“النهضة”استنزفت رصيدها الأخلاقي والقيمي
تونس-تونس-12-03-2020 زهور المشرقي
لطالما تباهت حركة”النهضة”بأنها قلعة حصينة وبأنها متماسكة لا تهزها ريح،ولطالما تسربلت أغطية”التقوى”و”النزاهة” وروجت بأنها جماعة “تخاف الله”،واستغلت “المظلومية”للتموقع في المشهد السياسي..ولطالما عمدت إلى استغلال الدهاء والحيل وجانب من التعاطف الشعبي لتفتيت الكيانات السياسية الأخرى،ولكن جاءت رياح الإنتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2014 وتلك التي تلتها عام 2019، بما لا تشتهيه خيمة “النهضة”،وأصبح واضحا أن التماسك الداخلي بدأ ينهار في امتحان السلطة وحلاوة المغانم.
ولطالما سوقت”النهضة”بأنها الأكثر تناسقا وانسجاما ولُحمة في الساحة،في حين عمدت عبر أذرعها الدعائية إلى شيطنة الخصوم من ناحية،وتخويف قاعدتها من هؤلاء الخصوم”الذين يتربصون بها”وفي مقدمتهم التيارات الحداثية،وذلك في محاولة لكبت الأصوات المنتقدة داخلها.
وإذا كانت الحركة قد وظفت “إرث المظلومية” و”نظافة اليد” و”الخوف من الله” في انتخابات 2011 ، فإنها تراجعت في انتخابات 2014 و2019 وفقدت أكثر من ثلثي ناخبيها..
تتالت استقالات قيادات في الحركة، عقب وصولها إلى الحكم عام 2011، في مقدمتها استقالة أمينها العام حمادي الجبالي في 5 مارس 2014 ، والقيادي رياض الشعيبي (في نوفمبر 2013)وحاتم بولبيار،في 25 يوليو 2019، بسبب ما أسماه” الخطاب الإقصائي للغنوشي والمحيطين به” ثم رئيس مكتب رئيس الحركة زبير الشهودي (في سبتمبر 2019) من كافة مؤسسات الحركة، تلتها استقالات أخرى كان آخرها لأمينها العام زياد العذاري في 26 نوفمبر 2019 من المناصب القيادية، على خلفية أن “المسارات التي تتبعها الحركة لا ترتقي إلى طموحات التونسيين وبقيت مجرد وعود واهية” ، ثم استقالة كل من هشام العريض وزياد بومخلة يوم 14 يناير الماضي.
وفي الرابع من شهر مارس الحالي،استقال القيادي عبد الحميد الجلاصي، قائلا إنه”لم يعد مقتنعا بالتموقع الإجتماعي للحركة كما لم يعد يجد نفسه داخلها في ظل الإنقلاب على العملية الديمقراطية داخل الحركة في الإنتخابات التشريعية التي شهدت تصفية وتطهيرا سياسيا”،موضحا أنه “لايمكن أن يكون شاهدا على مسرحية سمجة”،مبينا أن”هناك قيادات في الحركة تتصرّف في الدولة بمنطق الغنيمة”.
كتب الجلاصي رسالة مهمة في دحض صورة الحركة الربانية والرسالية التي تعمل الحركات ذات المرجعيات الإخوانية على تسويقها لتبرير توظيف الدين، فيما الصورة عكس ذلك تماما.
وتعتبر استقالة كل من العذاري والجلاصي -بحكم موقعهما-ضربة ليست موجعة فقط،بل قاصمة للحركة ومنعرجا مفصليا في تاريخها.
وإلى جانب غياب الروح الديمقراطية وهيمنة الرد داخل الحركة،أشار الجلاصي أيضا إلى تنامي ملفات الفساد المالي المرتبطة بعائلة الغنوشي، خاصة ابنه معاذ وصهره رفيق عبدالسلام.
كما جاءت الإستقالة بعد إصرار راشد الغنوشي على ترؤس الحركة في مؤتمرها القادم والبقاء على رأس حزب النهضة، برغم معارضة القوانين الداخلية للحزب التي تنهي عهدته في شهر مايو القادم.
وذكر الجلاصي أن حركة النهضة ” لم تعد ملتزمة بمبادئها، وبأنها تجر البلاد إلى معركة لا يمكن لأحد تحمّل عواقبها”،موضحا أن الحركة “تسبّبت في إضاعة خمس سنوات على البلاد من العام 2014 وحتى 2019”.
والأخطر من ذلك،هو أن يقرّ شاهد من أهلها،والركيزة الأساسية في الحركة، بأن”الخلاصة التي أصل إليها اليوم أنه تم استنزاف الرصيد الأخلاقي والقيمي والأركان التأسيسية مثل الصدق والإخلاص والتجرد والإيفاء بالتعاقدات والديمقراطية والإنحياز الاجتماعي والتحرر الحضاري والنبض التغييري”،وهو ما يمثل كشفا لواقع طالما تم التستر عليه، والترويج لنقيضه ،وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته الكبيرة على الحركة و”رصيدها”الذي بنته بقوة المال والدعاية واستغلال الدين.