أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

إنهيار مصداقية الإعلام الغربي: عمالة الإعلام الغربي للمحتل الصهيوني

يوم السابع من أكتوبر 2023 تاريخ “طوفان الأقصى”، ومن دون تفكير ولا تمحيص لم يكتفي الإعلام الغربي بتلقي الخبر القادم من الشرق الأوسط، بل تكاتفت كل جهود الاعلام الداعمة للكيان الصهيوني المحتل لتظليل الحقائق وونشر سرديات المصادر الصهيونية وتبييض الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، متسقة بذلك مع الرواية الإسرائيلية التي كثيرا ما يرّددها مسؤولون غربيون، سواء ضمن قوات الدفاع الإسرائيلية أو بقية الأطراف الداعمة للاحتلال الصهيوني.

 فلم يكن عملها في التعاطي مع الأحداث طيلة هذه الفترة إلاّ خارجا عن معايير الصحافة الإخبارية المهنية والأخلاقية بنحو مفزع عن ما كان عليه سابقا رغم انحيازها التاريخي للمحتل الإسرائيلي.

لم تكن عملية طوفان الأقصى التي قتل فيها حوالي 1200 شخص ضمن توقّعات إسرائيل، أدّت بعد ذلك إلى شنّ حرب على قطاع غزّة وتحديدا على المدنيين بالقصف الجوي “الهستيري” المملوء بالحقد والنقمة والإجرام، والمصحوب بحصار مشدد، ممّا أدّى الى  استشهاد  أكثر من 20 ألف منهم 10 آلاف رضيع وطفل وأعداد أخرى غير محصية من الفلسطينين تحت الأنقاذ الذي لم تتمكن الوسائل للتوصل اليهم.

وهو ما يعني أنّ إسرائيل تقتل في هذه الحرب على الأقل كل ساعة 6 أطفال، بالإضافة إلى منع وصول الماء والغذاء والدواء والوقود إلى السكان كما تقول التقارير بأنه قد تمّ القاء 800 ألف قنبلة على قطاع غزة بمعدل 100 قنبلة يوميا على المدنيين العزل يعني يفوق 3.5 ما القي على هيروشيما ونكازكي في أكبر عملية إجرام حصلت في التاريخ البشري المعاصر.

كيف كان واقع التغطية الاعلامية لواقع الحرب على قطاع غزّة من وسائل الإعلام الغربية؟ وما هي الأساليب المعتمدة في تزييف الوقائع؟

أشار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للملامح الأساسية لتغطية وسائل الإعلام الغربية لحرب إسرائيل على غزة، مركّزا بذلك على التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية التي ما انفكت منذ بداية الحرب على طمس الحقائق وتزييفها وقد تمثّلت في:

  • الحرص على تغطية اعلامية للحدث ذو اتجاه واحد الهدف منه هو تحقيق الإجماع أو الاتفاق على رواية واحدة حول خبر معيّن وهو ما أدّى الى غياب التوازن في المصادر، حيث أتيح المجال أمام بعض الوسائل الإعلامية لتقديم الحقيقة، في حين أنّ جزءا كبيرا من الوسائل الاعلامية الأخرى المنحازة والتي لم يكن عددها قليلا كانت شديدة الحرص على تناقل نفس الخبر المظلل أو المزيف بسردية صهيونية وفيها الكثير من التوجيه.
  • في ظلّ وجود كم هائل من الاخبار والأحداث الجديدة كل يوم، تجاوزت وسائل إعلام عديدة المعايير المهنية في نقل الأخبار سعيا وراء السبق الصحفي، ممّا جعلها عرضة للأخبار الزائفة والمظلّلة، حيث لم تعطي لنفسها الوقت الكافي لا لتوظيف المصطلحات المتناسبة  مع الأحدث ولا التحقق أساسا من صحة الخبر ممّا خلق فوضى في مادتها الإعلامية. ويجدر الإشارة أنّ التحقق في ظلّ فوضى الأخبار وتكدّسها تعد عملية في غاية الصعوبة ولا يمكن التوفيق بينها وبين السبق الصحفي. وكان ذلك فرصة للإعلام الغربي لتوجيه الحقائق وفقا لأيديولوجيتها ومصالحها المتناغمة مع الاحتلال الصهيوني.
  • التحيز العميق إلى الرواية الإسرائيلية، الذي وصل إلى حدّ تبنّي وسائل إعلام رئيسية هذه الرؤية.
  • التأطير الإعلامي لطرفي الصراع، وإعادة إنتاج الأطر التقليدية وإنتاج أطر جديدة.

وقعت وسائل إعلامية غربية رئيسية ومؤثرة (Main Stream Media) في مستنقع الانحياز السياسي منذ بداية الحرب على قطاع غزّة، حيث تبنت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية كل الأكاذيب الإسرائيلية وفرضتها على وسائلها الإعلامية دون القيام بأي مجهود إعلامي في التحقق الإخباري أو فحص كل القصص المقدمة والصور والفيديوهات، مع طمس واضح وصريح لصوت الطرف المقابل.

كما تمّ تصوير الصراع خارج إطاره التاريخي المعهود للاحتلال والمقاومة الفلسطينية وهو ما ساهم في جعل الكثير من هذه الوسائل الإعلامية منصة تناصر الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية بكل أشكال الكذب والتزييف.

في السابق وخلال عديد الحروب الماضية التي خضعت أحداثها للتظليل من طرف عديد الوسائل الإعلامية المنحازة سياسيا ظهر ما يطلق عليه “الصحافة المدمجة بالجيش” (Embedded Journalism)  وهي “ممارسة يكون فيها الصحافيون تحت سيطرة الجيش خلال نزاع مسلح. ويجري إلحاق المراسلين والمصورين المدمجين بوحدة عسكرية محددة، ويُسمح لهم بمرافقة القوات إلى مناطق القتال، ونقل رواية طرف ما للأحداث، أي إنهم يغطون منظورا واحدا للحرب”، وما يحدث الأن هو مختلف عن طريقة عمل “الصحافة المدمجة بالجيش”، حيث تعمل الوسائل الإعلامية الحالية بطريقة أعمق في التزييف والكذب إذ لا تُظهر مباشرة موالاتها لإسرائيل، لكنّها تعتمد وسائل تجعل المتقبل يصدّق بكل سهولة ما يقع تداوله باعتماد جزء من الحقيقة ووضعها في إطار مختلف عن الإطار الحقيقي لها لخدمة مصلحة الطرف المنحازين له، ويكون من السهل في ذلك اعتماد أدلة تتمثّل في صور وفيديوهات يقع توظيفها في غير مكانها.

اعتمد الإعلام الغربي في تغطية الحرب على غزة أسلوب “تصنيع الموافقة الجماعية” (Manufacturing Consent)، ويشير هذا المفهوم إلى انّ ظاهرة الرأي العام الديمقراطي المعاصر هي أكبر كذبة صدقها الناس عبر التاريخ، حيث أنّ وسائل الإعلام تمدّ الجمهور بالمعلومات والحقائق كما يريدها السياسيون ومراكز القوة، وبالتالي يكون الرأي العام هو نتاج ما تقدّمه النخبة لوسائل الإعلام فتصنع في النهاية تعددية تكون هشّة تستمد من خلالها شرعيتها وترتكز عليها.

ومع تعدد الحملات المناهضة لهذا الفكر القائم بذاته حول انحياز وسائل الإعلام وعدم العمل بمهنية مع الأخبار وتهاتف الدراسات والبرامج والمشاريع التي كثيرا ما سلّطت الضوء على ظاهرة التزييف والتظليل وعملت كثيرا على مجابهة الأخبار الزائفة ومكافحتها إلاّ أنّ الحرب في غزة طرحت من جديد هذه القضية لتثبت وبوضوح أنّ مختلف المحاولات التي تمّ القيام بها لم تجدي نفعا أمام الهيمنة الغربية.

فحينما تزداد حدة الأزمات وتقع الحرب، يبدو تجميع الآراء حول ما هو واضح للجميع مفضوحا واضحا وهو ما يؤيد الجملة التي تقول “الحقيقة هي الضحية الأولى للحروب” وهو ما يبدو اليوم جليا في تغطية أخبار الحرب على غزة في عصر يطلق عليه “عصر ما بعد الحقيقة”.

في بداية الحرب، أشارت الأخبار الى وقوع بين 200 إلى 300 قتيل إسرائيلي، في حين ذكرت “بي بي سي” ما تناقلته وسائل إعلامية إسرائيلية حيث قالت: لقد أعدموا مدنيين إسرائيليين بدم بارد في منازلهم، ثمّ استمروا في جرّ المدنيين والعسكريين الإسرائيليين والنساء والأطفال والمسنين والمعاقين إلى غزّة”، في حين اقتصرت في اليومين الأولين على نقل تصريح واحد للمقاومة يشير إلى أنّهم يتلقون دعما من إيران. واستمرت في وصف  مقاومي حماس “بالمسلحين”، ظلّت البي بي سي تتبنّى موقف المحتل الإسرائيلي مع تغييب واضح لصوت الفلسطينيين، إلى جانب صور وفيديوهات تابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية.

كما لم تعتمد وسائل الإعلام الغربية عند عتبة التظليل والتعتيم، حيث تمادت إلى ما هو أخطر من ذلك لتقوم بمحو الخطوط الفاصلة بين المقاومة والإرهاب، ومعاداة السامية والإسلام والمسلمين، فقامت بتصنيف الشعب الفلسطيني على أنّه كل واحد معادي لليهود واعتبرت المقاومة الفلسطينية ضدّ احتلال أراضيها إرهابية، وهي الورقة الخاسرة التي يستخدمها الغرب في كل جرائمهم ضدّ الإنسانية.

وتجلّى ذلك في إحدى خطابات “فريدريش ميرتس” رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني حين قال “إذا كان هناك لاجئون من قطاع غزة، فهذا أمر يخصّ دول الجوار. أما ألمانية فهي غير معنية بذلك، ولا تستطيع استيعاب مزيد من اللاجئين، ذلك أن لدينا ما يكفي من الشباب المعادي للسامية”.

وبالتالي فإنّ الإعلام الغربي خلافا لكلّ ما يقع ترويجه من الولايات المتحدة الأمريكية وكلّ الدول الناطقة باسم حقوق الإنسان يساهم بقدر كبير في تفشي خطاب الكراهية والخلط وتفجير الأحداث من أجل اعتبارها حرب تحدث بين الغرب والمسلمين.

  • التأطير الجديد: يشير هذا المفهوم الى أسلوب عميق في تغيير منحى الأحداث بتجاوز التزييف والتظليل إلى ما هو أكثر خطورة من ذلك، وهو إعادة بناء الواقع ومنح الأحداث إطار مختلف تماما عن إطارها الأصلي، بحيث يتم استهداف أصول الأحداث باستخدام أساليب عديدة قائمة على “الانتقاء والتأكيد”،   فالحرب الإسرائيلية على غزة لم تقتصر على قلب الحقيقة بقدر توظيف الكلمات والجمل والأوصاف ونبرة الصوت… في التغطية الإعلامية. ومثال على ذلك اعتبار عملية طوفان الأقصى عملية إرهابية من خلال تصوير المقاومة الفلسطينية ضمن رواية إرهابية محبوكة بجملة من المفاهيم والكلمات والأوصاف المغذية لأطروحة الإرهاب، مقابل تصوير المحتل الصهيوني في صورة ضحية الإرهاب وإثارة استعطاف الرأي العام من خلال الرهائن، وتبرير جرائم الحرب من خلال جعل حماس في صورة داعش التي يجب عليهم القضاء عليها باستعمال الصواريخ ومختلف اساليب الحرب الممنوعة في القانون الدولي. ومن أهمّ النقاط الأخرى التي لعب عليها العلام الغربي، هو النئي بقصة التاريخية المعهودة للجميع حول احتلال إسرائيل لفلسطين ودفاع المقاومة عن أرضهم الى اعتبار أنّها مجرّد حرب بين إسرائيل وحماس المروّج أنّها تنظيم إرهابي، والواقع أنّ هذه الحرب ضدّ الشعب الفلسطيني بأكمله.
  • قلب المسألة الإنسانية لصالح المحتل الصهيوني: ركّزت وسائل الإعلام الغربية في الحرب على غزّة على ضرب الجانب الإنساني، ليس من حيث الجرائم الفظيعة المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، بل من خلال “اختلاق” إطار لم يكن موجود من الأساس يخرج الإسرائيليين في موضع الضحية من خلال جملة من البرامج الحوارية ومقالات الرأي التي عجّت بالجمل التالية: “الفلسطينيون حيوانات بشرية”، الإسرائيليون يخضون حرب دفاع عن قيم الحضارة”، “للقضاء على الوحوش”، “يجب أن تقف كل الأمم مع الإنسانية”، “الأعمال البربرية التي ارتكبها مقاتلو حماس”، “اغتصاب النساء”، “فصل الرؤوس عن الأجساد”، “إحراق أسر وهي تعانق بعضها”… وإلى جانب وسائل الإعلام التي ردّدت كثيرا هذه المقاطع، ذكر الكثير من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم هذه السردية المزعومة، دون الإشارة الى جرائم الحرب بل واعتبارها وسائل حرب شرعية يجب اعتمادها ضد التنظيمات الإرهابية على حد تعبيرهم.
  • كذبة الدفاع عن النفس: اعتبار وفاة المدنيين هو ثمن طبيعي لتحقق إسرائيل أمنها، هذا ما ركّزت عليه وسائل الإعلام الغربية البريطانية والأمريكية، وقد تحدّث الكثير من المسؤولين في قوات الدفاع الإسرائيلية على غرار “أفيخاي ادرعي” أنّ حرب إسرائيل هي ضد حماس “الإرهابية” وأنّ الشعب الفلسطيني يدفع ثمن عملية طوفان الأقصى من خلال وضعهم من طرف المقاومة كدروع بشرية. يقع الترويج لهذه الرواية بالتخلص نهائيا قصة تاريخ الاحتلال الصهيوني والتعامل مع الاحتلال الإسرائيل في الأراضي الفلسطينية على أنه وجود شرعي تماما لا يمكن لأي كان رفضه وإلاّ سيعتبر إرهابا يجب الهجوم عليه وإن كان بوسائل غير مشروعة.

قام موقع “The intercept”  بنشر وثيقة صادرة عن قائد وحدة الرقابة في الجيش الإسرائيلي على وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية، حظر فيها على هذه الوسائل نشر بعض المضامين المتعلّقة بالحرب وبجيش الاحتلال، وقد مثّلت الأسلحة المستخدمة من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية وتفاصيل العمليات العسكرية والاستخبارات والهجمات الصاروخية والالكترونية، تسريبات مجلس الوزراء الأمني، كل القصص عن الأشخاص الذي تحتجزهم حماس كرهائن إحدى المواضيع الممنوعة من النقل. وحصل موقع “The intercept” على هذه الوثيقة من مصدر اخر حصل عليها بدوره من طرف الجيش الإسرائيلي.

وتعتبر هذه الخطوة غير متوقّعة أو مسبوقة من جانب رقيب الجيش الإسرائيلي، حيث أشار مايكل عمر مان، رئيس التحرير السابق للمجلة الإسرائيلية 972+ وحاليا مدير الأبحاث لإسرائيل-فلسطين في الديمقراطية في العالم العربي “ام أر قط تعليمات كهذه مرسلة من الرقابة باستثناء الإشعارات العامة التي تطلب على نطاق واسع من وسائل الإعلام الالتزام، وحتى ذلك الحين تم إرسالها فقط إلى أشخاص معينين”.

ويُذكر انّه منذ بداية القصف على قطاع غزّة خضعت 6500 مادة جديدة للرقابة الكاملة او الجزئية من قبل الحكومة الإسرائيلية وفقا لما أشار إليه “جاي لوري” زميل باحث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، مضيفا أنّ هذا الرقم كان حوالي اربعة أضعاف قبل بداية الحرب، حيث انّ عدد التقارير المقدمة إلى الرقابة أعلى بكثير من الوقت الحالي الذي يتصاعد فيه الصراع، ولذلك تعتبر هذه النسبة طبيعية نظرا لتعدّد الأخبار والتقارير في الوقت الحالي، بالتالي فإنّ إخضاع إسرائيل الوسائل الاعلامية للرقابة المشددة لا يعد أمرا جديدا أو متوازيا مع بداية حربها على غزّة منذ السابع من اكتوبر.

كما أضاف “عمر مان” أنّه لا يمكن حصر عدد التقارير والأخبار الخاضعة للرقابة الإسرائيلية، باعتبار أنّ الصحفيين الإسرائيليين يفرضون الرقابة على أنفسهم قائلا “الناس يمارسون الرقابة الذاتية، ولا يحاول الناس حتى الإبلاغ عن القصص التي يعرفون أنّها لن يتم نشرها… وهذا يظهر حقا الأن مدى ضآلة ما يرى الإسرائيليون العاديون في الصحافة حول ما يحدث في غزة للفلسطينيين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق