آسياأخبار العالمأوروبا

الكرملين يطرح وثيقة تفاوضية صارمة في إسطنبول تفرض انسحاب كييف وتقصي الأمن الأوروبي من التسوية

فرضت موسكو، خلال الجولة الثانية من مفاوضات إسطنبول مع أوكرانيا، وثيقة تفاوضية من ثلاث مراحل وصفت بـ”الصلبة” و”الأحادية الجانب”، عاكسةً أقصى الشروط الروسية لتسوية النزاع. وقد حصلت صحيفة «الشرق الأوسط» على النص الكامل لما أسمته روسيا “مذكرة تفاهم”، تضمنت خطوطاً حمراء شاملة تتعلق بالسيادة والأمن والسياسة الداخلية لأوكرانيا، متجاهلةً في الوقت نفسه أي إشارات لدور أوروبا أو المطالب الأمنية الإقليمية.

انطلاق التفاوض وسط تمسك روسي بالمطالب القديمة

خلال لقاء إسطنبول الذي عُقد يوم الاثنين، سلّم الوفد الروسي برئاسة فلاديمير ميدينسكي وثيقة من ثلاث فصول إلى الجانب الأوكراني، تناولت آليات التسوية، شروط وقف إطلاق النار، وخريطة طريق زمنية لتنفيذ بنود الاتفاق المقترح. وقد حافظت موسكو على شروطها التقليدية التي تشمل الاعتراف الدولي بضم شبه جزيرة القرم ومناطق لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، مع انسحاب كامل للقوات الأوكرانية منها كشرط أولي لأي اتفاق.

مطالب تتعدى الجغرافيا إلى السيادة والحياد

طالبت الوثيقة الأوكرانيين بإقرار حياد تام يمنع انضمامهم إلى أي تحالف عسكري مستقبلي أو السماح بوجود عسكري أجنبي على أراضيهم. كما شددت على حظر امتلاك أوكرانيا أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل، مع تقليص عدد قواتها المسلحة وحل “التشكيلات القومية”.

وتطرقت الوثيقة إلى مسائل تتعلق بالسياسة الداخلية لكييف، مثل رفع الأحكام العرفية، تنظيم انتخابات في غضون 100 يوم من رفعها، وتشكيل حكومة جديدة. كما طالبت بإدراج اللغة الروسية كلغة رسمية، ومنع تمجيد النازية الجديدة، ورفع العقوبات الاقتصادية المتبادلة.

تجاهل أمني كامل لأوروبا وتعليق المساعدات الغربية

وإضافة إلى هذه المطالب، تجاهلت الوثيقة أي إشارة إلى الضمانات الأمنية التي تطالب بها دول أوروبا الشرقية، ولم تتضمن أي بنود تتعلق بانسحاب القوات الروسية من المناطق الأوكرانية غير المعترف بها كجزء من روسيا. واعتبر مراقبون أن هذا التجاهل المتعمد يسلط الضوء على رؤية روسية أحادية للأمن الأوروبي، تفصل بين النزاع في أوكرانيا والهواجس الأمنية الإقليمية المتصاعدة.

كما فرضت الوثيقة شروطاً تمنع تلقّي أوكرانيا أي دعم عسكري أو تقني من دول أجنبية، بما يشمل الدعم الاستخباراتي وخدمات الأقمار الاصطناعية، مع المطالبة بوقف التعبئة العسكرية وبدء التسريح.

خارطة طريق مشروطة باتفاق شامل وبإشراف أممي

في القسم الثالث من الوثيقة، اقترحت روسيا جدولاً زمنياً لتنفيذ الاتفاق، يبدأ بهدنة مؤقتة لجمع جثث القتلى، ثم توقيع مذكرة وقف إطلاق نار شاملة، على أن تُستكمل عملية الانسحاب خلال ثلاثين يوماً تُجرى فيها انتخابات أوكرانية جديدة. وفي النهاية، يُصدّق الاتفاق في مجلس الأمن ويدخل حيز التنفيذ الكامل.

ردود متباينة ومخاوف من غلق آفاق التفاوض

فيما وصف الجانب الأوكراني الوثيقة بأنها «وثيقة استسلام»، رأى محللون روس أنها تمثل “السقف الأعلى” لمطالب موسكو في مستهل التفاوض. غير أن المراقبين حذروا من أن هذه الصيغة تُضيق هامش المناورة وتُعقّد فرص الوصول إلى حل عملي، خاصة مع غياب أي تنازلات مقابلة أو مراعاة للتوازن الإقليمي.

ورغم مشاركة أوروبا في دعم أوكرانيا منذ بداية الحرب، فإن تغييبها من الوثيقة الروسية يعكس تحوّلاً في الرؤية الاستراتيجية لموسكو التي تسعى إلى فرض تسوية ثنائية خالية من أي ضمانات أمنية غربية، وهو ما قد ينسف فرص السلام الدائم في المنطقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق