أخبار العالمأنشطة المركزبحوث ودراسات

الصين كقوة إصلاحية في النظام الدولي: مقاربة الدكتور رياض الصيداوي بين التاريخ والسياسة والاقتصاد

نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية ورشة عمل أمس الخميس 16 أكتوبر 2025 تحت عنوان “مبادرة الحوكمة العالمية للرئيس شي جين بينغ: قراءة في أبعادها الإستراتيجية ودلالاتها في التحولات الجيوسياسية الراهنة”، وشارك الدكتور رياض الصيداوي في ورشة العمل  بمحاضرة علمية بين فيها أهمية الصين كقوة عالمية قد صعدت واصبحت قوة إصلاح عالمي وليست قوة هيمنة والدكتور الصيداوي في مدخلته ركّز على أهمية مقاربات جمهورية الصين الشعبية  بين التاريخ والسياسة والاقتصاد ويجب على الدول النامية العربية أو دول الجنوب أن تسعى للتعاون مع الصين لانها مبنية على إحترام الأخر وليست على الاستعمار والهيمنة. كما طرحت العديد من التساؤولات على الدكتور رياض الصيداوي من خلال الحضور العربي والذي تركز على أهمية الصين في تغير وإعادة ترتيب المنظمات العالمية والمجتمع الدولي المتخاذل.

الصين كقوة إصلاحية في النظام الدولي: مقاربة الدكتور رياض الصيداوي بين التاريخ والسياسة والاقتصاد

قال الدكتور رياض الصيداوي إنّ الصين قدّمت خلال العقود السبعة الماضية نموذجًا فريدًا في إدارة تحوّلاتها الداخلية وتفاعلها مع النظام الدولي، إذ استطاعت الانتقال من دولة خارجة من الحروب إلى قوة عالمية مؤثرة تجمع بين الثبات السياسي والانفتاح الاقتصادي والابتكار التكنولوجي.وأشار إلى أنّ المسيرة انطلقت مع ماو تسي تونغ الذي ركّز على ترسيخ السيادة الوطنية واستقلال القرار الصيني بعد قرون من الهيمنة الأجنبية، وقاد بلاده إلى الدفاع عن مصالحها في الحرب الكورية (1950-1953) مؤكدًا على مبدأ الاستقلال والكرامة الوطنية.ثم جاء عهد دنغ سياو بينغ الذي دشّن مرحلة الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينيات، معتمدًا مبدأ “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، أي اقتصاد سوق حرّ تُخطّط له الدولة وتراقبه تحت إشراف الحزب الشيوعي، ما مكّن الصين من تحقيق نموّ مذهل وتحويلها إلى “مصنع العالم”.

وأضاف الدكتور الصيداوي أنّه مع وصول شي جينبينغ إلى الحكم، دخلت الصين مرحلة جديدة من التفوق النوعي على الغرب، لا عبر الهيمنة العسكرية أو احتلال الأراضي، بل من خلال التنافس الشريف والابتكار والإنتاج.


ورفع شي شعار مكافحة الفساد كجزء من مشروعه لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ودعم الصناعة الوطنية عبر تحسين الجودة التي صنّفها وزير التجارة الصينية إلى أربعة مستويات، تبدأ من المنتجات الشعبية وصولاً إلى الصناعات ذات الجودة العالمية.

وقد تجسّد هذا التوجه في القفزة التكنولوجية الكبرى للصين، التي أصبحت تنافس في مجالات الفضاء، والطائرات، والقطارات فائقة السرعة، والذكاء الاصطناعي.

وبيّن الدكتور الصيداوي أنّ الصين تمسّكت سياسيًا بمبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو مبدأ تجذّر في ذاكرتها التاريخية منذ بناء سور الصين العظيم، كرمزٍ للدفاع لا للغزو، ما يعبّر عن غياب النزعة الاستعمارية في الثقافة الصينية. بل ما عشته الصين من تجربة إستعمار وإذلال قد جعل من أهم مبادئها عدم التدخل في الشأن الداخلي للشعوب وقد قالها الرئيس الصيني “انتهى عهد الإذلال”.ومن جانب اقتصادي أكد الدكتور الصيداوي على أن الصين باتت تُلقّب بـ “بنك العالم”، إذ تقدّم القروض والاستثمارات دون شروط سياسية، على عكس صندوق النقد الدولي، وتمتلك اليوم سندات غربية تتجاوز قيمتها ألف مليار دولار في أمريكا وفرنسا والاتحاد الأوروبي.

كما وأوضح الصيداوي أنّ تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي تشير إلى أنّ الصين ستصبح القوة الاقتصادية الأولى عالميًا بحلول سنة 2030، بينما ستأتي الهند في المرتبة الثانية بحلول 2070، ما يعكس تحوّل مركز الثقل الاقتصادي نحو الشرق.

كما أكّد الدكتور الصيداوي على أنّ الصين لم تكتفِ بالتوسع الاقتصادي، بل عززت علاقاتها مع الدول العربية انطلاقًا من قيم التضامن والمساندة المتبادلة، فقد دعمت حركات التحرر الوطني وعلى رأسها الثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية، كما استخدمت حق النقض (الفيتو) لصالح سوريا وغزة رفضًا للتدخلات الخارجية.
وفي الإطار الدولي، قادت الصين مجموعة البريكس لتشكيل نظام اقتصادي أكثر عدلاً وتوازنًا، في مواجهة هيمنة دول السبع الصناعية.

ويرى الدكتور رياض الصيداوي أنّه في المواجهة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، تؤكد الصين أن أمريكا ستخسر حربها التجارية لأنها تعتمد على الاقتصاد الافتراضي القائم على الخدمات والإنترنت، بينما تقوم القوة الصينية على الاقتصاد الحقيقي الذي ينتج السلع والبنية التحتية.
ويكفي مثال شركة آبل التي تصنع هواتفها في الصين لتبيّن أن القدرة الإنتاجية الصينية هي أساس الاقتصاد العالمي، وأن الغرب، رغم تقدمه التكنولوجي، لا يستطيع الاستغناء عن القاعدة الصناعية التي بنتها الصين.

واختتم الدكتور الصيداوي بالقول إنّ الصين برزت نموذجًا تنمويًا ناجحًا يوازن بين التقاليد والحداثة، وبين السيادة والانفتاح، وبين المصالح الوطنية والمصلحة العالمية.

 ومن خلال هذه الرؤية، تسعى بكين إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على أسس العدالة والتعاون والتعددية، بعيدًا عن الأحادية القطبية التي أنهكت العالم لعقود طويلة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق