أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

الصراع الداخلي بين الارهابيين في سوريا

اعداد صبرين العجرودي:  باحثة بقسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية

شهدت الاوضاع في سوريا في بداية 2018 صراعا بين التنظيمات الارهابية ساهمت في تشكيلها الانتماءات الايديولوجية، وقد كان ذلك فرصة للأطراف الدولية الفاعلة في المشهد السوري لاستغلال الاوضاع لصالها والعمل تحديدا على تعميق الازمة بين المعارضين لتحقيق أهدافها.

تأسيس تنظيم “حراس الدين”

يعود تشكل “حراس الدين” الى الفترة التي قررت فيها “هيئة تحرير الشام”الانفصال عن أيديولوجية القاعدة ومبايعة داعش، حيث قررت عناصر من الهيئة الانفصال عنها احتجاجا على ابتعاد الهيئة عن فكر تنظيم القاعدة وتكوين بما يسمى “حراس الدين”في 27 فبراير عام 2018.

حيث اعتبر البعض من قادة “جبهة النصرة” (التسمية القديمة لهيئة تحرير الشام) أن للقاعدة دور كبير في تماسك “هيئة تحرير الشام”وأدلجة المقاتلين المنتمين لصفوفها حاليا، لذلك حسب اعتقادها لا يجوز التفكك عن فكرها وايديولوجيتها.

كما قامت الهيئة بقبول اتفاقيات “عملية أستانا”على أساس براغماتي، مما أثار سخط وغضب بعض المنتمين لها.

فما هي عملية أستانا ؟ 

تنص عملية أستانا على “مبدأ إنهاء الصراع في سوريا” وقد عُقد هذا المنتدى في عام 2017 بين روسيا وتركيا وايران وهي تمثل إحدى أهم الاستراتيجيات الروسية في سوريا للحفاظ على مصالحها، إبقاء بشار الاسد في السلطة من خلال ضم أهم عناصر النزاع تحت غطاء تخفيف التصعيد والسير نحو الاستقرار ويعني ذلك احتواء مختلف الجبهات العسكرية للحرب من خلال العمل على الجانب الديبلوماسي مع تركيا وايران الطرفان الرئيسان في النزاع داخل سوريا إعادة ترتيب كل من الجبهة العسكرية و الديبلوماسية لصالحها.

كما تهدف “عملية الاستانة”أيضا الى فك ارتباط المفاوضات بالأمم المتحدة،رغم ادعاءات روسية بأن استانا تُجرى في إطار الامم المتحدة.

وتستند “عملية أستانا”على الانقسام والتفكك الحاصل في صفوف المعارضة، بحيث يوجد شق مناهض لنظام الاسد وشق آخر إن لم يكن يدعم وجود نظامه فهو لا يقاتل من أجل إزاحته، تستغل روسيا هذا الانقسام للإبقاء على النظام من خلال إضفاء صبغة الشرعية والتفاوض على الحوار بينها وبين المعارضين.

وقد حصل هذا التفكك بالفعل في “هيئة تحرير الشام” حيث وافقت على “مبادرة أستانا” وتخلصت من أيديولوجية القاعدة، لكن ذلك لا يعتبر مقبولا بالنسبة لبعض قادتها الاوفياء لهذا الفكر والرافضين تماما لنظام بشار الاسد.

كما أن الهدف الروسي هو الترويج لفكرة أن هناك جزءا هاما من المعارضين ليسوا برافضين للأسد، وتجد روسيا نفسها في بعض الاحيان عاجزة على أن تكون بنفس قوة وسرعة هجوم الثوار رغم الدعم الايراني الذي تتلقاه لذلك فإن خفض التصعيد أمر ضروريبالنسبة لها.

احتداد الصراع

بسب ذلك الانشقاق عن “هيئة تحرير الشام”، احتد الصراع بين الطرفين، حيث رأى كل عنصر تهديدا واضحا من الاخر على كيانه وقوته.

إذ اعتبرت “هيئة تحرير الشام” في انفصال الكثير من عناصرها الى جانب التنظيم الجديد “حراس الدين” تشتيتا لعناصرها وتشتيتا لقوتها، ونتيجة لذلك انطلقت سلسلة من الصراعات والاشتباكات بينهما من أشدها معركة 3 يونيو 2020.

وتعتبر الهيئة أن ايديولوجية “حراس الدين” مختلفة عن ايديولوجيتها المعتدلة على حد تعبيرها،ورغم تكونها من العناصر القديمةللهيئة إلا أنها جماعة تكفيرية، لأنها منذ تأسيسها لم تنقطع عن محاولة إقناع المنتمين لها بفكرها وبالانضمام إليها، بحيث تمكنت من تكوين عدد هام من الهيئة داخل صفوفها، وتوفير الدعم الاستراتيجي للجماعات المتطرفة والارهابية في سوريا على رأسها داعش التي توغلت في محافظة إدلب وقامت بعديد الهجومات.

وكما حدث في “عملية أستانا”، قبلت هيئة تحرير الشام باتفاقية سوتشي الموقعة بين روسيا وتركيا في ايلول 2018، التي تتمحور حول نفس المبدأ وهو “خفض التصعيد” في سوريا، ويعتبر الطرفان أن الاتفاقية نقطة مفصلية فياستقرار أوضاع إدلب المستقبلية ولا يُعدُّ ذلك مرغوبا بتاتا بالنسبة لتنظيم “حراس الدين” المعادي لنظام بشار الاسد، حيث ان هذه المبادرة الروسية على غرار أستانا تهدف الى احتواء الاوضاع لصالح نظام بشار الاسد تحت غطاء  التهدئة وضمان الاستقرار.

