الكنيست يوسّع صلاحيات الجيش و«الشاباك» لاختراق كاميرات مدنية وسط تحذيرات من تحوّل الاستثناء الأمني إلى قاعدة دائمة

قسم الأخبار الدولية 26/12/2025
صادق الكنيست الإسرائيلي، بالقراءة النهائية، على تمديد تشريع حكومي يتيح للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام «الشاباك» اختراق أنظمة كاميرات المراقبة المدنية بشكل سري، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط القانونية والحقوقية، وطرحت تساؤلات عميقة حول حدود الأمن، والخصوصية، وطبيعة التحوّلات التي تشهدها المنظومة التشريعية في إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة.
وجاء إقرار القانون بأغلبية محدودة بلغت 10 أصوات من دون معارضة تُذكر، ما عكس، وفق مراقبين، تراجعًا في مستوى النقاش البرلماني حول تشريعات تمسّ الحقوق الأساسية، مقابل تصاعد النفوذ الأمني في صياغة القوانين. ويقضي التعديل بتمديد إجراء مؤقت لمدة عام إضافي، كان قد أُقرّ في أعقاب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكنه تجاوز هذه المرة الإطار الزمني والموضوعي الذي رُبط بالحرب.
من «الطوارئ» إلى الديمومة
في صيغته الأولى، بُرّر الإجراء الاستثنائي بالحاجة إلى مواجهة مخاطر فورية خلال العمليات العسكرية، خاصة ما يتصل بإمكانية استغلال كاميرات المراقبة المدنية من قبل جهات معادية لرصد تحركات الجيش أو استهداف منشآت حساسة. غير أن التمديد الجديد فصل هذه الصلاحيات عن حالة الحرب أو «العمليات العسكرية الكبرى»، ما يعني عمليًا أن الأجهزة الأمنية باتت قادرة على التدخل في البنية التقنية لكاميرات خاصة حتى في ظروف اعتيادية.
ويمثل هذا التحول، بحسب خبراء قانونيين، انتقالًا من منطق «الاستثناء المؤقت» إلى ترسيخ صلاحيات دائمة، من دون إطار رقابي واضح، أو آليات تقييد زمنية ومكانية دقيقة.
صلاحيات واسعة بلا رقابة قضائية
ينص القانون على منح الجيش و«الشاباك» سلطة الوصول إلى كاميرات المراقبة الخاصة، سواء كانت منزلية أو تجارية، دون الحاجة إلى استصدار أمر قضائي مسبق، ودون إلزام الجهات الأمنية بإبلاغ أصحاب هذه الكاميرات لاحقًا بتعرض أنظمتهم للاختراق.
ويرى مختصون في القانون السيبراني أن هذا البند تحديدًا يشكل نقطة التحول الأخطر، لأنه يضع الأجهزة الأمنية فوق آليات الرقابة القضائية التقليدية، ويُضعف مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يُعدّ أحد ركائز أي نظام ديمقراطي.
مبررات أمنية وسياق سيبراني
برّرت الحكومة الإسرائيلية التمديد بتصاعد التهديدات السيبرانية، وتزايد محاولات اختراق أنظمة مدنية قد تحتوي على معلومات بصرية حساسة. وأشارت المذكرة التفسيرية للقانون إلى أن كاميرات المراقبة أصبحت جزءًا من الفضاء المعلوماتي، ويمكن استغلالها لجمع بيانات استخباراتية.
ويأتي هذا التبرير في سياق حوادث اختراق بارزة، من بينها اختراق حساب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت على تطبيق «تلغرام» من قبل قراصنة يُشتبه في ارتباطهم بإيران، وهو ما أعاد ملف الأمن السيبراني إلى واجهة النقاش السياسي.
غير أن منتقدي القانون يعتبرون أن الربط بين اختراقات رقمية محددة، ومنح صلاحيات شاملة لاختراق ممتلكات مدنية، يفتقر إلى التناسب، ويعكس منطق «التوسّع الوقائي» الذي يصعب ضبطه قانونيًا.
انتقادات حقوقية وقانونية
أثار القانون موجة اعتراضات حادة من منظمات حقوق الإنسان وخبراء الخصوصية. وقال المحامي حاييم رافيا، وهو من أبرز المتخصصين في القانون السيبراني في إسرائيل، إن التشريع «مقلق للغاية»، لأنه يمنح الجيش، وللمرة الأولى، سلطة العمل داخل المجال المدني الخاص.
وأوضح رافيا أن غياب الرقابة القضائية والشفافية «يفتح الباب أمام إساءة استخدام الصلاحيات»، محذرًا من أن المواطنين لن يكونوا على علم بأن خصوصيتهم قد انتُهكت، ولا يملكون وسيلة للطعن أو المساءلة.
بدورها، اعتبرت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل أن الظروف التي استُخدمت لتبرير الإجراء عقب هجوم 7 أكتوبر لم تعد قائمة، خاصة في ظل وقف إطلاق النار في غزة، وأن تمديد الصلاحيات يعكس توجّهًا مقلقًا نحو تطبيع أدوات المراقبة الشاملة.
وأشارت الجمعية إلى أن كاميرات المراقبة لا توثّق فقط محيطًا عامًا، بل تسجّل مشاهد داخل منازل ومتاجر وأماكن خاصة، وقد تتيح الوصول إلى معلومات شخصية مخزنة على خوادم أو حواسيب مرتبطة بهذه الأنظمة.
إشكالية التناسب والحدود
يثير القانون تساؤلات أساسية حول مبدأ التناسب، الذي يُفترض أن يوازن بين متطلبات الأمن وحماية الحقوق الفردية. ويرى مراقبون أن التشريع، بصيغته الحالية، لا يضع تعريفًا دقيقًا لـ«التهديد الأمني»، ولا يحدّد بوضوح الحالات التي تبرر الاختراق، ما يفتح المجال أمام تفسيرات فضفاضة.
كما يحذّر حقوقيون من أن غياب سقف زمني واضح قد يحوّل الإجراء المؤقت إلى جزء ثابت من البنية القانونية، وهو ما سبق أن حدث مع تشريعات أمنية أخرى أُقرت في سياقات طوارئ ثم استمرت لسنوات.
دلالات أوسع
يعكس هذا القانون، وفق محللين، تحوّلًا أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع داخل إسرائيل، حيث يتسع نفوذ الأجهزة الأمنية على حساب الرقابة المدنية والقضائية، تحت ضغط التهديدات الأمنية المستمرة. كما يندرج ضمن موجة عالمية أوسع تشهدها دول عدة، توسّع فيها الحكومات صلاحيات المراقبة الرقمية باسم الأمن القومي.
غير أن خصوصية الحالة الإسرائيلية تكمن في الجمع بين بيئة أمنية متوترة، ونظام قانوني لطالما قدّم نفسه باعتباره ديمقراطيًا، وهو ما يجعل أي مساس بالخصوصية مسألة ذات أبعاد سياسية وقانونية تتجاوز اللحظة الراهنة.



