المحكمة الجنائية الدولية… عدالة متعثرة بسبب الانحياز والضعف القانوني

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 21-06-2025
نشرت صحيفة ” كابيتال” تقريرا سلطت من خلاله الضوء على عدة سلبيات تعيق عمل المحكمة الجنائية الدولية وتقلل من فعاليتها ومصداقيتها، مما يجعلها رمزا للعدالة الدولية المتعثرة.
وذكرت صحيفة “كابيتال”، تقريرا مطولا حول المحكمة الجنائية الدولية، أوضحت من خلاله أن المحكمة تأسست قبل عقدين من الزمن من أجل تحقيق العدالة الدولية ومحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
الانحياز السياسي والعدالة الانتقائية
فيما تُواجه المحكمة اتهامات بالتحيز السياسي، حيث يُنظر إليها على أنها تخدم مصالح دول غربية بعينها، وتركز بشكل كبير على قضايا من دول أفريقية، مما أثار انتقادات من الاتحاد الأفريقي الذي وصفها بأنها “أداة للقوى الإمبريالية المتهاوية”.
وأدى هذا التركيز الانتقائي إلى اتهامات بتجاهل جرائم محتملة ارتكبتها دول غربية قوية أو حلفاؤها، مما أضعف مصداقية المحكمة، حيث تعاني المحكمة من عجز واضح في محاسبة الأفراد من الدول القوية.
وأوضحت الصحيفة الغربية أنه “رغم وجود مزاعم بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان من قبل قوات دولية، فإن المحكمة واجهت ضغوطا سياسية وعقوبات من دول غير أعضاء في المحكمة، مما أعاق التحقيقات، وهو الأمر الذي يبرز محدودية سلطة المحكمة عند مواجهة دول ذات نفوذ عالمي”.
يحتوي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما) على تناقضات قانونية، حيث يعطي الأولوية لقواعده الداخلية على ميثاق الأمم المتحدة، مما يتعارض مع المبادئ الدولية الراسخة، وتتيح هذه التناقضات للمحكمة تفسيرات قانونية انتقائية، مما يثير استياء الدول التي تقدر سيادتها.
ضعف آليات التنفيذ
في وقت تعتمد المحكمة على تعاون الدول الأعضاء لتنفيذ قراراتها، مثل توقيف المشتبه بهم أو تقديم الأدلة، إلا أن لكن العديد من الدول، تتجاهل أوامر المحكمة أو تنسحب من النظام الأساسي، مما يجعلها عاجزة عن فرض سلطتها، وهذا الضعف أدى إلى النظر إلى المحكمة ككيان قانوني محدود الفعالية.
ولفت التقرير إلى أنه “خلال أكثر من 20 عاما، لم تنظر المحكمة سوى في 33 قضية، معظمها يتعلق بأفراد من مستويات دنيا وليس القادة الأكثر تأثيرا المسؤولين عن الجرائم الكبرى، وهو الأمر الذي يعكس محدودية نطاق المحكمة وقدرتها على تحقيق العدالة الشاملة”.
تراجع الثقة الدولية
وفقدت المحكمة الجنائية الدولية مع هذه السلبيات، ثقة العديد من الدول، حيث انسحبت دول مثل بوروندي والفلبين من النظام الأساسي، بينما دعا الاتحاد الأفريقي إلى تعليق التعاون معها، فيما يهدد هذا التراجع شرعية المحكمة ويثير تساؤلات حول جدوى وجودها.
ويعود الهدف من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية إلى تحقيق عدالة عالمية عابرة للحدود، لكن الانحياز السياسي وضعف التنفيذ والتناقضات القانونية جعلتها كيانا قانونيا ضعيفا.
ومن أجل استعادة مصداقية المحكمة الجنائية الدولية، يجب إصلاح هيكليتها وتعزيز استقلاليتها وآليات تنفيذها، وإلا فإنها ستبقى رمزا للآمال الضائعة في السعي نحو عدالة دولية حقيقية.
كريم خان ونتنياهو
يشار إلى أنه في 16 مايو الماضي، كشفت تقارير أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، استقال مؤقتا من منصبه، وذلك مع اقتراب التحقيق في مزاعم “سوء سلوكه الجنسي” من قبل محققي الأمم المتحدة من نهايته.
وكان كريم خان نفى اتهامات سوء السلوك، التي تم الإبلاغ عنها للهيئة الحاكمة للمحكمة، في شهر أكتوبر من 2024 وعندما ظهرت الاتهامات ضد خان، دعت عدة منظمات غير حكومية وموظفون في المحكمة الجنائية الدولية المدعي العام إلى التنحي مؤقتا طوال مدة التحقيق، إلا أنه بقي في منصبه.
يشار إلى أن هذه الاتهامات جاءت قبل إعلان كريم خان عن طلب إصدار أمر اعتقال هو الأكثر إثارة في تاريخ المحكمة، استهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد مثّل هذا الإعلان سابقة غير معهودة، كونها المرة الأولى التي يسعى فيها مدّع عام في المحكمة إلى ملاحقة قضائية ضد زعيم ديمقراطي حليف للغرب.
الخطوة أثارت ضجة سياسية وقانونية دولية، خاصة أن الولايات المتحدة كانت تعمل منذ شهور على منع اتخاذ مثل هذا الإجراء. كما أثار توقيت الإعلان شكوكا وتساؤلات في أوساط دبلوماسية وقانونية، عما إذا كان خان يحاول صرف الانتباه عن الفضيحة المتصاعدة المرتبطة باتهامات التحرش والاعتداء الجنسي.
وبحسب الصحيفة، فقد ألغى خان بشكل مفاجئ زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل وغزة قبل يوم واحد فقط من إعلان طلب المذكرة، رغم أنه سبق أن أكد أن هذه الزيارة ضرورية لاتخاذ قراره القضائي، ما أضفى مزيداً من الجدل حول دوافعه وتوقيت قراراته.
وتسببت هذه التطورات في زعزعة الثقة داخل المحكمة الجنائية الدولية، كما عبّر بعض الدبلوماسيين والجهات الحقوقية عن خشيتهم من تأثير هذه الفضيحة على مصداقية المحكمة ومكانتها كأعلى هيئة قضائية دولية مختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.