الموساد الإسرائيلية: قوّة في التنظيم وفشل ذريع أمام المقاومة الفلسطينية
اعداد صبرين العجرودي قسم البحوث الأمنية والعسكرية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تونس 15-01-2024
هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة
يعود تأسيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي مباشرة بعد تأسيس إسرائيل واعتبارها كدولة في عام 1948، وتتمحور أهدافه منذ تأسيسه بصفة عامّة حول ضمان استمرارية هذه الدولة وتكريس أمنها.
والموساد (Mossad) هي ملخص لعبارة “استخبارات ومهمات خاصة” (The Institute for Intelligence and Special Operations) وبالعبرية “هموساد لموديعين لتفقيديم ميوحديم”، وهي وكالة استخبارات إسرائيلية خارجية تأسست تحديدا في شهر ديسمبر عام 1949، وهي واحدة من بين ثلاثة أجهزة استخباراتية رئيسية.
وهي وكالة حكومية تعمل تحت أوامر وتوجيهات القادة الإسرائيليين وظيفتها تتمثّل في جمع المعلومات وتوظيفها لأهداف استخباراتية بسرية تامّة، تقوم بعمليات سرية خارج الحدود التي احتلتها دولة اسرائيل المزعومة.
من بين هذه العمليات مثلا توقيع معاهدات السلام، التعامل مع قضايا الأسرى والمفقودين، تطوير التقنيات العسكرية، الاغتيالات… مقر الموساد يقع في شمال تل أبيب وتحديدا في منطقة مفترق جليلوت، بدأ فعليا في تنفيذ مهامه خارج إسرائيل انطلاقا من عام 1951.
تاريخ جهاز الموساد
قبل قيامه كجهاز استخباراتي رسمي ومستقل في عام 1949، تأسس في عام 1937 تحت مسمى “منظمة الهجرة غير الشرعية” أو بالعبرية “موساد لعالياه بت” لها دور استخباراتي يضطلع بعملية نقل اليهود وتجميعهم للاستقرار في فلسطين وكان يعمل تحت قيادة الجهاز المركزي للاستخبارات والأمن في إسرائيل ويقوم بهذه العمليات إلى أن تمّ الاعلان عن قيام دولة إسرائيل في 15 ماي 1948.
وبتاريخ 13 ديسمبر 1949 أعلن رئيس حكومة الاحتلال ديفيد بن غوريون عن قيام مؤسسة تُعنى بتجميع المعلومات وتنسيق كافّة الخدمات الأمنية والاستخباراتية وهي الموساد، وقد انطلقت فعليا بتنفيذ كل مهامها في عام 1951.
الأنشطة:
تتركّز أنشطة الموساد بصفة عامّة على جمع المعلومات من كل أنحاء العالم، وتكون في العديد المجالات من كل انحاء العالم لخدمة أهداف استخباراتية، قد تتعلّق هذه المعلومات بالمجال السياسي أو العسكري او الأمني.
من بين الأنشطة الأخرى التي تقوم بها الموساد هي تقييم كل المعلومات المجمّعة والبحث فيها لإعداد تقارير نهائية تقدّم للجهات الرسمية والسياسية في إسرائيل.
ومن شأن جهاز الموساد القيام بأي نشاط واعتماد أي وسيلة من شأنها أن تحمي أمن إسرائيل وتضمن وجودها بأحسن حالة، على غرار عمليات الاختطاف والاغتيال.
وبناء عليه ينقسم جهاز الاستخبارات الإسرائيلية إلى ثلاثة أقسام أساسية وفقا لأنشطته، أولا قسم المعلومات ويُعني بجمع كافّة المعلومات لتحليلها وفهمها وانتقائها بعناية، ثانيا قسم العمليات ويضطلع بكلّ الممارسات المتعلّقة بالقتل والتخريب والتحريض وإثارة البلبلة. وأخيرا قسم الحرب النفسية والذي يشرف بالتحديد على كل العمليات المتعلّقة بنشر الايديولوجيا الصهيونية والحروب النفسية.
الوحدات والأقسام الفرعية في الموساد
الوحدات التنفيذية:
وحدة تيفل: وحدة العلاقات المخابراتية والدبلوماسية، كما أنّها أكبر دائرة من دوائر الموساد حيث تقوم بكل المهمات السياسية والعلاقات مع الأجهزة الأجنبية. ويُذكر أنّ أغلب العاملين في هذه الدائرة تقلدوا سابقا مناصب سفراء.
وحدة سومت: يشرف على تشغيل ضباط جمع المعلومات وشبكة العملاء في جميع أنحاء العالم، مسؤولة عن كل العمليات الخاصة في الموساد بما في ذلك الاغتيالات.
قيساريا: يُعنى بالعمليات الخاصة التي من ضمنها التصفيات والاغتيالات، لذلك فهو يضم وحدات مقاتلة.
كيدون: نشأت هذه الوحدة في 13 ديسمبر 1949، يستمر عناصر هذه الوحدة في التدريب لما يقارب عامين في صحراء النقب، بعد ذلك يقع تعيينهم. يضمّ ما يقارب 40 عنصرا متخصصين في أساليب التصفية والاغتيال لمواجهة الأعداء. وقد أشار المركز الأوروبي إلى انّ هناك معلومات استخباراتية تفيد بأنّ هذه الدائرة تتكون من فرق، حيث تضم كل فرقة 12 شخصا.
نبيعوت: مسؤول عن توظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة للحصول على المعلومات الاستخباراتية، كأجهزة التنصت والتصوير وغرس آلات تنصت في عرض العدو أو في أي مكان لجمع معلومات خاصة بهدف استخباراتي.
