العلاقات الصينية-التونسية: عقود من الصداقة والثقة وطموح واعد حاضرا ومستقبلا
تونس- زهور المشرقي-4-6-2024
منذ انتصار الثورة الصينية العظيمة بقيادة المفكر والقائد ماو تسي تونغ، فتحت آفاق تاريخية واعدة بتأسيس جمهورية الصين الشعبية، في امتداد لعبقرية شعب ساهم بحضارة رائدة منذ أربعة آلاف سنة ألهمت البشرية معاني العطاء والابداع.
ومع إنجازات الثورة الصينية العظيمة صحا العالم على واقع جديد وفكر وإنجازات موحية لشعب اقتحم بإرادته الحرة كل الصعاب المحلية وواجه باقتدار جميع الضغوطات والاكراهات الخارجية خاصة من قبل القوى الغربية الامبريالية وكان له ما أراد في كل مراحل المواجهة والتحدي.
ومنذ ذلك التاريخ توسعت دوائر التقدير والاحترام من قبل الشعوب لسياسة الدولة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي، وظلت هذه الشعوب تتطلع وتعمل من أجل إرساء تعاون بنّاء وفتح أذرعها لمساهمات الصين الشعبية في مواجهة أسباب التخلف وفي إقامة المشاريع الحيوية إيمانا من هذه الشعوب بنزاهة وحضارية المواقف الصينية، واعتزازا بماضي الصين وحاضرها الخالي من أي ضغوطات أو إملاءات في مسيرة البناء والتقدم على كل المستويات، خلافا لكل الممارسات الغربية الساعية إلى الهيمنة والتدخل في شؤون الشعوب وإثارة المشاكل والحروب.
ونتيجة هذا التوجه الحضاري الانساني على مدى توالي العقود أصبح الحضور الصيني يبشر الشعوب بعالم أكثر عدلا وإنصافا وحرصا على تجاوز العلاقات الظالمة التي عانت من ويلاتها البشرية طويلا بسبب عقلية الاستعلاء والابتزاز والاستعمار والنهب.
وتونس من بين هذه الشعوب التي أدركت الآن وبعد سنوات طويلة من الهيمنة الفرنسية سياسيا اقتصاديا وثقافيا بسبب تسلط الفرنكفونيينالذين درسوا في فرنسا وربطوا مصير البلد بالغرب،أدركت تونس ولا سيما شبابها أن العالم يتغير بسرعة نحو مواعيد تاريخية واعدة بالأمل والتقدم في ظل النهضة الصينية العملاقة ومواقف قيادتها الشجاعة في مساعدة الشعوب الصغيرة للفكاك من أسباب التخلف وظهرها مسنود بقوة في مسيرتها نحو مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ونشر ثقافة السلام والوئام لصالح البشرية جمعاء.
كما وجبت الاشارة في هذا المقام إلى أن من يزور بلدان القارة الافريقية يقف بالفعل أمام عظمة المجهودات الصينية في البناء وخلق فرص النماء حيث ارتفعت المنارات العلمية وتشكلت بنى تحتية عملاقة من مدارس ومستشفيات ومطارات في شكل هبات ومساعدات، ولا تفوتنا الاشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى الصرح العملاق لمقر الاتحاد الافريقي في أديس أبابا الذي بنته الحكومة الصينية هدية لشعوب القارة فضلا عن بناء المقر الرئيسي للمراكز الافريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أديس أبابا.
برغم البيروقراطية الادارية في تونس وتعطيل المشاريع عبر عقبات إدارية تعرقل بعث المشاريع التي ترنو الصين إلى تحقيقها إلا أن ذراعيها ظلت مفتوحة لأي بادرة نحو ترسيخ التعاون الاقتصادي مع تونس الذي تحاول الدول الغربية للأسف أن يظل تحت التبعية لها منذ استقلال البلاد، لكن مع انتشار الوعي وإدراك حقيقة نظام الهيمنة الغربي بدأ التونسيون يسعون إلى تنويع الشراكات خاصة مع الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، كمرحلة مهمة نحو التخلص من الهيمنة الغربية، وتوحي مواقف الرئيس قيس سعيّد بهذا العزم خاصة بتركيزها على عدم المساس بالسيادة التونسية والحرص على رفض الشروط والاملاءات كتلك التي تحاول فرضها بيوتات المال العالمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.
والملاحظ أن التونسي أصبح يُقبل بشكل واضح على التكنولوجيا والبضائع الصينية في تناغم مع مواقف الدولة الصينية المساندة لقضايا الشعوب.
كما أن عديد السياسيين والخبراء يتطلعون إلى توسيع العلاقات التي بلغت من العمر ستين عاما فتشبّبت ولم تشب بين البلدين .. وستظل تونس والصين عنوانا للسلام والتعاون النزيه حاضرا ومستقبلا، تلوّنه رايات السلام والتعاون النزيه.
يذكر أنه في العاشر من يناير 2024، بمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وجّه الرئيس قيس سعيّد رسالة تهنئة إلى سيادة الرئيس شي جين بينغ، أعرب من خلالها عن اعتزازه بإحياء هذه الذكرى التاريخية، وعن ارتياحه لمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، التي تعزّزت خلال السنوات القليلة الماضية على المستوى الثنائي وكذلك في أطر إقليمية ودولية.
وأكد الرئيس سعيّد حرص تونس على تقوية وشائج الصداقة مع الصين الشعبية، والتأسيس لشراكات جديدة وواعدة في عدة قطاعات، بما سيساهم في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أرفع المراتب.
ويعتز التونسيون بالسياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية تقوم وفقا لمبدأ”رابح -رابح” من أجل تعزيز السلام والأمن العالميين والرخاء المشترك، وهي قيم تحققت فعلا في مشاريع كثيرة ومتنوعة سواء في تونس أو إفريقيا.
كما وقعت تونس في يوليو 2018 مذكرة تفاهم تتعلق بانضمامها إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وعززت تونس والصين تعاونهما عبر مؤسسات عديدة من ضمنها منتدى التعاون الصيني الافريقي، وكذلك منتدى التعاون الصيني العربي،ومن بين انجازات الصين مؤخرا في تونس إنشاء مبنى الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بالعاصمة والتي نظرا لأهميتها دشنها الرئيس قيس سعيّد، بحضور وزير الخارجيّة الصيني وانغ يي ووزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمّار، وهي عبارة عن إشارة قوية لتمتين العلاقات بين البلدين بعد جمود في الفترة السابقة برغم مساعي الصين ومقترحاتها لإنشاء مشاريع في تونس.
الجدير بالذكر أيضا أن الرئيس سعيّد كان قد التقى رئيس جمهورية الصين الشعبيةشي جين بينغ، في ديسمبر 2022 في الرياض، حيث شدد الرئيسان على أهمية تطوير سبل العمل المشترك وتعميق روابط الصداقة بين البلدين.
وأكد الرئيس بينغ أن “الصين تدعم الجانب التونسي بثبات في السير على الطريق التنموي الذي يتناسب مع ظروفه الوطنية، ويرفض التدخل في شؤونه الداخلية من قبل القوى الخارجية، ويثق بأن الجانب التونسي لديه الحكمة والقدرة على الحفاظ على الاستقرار والتنمية للبلاد، وهي مبادئ يستحسنها التونسيون الذين يتفقون مع مبدأ الصين في عدم التدخل في شؤون اي دولة”.
كما وجب التنويه والإشادة بالمبادرات الحضارية التي أطلقها سيادة الرئيس شي جين بينغ، في مواجهة التحديات العالمية، واقتراح حلول صينية لها ومن بينها مبادرة التنمية العالمية التي تم تقديمها في عام 2021، ومبادرة الأمن العالمي، فضلا عن كشف النقاب في 15 مارس عام 2013 عن “مبادرة الحضارة العالمية”، التي تجادل بأن الدول يجب أن “تمتنع عن فرض قيمها أو نماذجها الخاصة على الآخرين، وعن تأجيج المواجهة الأيديولوجية”. ودعا في إطارهذه المبادرة إلى “احترام تنوع الحضارات، والدفاع عن القيم المشتركة للإنسانية، والتقدير الشديد لميراث الحضارات وابتكارها، والتدعيم المشترك للتبادلات الشعبية والتعاون على الصعيد الدولي”.
وقال أثناء حديثه في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية “ظهرت البشرية التي تعيش في نفس القرية العالمية في نفس العصر الذي يلتقي فيه التاريخ والواقع، بشكل متزايد كمجتمع مصير مشترك يكون فيه لكل فرد في نفسه القليل من الآخرين”.
كما سبق لسيادة شيبينغ أن دعا في يناير عام 2017، إلى إرساء دعائم مجتمع مصير مشترك للبشرية خلال خطاب ألقاه في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، حاثا جميع الدول على” بناء عالم مفتوح وشامل ونظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن المشترك والازدهار المشترك”، وهي مبادرات استقبلتها الشعوب بكل ارتياح وتقدير وأمل في تجسيد مضامينها.