الوجود العسكري الأمريكي في الفلبين
مانيلا-الفلبين-31-3-2020
قالت د. روزالي أركالا هول، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الفلبين،في دراسة نشرها مؤخرا مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،إن العلاقات العسكرية بين الفلبين والولايات المتحدة ستتغير جذريًّا بعد التاسع من أغسطس 2020، إذ يُعد هذا التاريخ نهاية الفترة الإنتقالية التي حددها الإخطار الرسمي من جانب الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، بإنهاء العمل باتفاقية القوات الزائرة في فبراير 2020، وبدء انسحاب القوات الأمريكية من الفلبين.
أثار القرار اضطرابًا في العلاقات بين الدولتين اللتين جمعهما تحالف تاريخي امتد لعقود، وهو ما انعكس في الأجواء المتوترة التي هيمنت على لقاء المسؤولين العسكريين الفلبينيين والأمريكيين في منتصف مارس 2020 في معسكر أغوينالدو في العاصمة مانيلا لوضع ترتيبات الإنسحاب.
ويستهدف الرئيس الفلبيني التقارب مع الصين وروسيا، وتحقيق التوازن في العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن قراره يواجِه عدة تحديات، يتمثل أهمها في تراجع الدعم العسكري الأمريكي للفلبين، واحتمالات تزايد حدة التهديدات الإرهابية، وغياب الأطر المنظِّمة لإدارة الأزمات، ومعارضة العسكريين الفلبينيين للقرار، وأخيرًا تواصل تهديدات التوسع الإقليمي للصين في بحر الصين الجنوبي.
وفي واقع الأمر، لم يكن إلغاء اتفاقية القوات الزائرة أمرًا غير متوقع، حيث هدد الرئيس دوتيرتي، منذ توليه السلطة في عام 2016 عدة مرات بقطع العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.
ويسعى الرئيس الفلبيني إلى التقارب مع الصين وروسيا في المجالات الأمنية والعسكرية، في مقابل الخروج من دائرة التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، وهي السياسة التي اتبعها على مدار 4 سنوات مضت.
وفي إطار ذلك قام بتحجيم التدريبات العسكرية المشتركة بين القوات الأمريكية والفلبينية، مثل تدريبات باليكاتان، لتصبح مقتصرة على التدريب
على المساعدة الإنسانية، والإستجابة للكوارث، ومكافحة الإرهاب.
كما قام بالإنسحاب من التدريبات المشتركة في بحر الصين الجنوبي. وبالرغم من هذا ظل هناك تعاون عسكري في إطار بعض المناورات، واستمر تبادل المعلومات في مواجهة تنظيم “داعش” في مينداناو،بجنوب البلاد..
وتُعتبر اتفاقية القوات الزائرة إحدى الإتفاقيات التي تُرسخ العلاقات العسكرية الفلبينية-الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع معاهدة الدفاع المتبادل لعام 1951، واتفاقية التعاون الدفاعي المعزز لعام 2014، واتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل لعام 2002، فيما أُبرمت اتفاقية القوات الزائرة عام 1998، وبموجبها يُسمح للقوات الأمريكية بالبقاء في الفلبين للقيام بعدة أنشطة، مثل: التدريب العسكري، والمناورات، وتقديم المساعدات، والإستجابة للحالات الإنسانية ومواجهة الكوارث.
إلا أن الفلبين لا تستطيع التخلص من اعتمادها العسكري على الولايات المتحدة، حيث لا تزال واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما تَلَقَّى العديد من الضباط والعسكريين الفلبينيين تدريبهم العسكري في الولايات المتحدة، وتم كذلك تنفيذ برنامج تحديث القوات المسلحة الفلبينية في الفترة من عام 2012 إلى عام 2016 بتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية.
تكلفة الانسحاب الأمريكي:
اتجهت الفلبين للتأكيد المستمر على حقها السيادي في الإنسحاب من الإتفاقيات التي أبرمتها مع واشنطن، منذ قيام الحكومة الفلبينية بدعوة الولايات المتحدة في عام 1992 إلى الإنسحاب من عدد من القواعد العسكرية المحورية للولايات المتحدة في المحيط الهادئ. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن أهم تداعيات الإنسحاب من هذه الإتفاقية تتمثل في الآتي::
1- تقليص الدعم العسكري الأمريكي: قبل وصول الرئيس دوتيرتي إلى سدة السلطة سعت الفلبين إلى تقليص الوجود العسكري البري للولايات المتحدة، حيث تم في عام 2015 إيقاف عمليات قوة المهام الخاصة المشتركة الأمريكية–الفلبينية التي كانت مختصة بمكافحة الإرهاب،
بالإضافة إلى فرض المزيد من القيود على حركة الجنود الأمريكيين خارج مقرات القواعد العسكرية خلال فترة إجازاتهم. بيد أنه -في المقابل- اتجهت الفلبين إلى تعزيز الوجود البحري للجيش الأمريكي، لا سيما مع إبرام اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز
بالإضافة إلى سريان العمل باتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل، والتي سمحت لواشنطن ببناء منشآت عسكرية وقواعد لوجستية في الفلبين. إلا أن الرئيس دوتيرتي يسعى لتقليص الوجود الأمريكي في البلاد بشكل أكبر من سابقيه..
2- تصاعد تهديدات تنظيم “داعش”: سيؤدي عدم وجود اتفاقية جديدة بديلة إلى مغادرة القوات الأمريكية الموجودة في الفلبين، بما في ذلك الجنود المنخرطون في مواجهة “داعش” في جنوب البلاد، وبالتالي فإن انسحاب القوات الأمريكية سيؤدي إلى انتشار “داعش” في جنوب شرق آسيا وانطلاقه من الفلبين كنقطة تمدد إقليمي في ظل عدم قدرة الدولة على مواجهته وحدها.
3- تزايد معارضة العسكريين: أثار قرار إلغاء “اتفاقية القوات الزائرة” انقسامًا حادًّا في الفلبين، حيث قام مجلس الشيوخ برفع قضية أمام المحكمة العليا الفلبينية بسبب اتجاه السلطة التنفيذية لإلغاء المعاهدة دون موافقتها، بينما صرح أعضاء الحكومة التي يهيمن عليها العسكريون بأنه سيتم إعادة التفاوض على اتفاقية جديدة بدلًا من ذلك.
4- تهديدات التوسع الصيني إقليميًّا: أبدى العديد من الضباط النظاميين مخاوفهم من الآثار المترتبة عن إلغاء الإاتفاقية، وما قد ينجم من تأثير على طموحات الفلبين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، كما أنه بدون هذه الإتفاقية سيكون من الصعب إجراء التدريبات العسكرية المشتركة التي تنص عليها معاهدة الدفاع المتبادل، حيث كانت اتفاقية القوات الزائرة تسهل دخول القوات والمعدات إلى الفلبين، ويدرك الجيش الفلبيني عدم قدرته منفردًا على مواجهة تهديدات الصين في بحر الصين الجنوبي.
ولذا فإن هناك حالة من عدم اليقين ستسود العامين القادمين قبل انتهاء ولاية الرئيس دوتيرتي، في يونيو 2022، إذ إن هناك تساؤلات من قبيل: هل تقوم الحكومة بالتفاوض على اتفاقية جديدة لتنفيذ المناورات العسكرية التي من المخطط تنفيذها بعد أغسطس 2020؟ وهل يمكن معالجة المخاوف الفلبينية فيما يخص الثغرات في “معاهدة الدفاع المتبادل” بحيث تقتصر على الدعم الأمريكي في حالة الهجوم المسلح فقط؟ بالإضافة إلى ترقب إصدار قرار المحكمة العليا بشأن النزاع الدستوري حول قيام السلطة التنفيذية بإلغاء اتفاقية القوات الزائرة.
ختامًا، يمكن القول إن قرار الرئيس دوتيرتي بإلغاء اتفاق القوات الزائرة هو نوع من المغامرة يهدف لتغيير توجهات البلاد الخارجية، ويسير ضد الخط العام السائد داخل الحكومة والجيش، إذ إن هناك حالة متزايدة من الثقة في واشنطن كحليف عسكري يتمتع بعلاقات قوية مع الجيش الفلبيني منذ ما يزيد على 70 عامًا.
وبالرغم من هذا، لا يزال التحالف العسكري بين البلدين قائمًا ليشمل المساعدات العسكرية الأمريكية، مع استمرار معاهدة الدفاع المتبادل.
وفي ظل الضغوط القضائية من السلطة التشريعية، من المحتمل ألا يتم التراجع عن أي اتفاقيات رسمية أخرى، وسيكون إلغاء اتفاق القوات الزائرة مجرد توتر في العلاقات العسكرية-الفلبينية.