أكـــــلـي شـــــكا: أهمية تأمين الحدود الوطنية في عملية التنمية والاستقرار وفي السلم الاجتماعي للدولة
أكـــــلـي شـــــكا: كاتب وخبير امني و استراتيجي متخصص في منطقة الساحل الافريقي وشمال افريقيا، خريج جامعة لندن قسم العلوم السياسية تخصص العلاقات الدولية والحوكمة الرشيدة.
مـــــــــداخـــــلة بعنـــوان:
التنــــمية ودرء الـــنزاعات: دور ضمان حقوق الأقليات الثقافية واهمية تأمين الحدود الوطنية فيعملية التنمية والاستقرار وفي السلم الاجتماعي للدولة
تــــــــــقديــم
ظهر على الأفق مصطلحومفهوم التنمية الحديثة اول ما ظهر، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان رائد هذه الفكرة او الحركة التنموية او ما بات يعرف في العلاقات الدولية بـ “مبدأ ترومان” الذي اصبح بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب العالمية الثانية احد المرتكزات الصلبة في رسم سياسيات الخارجية الامريكية واستمر بقوة حتى نهاية انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1989. وتدور فلسفة “مبدأ ترومان” بشكل أساسي على ان القوة العالمية تتوزع بين قطبين مدججين بالأسلحة والترسانات التكنولوجية اي الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفياتي وانصارها من جهة اخرى. وكانت فكرة ترومان نابعةمنالهاجسالمتزايدعلى فقدان الولايات المتحدة نفوذها في حالة تمكن الاتحاد السوفيتي وكذلك صعود وانتشار انصار النازية في اوروبافي فرض سيطرتهم الكاملة على القارة، ما يهدد وجود الولايات المتحدة الامريكية كقوة أحادية في العالم. ولذلك عملت أمريكيا وحلفائها على احتواء هذا الانتشار خلال سياسة عرفت آنذاك بـ “سياسة الاحتواء”. انطلاقا من مبدأ سياسة الاحتواء التي اطلقها ترومان وزملائه، حيث اعتمدت الولايات المتحدة الامريكية على استراتيجية جديدة ترتكز في مجملهاعلى تقديم الدعم والمساعدات لأوروبامن اجل استعادة قوتها وفرض نفوذها خلال برامج التنمية المختلفة التي كلفت الخزينة الامريكية آنذاك ما يقارب 14 مليار دولار.
خلال السنوات التي تلت نهاية خطة “مبدأ ترومان” التي افرزت فيما بعد “خطة مارشال”، توسع مفهوم التنمية الدولية الى ان اصبح أحد أدوات التدخل الخارجي وتوسع نفوذ الدول الكبرى، سيما بعد غزو كوريا الجنوبية من قبل الشمال الشيوعي وكان ذلك بمثابة إشارة إلى نهاية “خطة مارشال” التي استحوذت على المشهد لعقود وبداية لحقبة جديدة من عقيدة الاحتواء. فمن ناحية، أصبحت الولايات المتحدة أكثر تركيزاً على إعادة بناء القوة العسكرية لحلفائها الأوروبيين وتدويل مساعداتها التنموية الخارجية بشكل اكثر انتظاما وفاعلية.
لم تكن العلاقة بين المساعدة الأجنبية والقوة الإمبراطورية مجرد استراتيجية للولايات المتحدة من اجل التوسع والسيطرة على العالم، ولكنها اصبحت احد الأدوات الفعالة التي اعتمدها الرئيس جون كيندي في عام 1961 عندما اطلق ما بات يعرف فيما بعد بــ”الوكالة الامريكية للتنمية الدولية”(USAID(.وكجزء من التنافس الدولي اطلق الاتحاد السوفيتي في عام 1947، نسخته الخاصة من “خطة مارشال”التي عرفت بـ”خطة مولوتوف”.
انتهت خطة مارشال رسميًا في عام 1951 بقانون الأمن المتبادل. وقد تم استبدالها بوكالة الأمن المتبادل وبعد ذلك بإدارة العمليات الخارجية التي عززت المساعدات الخارجية الأمريكية. وكان غرضه هو اقتباس “مركزية جميع العمليات الحكومية، بخلاف صياغة السياسات، التي كان هدفها التنمية التعاونية للقوة الاقتصادية والعسكرية بين دول العالم الحر”.
عادة، عندما نفكر في الصراعات الدولية او تحديدا في تداعيات الحرب الباردة، فإن اول ما يتبادر الى اذهاننا هو فكرة سباق التسلح النووي اوالحروب بالوكالة كتلك التي حدثت في أماكن عديدة في العالم مثل كورياوفيتنام والعراق او اليمن والحرب الأخيرة في ليبيا، لكن سباق مشاريع “التنمية” لما لها من إيجابيات وسلبيات على المجتمعات المستفادة، كانت أيضًا أداة مستخدمة على نطاق واسع في ترسانات الدول الكبرى على رائسها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي. وبطبيعة الحال، كانت لدي هذه القوى رؤى مختلفة حول ما تعنيه التنمية بالنسية لهذه الدول، ولكن في نهاية المطاف، كان لكل دولة مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية الخاصة والتي تأتي دائما في المقدمة. اما فيما يخص مفهوم التنمية بشكل عام، فهي بلا شكتهدف الى النهوض السليم والديناميكي-العملي للدولة، فهي تحرر الدول من الاجندات الخارجية كما أنها تمثل المسار الحركي الذي يشمل عديد القطاعات في اطار المسار التنموي المتواصل للمجتمعات. بالإضافة الى قدرة التنمية على التفاعل مع مختلف الآليات المؤسسية والسياسية والاجتماعية سواء كانت من القطاع العام او الخاص او تنمية المجتمعات المحلية.
هذه الورقة المتواضعة، تحاول الإجابة على بعض الأسئلة التي ما تزال معلقة في الهواء والتي أثارت في العقود الاخيرة الكثير من النقاشات الأكاديمية حول الأسباب الكامنة وراء قيام البلدان الغنية او القوى العظمى بتقديم المساعدات لدول الفقيرة؟ هل تهدف الدول المانحة الى تعزيز مصالحها التجارية والاقتصادية والجيوسياسية وراء مشاريع التنمية ام ان نوايا هذه الدول الهدف منها التقليل من المخاطر الأمنية التي يتصدرها الفقر وان ما تقوم به هذه الدول هو نابع عن ضرورة انسانية ؟ كيف يمكن لليبيا ان تستفيد من برامج الدعم الدولي للتنمية فيما لايتعارض معسيادتها الوطنيةوتحقيقا للاستقرار والسلم المجتمعي بين مختلف شرائح المجتمع الليبي.
دور التنمية المستدامة في الاستقرار ومنع النزاعات
تتفق شتى نظريات التنمية على أهمية التنمية المحلية للمجتمعات وتعتبرها شرط أساسي من شروطاستقرار المناطق ومحاربة الظواهر السلبية في المجتمعات. حيث يذهب معظم الباحثين و المختصين في مختلف حقول التنمية، الى ان التنمية هي أساس ضروري في خلق توازن وبيئة مناسبةللأفراد والتجمعات الإنسانية المختلفة. أصحاب هذاالتوجه،يتفقونعلى ان الفقر هو المغذي الحقيقي لكل الصراعات وهو ام لكل الشرور ومنبع الجريمة بشقيها المنظم وغير المنظم.
إذ تخبرنا السجلات التاريخية وتجارب الصرعات الدولية، بان معظم الحروب التي حدثت في الماضي، جلها إن لم تكن جميعها أساسها هو حافز النفوذ و السيطرة علىمصادر الثروات. حتى يوم الناس هذا،مازالت اقطاب الصراع الرئيسية: الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) تتصارع على بسط نفوذها على المناطق الغنية ، كما ان معظم الحروب الاهلية والقبلية او العرقية في افريقياجلها كان بدافع السيطرة على ابار المياه او على وديان العشب او على مناطق الرعي او الأماكن الزراعية الخصية. والجدير بالملاحظة هنا، هو ان صراعات النفوذ تبقى صراعات وإن تباينت المسببات و اجندات القوى المتورطة،فالصراع يبقى صراعا مهما كان حجمه او قوة الأطراف المتناحرة سواء كانت هذه الاطراف قبائل بدوية صغيرة او اقطاب دولية كبرى.
تاريخيا،يعتبر بروز الصراعات الدولية او الحروب الاهلية سواء تلك التي حدثت في العصور الوسطى او الحروب الحديثةكالحرب العالمية الأولى والثانية، كان اغلباسبابها حاجة المجتمعات الى التمكين وفرض النفوذ على مصادر الموارد الاساسية والتي من بينها المسالك التجاريةالمختلفة كالمنافذ البحرية والبرية او الجوية. هذا قاد الكثير من الباحثين في مجالات وضع الاستراتيجيات الرشيدة الى خلاصة مهمة وهيان جدلية التنمية المكانية تعتبر اداة اساسية في تجنب الصراعات وفضها. كما اعتبر هؤلاء ان تحديات التنمية هي التحدي الأكبر الذي يواجه المنخرطين في عملية السلام والاستقرارسواء في الماضي أو في الحاضر او مستقبلا.
حقوق الجماعات ودورها المهم في خلق بيئة مستقرة تنبذ العنف
شكل الإعلان العالمي لحقوق الانسان في سنة 1948أساسا تاريخيا الذي من خلالهتوصلت شعوب العالم بعد امد طويل من الدماء ومن الصرعات وقرون من الحروب الاهلية والدولية على أهمية الحوار والاعتراف بالأخر. لا احد منا اليوم لا يدرك الأسباب والجذور التاريخية التي أجبرت الإنسان في ذلك اليوم التاريخي على ضرورة الجلوس على طاولة واحدة، من اجل الحسم في مسائل مهمةتهم كوكبنا الأرضيوكذلك ضرورة ان يعترف الانسانبحقوق أخيه الانسان بغض النظر عن الاختلافات في اللون أوالعرق أو اللغة او فيالمعتقد.
كان الدافع الحقيقي لهذا الإعلان الذي جاء بعد مخاض طويل من الحروب المدمرة التي اجتاحت معظم اطراف وانحاء عالمنا، هو فض النزاع من خلال اعتراف الانسان بأخيه الانسان. وان كان هذا الإعلان لم يكن على المستوى المطلوب ولم يحقق الغايات المرجوة التي وضع من اجلها، الا انه كان بلا منازع ركيزة مهمة ومنطلق مهم نحو احداث فجوة حقيقية فيالأنظمة السائدة آنذاك،حيث نجح قادة العالم في وضع تصورات واقعية من شأنها انتقلل من النزعات ومنعها من خلال حقوق الانسان.وقد اتفق المجتمعين والموقعين في ذلك اليوم التاريخي،بان عندما ينهكانسان حقوق انسان اخر، فان هذا الأخير سيتمرد، وان هذا التمرد يقوده في نهاية المطاف الى النزاع والى رفع السلاح ومن ثم الى الحرب. حيث اثبتت كل التجارب بان الدول التي تحترم فيها حقوق الانسان، هي اقل عرضة للنزاعات وللحروب بل هي أيضا اقدر على مواجهة ازماتها الداخلية والخارجية.
اغلب المجتمعات المستقرة اليوم اقتصاديا وامنيا واجتماعيا،كالاتحاد الأوروبي الذيانهكته الحروب الدموية والدينية (حروب الكنيسة) وحروب الطبقات المختلفة،لم يصل الى المستوى من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي إلا بعد توصل الاوروبيون الى مرحلة مهمة من مراحل التطور الانسان،ألا وهي مرحلة النضج والارتقاء الإنساني. حيث بعد مخاض عسير من انتهاكاتحقوق الانسان ومن الدمار،ادركت المجتمعات الأوروبية بأن الاعتراف بالأخر هو السبيل الوحيد نحو تحقيقالاستقرار والبناء والتعايش السلمي. من هنا برز مفهوم الدولة المدنية المعاصرة، دولة القانون والمؤسسات.
و من هنا أيضا دخل الأوروبيين في مواجهة مباشرةضدالأرستقراطياتوالطبقية وكان ذلك لحظة ميلاد مفهوم الفلسفة القائلة بان الانسان هو المقياسوهي المبادئ الساميةالتي تحدث عنها معظم الكتابكجان جاك روسووماكسيمليانروبسبيير(صاحب مقولة: حرية مساواة، اخوة ) واخرون الذين كانوا رواد في مأسسة وبناء المجتمعات على مبدأ الحقوق المدنية والحضارية التي كانت ومازالت شرط أساسي من شروط التنمية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
يقول أصحاب هذا الرأي ان منح الافراد او المجموعات المختلفة في الدولة الواحدة حقوقهم، هو أداة فعالة لتحقيق امرين مهمين،ألا وهما عملية التنمية والاستقرار. لا احد ينكر اليوم، ان اغلب الصرعات والحروب التي حدث وتحدث في العالم، كان معظماسبابها هو غياب حقوق الانسان او تجاهلمبدأ الاعتراف بالأخر. والحقوق التي نتحدث عنها هنا،هي حقوق المواطنة الاساسية المبنية على المساوة وعلى العدالة الاجتماعية، انتهاء بالحقوق الثقافيةناهيك عن حرية التعبير. لقد اثبتت التجارب البشرية، انتجاهل هذه الحقوق كانالمحرك الرئيسي الذي يدفع الافراد والجماعات الى رفع السلاح في وجه دولهم كما ان ضمان الدولة لهذه الحقوق لمواطنيها، هو الضامن الوحيدلتحقيق الاستقرار و التنمية والسلم المجتمعي.
فالمناطق غير المستقرة اليوم او المناطق التي ينتشر فيها الفقر وتشتعل فيها الحروب والصراعات الاهلية، هي غالبا مناطق تحاول انتبتلع فيها مجموعات دينية او عرقية او ثقافية معينة، مجموعة أخرى تنتمي الى الأقلية. وفي اكثر الأحيان، يتطور هذا الابتلاع الى حروب تأخذ مختلف المستويات حسب المنطقة ومستوى الانكار او الاختلاف حول مستوى الحقوق المتوفر من مكان الى اخر. على سبيل المثال، عندما نشخص سبب الصراعات والحروب واسبابها التاريخية في منطقة الساحل اليوم، وهي صراعات بدأت مع دخول المستعمر الفرنسي والإيطالي لمنطقة الصحراء، ومنذ ذلك تظهر صراعات مختلفة بين المجموعات البشرية التي كان سببها الاختلافات الثقافية واللغوية او نتيجة الاختلافات العرقية.
على سبيل المثال، اغلب الحروب التي حدثت في جمهورية ماليومازالت مستمرة الى اليوم ومنذ خروج المستعمر الفرنسي بين الطوارق والعرب من جانب وقبائل البنبارةوحلفاءهم من جانب اخر،سببها غياب حقوق الانسان والتعصب العرقي. هذا التطاحن الخطير،اخذ في الزيادة اليوم في منطقة الساحل الافريقي اكثر من أي وقت مضى. عدم الاعتراف دول الساحل وشمال افريقيا عموما بحقوق الانسان، هو سبب أساسي لكثير من الثورات التي نراهااليوم في منطقة الساحل سيما ما يعرف اليوم بمنطقة ازواد التي يقودها الطوارق والعرب. كما ان غياب حقوق الانسان في مناطق شمال افريقيا هو الذي انتج التطرف الهوياتيالناجم عن التجاهل المتراكم لحقوق الأقليات الثقافية في هذه الدول ما ادي الى حدوث فجوة كبيرة بين حكومات المنطقة مثل ليبيا والجزائر وبين السكان الاصليون لهذه الدول (الامازيغ والتبو)، وهو امر لا يجب الاستهانة به او تجاهله نظرا لما يشكله من مخاطر تهدد مستقبل وامن ووحدة هذه الدول.
الأقليات وحقوق الانسان ودورها في التنمية البشرية والسلم المجتمعي
استحوذت مواضيع الأقليات والسكان الأصليين في العقود الاخيرة على اهم النقاشات الاكاديمية والسياسية والحقوقية بما فيها اقبية الأمم المتحدة التي أسست في عام1994منتدى اليوم الدولي للشعوب الاصيلة والأقليات العرقية في العالم.يناقش هذا المنتدى السنوي اهم القضايا التي تهم هذه الشعوب وحقوق الاقليات. في السنوات الأخيرة، توصلت الدراسات الاستراتيجية الى نتائج مهمة اهمهادور الأقليات العرقية او اللغوية في المساهمة سلبا او إيجابا في المشاريع التنموية في المجتمعات.
بالرغم ان موضوع الأقليات يعتبر من الخطابات التي بدأت تطرح بقوة على مختلف المنتديات العالمية سواء على المستويات الاجتماعية او الاقتصادية او الحقوقية، الا ان الدراسات المهتمة بالأقليات من ضمن المسائل المتأخرة جدا مقارنة بميلاد الدولة القومية الحديثة التي كانت سبابا مباشرا في تهميش واثارة مواضيع الأقليات خاصة تلك التي ولدت كنتيجة او بعد رحيل الاستعمار.
حيث كافحت معظم المجتمعات والأقليات التي يقدر عددها اليوم بـ 370 مليون شخص حول العالم على الحفاظ بخصوصيتهم الثقافية واللغوية التي يحاربها رجل الدولة القومية التي لا ترى في سكانها، سوى لون واحد ولغة واحدة وشخصية وطنية واحدة. هذه المفاهيم الاقصائية، تتناقض كليا مع مفهوم الدولة الحديثة التي يفترض ان تفتح أبوابها لكل مواطنيها بصرف النظر عنانتماءاتهم العرقية، اللغوية او الاجتماعية او السياسية.
بالرغم ان الكثير من الدول اليوم قد تجاوزت الى حد كبير الازمات او الفروقات العرقية او الثقافية باعترافها بحق الكلي والجزء بحق شعوبها المختلفة إلا ان الكثير من الدول خاصة في العالم الثالث، مازالت مسألة تهميش الأقليات يعتبر ثقافة متجذرة بل أحيانا يصل الامر في هذه الدول الى ارتكاب فظائع بشعة في حق هذه المجموعات البشرية الرافضة للذوبان وتقليد المستوطنين الجدد الذين عادة ما تعود اصولهم الى نفس المنطقة والى نفس العرق ولكن نتيجة لعوامل سياسية و تاريخية تراكمية مختلفة، تبني هؤلاء ثقافة او ايدلوجيا مختلفة مضادة لثقافتهم الاصلية. على سبيل المثال وليس الحصر، ان القوانين التي تنكر حق الأقليات كالأمازيغوالتبو في ليبيا والجزائر اليوم، ليست من صنع العرب كما يسوق له البعض(العرب أبرياء من هذه التهم)،ولكنها من قبل شخصيات و كتاب ومؤرخين من ذوي الاصولالامازيغية تم تعريبهم على مدى القرون والعقود الماضية ليصبحوا الد أعداء حقوق اشقاءهم الامازيغ.
فيما يتعلق بملفات التنمية ودور الأقليات الثقافية الذين يشار اليهم أحيانا بالسكان الأصليين، حيث كان هؤلاء دائما عائقا امام الدولة الرأسمالية التي تفعل كل شيء من اجل تسخير الأرض بل وتدميرها(بيئيا) من اجل المال ومن اجل مشاركة الجميع في دفع الضرائب. كما تفضلنا سالفا، فان معظم الأقليات الثقافية خاصة في العالم الثالث، غالبا ما تجدها متمردة على الدولة القومية وعلى قوانينها سيما المتعلقة بفرض الضرائب واستغلال الأرض،حيث تذهب هذه الدول في تجاهلين لا ثالث لهما وهما: اما اذابة الشعوب الاصيلة عن طريق فرض قوانين صارمة لا تسمح لهم بالمشاركة الفعلية في الدولة او تقوم هذه الدول بتبني سياسات تعسفية صارمة تدمر الانسان الأصيل للبلد وذلك اجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
سيطرة الدولة القومية على عقلية الساسةوعلى العروق الإداريةسيما في الدول المتخلفة التي يعمل حكامها على حقن أفكار ايدلوجيةتتعارض مع مطالب الأقليات الثقافية (السكان الاصليون) أدى الى بروز الكثير من الحركات العالمية المناهضة لسياسات الدولة القوميةوالأنظمة البيروقراطية. في بعض الأحيان، يصل هذا التمرد الى رفع السلاح في وجه الدولة المضطهدة.
بما اننا نتحدث في مؤتمر يبحث عن القضايا الوطنية الليبية وفي محيطها الإقليمي والذي لا يقل أهمية عن القضايا الداخلية، فاءن واجبنا الوطني يحتم علينا ان نتحدث عن المخاطر والإشكاليات التي تواجه مصير الامة الليبية بغية الوصول الى حلول تؤدي في نهاية المطاف الى الاجماع حول التوافق حول تأسيس الدولة الليبية بعيدا عن التوجهات السياسية والاختلافات العرقية التي يجب وضعها جميعا في بوتق الدولة المدنية. وحتما لا يمكن ان نتحدث اليوم في ليبيا عن التنمية وعن الاستقرار، دون المساوةبين جميع المواطنين الليبيين، مساواة تضمن للجميع حقوقهم الثقافية والعرقية والدينية.
لقد وجد الامازيغ في ليبيا وفي عدد من دول شمال افريقيا وجنوب الصحراء، وتحديدا في ليبيا املا كبيرافي السنوات الأخيرة ادراج حقوقهم الدستورية واللغوية ولكن مازالت الحكومات الليبية تستمر في تعنتها. لقد كانت دول شمال وجنوب الصحراء، نموذجاللدولة الفاشلة، وذلك بسبب تجاهل حقوقالاقليات الثقافية وعدم اشراكها في القرار السياسي. ولعل ابرز مثال على هذه الأهمية التي يمكن ان تلعبها الأقليات الثقافية، هو النموذجالسويسري التي تحضن اليوم اقل الأقليات اللغوية والثقافية في العالم وهذه الأقلية هي اقلية”الرومنش” التي لا يتجاوز عدد ها5 في المئة من اجمالي سكان سويسرا، ومع ذلك يحظى “الرومنش”بكامل حقوقهم اللغوية والسياسية. سبب التناغم الذي خلقته سويسريا بين مواطنيها، شكل نموذجا مثالا للاستقرار والسلم والتنمية. هذه التجربة السويسرية، تقدم لنا توصية إنسانية جميلة وهي تخبرنا علىكيف يمكن لنا كبشر ان نعشوا بشكل اكبر استقرارا و استدامة وانصافا عن طريق جعل من اختلافاتهم الثقافية والعرقية مصدرا للتنوع والقوة.
فعندما يتعلق الامر بليبيا اليوم، فان هناك مجموعة كبيرة من الطوارق اليوم محرمون من ابسط حقوق المواطنة، كحق السفر والعمل والعلاج والدراسة. الامر ذاته ينطبق على اشقائنا من اقلية التبو. حيث ان اغلب هؤلاء كانوا ضحية للتقسيم الاستعماري وخرائط ما يعرف بــ مؤتمر برلين في سنة 1881حيث وجد الكثير من الطوارق اليوم وغيرهم من الشعوب الافريقية، انفسهم ضحية للحدود الوطنية التي رسمها المستعمرقبل رحيلة. علما بانه، اليوم يعيش ما يقارب 14 الف اسرة من الطوارق دون حق الحصول على “الرقم الوطني”وبالرغم من صدور قرارات رسمية من الدولة الليبية تؤكد علىأحقيةهؤلاءوالتأكيد على انتماءهم للأصل الليبي، الا ان الحكومات الليبية المتعاقبة مازالت ترفض تنفيذ هذه القرارات مما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل دول المنطقة وعلى امن واستقرار الجنوب الليبي ومنطقة الساحل الافريقي.
يمكن لنا نخلص دور أهمية الأقليات والشعوب الاصيلة في برامجالتنمية وازدهار الشعوب على الشكل التالي:
- الأقليات العرقية والثقافية هي اكثر ارتباطا بالأرض من أي مجموعة أخرى في الدولة. الارتباط بالأرض لا يأتي فقط بما تنتجه الأرض من خيرات ومن موارد ولكن مبني على علاقة قوية ومتينة وذلك لان الانسان الأصلي هو انسان صديق للبيئةوللأرضولا يقبلالارتباط بالخارج على حساب مصلحة الأرض والوطن.
- عندما يتم تهميش الأقليات وممارسة التهميش والتمييز ضدها، في اغلب الأحيان ينتهي ذلك في صراعات بين الدولة والأقلية العرقية كما حصل ويحصل حاليا في مالي بين الطوارق والعرب من جهة والدولة المالية من جهة اخرى.
- تهميش الأقليات العرقية الثقافية يجعل الدولة في أهبة واستعداد دائم للاضطرابات والحروب الاهلية كما هو الوضع بين اقلية الاكراد والدولة التركية. حيث لا وجود لسلام دائما ولا لحرب دائمة. فكتم أصوات الأقليات وعدم الاعتراف بحقوقها يشكل خطرا حقيقيا على امن واستقرار منطقة الساحل الافريقي وعلى السلم الاجتماعي لهذه الدول بما فيها الجنوب الليبي الذي يهم امنه ليس فقط ليبيا، ولكن محيطها الإقليمي والمتوسطي-الاوروبي والعالمي.
- ضمان مشاركة الأقليات الثقافية هو اغناء واثراء للأدب والفن والموسيقا والعادات والتقاليد وضمانا لتنمية الأفكار والابتكار والنمو الاقتصادي والاجتماعي. من هذا المنطلق، يجب على دول المنطقة والمنخرطين في امن واستقرار منطقة الساحل وعلى المسؤولالليبي، العمل الفوري والفعلي نحو الاعتراف بحقوق الأقليات الثقافية واللغوية والعمل على برامج الإدماج تضمن الخصوصية الثقافية والسياسية لهذه الأقليات. واي تأخير في هذا المنحى لن يكون له الأثر الطيب في بناء الدولة المدنية الليبية التي يسعى اليها الجميع، بل سيكون ذلك عائقا بل وخطرا على تنامي العنف وتفكك النسيج الاجتماعي الليبي.
نظرة نقدية للمنظمات الدولية والمساعدات الإنسانية باسم التنمية
تصدر النقد في الآونة الأخيرة خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الباردة الأهداف الحقيقية وراء المنظمات الدولية خاصة العاملة في العالم الثالث وبشكل ادق، في القارة الافريقية. حيث تشعب هذا النقد الى طرفين او اخذ تجاهين مختلفين. الاتجاه الأول تقوده مجموعة من النقاد والكتاب المختصين في الحكومة الرشيد وفي رسم الاستراتيجيات التنموية ويستند هذا التواجه على المدارس الفكرية والاقتصادية المختلفة.
ولعل ابرز رواد هذه المدرسة، الذين عرفتهم الساحة الاكاديمية بنقدهم اللاذع لدور المنظمات الدولية ،وقضية تقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات الفقيرة هوالبروفوسورين:مونغا ومايو اللذين ذهبا الى انالغرض من المؤسسات او من المساعدات الإنسانية هو التوغل في المجتمعات الفقيرة واستغلال لمواردها تحت عباءة الإنسانية ومحاربة الفقر. بل ذهب هؤلاء الى ابعد من ذلك بكثير الى ان المساعدات الإنسانية، ماهي الا نوعا جديدا من التنافس العالمي سيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الذي يعتبر نواة لما يعرف بالسباق بين القطب الغربي المتمثل في الولايات المتحدة الامريكية والقطب الشرقي الذي يقوده آنذاك الاتحاد السوفيتي.
ووفقا لهؤلاءالنقاد، فان هذه الأقطاب جعلت من أولويات سياستها الخارجية وبواسطة مهندسها الأول ترومان سبيلا ناجحا للسيطرة على العالم من جديد ولكن هذه المرة ليس عبر الدبابة ولكن عبر المساعدات الإنسانية واطلاق مشاريع التنمية في المجتمعات التي طالها التدمير والخراب من قبل هذه الأقطاب. حيث اخذ مشروع ما يعرف ب ترومان على سبيل المثال وليس الحصر، على تحديد الاتجاهات الإنمائية خلال رسم خريطة جديدة تلعب فيه المنظمات الدولية دورا أساسيا.
اليوم تتعرض المنظمات الدولية الى نقد اكبر من أي وقت مضى حيث ذهب الكثير من نظريات النقد الى ان المنظمات الدولية بمختلف مسمياتها وانواعها ما هي الى كابح حقيقي للتنمية ولا يمكن ان يكون لها فاعلية ونجاح في القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة في الدول والمجتمعات الفقيرة كما ان هذه المنظمات مضيعة وهدرا لأموال دافعي الضرائب في الدول المانحة. بحسب هؤلاء
خلال السنوات الأخيرة، بدأ الكثير من الافارقة خاصة من شريحة المثقفين والكتاب، امتعاضهم ونقدهم الشديد لما يعرف بالمنظمات الدولية ودورها الحقيقي في تحسين ظروف المجتمعات المعوزة. ولم يقتصر النقد على المثقفين الافارقة فقط بل ان ذهبت مجموعة كبيرة من النقاد في الغرب ايضا الى نقد المساعدات الإنسانية التي تعمل تحت عباءة التنمية والقضاء على الفقر في المناطق النامية ومن ابرز هؤلاء النقاد، الكاتبة الامريكية تيرزاهايتر، صاحبة كتاب “المساعدة كادةللامبريالية”.
حيث ذهبت الكاتبة في نقدها اللاذع بان المساعدات التي تقدمها الدول الصناعية المتطورة الغرض الأساسي منها ليس الإنسانية او احداث التنمية المستدامة، ولكن الغرض منها فرض السيطرة على الدول الفقيرة فيما يتناغم مع مصالح الدول الكبرى. ووفق لهذا الرأي الذي يصفه البعض بأنه رأي متطرف ومبالغ فيه، فان هدف الدول الكبرى من انشاء المنظمات الدولية والتي على رأسها البنك الدولي بالإضافة الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، على سبيل المثال، فان الغرض من هذه المنظمات في المقام الأول هو السيطرة الكاملة على مفاصل الدول النامية وشل حركتها اقتصاديا وسياسيا بل وسيلة مشرعنة للاستيلاء على موارد ومقدرات هذه الدول.
خلال الخمسين سنة الماضية برزت على السطح عدد من المدارس النقدية والفكرية للاموال الأجنبية ومن ابرز هذه المدارس التي استند عليها النقاد في اشباع غلهم النقدي والفكري المدرسة الليبرالية الجديدة وهي مدرسة ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر التي كان ابرز روادها ثيدور روزفلت، الرئيس 26 للولايات المتحدة الامريكية ومن ابرز دعاةالليبرالية الجديدة. ويذهب أصحاب هذه المدرسة الى ان المساعدات الإنسانية تساهم بشكل مباشر في زيادة عدد الموظفين في عدد لا يحصى من الإدارات غير الفعالة في دول ينتشر فيها الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية مما يخلق تبعية مباشرة للمانحين.
بالإضافة الى ذلك هناك المدرسة الشعبوية التي كان ابرز نقادها الفرنسي ريمون كارتييه الذي ذهب في عدد من المقالات في سنة( 1956) منتقدا دور المساعدات الفرنسية ودورها الرئيسي في السيطرة على افريقيا وتخلف القارة.حيث قال ريمون في احد المناسبات، بان الأموال الطائلة التي كانت تدفعها فرنسا كان الاجدر استثمارها وطنيا بدل ارسالها بعيدا للقادة الافارقة الفاسدين.
المدرسة الأخيرة هي المدرسية الماركسية الجديدة التي اتخذت هي الاخرى منحا غير ببعيد عن المدارس الأخرى . حيث ان جميع هذه المدارس رغم تباعد افكارها، الا انها تتقاسم رؤية شبه موحدة وناقدة لدور المساعدات الإنسانية ودورها السلبي في المجتمعات النامية.
في الآونة الأخيرة ، وتحديدا منذ “مؤتمر منتيري” المنعقد في عام 2002 والخاص بــ”تمويل التنمية”، التحقت العديد من المنظمات الدولية الإنمائية الغير الحكومية على سيل الانتقادات الناجمة عن ممارسات فاضحة لمساعدات المنظمات الدولية الحكومية.وعلى الرغم بان اغلب هذه المنظمات المنتقدة كانت تعتمد بشكل أساسي على دعم هذه المنظمات او بشكل ادق على اموال الحكومات المانحة،إلا ان ذلك لم يمنع هذه المنظمات من المشاركة في النقد. ومن ابرز من وجهت اليهم أصابع النقد آنذاك، “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية”، وهي احد ابرز المنظمات الرئيسية في العالم اليوم في مجال دعم مشاريع التنمية حول العالم.
ووفق للأوراق والانتقادات التي قدمت على جانب المؤتمر الذي يعتبره الكثيرون تاريخيا ومهما في هذا المجال،بإن ثلثي المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة في عام 2003 كانت عبارة عن “مساعدات وهمية”. وأن 20% من تمويل المساعدات تم استثماره في التعاون الفني غير الفعّال الذي استفاد في المقام الأول من تكاليفه المتضخمة المستشارون من البلدان المانحة، في حين ذهب 14% من مساعدات التنمية الرسمية لخدمة أقساط الديون الخارجية.
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة لحقيقة دور المنظمات الدولية ودورها السلبي في العالم الثالث، الا ان لا احد ينكر في نفس الوقت دور بعض هذه المنظمة في فرض الامن ودعم فرص التنمية للمجتمعات الفقيرة وما تقوم به هذه المنظمات في رسم طيف هائل من الامل داخل المجتمعات والدول الفقيرة، ناهيك عن المساهمة الفعالة في السلم الاجتماعي وفض النزاعات والصراعات على مستوى الدول او المجموعات. فقد اعتبر الكثير من النقاد ان المنظمات الدولية انها قد لعبت دورا محوريا وكجسر انساني يربط بين الدول الغربية ودول العالم الثالث من خلال عدسة التنمية البشرية والاقتصادية للمجتمعات.
الحدود الوطنية بين اشكالات السيادة الوطنية والمخاطرالامنية
واحدة من ابرز التحديات التي تواجهها الحكومات اليوم بشكل عام والدولة الليبية بشكل خاص، هو إشكالية ضبط حدودها الوطنية. حيث اصبح عالم اليوم متهما اهتماما كبيرا بحدوده السياسية اكثر من أي وقت مضى. ظاهرة الجدران والحواجز والاسلاك الشائكة والإجراءات الحدودية الصارمة ضمن اهم سيمات عالم اليوم.
تقول اهم الدراسات الخاصة بالحدود الوطنية والدولية، بأن قبل الحرب الباردة لم يكن هناك سوى ما يقارب 11 جدارحدوديا حول العالم. وتقول ذات الدراسة، بان عدد الجدران الحدودية وصل الى ما يقارب 74 حدود مع نهاية العام 2023. والغريب في الامر ان اغلب الحدود التي نراها اليوم سيما في القارة الافريقية هي حدود عشوائية تم فرضها من قبل القوى الاستعمارية التي قسمت القارة دون مراعاة الاختلافات العرقية والثقافية مما رشح هذه القارة دائما بأن تكون موطن وساحة للصراعات والحروب بين مختلف الاثنيات والثقافات التي اجبرتها القوى الاستعمارية بالمجاورة والتعيش في بيئة واحدة.
ولعل من ابرز شواهد هذه الصراعات التي انتجها ترسيم الحدود العشوائي، هو الصراع القائم منذ خروج فرنسا من الصحراء الكبرى في مالي بين العرب والطوارق من جهة والقبائل الافريقية التي تختلف عادتها وتقاليدها كليا عن الطوارق والعرب. والجدير بالذكر هنا، الطوارق مثلا في جنوب الجزائر وجنوب ليبيا، لم يسبق لهم ان رفعوا السلاح في وجه حكوماتهم بالرغم ان مستوى التهميش الذي تطبقه هذه الحكومات لا يختلف كثيرا عن وضعهم في مالي ولكن سبب عدم وجود صراعات في هذه الدول(الجزائر وليبيا) هو الانسجام الثقافي والتقارب الوطيد بين الطوارق وجيرانهم من العرب في الوطن. هذا يثبت لنا صدق النظرية القائلة بأن الانسجام الثقافي والعرقي هو عامل أساسي من عواملالاستقرار لأي دولة.
على الرغم من ان فكرة الحدود، ليست وليدة اليوم ولكنها قديمة قدم هذا العالم إلا تشكل الحدود الحالية لا يتجاوز عمرها 350 عام. حيث تخبرنا السجلات التاريخية في هذا المجال،بأن اغلب ملامح الحدود التي نراها اليوم في أوروبا مثلا، هي نتاج للاتفاقية المعروفة باسم “ويست فيليا” الموقعة في عام 1648 والتي انهت قرون من الصرعات الدموية المدمرة بين شعوب القارة الأوروبيةالمخلتفة. ومن اهم ما جاء في هذه المعاهدة الدولية هو احقية أي مجموعة اثنية دينية او ثقافية كانت،على ملكية الأرض والسلطة التنفيذية (الحكومة) وإدارة شؤونها بنفسها وقوانينها التي تتناسب معهذه المجموعة او تلك دون التدخل في شؤونها الداخلية.
من هنا أي منذ اتفاقية “ويست فيليا”، بدأ المفهوم المعاصر للدولة الحديثة وميلاد فكرة الضرائب والشرطة والجيش ناهيك طبعا عن وسم الحدود الوطنية داخل منطقة جغرافية معينة كما انتقلت معظم المجتمعات الاوروبية من السلطات الاقطاعية المهيمنة الى مفهوم الدولة المعاصرة. اليوم تواجه ليبيا تحديات وصعوبات جمة خاصة على امن حدودها الجنوبية، ولن نكونوا مبالغين اذا قلنا ان سيادتها أيضا مهددة ما يستوجب وضع اليات وبرامج سريعة تدعم الوحدات العسكرية الحدودية بالاجهزة والتكنولوجيات المتطورة الخاصة بمراقية الحدود. اغلب الوحدات التي تقوم اليوم بحراسة الحدود هي وحدات متطوعة ومن جهود المجتمعات المحلية على سبيل الذكر وليس الحصر، كتيبة 173 التي يقودها العميد أغلس حمد احمدوهي واحدة من اكبر الكتائب المتطوعة التي يلعب افرادها دور كبير في حراسة الحدود مع الجزائر والنيجر كما تعلب كتائب التبو دورا تطوعيا في محيطها الاجتماعي مع دول الجوار.
نظراللانقسام السياسي بين السلطات في شرق البلاد وغربه منذ 2011، أدى ذلك الى اهمال هذه الحكوماتلأمن الحدود الجنوبية، كما أدى الى عدم إيلاء اهتمام كامل لدعم المجتمعات المحلية بمشاريع التنمية ما يرشح هذه المنطقة ان تلعب دورها سلبيا، بلويضعف العلاقة بين هذه المجتمعات والدولة الليبية وكذلك ما يضعف دور الوحدات الخاصة بحراسة الحدود في التصدي للظواهر والمهددات الأمنية كالهجرة غير الشرعية وتجارة الأسلحة والمخدرات ومكافحة كافة الأنشطة العابرة للحدود غير المرغوب فيها، ناهيك طبعا عن انتشار الجماعات الإرهابية التي وجدت في الحدود الجنوبية ملاذا امنا مستغلة الفقر والتخلف الإنمائي لسكان هذه المنطقة وعائقا امام ضمان الحركة المشروعة للأشخاص والبضائع. من هنا ينبغي على الدولة الليبية، الحرص على مناطق الجنوب والمجتمعات المحلية وكذلك دعم إدارات وأجهزة الحدود بالوسائل المتطورة التي يمكن ان تساعد ليبيا وجيرانها ناهيك عن التجمعات السكانية في تحقيق توازن الامن الوطني بما يتوافق مع القانون الدولي، كما ان حماية حقوق المجتمعات المحلية هو امر مهم لضمان امن وسيادة الحدود الجنوبية.
وفي نظرنا، يجب على السلطات المعنية العمل تحسين المجالات الموضحة اسفل وذلك لضمان سير امن وسلس للحدود وفرض السيادة الوطنية المنتهكة :
- تعزيز الحوار بين اطراف الصراعمن اجل وضع الية واضحة لحراسة الحدود الليبية ودعم الجهات المعنية بالتكنولوجيا الحديثة الخاصة بالحدودمن أنظمة الاتصالات والمعلومات
- تطوير المناطق الحدودية واشراك المجتمعات المحلية في مشاريع التنمية
- تطوير إجراءات التشغيل الموحدة لنقاط العبور الحدودية سواء البرية أو البحرية أو الجوية
- إدخال تدابير مكافحة الفساد وزيادة الوعي بمكافحة الفساد ومكافحة الاحتيال وتدابير الكشف الأخرى لزيادة جودة عمليات التفتيش على الحدود
- رفع من سقف التعاون بين ليبيا وجيرانها كالجزائر والنيجر وتشاد.
- تطوير استراتيجيات واضحة ومصممة خصيصًا لأمن المستندات وتحليل المخاطر والتوصيف وأنظمة الإنذار المبكرمن اجل تعزيز الحوار بين وكالات الدولة المختلفة لغرض تبادل المعلومات على جميع المستويات الحكومية وتطوير تكنولوجيا المعلومات وأنظمة الاتصالات.