الضفة الغربية: هل ستكون عنصر المفاجأة القادمة للكيان الصهيوني؟
إعداد قسم الدراسات الأمنية والعسكرية
تونس 04-12-2023
منذ أن أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني قانون “يهودية دولة إسرائيل” في العام 2018، والضفة الغربية في فلسطين المحتلة تعيش أسوء الأوضاع وبحالة مستمرة بين مطرقة الكيان المحتل وسندان العميل أبو مازن وجوقته.
فيوميا تنتهك الضفة الغربية وينكّل بها من استهداف المدنيين الفلسطينين بالقنص والمداهمات، واعتقال الأسرى من الرجال والنساء والأطفال من مختلف الفئات العمرية فالكل حسب كيان الإحتلال متهم ومجرم فالغطرسة الصهيونية لا تفرق بين مدني ومقاوم ولا طفل ولا شيخ ولا كهل فالكل يخضع تحت الآلة الإرهابية الصهيونية وعملائها الذين يدعمونها.
منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” شهدت الضفة اعتقالات ما بين الشباب وصل عددهم إلى 1680 معتقل من 7 اكتوبر حتى أول نوفمبر، ووصل العدد إلى ما يقارب الثلاثة آلاف والحبل على الجرار وكلهم في السجون الإرهابية الصهيونية من دون تهم.
هذا عدا عن سقوط مئات الشهداء خلال المداهمات او القنص الذي يبدو أنه سيبقى بارتفاع مضطرد ما بقي الاحتلال جاثماً في أرض فلسطين. وتصاعد وتيرة بناء “المستوطنات العشوائية”، بحسب تسمية الإحتلال، يحسم فشل خيار الدولتين.
الواقع أن الضفة تخوض معركة طوفان الأقصى بصمت ومن خلف الكواليس، دون أن تسترعي انتباه العالم إلى ما يحدث فيها، لأن حجم المجازر التي ترتكب في غزة بات وللأسف يغطي على حجم الانتهاكات الصهيونية على باقي الأراضي الفلسطينية، فالضفة تقاتل وتنتهك وتستشهد وهي واقفة في الظل.
ويبدو أن المخطط الصهيوني المعد للضفة يسير تحت جنح الظلام وبمساندة أميركية وغربية وعربية. اذ يستغل الصهاينة انشغال العالم بحجم المجازر التي يرتكبها في غزة، والتي وصلت إلى عشرات الآلاف، ليستمر في مخططاته المبيتة للضفة، واستمرار العمليات العدائية ضد المخيمات الفلسطينية التي بدأت ما قبل طوفان الأقصى، ولم تتوقف خلال الهدنة بل ازدادت عدوانية.
تحتل الضفة الغربية أهمية خاصة في الملاحم التلمودية، وهي تعتبر أرض يهودا والسامرة التي قامت فيها مملكتي الأسباط اليهود، وتعد جزءاً هاماً من دولة “اسرائيل”، ولذلك ما يقوم به الصهاينة من محاصرة للضفة الغربية وإستمرار في المداهمات والتضييق والحصار لأهلها للدفع نحو تهجير الفلسطينيين أو قتلهم، أمر مرتبط بشكل مباشر بالتلمود وعقائدهم المبنية على خرافاته.
“خرافاته” المعتمدة في رواياتها على المراحل التاريخية التي كتب بها التلمود، والتي سيجد القارئ أنها مرتبطة وبشكل مباشر بالديانات التي انتشرت في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.
إن توضيح هاتين النقطتين يعد أمراً هاماً لكي نفهم ماهية عمل الصهاينة في الضفة، وخاصة عملية قضم الأرض من خلال بناء “المستوطنات العشوائية”، وصولاً إلى احتلال كامل للضفة، ومحاصرة العرب الفلسطينيين في مدنهم وبلداتهم وقراهم، ونزع ملكية أراضيهم الخصبة من أجل دفعهم نحو الهجرة والتهجير القسري، حتى أن “ايتمار بن غفير”، وزير الأمن القومي الصهيوني، طلب من اليهود الحريديم المتعصبين الذين يشكلون 40% من مستعمري الضفة أن ينفروا في التلال من أجل بناء المستعمرات واحتلالها بشكل كامل.
عمليات الإجتياح والأسر والقتل العشوائي لمختلف فئات الشعب الفلسطيني، وبالتالي زرع القلق والخوف وخاصة على الأطفال والنساء عامل استخدمه الصهيوني في مجازر ال 48، والتي دفعت بالتهجير الفلسطيني الأول نحو البلدان العربية المجاورة، والقصص التي انتشرت حول اغتصاب النساء، وبقر بطون الحوامل، يحاول الصهاينة استعادة مشاهدها وخاصة على يد المتطرفين منهم، والذين هم امتداد لنهج عقيدة الهاغاناه، وشتيرن، وأراغون في ومنهج تفكيرهم.
ومن خلال مهاجمة المخيمات الفلسطينية في الضفة، يهدف الصهاينة للتخلص من فلسطيني ال48، وتطبيق “خطة الحسم” التي وضعها وزير المال الإسرائيلي “بتسلئيل سموترش”، التي قدّمها في العام 2017، ضمن خطة عمل الحكومة اليمنية المتطرفة الحالية.
والتي تقضي بتهجير الفلسطينيين، ودمج من يتبقى ثقافياً ضمن تركيبة الدولة اليهودية، دون إعطائهم أية حقوق مدنية بالتأكيد، وتحديداً حق التصويت.
هذه هي العقلية التي يعمل من خلالها الصهيوني، عدا عن أنه تم خلال الأعوام السبعين الماضية، تضاعف إحساسه بأنه قادر على ارتكاب المجازر تلو المجازر دون رقيب أو حسيب، بل بتغطية شاملة له كفلها له الأميركيون منذ أيام الرئيس الأميركي “هاري اس ترومان”، ومن خلال خطاب علني، سمح لهم بفعل ما فعله الأوروبيون بالسكان الأصليين في الأميركيتين، ونيوزيلندا، وأستراليا، وأفريقيا من أجل الإستيلاء على هذه البلدان، واستيطانها بعد التخلص من شعوبها.
حقيقةً، الأمر لا يتعلق بالضفة أو بغزة، بل بقتل العدد الأكبر من الفلسطينيين، “الغوييم” في العقيدة الإسرائيلية، أو إخضاعهم لسيطرة الدولة اليهودية ليكونوا عمالاً عبيداً فيها، لا أكثر ولا أقل.
ومن هذا المبدأ يتم ملاحقة الأطباء، وهدم المستشفيات، وملاحقة الجسم الطبي، حتى لا يتلقى الجرحى العلاج. بالتأكيد، يعرف الفلسطينيون ذلك، من خلال التجربة التي عاشوها مع هؤلاء المجرمين منذ أكثر من سبعين عاماً. ويزداد وضع الضفة سوءاً بأن النموذج الذي يعيش معه فلسطينيو الضفة هو الأسوء، فالصهاينة المتطرفون والمتشددون يحملون السلاح في بيوتهم وأطفالهم منذ نعومة أظافرهم، يتعلمون حمل السلاح لقتل الفلسطينين.
وبالتالي فإن محاصرة الكيان للمستشفيات في جنين، في الأيام التي تلت الهدنة وحتى اليوم، منعاً لوصول الجرحى إليها ليس غريباً على من وضع خططه بناءً على إبادة شعب بأكمله.
ما يقوم به الكيان، هو خرق مستمر لجميع المعاهدات الدولية، والتي لا يكترث لها. لأن وجوده او عدم وجوده مرتبط بقدرة من صنعه على تحصينه من تبعيات خرقه للقوانين والأعراف الدولية.
وخلال الهدنة في غزة تأزمت الأوضاع أكثر فأكثر في الضفة، وكان هناك اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجنود الاحتلال في محيط مخيم جنين شمال الضفة، وأريحا، والخليل.
ومن الواضح أن الصهيوني ماض في مخططه في اعتقال أكبر عدد من الشباب، والذي يعتبرهم مشاريع مقاومة. وعلى الرغم من خروج العالم في مظاهرات ضد المجازر التي اقترفها الصهاينة في غزة، فإنهم يعودون لممارسة القتل والقنص ضد جميع الفئات العمرية في الضفة وحتى الأطفال. خاصة وأن حكومة اليمين الحالية لا يمكنها بحسب عقيدتها القبول بالشعب الفلسطيني على دولته المستقلة في أراضي 67، وخاصة في الضفة الغربية.
هناك ترنيمة تتردد في بلاد الشام خلال الهرولة في التدريبات العسكرية، والتي تقول: “من فوق التل، من فوق التل… من تحت التل، من تحت التل…وحوش الغابة والوديان”، والمقاومون الفلسطينيون هم كذلك فعلياً.
ومن خلال هذه العزيمة يقاتل المقاومون في مختلف المخيمات الفلسطينية في الضفة، والتي تتأتى من عقيدة نضالية راسخة قوامها النصر أو الشهادة؛ ويستشهدون دائماً بما قدمته الجزائر لتحصل على حريتها من الإستعمار الإستيطاني الفرنسي مهما بلغت التضحيات.
حتى 29 نوفمبر قام الإحتلال بإعتقال أكثر من 3000 فلسطيني في الضفة الغربية، وذلك بحسب رئيس نادي الأسير الفلسطيني، عبد الله الزغاري، اذ تسلم الأسرى بيد ليعود ويأخذ المزيد باليد الأخرى.
وقد زاد عدد الأسيرات 100، عدد الأسرى القصر 850، وبلغ الأسرى الأطفال 208 حتى تاريخه.
ومع ذلك، فإن الإشتباكات والمواجهات مع الكيان في الضفة مازالت مستمرة، وهناك قتال بطولي ستكشف عنه الأيام القادمة. ولكن، وبحسب وزيرة الصحة الفلسطيني، مي الكيلة، فإن هناك أكثر من 212 شهيد فلسطيني قتلوا على يد المستوطنين. قد يكون وجود المستوطنين رادعاً للصهاينة في استخدام القصف على المناطق الفلسطينية في الضفة، ووجودهم عامل يزيد من خطورة القتل الغادر على أيد هؤلاء. هذا إضافة إلى استشهاد 240 فلسطيني وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف.
ما يحدث من دمار في الضفة هو جزء من مخطط “عملية الحسم”، وجزء من عملية الإخضاع في فلسطين كلها. وبحسب رئيس بلدية جنين، نضال عبيدي، أن الجيش الصهيوني قد دمر البنى التحتية بشكل كامل، ومنها شبكات المياه والصرف الصحي، ووصلت الخسائر في المنشآت الإقتصادية إلى 24 مليون دولار أميركي بسبب إغلاق حاجز “الجلمة”، بسبب وقف التبادل التجاري مع فلسطيني ال 48.
الخلاصة:
المقاومة قد لا تكون قادرة على وقف اجتياح، ولكنها قادرة بالتأكيد على تكبيد العدو خسائر كبيرة خلاله تجعله يرتدع عن التقدم به، وهي قادرة على تنفيذ العمليات المقاومة ضده، وبناء الكمائن مما يجعله غير قادر على الإحساس بالأمان، ولذلك فليس هناك من خيار بالنسبة للفلسطينيين وخاصة بعد الوحشية التي أظهرها الكيان في غزة والضفة في آن سوى المقاومة، ولأن الرحيل لم يعد خياراً مطروحاً بين الفلسطينيين.