النيجر تُعيد هيكلة العمل الإنساني وفقاً لأولويات النظام العسكري: رقابة مشددة ومخاوف دولية
![](https://i0.wp.com/strategianews.net/wp-content/uploads/2025/02/AomacyCoup-1723010377.webp?resize=770%2C470&ssl=1)
قسم الأخبار الدولية 10/02/2025
تحولات جذرية في إدارة المنظمات غير الحكومية
في خطوة تعكس التحولات السياسية العميقة التي شهدتها النيجر منذ انقلاب يوليو 2023، أصدرت السلطات العسكرية مرسوماً جديداً يفرض قيوداً صارمة على عمل المنظمات غير الحكومية، ويُلزمها بتنسيق أنشطتها وفقاً لأولويات المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني.
وينص المرسوم، الذي دخل حيز التنفيذ في 7 فبراير 2025، على إنشاء لجنة حكومية تحت إشراف وزارة الداخلية لمراقبة وتوجيه عمل المنظمات غير الحكومية، بهدف ضمان توافقها مع المحاور الاستراتيجية للدولة، التي تشمل تعزيز الأمن والتماسك الاجتماعي، وتحقيق السيادة الاقتصادية، ودعم الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الهوية الوطنية.
وبموجب هذا القرار، أصبحت اللجنة مسؤولة عن مراجعة تقارير المنظمات، والإشراف على عملياتها الميدانية، وتقييم مدى التزامها بتوجيهات الحكومة، مع منحها صلاحيات واسعة لاتخاذ إجراءات عقابية تصل إلى تعليق الأنشطة أو سحب التراخيص.
إغلاق مكاتب الصليب الأحمر ومنظمات دولية أخرى
وفي تطور يسلط الضوء على التوجه المتشدد للسلطات الجديدة، طلبت الحكومة النيجرية مؤخراً من اللجنة الدولية للصليب الأحمر مغادرة البلاد دون تقديم مبررات رسمية، مما أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الدولية بشأن مستقبل العمل الإنساني في الدولة.
كما سبق للسلطات أن أغلقت مكاتب عدة منظمات دولية ومحلية في نوفمبر 2024، من بينها منظمة “أكتد” الفرنسية ومنظمة “أكشن بور لو بين-إتر” المحلية، بزعم عدم التزامها بالتوجهات الحكومية، وهو ما اعتبرته بعض المنظمات تقييداً ممنهجاً للعمل الإنساني في البلاد.
اتهامات رسمية للمنظمات وعواقب إنسانية محتملة
ترافق هذا التشديد مع تصريحات قوية من قبل وزير الداخلية الجنرال محمد تومبا، الذي صرّح بأن “المنظمات غير الحكومية لم تطور أي بلد من قبل، والمساعدات لم تحقق تنمية حقيقية”، مشدداً على أن النيجر “لن تسمح لأي منظمة بالعمل وفق أجندات خارجية تتعارض مع سياسات الدولة”.
وأضاف تومبا أن “بعض المنظمات لها صلات خفية بجهات تدعم الجماعات المسلحة أو تمارس أنشطة تخريبية”، ملمحاً إلى مخاوف أمنية دفعت الحكومة لاتخاذ هذا النهج الصارم في تنظيم القطاع الإنساني.
تداعيات محتملة: أزمة إنسانية تلوح في الأفق؟
يأتي هذا التحول في وقت تواجه فيه النيجر تحديات أمنية واقتصادية متزايدة، خصوصاً مع استمرار هجمات الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، والتي فاقمت الأوضاع الإنسانية في البلاد.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي هذا النهج إلى تراجع الدعم الإنساني المقدم للفئات الأكثر ضعفاً، في ظل اعتماد ملايين النيجريين على المساعدات الدولية في مجالات الغذاء والصحة والتعليم.
كما أن هذه الإجراءات قد تؤثر على العلاقات الدبلوماسية للنيجر مع الدول والمنظمات المانحة، مما قد يؤدي إلى تقليص المساعدات الدولية، وزيادة الضغط الاقتصادي والاجتماعي على الحكومة، في وقت تسعى فيه لتعزيز سيطرتها الداخلية وإعادة رسم علاقاتها الخارجية بعيداً عن التأثيرات الغربية التقليدية.
تغيير جذري في المشهد السياسي والإنساني
تعكس هذه الإجراءات استراتيجية النظام العسكري لترسيخ سيادته وإعادة تشكيل المشهد الداخلي وفقاً لرؤيته، لكنها في الوقت ذاته تضع البلاد في مسار قد يؤدي إلى عزلة دولية وتفاقم التحديات الإنسانية. وبينما تسعى الحكومة إلى إحكام قبضتها على العمل الإنساني، يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يمكن لهذه السياسة أن تحقق استقراراً دون أن تؤدي إلى كارثة إنسانية؟