أخبار العالمبحوث ودراسات

القيمة المعاصرة والمنطق الداخلي والمسار العملي لمبادرة الأمن العالمي

يمر العالم في الوقت الحالي بتغيرات كبيرة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان، وتزايدت حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين بشأن الوضع الأمني ​​العالمي بشكل كبير. وفي مواجهة العجز البارز والمتزايد في مجال الأمن ​​العالمي، طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي، التي أجابت بوضوح على القضية الرئيسية في عصرنا: “ما هو نوع المفهوم الأمني ​​الذي يحتاجه العالم وكيف يمكن للدول تحقيق الأمن المشترك؟”.

إن الإدراك الشامل للقيمة المعاصرة لمبادرة الأمن العالمي، والفهم الدقيق للمنطق الداخلي لها، وتعزيز الممارسات الإستراتيجية لها بشكل فعال، له أهمية كبيرة في تحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في العالم.

 الفهم الشامل للقيمة المعاصرة لمبادرة الأمن العالمي

إذا نظرنا إلى عالم اليوم، نجد أن المنافسة بشأن الأمن بين القوى الكبيرة أصبحت شرسة على نحو متزايد، وتفاقمت الأزمات الأمنية حول العالم. وتعد مبادرة الأمن العالمي تجسيدا مركزا فكر شي جين بينغ بشأن الدبلوماسية في مجال الأمن الدولي، وهي تعكس بشكل شامل المفهوم العام الصيني للأمن الوطني في العصر الجديد وتوفر التوجيه العلمي للاستجابة للتحديات الأمنية التي تواجه البشرية.

أولا، ترسيخ الموقف التاريخي لتحقيق السلام الدائم للبشرية. إن السلام الدائم هو الطموح العالمي للمجتمع الدولي والتوقعات الصادقة لشعوب جميع البلدان. ومع ذلك، فإن عالم اليوم ليس سلميا ولا هادئا، فمن ناحية، تستمر التهديدات الأمنية التقليدية بلا هوادة. وأدت الأزمة الأوكرانية التي طال أمدها إلى إغراق أوروبا في معضلة أمنية عميقة.

وقاد القمع الاستراتيجي الشامل الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد الصين إلى استمرار التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية، وأثرت الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على “موجة المصالحة” في بلدان الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، تظهر التهديدات الأمنية غير التقليدية الواحدة تلو الأخرى. ويتواصل انتشار المشاكل العالمية مثل الإرهاب وتغير المناخ وأزمة الطاقة والأمن السيبراني والأمراض المعدية، مما يهدد بقاء البشرية وتنميتها.

وفي الوقت الحاضر، يتشابك نوعان من القضايا الأمنية، الأمن التقليدي والأمن غير التقليدي، وينتقلان إلى بعضهما بعضا، مما يزيد تعقيد وصعوبة إدارة الأمن العالمي ويدفع البشرية إلى مفترق طرق السلام أو الحرب، التعاون أو المواجهة. وتواجه مبادرة الأمن العالمي واقع الشؤون العالمية المتشابكة، وعلى أساس إدراك التنوع والطابع العابر للحدود والترابط الذي تتسم به التهديدات الأمنية الدولية، فإنها تؤكد على الاستجابة المنسقة للتهديدات الأمنية في مختلف المجالات، مما يوفر موجهات مهمة للتوضيح الشامل للفوضى الأمنية في العالم وفهم الاتجاه التاريخي الحالي.

جانب من المناقشة المفتوحة المنعقدة في 20 نوفمبر 2023، تحت شعار “التنمية المشتركة تعزز السلام الدائم”، والتي اقترحت الصين تنظيمها خلال توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة

ثانياً، تقديم أفكار واضحة لتحسين حوكمة الأمن العالمي. وفي مواجهة التدهور السريع للوضع الأمني ​​العالمي، فإن الآليات المؤسسية القائمة غير قادرة على الاضطلاع بدور فعال. إن آلية الأمن الجماعي التي تشكل الأمم المتحدة جوهرها، تفتقر إلى السلطة والقيادة ولا يمكنها أن تكبح بشكل فعال النزعة الأحادية التي تنتهجها فرادى البلدان. ويعتمد العمل الفعال للأمم المتحدة على التنسيق بين القوى الكبيرة. وجعل اشتداد المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبيرة من الصعب على الأمم المتحدة إصدار قرارات بتوافق واسع النطاق، وحتى لو مُرِّرت، فسيكون من الصعب تنفيذها بفعالية.

وعلى هذه الخلفية، أنشأت العديد من الدول مجموعة واسعة من آليات الأمن الإقليمي من منطلق مراعاة حماية أمنها. ولكن هذه الآليات تفتقر إلى التواصل الفعال والالتحام المعقول، مما يؤدي إلى الإقصاء المتبادل والمنافسة الخبيثة. وبالإضافة إلى ذلك، في مواجهة قضايا الأمن العالمي المتزايدة، هناك بقع عمياء وفراغات في آليات الحوكمة الحالية، وعلى وجه الخصوص، فإن المجالات الناشئة مثل المناخ والشبكات والمحيطات والمناطق القطبية والفضاء لم تشكل بعد آليات كاملة للحوكمة الأمنية. وتدعو مبادرة الأمن العالمي إلى الحفاظ على آلية الأمن الجماعي التي تكون الأمم المتحدة جوهرها، وبناء هيكل أمني دولي متوازن وفعال ومستدام، مع التركيز على حل مشكلة آليات الحوكمة الأمنية غير الكافية وغير الفعالة، وتوفير حلول مؤسسية لحل معضلة الأمن العالمي.

ثالثا، الإشارة إلى الاتجاه الصحيح لإعادة تشكيل مفهوم الأمن العالمي. ترتبط الفوضى الأمنية العالمية الحالية على نحو وثيق بالمفاهيم الأمنية التي عفا عليها الزمن في الدول الغربية.

ويتمثل الأول منها في التأكيد على أولوية الدولة المعنية ذاتها، أي أنها لا تعترف بأن الأمن متساوٍ ومترابط، فهي تصوغ استراتيجيات أمنية وتتخذ إجراءات أمنية تعتمد بالكامل على مصالحها ووجهات نظرها الخاصة، وتتجاهل المخاوف الأمنية المعقولة للدول الأخرى، بل تحقق أهدافها الخاصة على حساب الإضرار بأمن الدول الأخرى.

 والثاني، تسعى لتحقيق الأمن المطلق، أي تنظر إلى العالم الخارجي بالتفكير في المحصلة الصفرية ومنطق المواجهة، وتعتقد أن الأمن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القضاء على جميع التهديدات الفعلية أو المحتملة، ولتحقيق هذه الغاية، لا تتردد في استثمار موارد ضخمة لتوسيع قوتها العسكرية، وتعزيز ميزتها المطلقة من خلال تعزيز وتوسيع التحالفات العسكرية، وتبحث باستمرار عن “التهديدات” في العالم، مما يخلق الفوضى ويضعف خصومها.

والثالث، تلتزم بالمعايير المزدوجة. بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، طردت الدول الغربية البنوك الروسية من نظام الدفع بالدولار الأمريكي وصادرت الممتلكات الشخصية للمواطنين الروس، في انحراف تام عن “الوعي بالقواعد” و”روح العقد” اللتين روجت لهما منذ فترة طويلة، فمن ناحية، تشوه الولايات المتحدة صورة الصين بسبب ما يسمى بـ”الإكراه الاقتصادي” ضد البلدان الأخرى، ولكنها من ناحية أخرى، تسعى إلى تحقيق “الجدار العالي للفناء الصغير”، و”أنظمة موازية” و”الاستعانة بمصادر خارجية صديقة”، مما قوض إلى حد كبير نظام التجارة الحرة العالمي.

وفيما يتعلق بقضايا مثل منع الانتشار النووي والأمن السيبراني وتغير المناخ، تتبنى الدول الغربية أيضا مواقف سياسية مختلفة تماما بناءً على مواقف وأهداف واحتياجات مختلفة. وتتخلى مبادرة الأمن العالمي عن المفاهيم التي عفا عليها الزمن والمتمثلة في لعبة المحصلة الصفرية ومواجهة المعسكرات، وتؤكد على نسبية الأمن وديناميكياته وعدم قابليته للتجزئة، وتعتبر الحل الأساسي لتحقيق السلام الدائم والأمن العام.

الفهم الدقيق للمنطق الداخلي لمبادرة الأمن العالمي

في ظل مواجهة الوضع البالغ التعقيد للأمن العالمي، طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي من منظور تحقيق التعايش والرخاء المشترك للمجتمع البشري، وشرح بشكل منهجي المفاهيم والمبادئ والمحتويات والمسارات والأهداف اللازمة لتحقيق الأمن العالمي. .

أولا، مسترشدة بالمفهوم الأمني ​​الجديد للتعاون المربح للجميع. تختلف مبادرة الأمن العالمي عن مفاهيم الأمن التقليدية الضيقة والمطلقة والقائمة على التحالف في الغرب، وتدعو إلى مفهوم أمني جديد يكون التعاون المربح للجميع جوهره لتحقيق الأمن العالمي والمشترك والتعاوني للمجتمع الدولي.

والسمة الأولى لهذه المبادرة تجاوز الأمن الضيق بالأمن العام. إن البشرية عبارة عن مجتمع أمني مترابط ويتقاسم السراء والضراء، ولا يمكن لأي بلد أن يحقق الأمن بمفرده، ولا يمكن لأي بلد أن يحصل على الأمن من خلال العزلة الذاتية. وتؤكد مبادرة الأمن العالمي على ترسيخ الشعور بالمصير المشترك، والحفاظ على عقلية منفتحة وشاملة، وتحقيق الأمن العالمي الشامل من خلال التنسيق والتفاعل والمساعدة المتبادلة.

والسمة الثانية هي تجاوز الأمن المطلق بالأمن المشترك. ويعني الأمن المشترك أنه يجب علينا إدراك أن المصالح الأمنية لجميع البلدان متساوية وغير قابلة للتجزئة، ولا يمكن لأي دولة السعي إلى تحقيق أمنها الخاص بغض النظر عن المخاوف المشروعة للدول الأخرى، ناهيك عن تحقيق الأمن على حساب أمن الدول الأخرى.

والسمة الثالثة هي استخدام الأمن التعاوني لتجاوز أمن التحالف. إن أمن التحالف منغلق وحصري ومواجهي للغاية، ولن يفشل في تحقيق الأمن بالمعنى الحقيقي فحسب، بل سيزيد أيضا من حدة المواجهة والانقسام في العالم. ويعارض الأمن التعاوني لعبة محصلة  الصفر حيث تخسر وأنا أفوز، ويسعى إلى إقامة تحالفات قائمة على المعرفة الأمنية واتساق المصالح، ويعزز حوكمة الأمن العالمي من خلال بناء شراكة أمنية تقوم على المساواة والثقة المتبادلة.

ثانيا، اتخاذ المساواة في السيادة والتعددية كمبدأين أساسيين. يتعين على الحوكمة العالمية الالتزام بالمعايير المعترف بها للعلاقات الدولية، فالمساواة في السيادة والتعددية هما المبدآن الرئيسيان اللذان يدعمان حوكمة الأمن العالمي، فمن ناحية، تعد المساواة في السيادة حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة والمعيار الأهم لتنظيم العلاقات بين الدول منذ مئات السنين.

وبغض النظر عما إذا كانت الدولة كبيرة أم صغيرة، غنية أم فقيرة، قوية أم ضعيفة، فإن جميع الدول تتمتع بسيادة متساوية. وقد أثبت التاريخ والواقع مرارا وتكرارا أنه بمجرد تقويض مبدأ السيادة أو حتى الدوس عليه، فإن قانون الغاب سيسود، ولن يكون أمن جميع البلدان مضموناً بشكل أساسي، وسيكون من المستحيل بناء نظام عالمي مستقر وعادل.

ومن ناحية أخرى، تعتبر التعددية مبدأ توجيهيا هاما للتعامل مع الشؤون الدولية المعقدة وشرطا أصيلا لتعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية. والأمن العالمي ليس مسألة تخص دولة واحدة أو منطقة واحدة، بل هو أمر يتعلق ببقاء المجتمع البشري وتنميته، وينبغي الحفاظ عليه من خلال المشاركة المتساوية والتشاور المكثف بين أعضاء المجتمع الدولي.

ومن أجل دعم التعددية الحقيقية، يجب علينا حماية سلطة الأمم المتحدة بشكل فعال والالتزام بشكل كامل وشامل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ ويتعين علينا معارضة الحوكمة المهيمنة التي يهيمن فيها طرف واحد أو تشارك فيها عدة أطراف، وينبغي لنا أيضا فضح وانتقاد كافة أشكال الأحادية و”التعددية الزائفة” المتحولة.

ثالثا، المحتوى الرئيسي هو التنسيق والحفاظ على الأمن الشامل. في الوقت الحاضر، يتوسع زمان ومكان الأمن القومي باستمرار، كما أن تعقيده لم يسبق له مثيل، فيجب تنسيق ومعالجة مختلف المجالات وشتى أنواع الأمن. المجال الأول هو تنسيق صون الأمن التقليدي والأمن غير التقليدي. ومن الصعب الفصل التام بين قضايا الأمن التقليدية والقضايا الأمنية غير التقليدية.

وغالبا ما يكون هذان النوعان من القضايا الأمنية متشابكين ومترابطين، مما يؤثر على الجسم بأكمله، ولا يمكن التعامل مع نوع واحد من القضايا الأمنية بشكل ثابت ومن جانب واحد، ويتعين الالتزام بالتفكير المنهجي والسياسات الشاملة. والمجال الثاني هو تنسيق صون الأمن القومي والأمن الدولي. ويعتبر الحفاظ على أمن الدولة ضمانة مهمة لتحقيق رخائها وتنميتها وضمان رفاهية شعبها، كما أنه نقطة الانطلاق الأساسية لدفع الاستراتيجيات الوطنية وصياغة السياسات العامة.

 ولكن “الحالة الأمنية لا يمكن تحقيقها بتقسيم الأمن الوطني، بل يجب التركيز على الأمن الدولي”، فمن ناحية، ينبغي للبلدان التخلي عن عقلية إفقار الجار القديمة، والمشاركة بنشاط في إدارة الأمن العالمي، والعمل على حماية أمنها بشكل أفضل من خلال بناء عالم يتمتع بالأمن العام، ومن ناحية أخرى، يجب على الدول أيضا إيلاء أهمية كبيرة لانتشار وتغلغل القضايا الأمنية من حيث الموقع المكاني، ليس فقط لتجنب امتداد وتضخيم قضايا الأمن الداخلي، ولكن أيضا لمنع قضايا الأمن الدولي من التطور إلى مخاطر أمنية داخلية. والمجال الثالث هو تنسيق الحفاظ على الأمن الحالي وأمن المستقبل.

ويجب على حوكمة الأمن العالمي عدم التركيز على حل المشكلات الأمنية الحالية فحسب، بل يتعين عليها أيضا الأخذ في الاعتبار الطبيعة الديناميكية الطويلة المدى للأمن، وتعزيز التحليل التطلعي والحكم على الوضع الأمني ​​العالمي، وتحقيق توازن أفضل بين الحاضر والمستقبل من خلال التخطيط الاستراتيجي والترويج الشامل.

رابعا، اتخاذ الحوار السلمي والتشاور على قدم المساواة منهجا. تؤكد مبادرة الأمن العالمي على حل الخلافات والنزاعات بين الدول من خلال الحوار والتشاور، فالحوار والتشاور ليسا تبادلات بالمعنى البسيط، بل حوارات متعمقة موجهة نحو مشاكل حقيقية، تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل، وتهدف إلى تنسيق المصالح وحل المشكلات.

المحور الأول هو بناء الثقة المتبادلة من خلال الحوار. ومن خلال الحوار المكثف، تستطيع البلدان المساعدة في فهم النوايا الاستراتيجية لبعضها بعضا والخطوط الأساسية للسياسات، وتعزيز الإدراك العقلاني والتواصل العاطفي بين بعضها بعضا، وبالتالي توفير أساس الثقة اللازم لتسوية النزاعات الدولية.

والمحور الثاني هو جمع التوافق من خلال الحوار. ولن نتمكن من تحقيق الأمن المشترك من خلال بناء الآليات وتعزيز التعاون إلا عندما يتوصل المجتمع الدولي إلى توافق أساسي في الآراء بشأن القضايا الكبرى مثل التهديدات الأمنية والمفاهيم الأمنية.

والمحور الثالث هو حل النزاعات من خلال الحوار. وأثبتت الممارسة الدولية بشكل كامل أن اللجوء المتكرر إلى العقوبات أو الردع أو حتى الحرب في النزاعات الدولية ليس وسيلة جيدة لحل النزاعات على الإطلاق. ولن نتمكن من إيجاد توازن في المصالح مقبول لدى جميع الأطراف إلا من خلال الحوار والتشاور، بما يؤدي إلى تجسير الخلافات وإنهاء الصراعات.

خامسا، الهدف والرؤية هو بناء مجتمع أمن ذي مصير مشترك للبشرية. ومقارنة بحل المشكلات الأمنية الفعلية والقصيرة المدى، فإن الهدف الطويل المدى لحوكمة الأمن العالمي هو بناء مجتمع أمن ذي مصير مشترك متوازن وفعال ومستدام. والشرط الأول هو الحفاظ على بنية أمنية متوازنة.

ولا يمكن تحقيق أمن دولة واحدة على حساب الأمن المشروع لدول أخرى، ولا يمكن ضمان الأمن الإقليمي بالتحالفات العسكرية وتوسعها المستمر. ولن يتسنى تحقيق توازن نسبي في الهيكل الأمني ​​ونمط المصالح إلا من خلال الالتزام بمبدأ عدم تجزئة الأمن، ومراعاة المطالب المعقولة والمخاوف الأمنية لجميع الأطراف. والشرط الثاني هو تعزيز فعالية الآليات الأمنية.

ولتعزيز فعالية الحوكمة الأمنية، ينبغي لنا الشروع في بناء الآليات الأمنية، فمن ناحية، يجب علينا تعزيز سلطة الآلية وعملها، والحد من البيروقراطية والمؤسسات المتضخمة داخل الآلية، وفي الوقت نفسه، يتعين علينا العمل على جمع المنافع العامة الكافية والعالية الجودة واقتراح خطط حوكمة قوية وملزمة؛ ومن ناحية أخرى، ينبغي تعزيز الارتباط والتكامل بين مختلف الآليات لتشكيل تآزر قوي للمشاركة بشكل مشترك في حوكمة الأمن العالمي.

والشرط الثالث هو ضمان استدامة الوضع الأمني. ويعني الأمن المستدام الحفاظ على الأمن الحالي دون التضحية بالأمن على المدى الطويل، مع التأكيد على الحاجة إلى حل النزاعات والصراعات الدولية بشكل مستقل والتركيز على تعزيز البناء المؤسسي للأمن العالمي.

مسارات عملية للتنفيذ النشط لمبادرة الأمن العالمي

مبادرة الأمن العالمي هي خطة صينية تهدف إلى القضاء على العجز في مجال السلام العالمي والحفاظ على الأمن العالمي المشترك. والأفكار تقود الأفعال، والأفعال تحدد المستقبل. وباعتبارها ناشطة في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، تعمل الصين بنشاط على تعزيز تنفيذ مبادرة الأمن العالمي وتقدم إسهامات فريدة لتعزيز حوكمة الأمن العالمي وتعزيز السلام العالمي.

أولا، تنسيق التنمية والأمن وتوطيد أسس الأمن العالمي. والسبب الجذري للعديد من المشاكل الأمنية في عالم اليوم هو التنمية، ومفتاح حل المشاكل الأمنية يكمن أيضا في التنمية. ومن ناحية، تصر الصين على توفير فرص جديدة للعالم من خلال تنميتها الجديدة. وفي الأعوام العشرة الماضية، تجاوز متوسط ​​إسهام الصين في النمو الاقتصادي العالمي 30% سنوياً.

وفي الوقت الحالي، يشهد الاقتصاد الصيني انتعاشا شاملا بعد الجائحة، وسيستمر النظام الصناعي الكامل، والسوق المحلية الواسعة، والقوى العاملة العالية الجودة، وقدرات الابتكار القوية في دعم التنمية الاقتصادية العالية الجودة، وبالتالي المساعدة في التعافي الاقتصادي العالمي. وعلى هذا الأساس، عززت الصين بقوة الانفتاح الرفيع المستوى على العالم الخارجي، وشاركت بعمق في إصلاح الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية، وعززت بناء عولمة اقتصادية شاملة وعامة المنفعة. ومن ناحية أخرى، تنفذ الصين بنشاط مبادرة التنمية العالمية وتعزز النمو العالمي الشامل والمفيد والمستدام.

وأنشأت الصين صندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية، وصندوق التنمية العالمية والتعاون فيما بين بلدان الجنوب، وأسست مركز تعزيز التنمية العالمية، وأجرت حوارات رفيعة المستوى حول التنمية العالمية، وعززت التوسع المستمر لمكتبة مشاريع مبادرة التنمية العالمية. وتنفذ الصين بنشاط التعاون التنموي الدولي وتقدم الدعم للدول النامية بأفضل ما في وسعها، وأدى ذلك إلى تحسين كبير في قدرة الدول النامية على التنمية بشكل مستقل. وتظهر هذه التدابير العملية مسؤولية الصين في حل مشاكل التنمية العالمية والمساعدة في تعزيز الأمن المستدام من خلال التنمية المستدامة.

ثانيا، الاستمرار في الإقناع من خلال المحادثات بتعزيز السلام وحل النزاعات الأمنية بشكل فعال. وتصر الصين على معالجة النزاعات حول السيادة الإقليمية والحقوق والمصالح البحرية مع الدول المعنية من خلال التفاوض والتشاور. وقد شاركت الصين على نطاق واسع في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

 و”على مدى السنوات الثلاثين الماضية، أرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي من قوات حفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لتصبح قوة رئيسية في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”. وفي مواجهة الأزمات الأمنية الدولية والإقليمية المعقدة والصعبة، بذلت الصين قصارى جهدها للقيام بالوساطة الدبلوماسية، وتشجيع الحوار والتشاور، والدعوة إلى التسوية السياسية.

وأدت أيضا دوراً بناءً في تعزيز حل القضايا النووية الإيرانية والكورية الديمقراطية وتهدئة الوضع في أفغانستان. وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، ظلت الصين تؤكد على احترام السيادة والمخاوف الأمنية لجميع الأطراف، وتدعو إلى إنهاء العقوبات الأحادية التي تصب الزيت على النار، وتشجع كافة الأطراف على العودة إلى المسار الصحيح لمفاوضات السلام.

وفي الشرق الأوسط، تعمل الصين بنشاط على تعزيز المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران وتقدم إسهامات كبيرة في السلام والاستقرار الإقليميين. وبعد اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التزمت الصين بالإنصاف والعدالة، ودعمت قرارات وقف إطلاق النار التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وحضرت القمة الخاصة عبر الفيديو لزعماء البريكس حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وترأست الاجتماع العام الطارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعززت التواصل والتنسيق مع المجتمع الدولي، بما في ذلك العالمين العربي والإسلامي، لتقديم المساعدة في حدود إمكانياتها للتخفيف من الأزمة الإنسانية في غزة.

ثالثا، التركيز على التواصل الاستراتيجي وتحمل المسؤوليات الأمنية للدول الكبرى. وتتحمل الدول الكبيرة مسؤوليات خاصة في الحفاظ على السلام العالمي، ويمكنها الاضطلاع بدور أكبر في حل النزاعات الدولية. وفي السنوات الأخيرة، اعتبرت الولايات المتحدة الصين “منافسا رئيسيا” و”تحديا خطيرا طويل الأمد” وأطلقت منافسة استراتيجية مع الصين، مما أدى إلى وضع معقد وصعب في العلاقات الصينية الأمريكية.

وفي هذا الصدد، لم تلتزم الصين فقط بالنتيجة النهائية واستجابت بقوة للاستفزازات الاستراتيجية والقمع والاحتواء الذي تمارسه الولايات المتحدة، ولكنها حافظت أيضا على تبادلات متعددة المستويات مع الولايات المتحدة، لتوضيح المخاوف المعنية من خلال الحوار، والتعامل مع الخلافات بشكل صحيح، وإدارة الصراعات بشكل فعال. وتولي الصين اهتماما خاصا لدراسة العلاقات الصينية الأمريكية من منظور واسع للحوكمة العالمية، مع التأكيد على دور الجانبين في الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.

وفي الواقع، فإن التعاون بين الصين والولايات المتحدة في الاستجابة للتحديات الأمنية العالمية لا يمكنه بناء إجماع أمني دولي وأداء دور رائد في تعزيز حوكمة الأمن العالمي فحسب، بل يمكنه أيضا إزالة الشكوك المتبادلة وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتوفير فرصة مهمة لحل التناقضات الهيكلية بين البلدين. وبالإضافة إلى ذلك، تتبع الصين بثبات المسار الجديد لتبادل الشراكة بين الدول بدلاً من التحالف، وتسعى جاهدة لبناء شراكة عالمية تقوم على المساواة والانفتاح والتعاون، وتعزز التواصل والتعاون مع الاتحاد الأوروبي واليابان والقوى الناشئة، وتحشد قوى واسعة النطاق لتعزيز حوكمة الأمن العالمي.

رابعا، تعزيز بناء الآلية وتحسين منظومة حوكمة الأمن. تصر الصين على المشاركة العميقة في حوكمة الأمن العالمي، مع بناء الآلية كنقطة انطلاق وتوفير الدعم المؤسسي للعدد المتزايد من قضايا الأمن العالمي. وتحافظ الصين بقوة على الدور الأساسي للأمم المتحدة، وتدعو إلى تعزيز سلطة وفعالية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتشجعه على تحمل مسؤوليته الرئيسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.

وعلى هذا الأساس، نفذت الصين بنشاط بناء آليات أمنية إقليمية وشبه إقليمية، وعززت توسيع عضوية ومهام منظمة شانغهاي للتعاون، وعززت الحوار في المجال الأمني ​​لآلية تعاون البريكس، وعززت التعاون الأمني ​​الإقليمي في إطار البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”. وفي مجال القضايا الأمنية المحددة، تشارك الصين بنشاط في العملية الدولية للحد من الأسلحة ونزع السلاح، وانضمت إلى “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” وغيرها من الاتفاقيات الدولية، وتعمل باستمرار على تحسين آليات التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود الوطنية، وتعزز صياغة القواعد في المجالات الأمنية الناشئة مثل المحيطات والمناطق القطبية والفضاء والإنترنت.

 وبالتطلع إلى المستقبل، ستواصل الصين تعزيز الإصلاح والابتكار في آليات الأمن الدولي وتوفير آلية أكثر ملاءمة وكفاءة وعدالة لحل قضايا الأمن العالمي لضمان تمتع مختلف الجهات الفاعلة بحقوق متساوية وتكافؤ الفرص وقواعد متساوية في حوكمة الأمن العالمي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق