيني ومستشارها من كبار الشركات.

وكان إنتاج العراق الفعلي قبل الغزو الأمريكي يبلغ ثلاثة ملايين برميل يوميا – وهو ثلث إنتاج المملكة العربية السعودية – ولكن مع وجود احتياطيات قدرها ثلاثمائة بليون برميل أصبح العراق يمتلك ثاني أكبر الإحتياطيات في العالم بعد المملكة السعودية. وكان نفط العراق رخيصا في نفقات استخراجه وتكريره وتصديره، فبينما تبلغ تكلفة إنتاج برميل النفط العراقي دولارًا أو دولارا ونصف الدولار، تبلغ تكلفة البرميل الواحد من ماليزيا أو عُمان خمسة دولارات، وتكلفة البرميل الروسي والمكسيكي من ستة إلى ثمانية دولارات، أما برميل النفط الأمريكي والكندي الذي يستخرج من آبار عميقة ومكامن ضحلة فإن تكلفته تصل إلى عشرين دولارًا.

وبسبب السعر ووفرة الإمداد كان من الضروري أن يكون النفط العراقي في مركز سياسة الطاقة والأمن الأمريكيين للقرن الحادي والعشرين، وليس على أحد أن يلتمس الأسباب من خلال مؤامرة من أي نوع لكي يدرك تلك الحقيقة.

ولم يكن غرس النفوذ الأمريكى والقيم الأمريكية في العراق كفيلا فقط “بتحويل” الشرق الأوسط ليصبح متمشيا مع مبدأ بوش، بل كان سيؤدي إلى ضخ موارد نفطية جديدة في اقتصاد عالم متعطش للطاقة.

وكان من المفترض أن يكون تقرير تشيني السري قد تتبع تقريرًا سابقا لمعهد جيمس أ. بيكر في جامعة رايس كان قد حذر من أن صدام حسين ما زال يتمتع “بنفوذ يقوض استقرار تدفق النفط إلى الأسواق العالمية من الشرق الأوسط”، وأوصى معهد بيكر إدارة بوش الثالث والأربعين بأن تشرع “في تشكيل قواعد جديدة للعبة” في الشرق الأوسط من أجل “إعادة تقرير الأهداف فيما يتعلق بالسياسة العراقية” – أي التلميح إلى ما ستكون عليه القواعد والأهداف الجديدة – ولإدراج “تمثيل من وزارة الدفاع” في قوة العمل الخاصة بالطاقة التي يرأسها تشيني.

وأوضحت أهمية العراق كدولة ومصدر قوة للإقتصاد وكفكرة سبب تحوله إلى هاجس للمدنيين في الكونجرس والمحافظين الجدد في البيت الأبيض حتى مع احتدام الحرب غير المكتملة في أفغانستان. وفى نوفمبر 2001 تساءل ريتشارد بيرل ما يسترو المحافظين الجدد والعضو في مجلس سياسة الدفاع برئاسة رامسفيلد: “هل سننتظر صداما أم سنقوم بفعل استباقى؟”.

وأخبر كولين باول وزير الخارجية إحدى لجان مجلس النواب في فبراير 2002 بأن بوش يقوم بالموازنة بين “مجموعة من أخطر الخيارات التي يمكن أن يتخيلها إنسان” لفرض “تغيير النظام” في بغداد.

وأخبر باول رئيس مفتشي الأمم المتحدة، وأن الأمم المتحدة أبقيت الخيارين مفتوحين. وعندما ناقشت كوندي رايس مسألة العراق مع بليكس في شهر يناير 2002 أخبرته بأن الحرب في أفغانستان كانت لها “دلالات إيضاحية” جيدة، ويمكن استخدام نفس الدواء مع صدام إذا لم يوافق على ما نريده.

واعتبر تشيني نائب الرئيس عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة مضيعة للوقت، وقد تسفر فقط عن “إحساس زائف بالإرتياح إلى أن صدام بطريقة ما “أصبح مطيعا”، وقد اعتبر المحافظون الجدد أمثال بيرل أن العراق هو مجرد الطلقة الأولى في حملة إبادة ضد الإسلاميين المعوقين للتقدم، وأن إيران سوف تكون الدولة الثانية على القائمة ثم (ويا للعجب) المملكة العربية السعودية التي كانت دافع الأموال لكثير من الأنشطة الإسلامية الإرهابية.. يتبع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق