الطرق الوطنية تتحول إلى مصائد موت في منطقة الساحل وسط تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية وتآكل سيطرة الدولة

قسم الأخبار الدولية 08/07/2025
تحوّلت الطرق الوطنية في منطقة الساحل الأفريقي إلى شرايين مميتة، تخترق مساحاتٍ يسيطر عليها العنف المسلح والكمائن الجهادية، لتصبح بذلك رمزاً لانهيار الأمن ومصدراً دائماً للرعب بين السكان المدنيين والعسكريين على حدّ سواء. وتشير تقارير ميدانية إلى أن محاور النقل البرّي باتت أهدافاً رئيسية لهجمات تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة»، ووسائل فعّالة لشلّ المجتمعات الريفية وخنق الإمدادات اللوجستية للقوات النظامية.
في مالي، يُعرف الطريق الوطني رقم 15، المعروف شعبياً بـ«طريق السمك» نظراً لاعتماده في تصدير السمك نحو بوركينا فاسو، بسجله الدموي الطويل، حيث شهد انفجارات ألغام وكمائن وعمليات خطف متكررة، أبرزها في مارس الماضي حين أوقف مسلحون قافلة مدنية وخطفوا ركاب حافلة أمام أعين أحد المواطنين الذي كان ينقل جثة والدته.
وبحسب دراسة صادرة عن «منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي»، فإن أكثر من 70% من أعمال العنف و65% من جرائم القتل في غرب وشمال أفريقيا تحدث على بُعد أقل من كيلومتر من الطرق الرئيسية، وهو ما يبرز الأهمية الاستراتيجية لهذه المحاور في تكتيكات الجماعات الجهادية.
وتزداد خطورة الوضع في الطريق الوطني رقم 16 الذي يربط موبتي بغاو في مالي، والذي سجل أكثر من 430 حادثة منذ عام 2012، بحسب الباحث أوليفييه والتر من جامعة فلوريدا، والذي أشار إلى أن الطرق أصبحت مسرحاً مفضلاً للهجمات ضد القوات النظامية ووسيلة لفرض العزلة على المدن المحاصرة.
في بوركينا فاسو، يُلقب الطريق رقم 22 بين بورزانغا ودجيبو بـ«محور الموت»، حيث نفذ مقاتلو «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» هجمات متكررة، كان أعنفها في سبتمبر 2022 حين أُحرقت أكثر من 200 شاحنة إمدادات، وقُتل 11 جندياً، وتوارى مدنيون عن الأنظار.
أما في النيجر، فإن الطرق المؤدية جنوباً إلى بوركينا فاسو تحولت منذ 2022 إلى مناطق محظورة عملياً بسبب تكرار الاعتداءات المسلحة. وتشير تقارير الجمعيات المحلية إلى مقتل عشرات السائقين وحرق عشرات الشاحنات خلال السنوات الأخيرة، ما دفع العاملين في قطاع النقل إلى إعلان العجز عن «إحصاء عدد موتاهم».
ويتمركز تنظيم «داعش – ولاية الساحل» في «منطقة الحدود الثلاثة» بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث يفرض شروطاً قسرية على حركة المدنيين ويخطف السائقين ويمنعهم من دخول الأسواق المحلية.
ويرى الخبراء أن مواجهة هذا الواقع الأمني لا يمكن أن تقتصر على الحلول العسكرية، بل تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل تعزيز البنية التحتية، وتكثيف التعاون الحدودي، وتقديم بدائل تنموية حقيقية للحد من تجنيد الشباب، فضلاً عن تطوير استراتيجيات تنقّل أكثر مرونة تعتمد على مركبات خفيفة شبيهة بتلك التي تستخدمها الجماعات المسلحة، لتعويض هشاشة الطرق وخطر التنقل الجماعي في المواكب العسكرية.