اللجوء الإنساني: النضال من أجل من رحلوا عن أوطانهم
اعداد فاتن جباري قسم البحوث والدراسات والقانونية والعلاقات الدولية
مراجعة اشراف : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
في كل يوم وفي جميع أنحاء العالم ثمة أشخاص يتخذون أحد أصعب القرارات في حياتهم: وهو مغادرة بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل وأكثر أماناً وبحثا عن بديل لحياتهم التي تقتلهم يوما بعد يوما، انها الهجرة من أجل الحياة.
اليوم يتوزع ما يقرب عن 25.4 مليون لاجئ في أرجاء العالم كافة يتوزعون في كل الأقطار، ويشعر العديد من الأشخاص بأن ثمة طوفاناً يجتاحهم بسبب أعداد هؤلاء، ويرون في انتقال الأشخاص عبر الحدود أزمة عالمية في اعتقادنا الخاص، لا نوافق على أن الأزمة هي أزمة أعداد، فالأشخاص ليسوا هم المشكلة. وإنما في الأسباب التي تدفع العائلات والأفراد إلى اجتياز الحدود، وفي قصر نظر الحكومات و السياسيين وطرائقهم غير الواقعية في الرد على ذلك.
وقد مر معظم الناس في العالم بتجربة مغادرة المكان الذي ترعرعوا فيه، ولربما يقتصر ترحالهم على القرية أو المدينة الأقرب إليهم. ولكن الأمر مختلف بالنسبة لآخرين، إذ ربما يضطرون إلى مغادرة أوطانهم كلياً أحياناً لفترة وجيزة، ولكن أحياناً إلى الأبد..
ثمة أسباب عدة لارتحال الأشخاص في شتى أنحاء العالم ليعيدوا بناء حياتهم في بلد مختلف. فبعضهم يغادر دياره بحثاً عن وظيفة أو طلباً للعلم. وهناك آخرون يُرغمون على الفرار من ديارهم هرباً من انتهاكات حقوق الإنسان، كالتعذيب والاضطهاد، أو من نزاع مسلح أو أزمة وعنف من نوع آخر. والبعض لا يعودون يشعرون بالأمان أو ربما يُستهدفون بسبب مَن هم وما يفعلونه أو يؤمنون به – وعلى سبيل مثال بسبب الانتماء العرقي أو الدين أو الميول الجنسية أو الآراء السياسية.
ويمكن لعمليات الارتحال هذه، التي عادة ما يرافقها أمل في حياة أفضل، أن تكون محفوفة بالمخاطر والخوف، فبعض الأشخاص يقعون ضحايا للاتجار بالبشر وغيره من أشكال الاستغلال والبعض الآخر يقع في فخ المافيا وتجارة المخدرات وجماعة الجريمة المنظمة فيصبح عنصرا منهم ليدخل الى عالم لا يمكن الخروج منه الاّ بالموت واليوم هناك ظاهرة اخرى يجد المهاجر نفسه في أحضان الإرهاب والاستقطاب الى التطرف، بينما تعتقل سلطات البلد الجديد البعض فور وصولهم. وما إن يبدأ هؤلاء بالاستقرار وببناء حياة جديدة، حتى يواجه العديد منهم، في حياتهم اليومية، العنصرية وإرهاب الأجانب والتمييز.
وينتهي المطاف بآخرين في براثن الوحدة والعزلة بعد فقدان شبكات الدعم التي يعتبرها معظمنا أمراً مفرغاً منه: أي مجتمعهم المحلي وزملاءهم وأقرباءهم وأصدقاءهم..
لماذا يغادر الناس أوطانهم؟
ثمة أسباب عديدة تجعل من بقاء الأشخاص في بلدانهم أمراً في غاية الصعوبة أو الخطورة، وعلى سبيل المثال، يفر الأطفال والنساء والرجال من العنف والحرب والجوع والفقر المدقع، كما هو الحال في سوريا وليبيا و اليمن …أو بسبب ميولهم أو هويتهم الجنسية، أو جراء الظروف المترتبة على تغير المناخ أو غيره من الكوارث الطبيعية. وكثيراً ما يتظافر العديد من هذه الظروف الصعبة ويدفع الأشخاص إلى المغادرة.
ولا يغادر الأشخاص بلدانهم دائماً للهرب من المخاطر، فقد يعتقدون أن فرصهم أفضل في أن يجدوا عملاً في بلد آخر، لأنهم متعلمون أو يملكون رأس المال اللازم للعثور على الفرص في مكان آخر. وقد يرغب آخرون في اللحاق بأقارب أو أصدقاء لهم يعيشون في الخارج. أو ربما يسعون إلى بدء تعليمهم أو إكماله في بلد آخر. فهناك العديد من الأسباب المختلفة التي تدفع الأشخاص إلى الانطلاق في رحلتهم لبدء حياة جديدة في بلد جديد.
2- مَن هو اللاجئ وطالب اللجوء والمهاجر ؟
تُستخدم تعابير “اللاجئ” و”طالب اللجوء” و”المهاجر” في وصف أشخاص ارتحلوا من مكان إلى الآخر، وغادروا أوطانهم واجتازوا حدودها.
وكثيراً ما يُستخدم تعبيرا “مهاجر” و”لاجئ” ليعني كل منهما الآخر، ولكن من المهم التمييز بينهما نظراً للفارق القانوني لوضع كل منهما.
من هو اللاجئ؟
اللاجئ هو الشخص الذي فرَّ من بلده جراء خطر التعرَّض لانتهاكات خطيرة لحقوقه الإنسانية وللاضطهاد. حيث تكون المخاطر التي تتهدد سلامته وحياته قد بلغت حد اضطراره إلى أن يختار المغادرة وطلب السلامة خارج بلاده، لأن حكومة بلده غير قادرة أو غير راغبة في توفير الحماية له… وللاجئ الحق في التمتع بالحماية الدولية.
من هو طالب اللجوء؟
طالب اللجوء هو الشخص الذي غادر بلده سعياً وراء الحصول على الحماية من الاضطهاد والانتهاكات الخطيرة لحقوقه الإنسانية في بلد آخر، ولكن لم يتم بعد الاعتراف به كلاجئ رسمياً، وينتظر البت بشأن طلبه للجوء. وطلب اللجوء حق إنساني، وهذا يعني أنه ينبغي السماح لكل شخص بدخول بلد آخر لالتماس اللجوء.
من هو المهاجر؟
ليس هناك تعريف متفق عليه دولياً للمهاجر. ولكن فَهمنا في منظمة العفو الدولية لمن هم المهاجرون، مثل معظم الهيئات والمنظمات، هو أنهم الأشخاص المقيمون خارج بلدانهم الأصلية، من غير طالبي اللجوء أو اللاجئين.
فبعض المهاجرين يغادرون بلدانهم سعياً وراء العمل أو الدراسة، أو للالتحاق بعائلاتهم، على سبيل المثال. بينما يشعر آخرون أن عليهم المغادرة بسبب الفقر أو الاضطرابات السياسية أو عنف العصابات أو الكوارث الطبيعية أو غير ذلك من الظروف الخطيرة التي تحيط بهم.
ولا ينطبق على كثير من الأشخاص التعريف القانوني للاجئ، ولكنهم رغم ذلك سيكونون عرضة للمخاطر إذا ما عادوا إلى أوطانهم. ومن الأهمية بمكان فهم أن عدم فرار المهاجرين من الاضطهاد لا يحرمهم من حق التمتع بالحماية لحقوقهم الإنسانية واحترامها، بغض النظر عن وضعهم في البلدان التي انتقلوا إليها. ويتعين على جميع الحكومات أن تحمي جميع المهاجرين من العنف العنصري وإرهاب الأجانب، ومن الاستغلال وعمل السخرة. ولا ينبغي أبداً احتجازهم أو إعادتهم قسراً إلى بلدانهم، إلا لأسباب مشروعة
ماهي القوانين المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء؟
تحظى حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بالحماية من قبل القانون الدولي، بغض النظر عن طريقة وصول هؤلاء إلى بلد ما، أو سبب ذلك. ولهؤلاء الحقوق نفسها التي للآخرين، إضافة إلى أشكال خاصة ومحددة من التدابير الحمائية الخاصة بهم، بما فيها:
- المادة 14من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، التي تنص على أنه لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد.
- اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين المبرمة في 1951 والبروتوكول الملحق بها لسنة 1967، اللذان يوفران الحماية للاجئين من أن يعادوا إلى بلدان يمكن أن يتعرضوا فيها لخطر الاضطهاد
- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990
- المعايير القانونية الإقليمية الخاصة باللاجئين بما فيها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لسنة 1969، وإعلان كارتاخينا لسنة 1984، والنظام الأوروبي العام للجوء- نظام دبلن..
4- ما هو موقف المنظمات الدولية من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء؟
هناك حملات و مساع دولية تسعى في نهاية المطاف الى احترام الحكومات لمسؤولياتها المشتركة في حماية حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. تدين أية سياسات وممارسات تقوِّض حقوق من رحلوا عن بلدانهم تقوم هذه المنظمات بحملات لممارسة الضغوط على الحكومات كي لا تتنصل من مسؤوليتها عن حماية حقوق كل فرد. إذ عليها أن تضمن سلامة اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، وعدم تعرضهم للتعذيب أو للتمييز، أو تركهم فريسة للفقر المدقع.
منظمة العفو الدولية كأحد ابرز المنظمات الدولية الغير حكومية تناضل من أجل تقيُّد الحكومات بالإجراءات اللائقة في البت في طلبات اللجوء، حتى لا تترك طالبي اللجوء في جحيم من التيه وحتى لا تحتجزهم وراء أبواب موصدة في مراكز الاحتجاز، ولسنوات أحياناً. كما تسعى الى الضغط على الحكومات كي تحمي المهاجرين من الاستغلال والانتهاكات على أيدي أصحاب العمل أو المتجّرين بالبشر.
5- الفرد الذي نختزله وراء الوسم
انه من غير الممكن اختزال هوية اللاجئ أو طالب اللجوء أو المهاجر بكليتها في وضعه القانوني. ومن غير الممكن أبداً التعريف بشخص بالحديث عن مجرد كونه لاجئاً بحكم وضعه القانوني.
لكل إنسان أكثر من هوية واحدة. وتعابير “لاجئ” و”مهاجر” و”طالب لجوء” ليست سوى تعريفات مؤقتة؛ وهي لا تعكس الهوية الكاملة للنساء والأطفال والرجال الذين غادروا ديارهم لبدء حياة جديدة في بلد جديد.
وعندما نستعمل هذه الوسمات، علينا أن نتذكر أن من بين الطرق العديدة التي يصف الناس فيها أنفسهم، لا تشير هذه التعابير إلا إلى تجربة واحدة: تجربة مغادرة أوطانهم. ولكن هويات هؤلاء الأشخاص تنطوي على أشياء أخرى كثيرة.
إن معظم الأشخاص الذين يسعون إلى العيش في غير موطنهم يشعرون أن تجربة مغادرة بلدانهم لا تعبر بالكامل عمن يكونون. فمثلنا جميعاً، هم حالة مركبة وفريدة من البشر، وقد يختارون التعريف بأنفسهم على أنهم من بلد أو إقليم معين، أو ممن ينتمون إلى مجموعة تتكلم لغة أو تتقاسم ثقافة مشتركة بعينها. أو ربما يصفون أنفسهم بأنهم معلمون أو أطباء أو فنانون أو مشجعون متحمسون لكرة القدم أو آباء أو إخوان أو أبناء أو أمهات.
لماذا ينبغي أن ترحب الحكومات باللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين؟
- نود أن نعيش في عالم يتيح الفرصة لمن يواجهون الخطر الجسيم كي يعيدوا بناء حياتهم بأمان ذلك أن المجتمعات المضيفة تستفيد بلا شك من الطاقة الهائلة والاندفاعية اللتين ترافقان مساعي بناء الحياة الجديدة التي يجلبها هؤلاء معهم.
- ففي عالم بات فيه كل شيء معولماً اليوم ، غدا نتقاسم المسؤولية العالمية عن القضايا التي دمرت الساحة الدولية بقضايا شغلت الرأي العام الدولي كالإرهاب و الترهيب و الحروب و أزمة المناخ وحروب الفيروسات وقضايا النفط ونزع السلاح وسياسة الشرق الأوسط… الشيء النزيه الوحيد الذي تبقى لنا هو حماية ماتبقى في إناء الإنسانية.
- والترحيب بأشخاص قادمين من بلدان أخرى يقوّي المجتمعات المضيفة عبر التنوع الحضاري و العرقي واكتساب المزيد من المرونة في عالم يتغير بوتيرة سريعة فاكثر الناس إبداعاً وتأثيراً في مجالات الفنون والعلوم والسياسة والتكنولوجيا هم من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. فحيث أتيح لهم أن يعيدوا بناء حياتهم في بلدانهم الجديدة ازدهرت مواهبهم واحتلوا مكانتهم كأفراد في مجتمعاتهم جديدة.