الهمجية “الصهيوامريكية” في الشرق الأوسط… ستشعل حربا اقليمية موسعة

إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 09-04-2025
كان ولا يزال طموح الصهيوامركي في المنطقة هو السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط وعلى الغرب الآسوي وبالتالي الهيمنة على جزء استراتجي مهم جدا في العالم ويمكن من خلاله الهيمنة على العالم ككل.
وقد كشفت العديد من التحاليل لخبراء استراتجيين وسياسيين لمشهد الشرق الأوسط وغرب آسيا عن فشل واضح للاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية في تحقيق أهدافهما المزمنة والدائمة للهيمنة على المنطقة وإفشال طريق الحرير الصيني وكسر الشركات الصينية في المنطقة وإضعاف إيران ومحور المقاومة.
لماذ فشلت الصهيوامريكية في الضغط على ايران لإجبارها على تقديم تنازلات بل أدى الضغط إلى دفعها نحو تعزيز قدراتها الردعية؟
كيف تحوّلت الحملة العسكرية الأمريكية على اليمن إلى مستنقع استنزاف للأمريكيين وحلفائهم، مع توسع العمليات اليمنية واستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية؟
وكيف أصبح الوضع في فلسطين، نتائجه عكسية فقد فشلت استراتيجية الاحتواء مع تصاعد المقاومة وتوسع العمليات لتشمل الأراضي المحتلة لعام 1948؟
كيف اصبح الفشل الصهيوامريكي الدائم يدفع المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار والتصعيد والعنف؟
الصهيوامريكي والفشل بردع إيران وإحتواء خطرها
تشهد منطقة الشرق الأوسط والغرب الآسوي تصعيداً خطيراً وتوتراً غير مسبوق، ينذر بمواجهة إقليمية واسعة النطاق. فالتقارير الواردة من مختلف الساحات – إيران، اليمن، فلسطين، سوريا، لبنان، والعراق – ترسم صورة لأوضاع متدهورة، تتسم بتعزيزات عسكرية مكثفة، وتهديدات متبادلة، وفشل استراتيجيات قائمة على الهيمنة وإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة برمتها، وتوسع نطاق الصراع ليشمل مناطق جديدة.
يبدو أن المنطقة تقف على حافة هاوية وتحبس انفاسها وانفاس العالم المتصل بها، مع احتمالية تفجر الأوضاع في أي لحظة ولا سيما و”الملك المجنون” ترامب قد أعطى الاشارة الخضراء لمجرم الحرب الصهيوني نتنياهو لضرب ايران وتوسيع حلقة الحرب لتشمل كذلك جيرانه.
فالوجود العسكري الأمريكي في المنطقة يشهد تعزيزاً غير مسبوق، مع تدفق الأصول العسكرية الاستراتيجية المتطورة، في إشارة واضحة إلى استعداد واشنطن الجدي لتنفيذ خيارات عسكرية ضد طهران وان ما تدعيه من خيارات وحوارات ديبلوماسية ليس صحيح بل هو مجرد مناورات والصهيوامريكي عازم هذه المرّة على الخيار العسكري وفتح الجبهة لنهاية مشروع طريق الحرير.
هذا التحشيد العسكري الأمريكي الغير مسبوق يترافق مع تهديدات أمريكية متزايدة بالخيار العسكري للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يقابله تهديدات إيرانية بالرد ليس الردعي بل المفتوح والكل يعلم جيدا مدى قدرة ايران على استعمال تقنية “الصبر الاستراتجي” الذي سيستنزف الكل في المنطقة من دون استثناء…
وقد لوحت أيران في وقت سابق بخيار تغيير العقيدة النووية في حال التعرض لهجوم والإشارة رسمياً إلى امتلاك سلاح جديد دون توضيح ولهذا نفهم لماذا الصهيوامريكي هو في حالة هيستيرية.
والحديث عن مفاوضات وحوارات غير مباشرة بوساطة سلطنة عمان، تشير الى حقيقة يدركها الجميع وهو أن الخلافات العميقة حول جدول الأعمال وأنّ هذه المفاوضات قد لا تكون قادرة على احتواء الأزمة، وقد تكون مجرد محاولة لربح الوقت ولإدارة التصعيد مؤقتاً.
في المقابل، كل المؤشرات والتصريحات تفيد بأن إيران قد نجحت في خلق معادلة ردع إقليمي واصبحت قوة سياسية وعسكرية قد تجاوزت الحدود المسموح بها لدى عدوها الصهيوامريكي ويبرز ذلك من خلال تهديد المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، وهو ما يدفع واشنطن إلى الحذر والتفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة تصعيدية مباشرة.
الصهيوامريكي والفشل بردع المقاومة وإحتواء الشرق الأوسط
امريكا وحلفائها داخل المستنقع اليمني
لكن التوتر لا يقتصر على الساحة الإيرانية، بل يتسع ليشمل ساحات أخرى، مما يحوّل المنطقة إلى مسرح لصراعات متداخلة ومتصاعدة. ففي اليمن، تتحول البلاد إلى جبهة استنزاف للولايات المتحدة، حيث تفشل الحملة العسكرية الأمريكية في تحقيق أهدافها المعلنة وحتى الخفية التي تدركها المقاومة في المنطقة الاقليمية فاليمن اليوم أصبحت مستنقع من يدخله يغرق فيه والصهيوامريكي يدرك ذلك جيدا وليس له خيار سوى الضربات العسكرية مع حليفتها بريطانيا والفشل اصبح ظاهرا والغرب يتجنب الدخول الى المستنقع اليمني. بل إن العمليات اليمنية تتوسع لتشمل استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في مناطق أوسع، مما يربك حسابات واشنطن ويوسع دائرة الصراع.
فشل صهيوني امام المقاومة الفلسطينية
وفي فلسطين، تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، مع مخططات واضحة لإعادة احتلال أجزاء من غزة وتهجير السكان، وهو ما يؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويهدد بتفجير الأوضاع في المنطقة بأكملها.
وفشل كبير بتطويع دول الجوار للتهجير القصري والتطبيع مع الكيان المحتل الذي يستعرض قوته من خلال جرائمه ورغم الحصار والإيادة وهدم المنازل والتجويع فالمقاومة لازالت تطلق صواريخها من غزة ولا زالت فضائح كيان الإحتلال تظهر للعالم… والعالم كله قد اكتشف حقيقة الصهيوني المجرم ولم يبقى له الكثير من الخيارات سوى استكمال اجرامه حتى ينهار بنفسه ويتآكل من الدخل والخارج ولن تكون هناك خريطة شرق أوسط جديدة امركية صهيونية.
المستنقع السوري اللبناني العراقي والرمال المتحركة
أما سوريا ولبنان، فيتحولان إلى ساحات خلفية للصراع، حيث تزداد الغارات الإسرائيلية وتوغلاتها، مستهدفة أصول المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ومحاولة تقويض النفوذ الإيراني وحلفائه في هاتين الدولتين. وفي العراق، يشهد الوضع تحركات عسكرية أمريكية وتعزيزات غير مسبوقة، مما يعكس قلقاً أمريكياً من احتمال امتداد الصراع إلى العراق، أو استخدامه كمنصة انطلاق لعمليات عسكرية محتملة ضد إيران، مع مخاوف متزايدة من استغلال تنظيم داعش للوضع المتوتر وهذه المخاوف هي شبه أكيدة لدى الصهيوني الأمريكي الذي سيجد نفسه داخل مستنقع من الحروب والفتن ولن يربح من هذه الحرب سوى مزيدا من الاستنزاف وعدم السيطرة على المنطقة وبالتالي الخسائر على جميع المستويات.
استراتجية الهيمنة فاشلة والخسائر ستكون كبيرة للصهيوامريكي
يبدو أن الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية المتبعة في المنطقة تعاني من فشل واضح في تحقيق أهدافها. ففي اليمن، على الرغم من التصعيد العسكري الأمريكي، لا يزال اليمنيون يحتفظون بالمبادرة ويوسعون نطاق عملياتهم، مما يشير إلى فشل استراتيجية الإخضاع العسكري، كما فشلت واشنطن في ربط الساحة اليمنية بالساحة الإيرانية، مما زاد في تعقيد الحل بل وأكثر فقد وسّع نطاق الصراع.
أما فلسطين وال7 من أكتوبر فقد بعثر كل استراتجياتهم وأوراقهم السرية والمعلنة فبالرغم من من التصعيد العسكري الصهيوني، تتصاعد المقاومة الفلسطينية، وتتوسع العمليات لتشمل الأراضي المحتلة عام 1948، مما يدل على فشل استراتيجية عزل الساحات الفلسطينية الداخلية بل لن تهدأ المقاومة ولن تشعر اسرائيل يوما بالاستقرار وستبقى دائما دولة احتلال وتصرف كل أموالها على جيشها المريض.
التصعيد العسكري والتداعيات الاقليمية
يمكننا القول اليوم أنّ المنطقة تتجه نحو مزيد من زعزعة الاستقرار، ودخول مرحلة جديدة من عدم الراحة والاستقرار والصراعات المفتوحة فالمنطقة اليوم مستعلة والنار الهادئة اصبحت اكثر استعارا.
كما أن هذا الوضع يضع ضغوطاً متزايدة على حلفاء واشنطن في المنطقة، ويضعف التحالفات الأمريكية تركيا، مصر. وينذر بتصاعد العنف والاستهداف المتبادل، كما نشهد عودة الاغتيالات والضربات الجوية في لبنان، وتصاعد التوغلات في سوريا، وزيادة العنف في فلسطين، ينذر بمزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية، ولقاء نتنياهو مع ترامب يوم 7 ابريل الحالي في واشنطن هو لقاء لإشعال الحرب في المنطقة وستبدأ الضربة الإسرائلية قريبا لإيران وطهران تدرك ذلك جيدا وهي مستعدة وفي حالة تأهب قصوى.
في المقابل، إيران وحلفائها مستعدين جيدا بل وانهم مستعدين فمنذ سنوات ولم تقدر لا أمريكا ولا اسرائيل على استفزاز ايران من اجل فتح الحرب المباشرة بالرغم من المحاولات الصهيوامريكية في العديد من المناسبات وبالعديد من الخطط والطرق.
أصبح اليوم المشهد الإقليمي أكثر توتر، بل قد وصل الأمر بأمريكا أن سمحت للتركي بقلب النظام في سوريا من أجل ارباك ايران وروسيا ولكنها فشلت واليوم تجد نفسها قد فتحت جبهة مشتعلة وبدأت تتراجع عن الاعتراف بالنظام الارهابي “الجولاني” في سوريا ولهذا قال ترامب ان اردوغان قد نجح في قلب النظام عبر وكلائه وهذا يعني التملص من سوريا وامريكا ليس لها دخل.
وبالتالي نجحت إيران في بناء قدرة ردع إقليمي فاعلة، واستطاعت هي وحلفاؤها، كما يظهر في اليمن وفلسطين، تطوير قدرة على التكيف والمبادرة في مواجهة التصعيد.
الصهيوامريكي وسياسة الهروب للأمام والتصعيد
17 شهراً من الحروب الأمريكية المباشرة وبالواسطة عن طريق الكيان الصهيوني، والتي استهدفت ثلاث من أركان محور المقاومة: فلسطين، لبنان واليمن يأتي اليوم انعكاساً للنتائج البسيطة التي حققها الصهيوامريكي منذ عملية طوفان الاقصى حيث أن جميع المطالب الإستراتيجية التي طرحها الثنائي الصهيوني الأمريكي العدواني سقطت في الحروب اللامتكافئة التي استخدمت فيها أحدث ما يمكن من تكنولوجيا وأسلحة الجيلين الخامس والسادس لتطويع ما يسمونه “الأذرع الإيرانية” والتفرغ لإيران مباشرة لممارسة سياسة التصعيد الذي يدفعها قسراً إلى مفاوضات لا متكافئة يمتلك فيها الحلف الصهيوامريكي أوراق القوة.
وبالتالي تدخل إيران في مفاوضات وحوارات “منزوعة الأسنان” بحسب تعبير الأمريكيين، إلا أن فشل الحروب الإستباقية على محور المقاومة أتى بالأمريكيين مرغمين إلى “حلبة الصراع” الذي تسببه لهم إيران وحلفاؤها وكان لا بد من دخول الامريكيين “المستعجلين لمقارعة الصينيين” في المفوضات بأساليب إمبراطورية امريكية واستعراضات عسكرية تغطي نتائج السنتين الهزيلتين من الحروب الطاحنة مع أركان محور المقاومة.
الصهيوامريكي يروج الأكاذيب حول قصفه لليمن
فشلت المحاولة الأمريكية اليائسة لتطويع اليمن والتي حاولت الغرات العسكرية الجوية والبحرية الأمريكية كسر أقوى أوراق التأثير في المحور وهي التحكم بأهم خطوط الملاحة البحرية في العالم.
كما فشل الصهيوامريكي بربط مسار الأزمة الأمريكية_اليمنية بإيران، حيث مكن صمود اليمن من تحقيق الاستقلالية الكاملة للساحة اليمنية مع الاستمرار بالاحتفاظ بالسيطرة اليمنية على مفاتيح الصراع اليمني الأمريكي دون الحاجة إلى عنصر إيراني مساعد، وهذا ما فرض توزيع الأصول العسكرية الأمريكية على ساحتين البحر الأحمر وبحر العرب وحماية الكيان الهصيوني من الصواريخ.
الخلاصة:
يمكن القول إن الشرق الأوسط وغرب آسيا يشد انفاسه اليوم والوضعية جد حرجة، فكل الجبهات مفتوحة ولا يوجد عقلاء و”الملك المجنون” والمجرم الصهيوني بهمجيتهم وغطرستهم واجرامهم لن يدخلوا في تهدئة، فقد تصاعدت التوترات في مختلف الساحات، وتنذر بمواجهة إقليمية كبرى لم تشهدها المنطقة من قبل، وسيسعمل فيها “الصهيوامريكي” كل وسائله القذرة، ولن يواجه جيش بجيش بل كعادتهم سيقتلون الاطفال والنساء والشيوخ والأبرياء وسيهدمون المباني وسيشردون السكان وسيضغطون على دول لتفع لهم ثمن حربهم القذرة وهذه هي عقيدة المجرمين.
فالتصعيد العسكري الصهيوامريكي، وتوسع نطاق الصراع، نتيجة فشل الاستراتيجيات القائمة، كلها مؤشرات تدفع المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار والحرب. ويبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من الصراعات المفتوحة والمقيدة باحتمالية تراكم الخسارة الأمريكية في نفس الوقت، والتي تتطلب جهوداً مكثفة وعاجلة لنزع فتيل الأزمات وتجنب الانزلاق نحو مواجهة شاملة ستكون لها تداعيات كارثية على الكل بنسب متفاوتة وآثار بعيدة المدى على المنطقة والعالم.