فبينما يحارب “حراس الدين” كل من نظام بشار الاسد ويهاجم روسيا المساندة له، تقوم “هيئة تحرير الشام” بدعم كل الجهود الساعية للقضاء على داعش.

  • عملية فاثبتو

اسس تنظيم “حراس الدين” في 23 يونيو 2020 غرفة عمليات عسكرية جديدة تحت اسم “فـاثبتو”مناهض لهيئة تحرير الشام، وتتكوّن هذه الغرفة من عناصرها المنشقين سابقا عن الهيئة وهم جماعة جبهة أنصار الدين، أنصار الاسلام، تنسيقية الجهاد يقودها أبو العبد أشدا، ومقاتلين من لواء الانصار تحت قيادة مالك التلي.

تعود أصول الصراع بين “الجولاني” زعيم “هيئة تحرير الشام” و أبو مالك التلي قائدا مواليا لهيئة تحرير الشام في منطقة قلمون، إلى الفترة التي قام بها الاخير بتحرير معتقلين لبنانيين مقابل مبلغ من المال لم يُعلم به جماعته.

وقد تعكرت الامور بين الطرفين عندما قام التلي بالانضمام الى “حراس الدين” بعد توقيعه اتفاقية مع الهيئة يلتزم فيه بعدم حصول ذلك، وقد ردت هيئة تحرير الشام على الخرق الذي قام به قائدها بالاعتقال بعد أن قامت بذلك ايضا مع أحد قادتها السابقين وهو “أبو صلاح الاوزبكي”.

وطالب “حراس الدين”بالإفراج، وأمام تشبث جماعة “هيئة تحرير الشام” بموقفهم قام التنظيم بتضييق نفوذ العدو في محافظة إدلب، حيث نظّمت حواجز قرب قرية “عرب سعيد”، فقام “حراس الدين” باعتقال عدد من مقاتلي “هيئة تحرير الشام”، واستمر الصراع والردود الاستفزازية بين العنصرين.

وأمام تصاعد الاوضاع وتوترها، لم تجد الهيئة فائدة من اتفاقيات “أستانا” و”سوتشي” بالنظر لتمادي “حراس الدين”في الصراع وأرسلت رسالة الى الاعضاء المتفقين على مبدا خفض التصعيد تبرر فيها ما قامت به في حربها ضد “حراس الدين”وان ذلك يندرج في إطار تأمين الدوريات التركية-الروسية ومنع الهجوم الثوري ضد نظام الاسد.

وإثر ذلك لم يتوقف الهجوم بين الطرفين بل استمرت وتيرة الاعمال الاستفزازية بينهما لتصل الى مناطق انتشار غرفة عمليات“فاثبتوا”.

تدخلت عديد الاطراف من خلال بعض مبادرات تحقيق السلام لإيقاف الصراع بين الجماعتين، واصدرت غرفة عمليات “فـاثبتوا” بيانا ينص على ايقاف الاشتباكات، وتم الاتفاق على انسحاب مقاتلي عملية “فـاثبتوا” تدريجيا من نقاط التفتيش العسكرية والامنية التي أنشأتها الى جانب انسحابها من قرية عرب سعيد من ريف إدلب الغربي التي سيطرت عليها خلال مواجهة هيئة تحرير الشام.

ساهمت هذه المبادرات في ضمان استقرار الوضع لفترة قصيرة، لكن سرعان ما عادت الاشتباكات الى الواجهة، حيث داهمت “هيئة تحرير الشام” مناطق لجماعة “أنصار الدين” و“حراس الدين” و“انصار الاسلام”، ولم تجد الهيئة من مبرر لهجوماتها إلا بأن اتفاقيات السلام الموقعة لا تخص الا قرية عرب سعيد، ولم يقتصر هجوم الهيئة على المداهمات بل قامت باعتقالات اخرى.

منذ ظهور “حراس الدين” في المشهد السوري، تواترت سلسلة من الهجمات مع “هيئة تحرير الشام”، ويمكن القول أن الاخيرة قد تمكنت بنسبة كبيرة من تحجيم التنظيم بالقضاء على أهم قادته.

ويبدو ان مهاجمة “حراس الدين” له مكاسب اخرى بالنسبة لـ“هيئة تحرير الشام” المُصنفة بالارهابية، من خلال مهاجمة التنظيم تروج الهيئة صورة للمجتمع الدولي مفادها أنها تحارب الجماعات الارهابية، كما أن الاعتقالات التي قامت بها من صفوف “حراس الدين” ساهمت في تهزيل دور القاعدة، بحيث سيطرت الهيئة على الاوضاع في إدلب وأثبتت وزنها في المنطق.

لكن الوضع لم يستمر على هذا الحال، فبمجرد تسلم حركة طالبان الحكم في افغانستان بعد الانسحاب الامريكي، عادت ملامح الحرب بين “حراس الدين” و“هيئة تحرير الشام” حول استغلال فرصة الحكم الطالباني لصالح مشروع كل منهما، وستبقى هذه الجيوب الارهابية المزروعة في قلب سوريا تتحرك وتقوم بعملياتها الارهابية من فترة الى اخرى وكذلك ستصبح شظايا عنقودية من التنظيمات الارهابية تتحرك عندما يطلب منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق