الهجرة والحرب: من الشرق الأوسط الى شمال أفريقيا
سارة الجمل قسم العلاقات الدولية و الشؤون الإستراتيحية 31/07/2024
تقديم :
منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر الأقاليم التي تعاني من الصراعات في العالم. حيث تتصدر دول مثل سوريا واليمن والعراق وفلسطين قائمة البلدان التي واجهت ولا تزال تواجه تحديات معقدة فرضتها الحروب والاحتلالات التي طال أمدها. وتشمل هذه التحديات القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تتشابك هذه العوامل معًا لتشكل مشهدًا معقدًا من الأزمات المستمرة التي تؤثر على حياة الملايين من الناس في المنطقة. تتجلى آثارها في زيادة الهجرة والنزوح، حيث يسعى الأفراد والعائلات إلى الفرار من مناطق النزاع بحثاً عن الأمان والاستقرار.
تشهد منطقة شمال إفريقيا تدفقًا مستمرًا للمهاجرين واللاجئين والنازحين من الشرق الأوسط، مما يزيد من الضغط على البلدان المضيفة التي تعاني بدورها من أزمات داخلية. وليست منطقة شمال إفريقيا بمأمن من هذه الصعوبات ، حيث لا تزال تتأثر بالصراعات الداخلية والاضطرابات السياسية و تمر العديد من دولها بمرحلة انتقالية معقدة نحو تحقيق الديمقراطية والتنمية المستدامة.
تفاقم الأزمات الإنسانية في ظل النزاعات الإقليمية المستمرة :
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة سلسلة من الأزمات التي فاقمت الوضع الإنساني بشكل كبير. ففي سوريا، أثر الزلزال المدمر بشكل كارثي على أكثر من 8.8 مليون شخص، وأسفر عن آلاف الضحايا وزاد من تعقيد الأزمة الإنسانية التي تفاقمت منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011 و أُجبرت ملايين السوريين على الفرار، حيث توجهوا بشكل رئيسي إلى أوروبا وشمال أفريقيا .
في السودان، اندلع نزاع داخلي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما أسفر عن مقتل أكثر من 14,000 شخص وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني. أدى هذا النزاع عن نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني، حيث اضطر العديد منهم إلى اللجوء إلى مناطق أكثر أمانًا داخل السودان أو عبور الحدود إلى البلدان المجاورة مثل مصر وتشاد.
قد أدى الصراع المتصاعد وقرار انسحاب بعثة الأمم المتحدة في مالي إلى نزوح حوالي 55,000 شخص بالإضافة إلى 8,000 لاجئ موريتاني إلى موريتانيا، حيث استقروا بشكل رئيسي في منطقة الحوض الشرقي، وهي منطقة تعاني من الفقر وتعرضت لمخاطر طبيعية. بالإضافة إلى ذلك، ساهم القصف الإسرائيلي المكثف لجنوب لبنان وسيطرة الحوثيين على البحر الأحمر في تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي، مما دفع شعوب المنطقة إلى الهجرة واللجوء إلى أماكن أبعد بحثًا عن الأمان سيطرة كل هذه العوامل تساهم في خلق مشهد إقليمي غير مستقر يدفع الشعوب المتضررة إلى الهجرة واللجوء ولجوء في مناطق أخرى بعيدا عن القصف والموت.
ومن جهة أخرى، لا تزال هجرة الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 تُعد واحدة من أبرز القضايا الإنسانية في المنطقة والعالم. فقد أدى والاحتلال المستمر إلى تشريد ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في مخيمات اللاجئين وفي البلدان المجاورة وأماكن أخرى حول العالم. إن النكبة وتبعاتها أدت إلى أكبر عملية تشريد في التاريخ العربي.
تونس محطة للاجئين السوريين: التحديات الإنسانية والقانونية:
بدأت مأساة اللاجئين السوريين في عام 2011 عندما شنت الحكومة السورية حملة عنيفة ضد المظاهرات العامة التي كانت تدعم المراهقين المعتقلين بسبب كتاباتهم المناهضة للحكومة في مدينة درعا الجنوبية. كانت هذه الاعتقالات الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات الواسعة في جميع أنحاء سوريا، والتي قوبلت بعنف شديد من قبل قوات الأمن الحكومية.
مع تصاعد النزاع، غرقت البلاد في حرب أهلية دمرت البنية التحتية وأجبرت ملايين العائلات السورية على الفرار من منازلها. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاماً، لا يزال الصراع مستمراً، ولا يزال السوريون يدفعون الثمن الباهظ للأزمة المستمرة.
في محاولة للبحث عن الأمان، توجه العديد من السوريين إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن التحديات الكبيرة التي يواجهونها هناك دفعت عددًا كبيرًا منهم إلى البحث عن ملاذ بديل في شمال أفريقيا. دول مثل المغرب والجزائر وتونس توفر نقاط دخول أسهل نسبياً مقارنة بأوروبا، مما يجعل هذه الدول وجهات أكثر قابلية للوصول إليها وتقديم فرص حياة مؤقتة.
تستقبل تونس عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين، حيث يقدر عددهم بنحو 8,000 إلى 10,000 فرد وفقًا لتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تعمل الحكومة التونسية، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، على توفير الدعم لهؤلاء اللاجئين من خلال تقديم المأوى والخدمات الأساسية، بهدف تلبية احتياجاتهم الأساسية وتعزيز ظروف حياتهم.
رغم هذه الجهود، يواجه اللاجئون السوريون في تونس مجموعة من التحديات الكبيرة المتعلقة بالحصول على الوثائق القانونية التي تضمن حقوقهم الأساسية وتساعدهم على الاندماج في المجتمع التونسي. على الرغم من توقيع تونس على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، إلا أنها لم تصدق بعد على تشريعات وطنية شاملة تعالج قضايا اللاجئين بشكل كافٍ.
أولاً، يعاني السوريون من صعوبات كبيرة في الحصول على تصاريح الإقامة ووثائق الهوية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والعمل. نقص الوثائق يعرضهم لمخاطر كبيرة تشمل الاعتقال أو الترحيل، ويزيد من معاناتهم في الحياة اليومية.
ثانيًا، يفتقر اللاجئون إلى حماية قانونية كافية تضمن حقوقهم، مما يجعلهم عرضة للاستغلال وسوء المعاملة. بالإضافة إلى ذلك، يواجهون تحديات تتعلق بالتمييز في سوق العمل، حيث يعملون غالبًا في وظائف غير رسمية و بأجور منخفضة وظروف عمل غير آمنة، مما يعزز من حالتهم الاقتصادية الهشة.
على الرغم من الجهود المبذولة من الحكومة التونسية والمنظمات الإنسانية لمساعدة اللاجئين السوريين، فإن الوضع الحالي لا يزال معقدًا. يتطلب الأمر تطوير السياسات الوطنية بشكل عاجل لتوفير الحماية القانونية و الفرص الكافية لاندماجهم في المجتمع التونسي. تحسين الإطار القانوني وتبسيط الإجراءات الإدارية هما خطوة أساسية لضمان حصول اللاجئين على الحقوق الأساسية التي يحتاجونها لبداية جديدة وآمنة في تونس.
خلاصة :
حتى اليوم، لا يزال المشهد السياسي في الشرق الأوسط وأفريقيا شديد التعقيد والاضطراب. وقد أدى عدم الاستقرار المستمر إلى فرار عدد لا يحصى من الأفراد والعائلات من ديارهم بحثاً عن الاستقرار والسلام. وفي هذا السياق، اتجهت أنظار العديد من اللاجئين من سوريا إلى شمال أفريقيا كملاذ محتمل، وبرزت تونس كوجهة محورية.
ومع ذلك، فإن رحلة الوصول إلى بر الأمان في تونس ليست عملية سهلة على الإطلاق وعلى الرغم من انفتاح تونس النسبي مقارنة بأوروبا، إلا أن طريق الاستقرار والاندماج بالنسبة للاجئين السوريين محفوف بالتحديات. وتشكل تعقيدات الإطار القانوني و الروتينية عوائق كبيرة.