الوحدات غير التنفيذية:
يشمل القسم الاستخباراتي الذي يُعنى بتحديد الأهداف بعيدة المدى بناء على الموقف السياسي، تسفريريم وظيفته الدفاع عن اليهود في جميع أنحاء العالم، أمّا الوحدة التكنولوجية: تزويد الوحدات التنفيذية بالمعدات التكنولوجية الضرورية لتحقيق أهدافها.
مهام وأهداف الموساد الإسرائيلية
بالإضافة الى دوره في جمع المعلومات المخابراتية، يحرص جهاز الموساد على القيام بكل العمليات الأمنية الحامية لأمن إسرائيل والضامنة لمصالحها بسرية تامّة من خلال إحباط كل المحاولات الرامية لضرب مصالحها، قد يكون ذلك عن طريق إفشال أهداف مدنية وعسكرية سواء داخل أراضيها أو خارجها.
كما يشرف جهاز الاستخبارات على إدارة شبكات التجسس وتوجيه العملاء وتجنيدهم للحصول على المعلومات الضرورية للأهداف الاستخباراتية.
مثلما توجد هناك معلومات سرية يسعى الموساد للحصول عليها، هناك معلومات علنية تتكلّف برصدها إدارة فرع المعلومات العلنية من خلال مثلا الصحف والنشرات والدراسات الأكاديمية والاستراتيجية في العالم.
موارد بشرية كبيرة
بلغ عدد العاملين في جهاز الموساد بين 1200 و1600 موظّف، ذلك الى جانب شبكته التي تحتوي على عدد هائل من العاملين الممتدين حول العالم، حيث أشارت مصادر الى أنّه بصفة عامّة يوجد حوالي 7 آلاف شخص مستقرين في العمل مع الموساد، لذلك على حد تعبيرهم تعتبر ثاني أكبر وكالات التجسس في العالم، تسبقها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).
في هذا الإطار أشار المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الى أنّ العاملين في الموساد ليس لهم رواتب عسكرية، ولكن جميعهم اشتغلوا ضمن الجيش الاسرائيلي، واغلبهم من الضباط .
يعوّل هذا الجهاز كثيرا على العملاء ويعتمد بقدر كبير على معلوماتهم رغم ما تمتلكه الوسائل التكنولوجية من قدرة هائلة على جمع أكبر عدد من المعلومات، إلاّ أنّها تنفي أو تؤكد كل المعلومات المتآتية من مصادر اخرى بالاعتماد على العملاء.
لذلك فهي تقدّم لهم اغراءات كبيرة ومكافآت قيّمة حتى ينجزو ما قُدّم لهم من مهمات، لكن ذلك لا ينفي اعتماد الترهيب في بعض الحالات التي يشكّل فيا العملاء تهديدا لسير عمل الجهاز أو مس مصالحه أو أهدافه.
وبين الانشطة الأخرى التي يقوم بها الموساد الى جانب انشطته المتعلقة بمختلف المجالات التي لها علاقة بالمصالح الإسرائيلية، هو تدريب المندوبين والعملاء في مدينة حيفا على العمل التجسسي ومختلف المهام الاخرى التي ستوكّل إليهم مستقبلا ضمن الموساد.
تشير مصادر إلى أنّ النساء تشكّل ما يقارب 20% من “القوى العاملة في المهام التمهيدية والتكتيكية داخل الموساد”، ويُطلق على الأساليب التي توظّفها النساء داخل الموساد “مصائد العسل“، حيث تقمن باعتماد الاغراء والاغواء للإطاحة بالعدو، ومع الوقت يُذكر أنّهن أصبحن مشاركات في العمليات الخاصة مثل الاغتيال، وقد تمكّن النساء من الوصول الى مراتب هامّة في الموساد لتحقيقهن النجاح في الكثير من العمليات الاستخباراتية.
أين قوّة الموساد من طوفان الأقصى؟
يمتلك جهاز الموساد الاسرائيلي عدّة فروع وهياكل في العالم وهو شديد التنظيم لما له من وظائف حساسة في حماية إسرائيل، إلاّ أنّ عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر طرحت العديد من التساؤلات حول مدى قوّة الموساد واستعداداتها.
وهو بالفعل ما أشار إليه الكثير من الخبراء الذين توصلوا الى أنّه بالرغم من التنظيم عالي الجودة لهذا الجهاز إلاّ أنّه في غاية المحدودية في غزّة، حيث أنّ عملية طوفان الأقصى لم تكن متوقعة تماما بالنسبة لإسرائيل، وهو ما عبّر عنه رئيس الموساد السابق “إفرايم هاليفي”، مشيرا إلى أنّ ما حصل لم يكن متوقّعا ولم تتلقى تل أبيب أي تحذير في الخصوص مؤكدا أنّ هناك عناصر من الفصائل الفلسطينية تمكنت من التغلغل إلى مدن إسرائيلية على حد تعبيره فجأة قائلا أنّ “هذا الهجوم كان فريدا من نوعه ولأول مرة يحصل أن يتمكن عناصر فلسطينيون من التوغل في عمق إسرائيل والسيطرة على عدد من القرى”.
ويرى مراقبون أنّه من الممكن القول بأنّ فشل الاستخبارات الاسرائيلية في الوقوف أمام طوفان الأقصى، يعود الى وجود أخطاء في التقارير والتحليلات الاستخباراتية، ومن ناحية اخرى ضعف الاستعدادات العسكرية الاسرائيلية وهو ما يعكس وجود مشكلة تحديدا في الاجراءات الاستباقية وضعف في التنبؤ بالمخاطر.
في حين أشار آخرون، إلى أنّ الانقسام المجتمعي الذي يعاني منه المحتل داخليا ساهم في تشتيت الاستخبارات ودفعها عن التفطن لعملية حماس.
المصادر:
6/- https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2004/
7/-