أخبار العالمملفات 📁

الغاز الافريقي : ورقة ميلوني الرابحة في أوروبا ‎‎‎‎

فاتن جباري: باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس

مقدمة :

تحرك مصالح إيطاليا الخارجية أربع دوائر رئيسية: الأطلسيوالاتحادالأوروبي، وإفريقيا، والبحر المتوسط. فلإيطاليا شراكات موسعة مع دول جنوب المتوسط، بحكم إرثها التاريخي في المنطقة منذ الحقبة الاستعمارية، وما يسمى بسياسة الجوار الأوروبي التي تربط الاتحاد بعدد من الدول المطلة على البحر المتوسط.

وقد ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في دفع الأنظار نحو الشرق الأوسط، لإيجاد بديل عن موارد الطاقة الروسية، وبدت الجزائر إحدى الدول التي تستطيع المساهمة في ذلك، وهو ما أسفر عن الاتفاق الموقع بين إيطاليا والجزائر في جانفي لزيادة إمدادات الغاز.

 تواجه حكومة جورجيا ميلوني الجديدة معضلة في كيفيةتحقيق توازن بين علاقتها مع الجزائر وبين مصالحها معالمغرب كدولة محورية في المتوسط؛ حيث ساهم اعتراف إدارةترامب السابقة بالسيادة المغربية علىالصحراء الغربية في تصعيد تدريجي بين الجزائر والرباط من جانب، وبينالرباط والدول التي دعمت موقف الولايات المتحدة ، وهو ما تبعه وقف إمدادات خط الغاز المغربي الأوروبي، ليبيا هي الأخرى ليست بمنئ عن المخطط الإيطالي الذي ظفر بصفقةتاريخية لم تحلم بها ميلوني ، لتبقى تونس مغيبة تماما عنالمشهد ككل بل ان هناك شبحا من السيناريوهات التي قدتحصل في تونس كما اشارت الزعيمة اليمينية.

  1. خطة “انريكو ماتي”:تشابكية المتوسط وإفريقيا

تعرض زعيمة اليمين المتطرف رؤيتها العامةفيما يخص السياسة الخارجية لإيطاليا، لافتة حاجة إيطاليا إلى الترويج لما يسمى بـ“خطة ماتي لإفريقيا، التي تتلخص فيوجود نموذج براغماتي بين الاتحادالأوروبي والدول الإفريقية. ولعل اختيار ميلوني لهذا المخطط له مؤشرات لعل اهمها :

  • رسم صورة إيطاليا على أنها نموذج تنموي اوروبي جديد على انقاض الصراع الروسي الأوكراني
  • وجود بديل أوروبي له حضور في المنطقة يرمز إلى استمرار ربط مصالح إيطاليا وبقائها في المتوسط وخاصة افريقيا “او قرع نعالها في افريقيا”
  • وجود بديل أوروبي له حضور في المنطقة : وفق خريطة مصالح استراتيجية يحدها القرن الإفريقي شرقا وخليج غينيا والساحل غربا والبحر المتوسط وليبيا شمالاو الان الحكومة برئاسة تحالف يميني، قضيته الأولى الهجرة، فبحسبميلوني وصل إلى إيطاليا منذ بداية 2022 حوالي 94 ألف شخص.

يلاحظ من سياق خطاب ميلوني أنها لم تتطرق كثيرًا إلى أهدافها أو آلية تعاونها المتوقع تجاه تونس، ويمكن من خلال المؤشرات التالية بناء تصور أولي: استيراد حاجتها، لسيما أن عجز الكهرباء لديها يصل إلى %55 فيما تعمد تونس إلى تزويد الجزائر لها لمواجهة هذا العجز وتعطي المؤشرات السابقة دلالات على طبيعة التفاعلات القادمة بين الرباعي: تونس وإيطاليا والجزائر والمغرب، تجعل تونس أقرب إلى حد ما لثنائية ”إيطاليا والجزائر” وفق الحاجة إلى شراكات الطاقة بين الدولتين.

  • دبلوماسية “ميلوني” أبعاد التحركات الإيطالية المكثفة في منطقة المتوسط:

شــهدت الآونةالأخيرة كثافــة فــي التحــركاتالإيطالية فــي منطقــة المتوســط؛ حيــث قامــترئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال شهرجانفي الجـاري بزيـارة لـكل مـن الجزائـر وليبيـا،علاوة علــى زيــارة وزيــر الخارجيــة الإيطالي إلــىالقاهــرة. هـذه التحـركات المكثفـة ترتبـط بمحاولاترومـا تعزيــز نفوذهــا فــي المنطقــة فــي ظــلالتنافــس الدولـي المتصاعـد بهـا، وتأميـن إمـداداتالطاقـة مــن دول شــمال أفريقيــا، وكذلــك فتــحســوق جديــدة أمــام الأسلحةالإيطاليةومواجهــة تدفقــات الهجــرة غيــر النظاميــة.

  • الغاز وأنابيب التدفق الأخضر

الغاز، الكلمة التي اربكت زعماء وقادة اوروبابعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية سارعت ايطاليا نحو القارة السمراءلتسبق بذلك جميع الدول الأوروبية ولتضمن امدادات تزيد مع المستقبلبين الجزائر وليبيا وتضمن بدائل عن الدب الروسيخطوات وصفها المحللون السياسيون بالذكية والسريعة .

جيورجيا ميلوني وجهت أنظارها الى افريقيا في زيارة تلوى الأخرى كانت الأولىنحو الجزائر حيث تم ابرام اتفاقيات تتعلق بالغاز و الطاقة كذلك فيمجال البناء البحر ي و السيارات و الشركات الناشئة .هدف ايطاليا ال يقتصر على استيراد الغاز لنفسها فقط بل تريد ان تصبحمركزا تأتي اليه اوروبا لتخاد الغاز منه و تعيد اليها هيبتها زمن الإمبراطوريةالرومانية .

بعد الجزائر توجهت ميلوني مباشرة الى ليبيا حيث وقعت صفقة غازقيمتها بلغت 8 مليارات دولار من اجل تطوير التعاون بين الشركات الإيطالية و الليبية لتطوير حقول غاز بحرية واكبر استثمار منفرد في قطاع الطاقة الليبي منذ اكثر من عقدين لماذا ليبيا دون غيرها ؟

ليبيا التي سكنتها الحرب منذ امد تمتلك ثالث اكبر احتياطي للنفط الخامفي افريقيا اي بنحو 48 مليار برميل .وفقا لتوقعات سنة 2023 قد تكونليبيا الدولة العربية الأكبر نموا خلال هذا العام و يعود ذلك الى حادة اوروباالشديدة للغاز وارتفاع اسعار المحروقات في العالم كما تعد ليبيا خامسةدولة افريقية تمتلك احتياطات من الغاز و النفط الصخري بالإضافة للمعادن مثل الذهب و اليورانيوم .

كيف سيتم نقل هذه الكميات الهائلة من الغاز والنفط الى ايطاليا ؟

انابيب التدفق الأخضر:

بمساحة 31 الفا و 555 كيلومترا من خطوط نقل الغاز تنتشر فيالقارة الأفريقية ، وليبيا تأتي في المرتبة الثانية من الدول التيتمتلك اكثر من 6االف كيلومتر وتأتي الجزائر في المرتبة الأولى والمرتبة الثالثة من نصيب مصر كما تطورت هذه الشبكات فيالقارة السمراء تلبية الاحتياجات الدول الأوروبية و خاصة ايطالياالقريبة من كل من الجزائر وليبيا .في 70 نات القرن الماضي تبلورت فكرة نقل الغاز الطبيعي منليبيا الى ايطاليا وبعد سنوات احريت الدراسات ووضعتالخطط ولكن تعطل بناء هذه الخطوط حتى عام 2003 وعرفتباسم انابيب الدفق الأخضر و افتتح المخطط أندلك مع سلفيوبرلسكوني و معمر القذافي .ويبلغ طول خط الأنابيب 540كيلومترا ووصلت تكلفته الى 6 مليارات و600مليون دولارامريكي ويمتد م ن مليته في ليبيا الى جبال في صقلية بإيطالياحيث يستخرج الغاز م ن مجمع الوفاء و يرسل مليتة من اجلمعالجته قبل تصديره الى ايطاليا .وتعود ملكية خط النقل هذا مناصفة بين شركتي ايني الإيطالية والمؤسسة الوطنية للنفط بليبيا وأصبح الآن ثروة قومية بإيطاليا.

تبنت ايطاليا الأشهرالأخيرة عددا من التحركات التي استهدفت تعزيز نفوذها في منطقة المتوسط انطلقت من الجزائر وذلك على النحو التالي :

  • تكثيف الانفتاح الدبلوماسي على دول شمال أفريقيا

ويتجلى ذلك من خلال الزياراتالمكثفة من المسؤولين الإيطاليين لدول شمال أفريقيا؛حيث أجرت رئيسة وزراء إيطالياجورجيا ميلونيزيارة الى  كل منالجزائر وليبيا، وناقشت خلال عددمن الملفاتالمهمةهذه الزيارات مثل العلاقات الأمنيةوملف الهجرة غير الشرعيةوملف الطاقة.

من جهته ادى وزير الخارجيةأنطونيو تاياني الإيطالي زيارة إلى القاهرة، وعقب مباحثات أجراها مع، الرئيسعبد الفتاح السيسي أكدأنمصر تعد شريك مهم لإيطاليا في منطقة البحر المتوسطمشيراإلى أن الزيارة التي جاءت في ضوء الأهمية التي توليهاإيطاليا للحوار مع القاهرة حول عدد من الملفات، وعلى رأسها الهجرة ومكافحةالإرهاب والطاقة والأزماتالإقليميةكالأزمة الليبية كما أعلنوزير الخارجية الإيطالي أن إيطالياتتوقع استيراد 3 مليارات متر مكعبمن الغاز من مصر في عام 2023وأكثر من 20 مليارمن مضاعفة خطأنابيب في المستقبل.

  • الاعتمادعلى البعد الاقتصادي في تعزيز النفوذ

تعتمد روما في تحركاتها بمنطقة المتوسط علىالأدواتالاقتصادية، وتوقيع اتفاقيات مع دول المنطقة، أو ما يمكن أن نطلق عليه دبلوماسية الطاقة. وفي هذا الصدد، وقعت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في العاصمة الليبية طرابلس، صفقة ”تاريخية“ تقدر بثمانية مليارات دولار لتطوير قطاع الغاز والطاقة الشمسية، ومشاريع التقاط الكربون بهدف تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا وتشمل الصفقة إنتاج ما يصل إلى 850 مليون قدم مكعب من الغاز البحري من البحر المتوسط.

  • تعزيز الحضور العسكري في البحر المتوسط:

 أعلن الجيش الإيطالي عن إطلاقعمليةاستراتيجية جديدة في منطقة البحر المتوسطأطلقها في 2022 تحت مسمى”البحر الأبيض الامن”كامتداد لعملية سابقة تحت اسم ” البحرالمتوسط الآمنوتضمنت الاستراتيجية بنودا  متعلقة بتوسيع عملية المراقبة البحرية على المستويات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية من قبل الجيش الإيطالي، وتوسيع منطقة العمليات لتصل من 160 ألف إلى مليوني كيلومتر مربع،لتشمل معظم المساحات البحرية الدولية لحوض البحر المتوسط، ونشر تشكيل عسكري بحري يشمل نحو 6 سفن وغواصات حربية،بدعم من الطائرات العضوية للوحدات البحرية وطائرات البحرية والقوات الجوية البرية. وتتكامل هذه الاستراتيجية الجديدةمع الدعم الإيطاليلعملية “إيريني”الأوروبية البحرية في البحر المتوسطالتي تشارك فيها 24 دولة أوروبية.

  • فتح سوق جديدة أمام الأسلحة الإيطالية

تعمل روما أيضاعلى زيادة حصتها في واردات الأسلحة بدول المنطقةومن ثم تعزيز مبيعات السلاح الإيطالي إليهاوفي هذا الصدد أشارت تقارير إلى اعتزام الحكومة الإيطالية الموافقة قريبا على صفقة عسكرية ضخمة معها تتضمنفرقاطات من طراز فريم بيرجاميني و20 لنش صواريخ و24 مقاتلة من طراز يوروفايترتايفون، و24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال الخفيف وقمر استطلاع في صفقة تبلغ أكثر من 10 مليارات يور.

توسيع المبادلات التجارية مع دول المنطقة عبر توسيع المبادلات التجارية مع دول شمال افريقيا وتعتبر العلاقات مع الجزائر نموذجا مهما في هذا السياق إذ أعلن الرئيس الجزائري ”عبد المجيد تبون“ أن المبادلات التجارية مع إيطاليا ارتفعت من 8 مليارات دولارالى 16 مليار دولار في الفترة بين 2021 و2022.

  • الحفاظ على المكانة والنفوذ الإقليمي لروما

للحفاظ على المكانة والنفوذ الإقليميلا  تنفصل التحركات الإيطالية لروما في منطقة المتوسط وشمال أفريقيا عن محاولات إثبات نفوذها في المنطقة، وإرسال رسالة إلى القوى الأخرى أنها طرف مهم له مصالحه في المنطقة ولا يمكن التنازل عنهاويعزز من ذلك الرؤية الإيطالية لبعض الملفات في المنطقة، على غرار الملف الليبي إذ تعتبر روما ليبيا امتدادا حيوّيا لها ولبوابتها الجنوبية، بخالف توفير إمدادات النفط والغاز منها، ودخلت في خلافات مع فرنسا في هذا الملف؛ ما جعلها أقرب إلى تركيا من باريس.

والآن تحاول إيطاليا التنسيق مع فرنسا بشأن ليبيا بجانب ملفات أخرى، سواء في تونس أو الجزائر مع خلق شراكات قوية مع مصر وقبرص واليونان وإسرائيل؛ حيث تسعى روما لتقديم نفسها كقوة مؤثرة في الاتحادالأوروبي، وخاصة بجنوب المتوسط، بعد خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي.

تأمين إمدادات الطاقة من دول شمال أفريقيا: وهو الأمر الذي تزايدت أهميته بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وتضرر قطاع الطاقة في أوروبا نتيجة لوقف موسكو إمدادات الغاز لدول المنطقة. وفي هذا الإطار تعمل روما على تأمين حصة من إمدادات الغاز من المنطقة، وظهر ذلك في الصفقة التي وقعتها رئيسة وزراء إيطاليا أثناء زيارتها الأخيرةإلى ليبيا وتضمنت إنتاج نحو850مليون قدم مكعب يوميا من الغاز البحري منالبحر المتوسطوتجدر الإشارة هنا إلى أن إيطاليا تسيطر على إمدادات غاز جنوب المتوسط القادمة من دول شمال أفريقيا مثل خط الأنابيب القادم من ليبيا و”ترانسميد” القادم من الجزائر عبر تونس والآن تعمل على الشراكة في خط “آيست ميد” لنقل الغاز الذي سيشمل دولشرق المتوسط وتحديدا مصر وقبرص واليونان وإسرائيل، كما ترغب في أن تكون بوابة أوروبا لنقل غاز المتوسط إليها لحل أزمة الطاقة

4-مواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية

صحيح أن قضية الهجرة غير النظامية طرحت نفسها بوصفها إحدى القضايا الجوهرية للحكومات الإيطاليةالمتعاقبةبيد أنها تشكل قضية محورية بالنسبة لحكومةميلوني ، وربما تأتي على رأسأولويات الحكومة و خصوصا ، أنها تستحوذ على اهتمام مركزي بالنسبة لتيار اليمين المتطرف الإيطالي الذي تعبر عنه ميلوني وحزبها؛ لذا تعمل حكومة ميلوني على تعميق علاقاتها مع دول شمال أفريقيا من أجل منع تدفقات الهجرة إلىالأراضيالإيطالية.

وفي هذا الإطار، ركزت مباحثات رئيسة الوزراء الإيطالية ورئيس حكومة الوحدة الليبية، على ملف الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط. وصرح ”الدبيبة“ بأن إيطاليا ستدعم ليبيا من خلال توفير سفن جديدة للبحث والإنقاذ وتعتبر هذه القضية مهمة في مسار العالقات الثنائية بين ليبيا وإيطاليا، وخاصة أن تدهور الأمن وانعدام القانون تسبب في جعل ليبيا طريقا رئيسيا ولكن خطيرا للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا، عبر جزيرة”لمبيدوسا”الإيطالية في كثير من الأحيان. ويلقى مئات المهاجرين حتفهم كل عام في أثناء محاولتهم القيام بتلك الرحلة وهيالاعتبارات التي تعزز من الحاجة إلى وجود تنسيق على مستوى أكبر بين البلدين في هذا الملف.

في الختام يمكن القول إن التحركات الإيطالية المتنامية في منطقة البحر المتوسط تستهدف بشكل رئيسي تأمين المصالح الاقتصادية ومواجهة المعضلاتالأمنية التي تواجه إيطاليا، كقضايا الإرهاب والهجرة غير النظامية لرومافضًلا عن الرغبة في تعزيز النفوذ في مواجهة بعض الخصوم والمنافسين الدوليين وعلى رأسهم روسيا إلا أن هذه التحركات، مع الإقرار بفاعليتها بشكل نسبي، تواجه عددا من التحديات وعلى راسها حالة التنافس الدولي في المنطقة ، وبعض التباينات النسبية مع بعض الشركاء كفرنسا، وكذا التهديدات الأمنية المرتبطة بحالة عدم الاستقرار في بعض الدول فكيف سيكون استكمال خارطة ماتي المثيرة للجدل في تونس؟

المصادر :

إحصائيات وزارة الخارجية الايطالية

منظمة العفو الدولية

محكمة العدل الدولية

المعهد الاوروبي لحقوق الانسان

المعهد التونسي للعلاقات الدولية معتد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق