المعبد الأزرق في الوطن الأخضر”البابا غنوش الأول”
بقلم الكاتب الليبي / يوسف بن داوود
على ضفاف جنوب المتوسط الجميل، وقبالة سواحل أوروبا الحديثة شمال المتوسط، في قبلة الأحرار، دولة الحريات المدنية والمجتمع الحضاري الرائع، بنيت”الكنيسة الزرقاء” وانتكست شعلة وطن حر وهيبة شعب شعاره الوحيد الكرامة.
الدولة النموذج، التي “يتحاكى” عنها كل سكان دول شمال إفريقيا وكل دول العالم العربي، هي”البيّة الخضراء”، يظهر عليها في القرن الواحد والعشرين،”البابا غنوش الأول”، رجل الدين الجديد، يلبس جبة التقوى والدين وبيده توكيل من السماء وصكوك الغفران ومفتاح الجنة ومفتاح جهنم.
كنت كثير الزيارة ولا زلت لهذا الوطن الجميل المفعم بالحياة والثقافة والجمال، بلد خفيف الظلّ، بلد يحلو فيه العيش، بلد الأمن والآمان، إذ به ينقلب رأسا على عقب، وكأنه قد أنزل عليه عقاب إلهي أو لنقل امتحان من العدالة الإلهية وربما أصيب بعين حاسدة شريرة ولم تعد تنفع حصانة الأولياء والصالحين.
مجموعة رفعت شعار حماة الدين والديار والحرية الربانية، وعلى رأسها رجال معبد آمون “المعبد الأزرق” أين يتربع “البابا غنوش الأول” وفيه توزع صكوك التوبة لمن يدفع أكثر، وفيه يتم الغفران ويتم العقاب، وفيه تناقش وتحدد مصائر الكثيرين، والكل يتزلف ويخاف من غضب الرب ولكن “البابا غنوش الأول” يمكن أن يشفع ويردد مقولته الشهيرة “هذا ابننا ونواياه صادقة معنا، إذن فهو صادق مع الرب، ويجب إبطال الإجراءات الربانية على الأرض حتى لا تطاله عقوبة السماء”.. لله درك أيها “البابا الأعظم”!
أرى تونس اليوم تحت رعاية “البابا غنوش الأول” في معبده الأزرق وكأننا نعيش في أوروبا القديمة التي تقاذفتها أمواج فساد الكنسية من القرن الحادي عشر وحتى أواخر القرن الخامس عشر.. ومن الصدف ومن عبث التاريخ والجغرافيا أن أطلق على تلك الحقبة من زمن عصور الظلام والوهن، عصر النهضة، فهل تتحول الجغرافيا من شمال البحر المتوسط إلى جنوبه وتلامس الدولة المدنية لتصبح دولة “المعبد والآلهة ووسطاء ووكلاء الرب على الأرض؟”.
في هذه البقعة تحديداً لا يمكن أن تجد وصفاً دقيقا لتناقض يعيشه سكانها، فأكثر شخصية مكروهة هي من تتحكم في مصير هذا الشعب، هذه الشخصية التي تحوز على أعلى نسبة من الشخصيات المنبوذة..والمفارقة أن وكيل الله والدين على الأرض “البابا غنوش الأول” (يا سبحان الله) الكل يكرهه ويسبه ولكن يخافون عقابه وغضبه الرباني ويخافون من “صناعه”، ويبدو أن حياة الترف في بريطانيا طيلة سنوات عيشه هناك قد جعلته مغرما بسلطة الكنسية في القرون الوسطى المظلمة.
الرجل، ومنذ أن تصدّر المشهد في هذه البقعة “المباركة” من الأرض وفي تاريخ قد قلب مسار الكرة الأرضية عام 2011، خيل له أنه وصيّ الله عز وجل على عباده على الأرض وعلى التاريخ، في زمن المعجزات والنفحات الربانية التي تنزل عليه وعلى أعوانه.. فإن كنت مسؤولا ومهما بلغ حجم فسادك أو تجاوزاتك فلا تَخَفْ فإن “البابا غنوش الأول غفور رحيم”، إذ يكفي أن تزور “البابا في معبده الأزرق” وأن تغدق بالهبات والتبرعات على المعبد وعلى “أهل البيت” ليعرف أن نواياك طيبة وأنك مسلم ولا تستسلم، وربما يصبح لك سلوك الأتقياء والأولياء الصالحين، وربما يدعمك لتصبح من الأعيان وتعتلي المناصب في الدولة “فإنما الأعمال بالنوايا، ولكل تونسي ما نوى” فتصبح من المحضوضين والمقربين ويصرف لك صك غفران مفتوح إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، لتتحول من فاسد مفسد إلى صالح في قلبك التقوى ولينثر عليك “البابا غنوش الأول” رشات الماء المبارك لتذوب وتتطاير أخطاؤك وذنوبك ولتنقى مثلما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
فهنيأ لتونس الجارة العزيزة بعصر النهضة و”بالبابا غنوش الأول و الأخير”!
“البابا غنوش الأول” صالح لكل زمان ومكان من جنوب المتوسط إلى شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط ليصل حتى إلى الغرب..إنه كاهن التائهين والمتوهين، في مجتمعات تستهلك الأفيون، ولم تشبع، فأضيف إليها أفيون الشعوب “الدين” والمعابد ودور العبادة وكل الماوارئيات كي لا تستفيق وتعيش الغيبوبة المحبوبة لقلب “البابا غنوش الأول” حفظه الله، فهو القادر القدير يتعامل مع هذا الشعب والدولة، وكأنه “بابا” كنسية في القرون الوسطى، تخضع له جميع السلطات الدينية والسياسية…
ولكن ألم سيتفق الأوروبيون ويدركوا حجم فساد رجال الدين وبابا الكنسية؟ ألم يخرج لنا مصطلح العلمانية الذي فصل الدين عن الدولة بسبب الكوارث والجرائم التي اقترفتها الكنسية ورجال الدين، في حق البسطاء من الفلاحين والعبيد.
على خطى ذلكم الفلاحين والله إنني أرى آلاف الكادحين سيخرجون يوماً ليهدموا كنسية “المعبد الأزرق” على رأس”البابا غنوش الأول”..
فقد بلغ ظلم وفساد “المتغونشين” باسم الدين كل ما هو مقبول أو معقول في بلاد الحريات، بلد المدنية والوطنية، تونس الخضراء الغالية.