أخبار العالمبحوث ودراسات

“الصواريخ اليمنية في قلب أمن إسرائيل والعقدة الأخطر، أي تداعيات على المحور الاقليمي ؟”

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

تقديم

دخل اليمن رسمياً الحرب الدائرة مع الكيان المؤقت بصواريخه ومسيّراته رغم البعد الجغرافي عن موقع الحرب بدولة فلسطين ،صواريخ الحوثي لم تتوارى عن استهداف الأهداف و القواعد الإسرائيلية – الأمريكية ، فمع استمرار ارتكاب الكيان المؤقت للمجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدعم أمريكي واضح، صعّدت القوات اليمينة عبر الجيش واللجان الشعبية من دورهم المساند للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، عبر إطلاق رشقات لا متناهية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.

لقد شبه بعض الخبراء العسكريين ان انضمام الدعم اليمني جعلنا نتحدث عن دول داعمة لمحور المقاومة وان ذلك قد يتحول الى حرب ذات رقعة اقليمية واسعة النطاق لتتحول الحرب في غزة الى حرب محاور و تحالفات خاصة وان هذه الخطوة اليمنية العسكرية و تم الإعلان عنها من جهة رسمية ، تُؤكّد فيه بوضوح وقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، ضمن معادلة محور القدس والمقاومة: “وحدة الساحات”.
منذ إعلان اليمن انخراطه، رسمياً، في الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة، يتعرض كيان الاحتلال بشكل شبه يومي لضربات، يحاول المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون وإخفاء الدمار الناجم عنها إلى ان كشفت عنها وسائل الاعلام العبرية والغربية. لقد شكل وصول المسيّرات والصواريخ اليمنية إلى الداخل المحتل، العقدة الاخطر ، لما يرتبط بها بإمكانية تأثير ذلك على عدد من النقاط الجيواستراتيجية الأخرى، كـ “باب المندب” والبحر الأحمر…
أولا – قدرة الصواريخ الباليستية اليمنية على زعزعة أمن اسرائيل
من الناحية العسكرية، فإن هذا الهجوم كان بالغ الخطورة على إسرائيل، بعدما كانت تظنّ بأن مدينة إيلات ستكون قادرة وآمنة، من أجل إيواء المستوطنين النازحين من منطقة غلاف غزة، وبعدما كانت تخطّط سابقاً، لجعل منطقة النقب ، قلب الكيان الأمني والعسكري والتكنولوجي، البعيد الى حدّ ما عن رعب الشمال، ليجعلها أمام واقع يقول بأن الرعب قادمٌ من الجنوب أيضاً. وعليه فإن الرسالة اليمنية لن تصل الى الإسرائيليين فقط، بل ستصل للأمريكيين والدول التي تتبعها، بأن الحوثي يملك قدرات أكبر وأخطر على المعسكر الإسرائيلي الأمريكي التي تخوله صنع معادلات ردع وتهديد في كل منطقة البحر الأحمر.
لقد سجلت الصواريخ الباليستية التي انطلقت من اليمن إلى إسرائيل عدة أرقام قياسية كعمل عدواني خطير لمسافات ابعد على الأهداف الإسرائيلية ، حيث تشير تقارير أنها تجاوزت ما لا يقل عن 1600 كيلومتر. وتم اعتراضها من قبل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي أرو فوق صحراء النقب. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها نظام آرو، الذي تم نشره منذ 23 عاما، من تدمير صاروخ أرض-أرض بما يشير الى تأثير انتشار الصواريخ ذات المدى والدقة المتزايدين على المشهد العسكري في الشرق الأوسط.
ثانيا – أهمية الضربات اليمنية في اختبارات المعسكر الحربي:
تكمن الأهمية القائمة لدخول اليمن في مجريات الحرب كما يلي:

  • بالنسبة لليمن شكلت المعركة الأولى التي تختبر فيها القوات المسلحة اليمنية أسلحتها باستخدام مداها الأقصى، وبتحدٍ يكمن بتجاوز عدد كبير من الدفاعات الجوية الأميركية التي تمتلكها كل من السعودية ومصر والأردن والذين شاركوا بالفعل بإسقاط بعض منها. وبالتالي فهي تشكل فرصة مناسبة لاكتشاف فعالية هذه الأسلحة بما يتعلق بمكامن الضعف ونقاط القوة، استعداداً للمعركة الكبرى.
  • تعزيز دور اليمن الإقليمي خلال حرب أكتوبر عام 1973 تعرّض كيان الاحتلال لأول حصار بحري في تاريخه، بعد أن قام اليمن بعملية اغلاق بحري أمام السفن الإسرائيلية وتلك الداعمة لها في باب المندب. أكثر من نصف مليون كيلومتر ما بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط كانت ضمن الغطاء العملياتي في تلك الفترة، حيث تم اعتراض وتفتيش أكثر من 200 سفينة من بينها سفن حربية أميركية ما بين جزيرتي “بريم” و “جبل الطير” اليوم، بعد مرور أكثر من 50 عاماً، تعود هذه المأساة إلى أذهان المسؤولين الإسرائيليين ، يتمثل باستهداف الصواريخ اليمنية عمق الكيان لأول مرة في التاريخ، بظل قيادة سياسية وعلى رأسها قيادة عبد الملك الحوثي، تتبنّى العملية وتعِد بالمزيد رغم سيل التهديدات الأميركية .
  • انخراط صنعاء إلى جانب المقاومة الفلسطينية بمواجهة الكيان الصهيوني ، قد يجعل من اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي يأخذ إطاراً مختلفاً. اذ ان ولي العهد السعودي المتعطش لفرض شروط تتلخص بزيادة وتيرة الحماية الأميركية بات شاهداً على أن الإدارة الأميركية لم تعد قادرة على تلبية سقف الطموحات المتوقع. بالمقابل، فإن الصواريخ التي أطلقت من الجغرافية السعودية سااثر على مفاوضات التطبيع فيما لو قرر اليمن اعتبار اسقاط الصواريخ والمسيرات التي يطلقها تجاه كيان الاحتلال اعتداءً وبالتالي رد الضربة بضربة.
    يقول عضو المكتب السياسي في حركة “انصار الله”، في تعليق عما جرى “لم نكن نتوقع أن يكون ضرب العمق الإسرائيلي أشد إيلاماً للقيادة في السعودية والإمارات من ضرب الرياض وأبو ظبي”.
  • ان الضربات التي تصل إلى إيلات، كونها النقطة الأقرب إلى الحدود، تفي بالغرض بالنسبة لإدارة المعركة المتفق عليها بين حركات المقاومة. وهو إيصال رسالة للمستوطنين بالدرجة الأولى أن لا آمن لهم في أي مكان على الخارطة الفلسطينية، بعد أن اعتقدوا أن لجؤهم إلى إيلات هرباً من مستوطنات غلاف غزة قد يقيهم الضربات. وهو ما سيفتح الباب لاحقاً إلى موجات هجرة بأعداد كبيرة، بدأت تسجل أرقامها فعلياً، مع حديث الاعلام العبري عن هجرة حوالي 250 ألف مستوطن منهم كبار رجال الأعمال منذ بدء الحرب على غزة.
  • التواجد العسكري الأميركي في المنطقة، واليمن تحديداً بات يشكل قلقاً يلقى صدى واسعاً بالنسبة الى ادارة واشنطن التي تسعى الى حماية مصالحها و قواعدها بمنطقة البحر الأحمر التي اصبحت تحت التهديدات الجدية ، وتتزايد وتيرتها مع ارتفاع عدد هجمات المقاومة وجماعة الحوثي ونصر الله و حزب الله .
    ثالثا – ماهي التداعيات الأمنية الإقليمية ؟
    يشرف على العمليات الأمريكية في اليمن، قيادة العمليات الخاصة المركزية الأمامية وعادة ما يتم اختصارها باسم SFY ” وهو عنصر أمامي في قيادة العمليات الخاصة التي تتخذ من تامبا مقراً لها.
    ويقول نائب الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث واشنطن: “إن أفضل استراتيجية لتجنب الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط هي عدم وجود قوات دون داعٍ في المنطقة في المقام الأول وإعادة أولئك الموجودين هناك الآن إلى ديارهم”. ويضيف “يعتقد بايدن أن القوات الأمريكية الحالية والجديدة في المنطقة تعمل كرادع ضد الهجمات، لكن بدلا من ردع هذه الجهات الفاعلة، أصبحت تشكل القوات الموجودة على الأرض أهدافاً حقيقية”.
    تعتبر مشاركة اليمن بهذا الشكل ضمن مسار متسارع على جبهة قطاع غزة والجبهة الشمالية، واشتداد ضغط النازحين الاسرائيليين في جنوب فلسطين المحتلة إشكالية إسرائيلية تظهر في أزمة الدفاعات الجوية الإسرائيلية بالتصدي الدائم للصواريخ اليمنية، وفي هذا الإطار، أرسل الكيان سفنا وبوارج حربية تابعة للبحرية الإسرائيلية إلى منطقة البحر الأحمر ولم يظهر حتى الآن فعالية هذا الإجراء .
    خلاصة ان هذه الضربات وفقا لمنظور جماهير اليمن الغفيرة قيادة وشعبا ، تأتي في سياق ما تراه التزاما أخلاقيا ودينيا وإنسانيا بحق الإخوان في فلسطين، بل أن هذا واجب من أجل نجدة فلسطين وشعبها الابي الذين تكالبت عليهم العديد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وهذه الضربات ستستمر حتى توقف إسرائيل جرائمها بحق الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة الغربية أو على كامل الأراضي الفلسطينية . و يسجّل لليمنيين تاريخيًا أنه رغم سنوات الحرب والدمار وبُعد المسافات لم يخذلوا فلسطين وهي أول دولة عربية تعلن الحرب رسمياً على الكيان المؤقت في معركة “طوفان الأقصى”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق