أخبار العالمالشرق الأوسط

المقهى الدبلوماسي… طوفان الأقصى… فلسطين وإسرائيل

بقلم حمودة كامل

لا أستطيع أبدا نسيان صور الأطفال الشهداء والجرحى…لا يمكن أبدا لأحد أن ينسى مشاهد الأباء والأمهات المكلومين على أطفالهم… ولا يمكن أبدا أن نغض الطرف عن الأسر والعائلات المهجرة من منازلها… لا أحد يستطيع أن يغمض جفونه عند نومه دون أن يرى أمام عينيه شريطا من المٱسي والمذابح التي يقاسيها ويتعرض لها كل يوم وكل ساعة اخواننا في فلسطين في غزة والضفة… وفي شتى بقاع الأرض المحتلة…

وخرجت من صمتي الذي ترجه صرخات الغضب والسخط على جرسون المقهى الدبلوماسي وهو يضع أمامي قهوتي الفرنسية… فلما أدنيتها من فمي… وأخذت رشفة… شعرت بمرارة كبيرة في فمي وغصة في حلقي… ولم أجد لقهوتي المفضلة طعما… فأعدت الفنجان إلى موضعه… وذهبت في رحلة عبر الزمان… لأتذكر منذ البداية… قصة فلسطين… والاحتلال الإسرائيلي…

عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان… وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأرض المقدسة.. وفي العهد الإسلامي كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام.. ويقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: “أن فلسطين هي آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن أشهر مدنها عسقلان، والرملة، وغزة، وقيسارية، ونابلس، وبيت جبرين”…

وسكنت فلسطين وما جاورها قبائل وأقوام عربية متعددة قدمت مهاجرة من جزيرة العرب، ومن أشهر هذه الأقوام: الكنعانيون، والعموريون، والآراميون، وقد أقام هؤلاء الأقوام حضارات وبخاصةٍ الكنعانيين الذين اخترعوا الكتابة، وأقاموا المدن الكبيرة في فلسطين وسموها بأسمائهم وما زالت إرثاً حتى الآن..

غزا فلسطين والمناطق المجاورة مجموعات عرقية مختلفة.. مثل: الهكسوس (1750- 1500 ق.م) والفرس (520 ق.م) والإغريق بقيادة الإسكندر (332 ق.م) والرومان في القرن الأول الميلادي.. وفي سنة 636 للميلاد؛ تمكنت جيوش الفتح الإسلامي من تحرير فلسطين وصارت جزءاً من الدولة العربية الإسلامية، وشهدت فلسطين في العهد العربي انتعاشاً وازدهاراً..

في القرن التاسع عشر بدأت الحركة الصهيونية بمساعيها لإنشاء وطن لليهود في فلسطين تحت دعاوى تاريخية باطلة، وعملت هذه الحركة على توجيه الطلائع اليهودية إلى فلسطين قادمةً من روسيا للاستيطان الزراعي منذ و1884م، وأنشأت العديد من المستوطنات بدعم من الأثرياء اليهود مثل البارون ليونيل روتشيلد..

تزايد اهتمام يهود الغرب بأرض فلسطين الغنية بالخيرات أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ البارون الألماني موريس دي هيرش بتأسيس جمعية الاستعمار اليهودية في 1891 في لندن لمساعدة الاستيطان اليهودي في فلسطين، والتي كانت نواة الحركة الصهيونية العنصرية التي دعا إليها الصحفي والكاتب اليهودي النمساوي – الهنجاري ثيودور هرتزل الذي قام بعد ذلك بنشر كتاب عنوانه “الدولة اليهودية” عام 1896، يدعو فيه لإنشاء دولة يهودية في فلسطين.. وانعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا بالعام نفسه، داعياً لإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.. التي كانت ضمن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية آنذاك.. وتم تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية للعمل من أجل تحقيق هذا الهدف بعد انتشار الفكر الصهيوني المتطرف بين يهود وسط وشرق أوروبا..

توالى انعقاد مؤتمرات الحركة الصهيونية حتى عام 1901، عندما انعقد المؤتمر الصهيوني الخامس في بازل، وأقر تأسيس الصندوق القومي اليهودي، وهدفه الرئيس شراء الأراضي في فلسطين لتصبح وقفاً لكل الشعب اليهودي وتوظيف يهود فقط في هذه الاستثمارات الصهيونية..

خلال مؤتمرها الرابع في أغسطس 1903، أقّرت منظمة الهستدروت الصهيونية العالمية دستور الصندوق القومي اليهودي ليكون من أجل شراء أراضٍ في فلسطين، وإيجارها لليهود فقط، والامتناع عن بيعها.. وفي عام 1907، تم تسجيل الصندوق القومي اليهودي في بريطانيا كشركة خاصة محدودة الضمان..

وفي عام 1909 ، تم تأسيس مدينة تل أبيب شمالي يافا التي كانت مُخصصة لسكن اليهود فقط.. وعقد مؤتمر السلام المخجل في سان ريمو في 25 أبريل، ليكرس الاستعمار البريطاني، ويعطي بريطانيا الوصاية الدولية، أو “الانتداب” على فلسطين.. وتم تسمية السير هربرت صموئيل، السياسي اليهودي الصهيوني، لإدارة الانتداب البريطاني في فلسطين..

بدأ تدفق موجات من المهاجرين اليهود الصهاينة إلى فلسطين، بحدود 40000 يهودي للفترة بين 1904 و1914، مما أدى إلى تزايد نسبة السكان اليهود في فلسطين إلى حوالى 6%..

يوم 3 يونيو 1921 أصدر وزير الاستعمار البريطاني آنذاك، ونستون تشيرتشل، الكتاب الأبيض الذي استثنى فيه شرق الأردن من نطاق وعد بلفور، واشترط بأن تكون الهجرة اليهودية وفقاً للقدرة الاستيعابية الاقتصادية للبلد..

وفي 24 يوليه 1922، صادقت عصبة الأمم، التي كان يتحكم بها البريطانيون آنذاك، على مهزلة الانتداب البريطاني على فلسطين.. دخل الانتداب البريطاني على فلسطين حيز التنفيذ رسمياً في 29 سبتمبر 1923..

في أول إحصاء سكاني بريطاني لفلسطين عام 1922، تبين أن عدد سكان البلاد قد بلغ 757182 نسمة، كانت نسبة العرب المسلمين منهم 78%، ونسبة العرب المسيحيين 11%، ونسبة اليهود 9.6% فقط، حيث كان الصهاينة يروجون آنذاك أن أرض فلسطين فارغة من السكان، وأنها كانت تنتظر رجوع اليهود إليها منذ 2000 عام..

يوم 7 يوليو من عام 1937، أوصت اللجنة الملكية البريطانية “المعروفة بلجنة بيل” بتقسيم أرض فلسطين إلى دولة يهودية تضم 33% من البلاد، بما في ذلك حيفا والجليل والسهل الساحلي شمال اسدود، والدولة العربية في بقية البلاد، لتصبح جزءاً من شرق الأردن، على أن تبقى القدس تحت الانتداب البريطاني.

ولإنجاح خطة التقسيم هذه، اشترطت اللجنة نقل «أو ترحيل» الفلسطينيين من مدنهم في الجزء اليهودي إلى الجزء العربي، طبقاً لحدودها المقترحة، وبوجوب أن يكون هناك العدد نفسه من اليهود والعرب في بعض المناطق المخصصة للدولة اليهودية، مثل مدينة حيفا.

في مايو 1942، انعقد مؤتمر بلتيمور في نيويورك بحضور قادة الصهاينة من فلسطين والولايات المتحدة، وطالب المؤتمر «بإنشاء دولة يهودية في فلسطين» قبل انتهاء السنوات الخمس المسموح فيها لهجرة اليهود إلى فلسطين «أبريل 1944» بحيث يشمل جميع التأشيرات التي سُمح بها في عام 1939 والبالغة 75000، بناءً على توصيات الكتاب الأبيض..

يوم 10 مارس 1948، صوت مجلس العموم البريطاني على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث تم في تل أبيب في الساعة الرابعة مساء يوم 14 مايو 1948، إعلان دولة إسرائيل وتم تعيين دافيد بن جوريون كأول رئيس وزراء لها، واعترف الرئيس الأمريكي ترومان بدولة إسرائيل في اليوم نفسه.. وفي اليوم التالي أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها لفلسطين، ودخل قيام دولة إسرائيل حيز التنفيذ.. ومن يومها بدأ الفلسطينيون مشوار البحث عن الحرية..

وفي أواخر عام 1987 انطلقت الانتفاضة الفلسطينية التي عُرفت باسم انتفاضة الحجارة .. وفي 15 نوفمبر 1988 في الجزائر العاصمة، أعلن ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، إنشاء دولة فلسطين..

واستمرت انتفاضة الحجارة مشتعلةً حتى توقيع اتفاقية إعلان المبادئ أو ما عُرف باتفاق أوسلو في 13 سبتمبر عام 1993..

وبعد عام من توقيع اتفاقية أوسلو، في عام 1994، شكلت السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة المناطق في الضفة الغربية، وقطاع غزة..

نتيجةً لاتفاق أوسلو أقيمت أول سلطة وطنية على الأرض الفلسطينية كمرحلة تستمر خمسة أعوام تقام عقبها دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية..

إلا أن إسرائيل لم تلتزم بهذه الاتفاقيات، وصعّدت من الاستيطان في الضفة الغربية، وعملت بوتيرةٍ متسارعةٍ على تهويد مدينة القدس؛ ما أدى إلى تفجّر الانتفاضة الثانية والتي عُرفت بانتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000، قتلت إسرائيل خلالها آلاف الفلسطينيين، وجرحت عشرات الآلاف، وزجت بآلاف أخرى داخل السجون، كما أعادت إسرائيل احتلالها للمدن التي كانت سلّمتها للسلطة ضمن اتفاق أوسلو، وقطّعت أوصال المناطق الجغرافية وحرمت الفلسطينيين من التنقل بحرية، وأقامت جدار الفصل العنصري الذي التهم آلاف الدونمات من أراضي المواطنين الفلسطينيين وخاصةً الزراعية منها وتلك التي تقع ضمن الأحواض المائية..

وخلال انتفاضة الأقصى؛ قابل الشعب الفلسطيني إجراءات الاحتلال القمعية بمزيدٍ من الصمود والمقاومة؛ ما دفع بإسرائيل إلى الإعلان في فبراير 2004 عن نيتها الانسحاب بشكل أحادي من قطاع غزة، وهو ما تم فعلاً في 15 أغسطس من العام 2005، حيث فككت إسرائيل 21 مستوطنة مقامة في القطاع وأخلت قواتها منه، فيما بقيت تسيطر على حدوده براً وبحراً وجواً..

وخلال هذا العام 2023 شهدت فسطين تصعيدا إسرائيليا متسارعا بحق كافة مركبات المجتمع الفلسطيني، طال الحجر والشجر والبشر وزاد من التضييق على مقدرات الشعب الفلسطيني.. وفي صباح السبت 14 أكتوبر أطلق الفلسطينيون النفير لعملية طوفان الأقصى التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 إسرائيلي.. وجاء الرد الإسرائيلي عنيفا عشوائيا يحصد الأطفال والنساء ويشرد العائلات.. حتى أن عدد الشهداء بلغ أكثر من 2800 شهيدا بقطاع غزة والضفة الغربية وأكثر من 11 ألف مصاب..

فإذا كان لسان حال الواقع وحديث الأرقام.. فماذا يقول الإسرائيليون أنفسهم .. واستحضرت ما قاله الكاتب والصحفي الإسرائيلي

حاييم ليفنسون في صحيفة هآرتس بعنوان:”مهما حدث في هذه الجولة من الحرب، فقد خسرنا بالفعل”..

“إن كلّ ما تفعله إسرائيل من الآن فصاعدا لا معنى له، حتى لو وجدت محمد الضيف في مخبئه، وقدمته للمحاكمة في محكمة الشعب، فكما حدث في حرب “يوم الغفران”؛ جاءت الخسارة مع الضربة الافتتاحية، وما تبقى قصص للمؤرخين”..

“فكل الجيش الإسرائيلي وجهاز “الشاباك” بكل وسائلهما وطائراتهما المسيّرة وتنصّتهما، وذكائهما البشري والاصطناعي، وابتزازهما للمصادر البشرية، وعباقرة وحدة النخبة 8200؛ لم يكن لدى أيّ أحد منهم أدنى فكرة”..

“إن نجاح حماس يُعد حدثا إستراتيجيّا بالنسبة لدولة إسرائيل، فقد انهار الشعور بالأمان، وتمّ نقل الحرب بسهولة إلى الأراضي الإسرائيلية دون أي رد، وتم الكشف عن عُري الجيش الإسرائيلي”.. “لن يعود المجتمع الإسرائيلي إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر”..

ونقتطف جزءا من مقال الكاتب الصهيوني الشهير “آري شبيت” الذي نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية تحت عنوان:

” إسرائيل تلفظ انفاسها الاخيرة”.. ” يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال”.. “يبدو أننا إجتزنا نقطة اللا عودة ، ويمكن أنه لم يعد بإمكان “اسرائيل” إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويبدو أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم الناس في هذه الدولة” ..

“لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في “هآرتس” ، ولا طعم لقراءة “هآرتس”.. يجب فعل ما اقترحه (روجل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد.. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس.. يجب النظر بهدوء ومشاهدة “دولة إسرائيل” وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.. أنه ما زال بالإمكان إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وإعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد”.. “القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ “إسرائيل” من نفسها، هم “الإسرائيليون” أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض”.. “إن “الإسرائيليين” منذ أن جاؤوا إلى فلسطين ، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، ومن خلال استغلال ما سمي المحرقة على يد هتلر “الهولوكوست” وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تقنع العالم بأن فلسطين هي “أرض الميعاد”، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحول الذئب إلى حمَل يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشاً نووياً.. “كل علماء الآثار الغربيين واليهود، أكدوا “أن الهيكل كذبة وقصة خرافية ليس لها وجود ، وأثبتت جميع الحفريات أنه اندثر تماماً منذ آلاف السنين، وورد ذلك صراحة في عدد كبير من المراجع اليهودية “..

وها هو كاتب آخر يعترف، ليس بوجود الشعب الفلسطيني، بل وبتفوقه على “الإسرائيليين”، هو (جدعون ليفي) الصهيوني اليساري، الذي يقول : “يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا على شبابهم المخدرات، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجر انتفاضة الـ 87 .. أدخلناهم السجون وقلنا سنربيهم في السجون..

وبعد سنوات، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 ، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار ، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة..

وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية ، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي “الإسرائيلي” (عاموس)؟ ويدخلون الرعب إلى كل بيت في “إسرائيل”، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية “الاسرائيلية” . خلاصة القول، يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال..

هذا ما قاله الكتاب والصحفيون الإسرائيليون أنفسهم.. فهل هناك قول بعد ذلك.. إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل..

وللحديث بقية..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق