المقترح الأميركي لإدارة ممر زنغزور: يوسّع الانقسامات في جنوب القوقاز ويثير قلق إيران…

قسم البحوث والدراسات 23/07/2025
تقديم
أثار المقترح الأميركي لإدارة ممر زنغزور، الذي يُعدّ طريقاً حيوياً بين الأراضي الرئيسية لأذربيجان ومنطقة نخجوان عبر جنوب أرمينيا، اتساعاً في الانقسامات داخل منطقة جنوب القوقاز، وأثار في الوقت ذاته مخاوف في إيران.ففي هذه القضية، لا يتعلق الأمر فقط بالربط الإقليمي، بل إن النظام الجيوسياسي عند الحدود الشمالية الحساسة لإيران بات مهدداً أيضاً.
وترتبط إيران استراتيجياً بمسار طوله 43 كيلومتراً يمر عبر محافظة سيونيك الأرمنية، وهو ما يجعل هذا الطريق جزءاً لا يتجزأ من حساباتها الأمنية. هذا المشروع «سيحرم إيران من وصولها الطبيعي إلى أراضي جنوب القوقاز عبر أرمينيا»، ويجعلها تحت رحمة مسار «تكون السيطرة عليه بيد أذربيجان أو أطراف دولية أخرى».وفي حال سيطرت باكو على هذا الممر، أو دُفعت إدارته إلى أطراف خارجية، فإن إيران ستفقد نفوذها على التجارة في شمالها.
الأمن والنظام الإقليمي
في الشأن الأمني والنظام الإقليمي، «القلق الأكبر لدى إيران هو أن يؤدي هذا الممر، بشكل دائم، إلى إنهاء أي فرصة لمشاركتها في خطوط النقل بين الشرق والغرب». وأكد أن إشراف الولايات المتحدة على ممر زنغزور يزيد من هذه المخاوف، لأنه يُدخل المصالح الأميركية «بشكل مباشر إلى حدود إيران الشمالية».
ويأتي هذا التحول في وقت يشهد فيه النفوذ الروسي في جنوب القوقاز تراجعاً، على خلفية الحرب في أوكرانيا والتحولات التي أعقبت الحرب الثانية في قره باغ. وتجد إيران، التي كانت تميل إلى التبعية لموسكو، أن المنطقة العازلة باتت مهددة.وفي ظل «خيارات استراتيجية محدودة»، تتواصل طهران مع جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وتسعى بالتوازي إلى تعزيز «التعاون السياسي والأمني مع أرمينيا».
إن ردود الفعل الرسمية الإيرانية، فضلاً عن المناورات العسكرية التي أجرتها طهران منذ عام 2021 في المنطقة، لا تعكس بالضرورة توجهاً تصادمياً، بل تعبّر عن رفض إيران لوجود أطراف أجنبية على حدودها.
الرقابة والترانزيت والحوكمة
في ما يتعلق بالرقابة والترانزيت والحوكمة، استقبلت كل من يريفان وباكو المقترح الأميركي بحذر.وترى أذربيجان في هذا الممر قناة استراتيجية تربطها بنخجوان وتشكل جزءاً من ترتيبات ما بعد الحرب.أما أرمينيا، فتخشى من أن يهدد هذا المسار سيادتها، وتصرّ على أن يكون تحت سيطرة كاملة من جانبها، معتبرة أن إقامة «ممر» فعلي تعني عملياً التنازل عن صلاحياتها.
وبالنسبة لأذربيجان، فإن هذا الطريق يعني الوصول غير المقيد إلى نخجوان، وأي تدخل خارجي، سواء من الولايات المتحدة أو أوروبا أو روسيا، هو أمر غير مقبول.ما من وجهة النظر الأميركية، فيمثل هذا المشروع محاولة للاستفادة من فراغ القوة غير المسبوق في المنطقة، في وقت يتراجع فيه النفوذ الروسي، وتتدهور علاقات موسكو مع باكو ويريفان.
هذا المقترح «يشبه صفقة عقارية غير مسؤولة»، إن كانت واشنطن تملك فهماً كافياً لتعقيدات المنطقة.كما أن سيطرة روسيا على شبكة السكك الحديدية في أرمينيا، والعقوبات الغربية المفروضة عليها، يطرحان علامات استفهام حول إمكانية تنفيذ المشروع.وتأمل طهران في أن تستعيد موسكو قدرتها على مقاومة الحضور الغربي في المنطقة، لكن التغيرات في ميزان القوى أدت إلى تراجع نفوذ إيران.في هذه الأثناء، لا تزال أرمينيا وأذربيجان تخشيان من التخلي عن الرقابة أو الحوكمة، وتتمسكان بمواقفهما حول الشكل الذي يجب أن يكون عليه هذا المسار.
خلاصة القول، لم يعد ممر زنغزور مجرد طريق ترانزيت، بل أصبح نقطة اشتباك حساسة بين رؤى متعارضة حول السيادة، والنفوذ، والنظام الإقليمي.