“الشريط الحدودي المغاربي والتهديدات الأمنية في ضل انقلابات التحرر بمنطقة الساحل و الصحراء الافريقي “
اعداد: فاتن جباري باحثة بقسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
تقديم
بالرغم منعدم إمكانية تحديد ما سيحدث في المستقبلعلى وجه الدقة، إلاّأن هناك حقيقة واحدة، هي أن ما يحدث في الوقت الحالي يأتي بتراكمات تاريخية وسياسية ثقيلة ومأساوية، حوَّلت الحزام الجغرافي الإفريقي بمنطقة الساحل والصحراء إلى ما نصفه “بالحزام الناسف” القابل للإنفجار على قارة إفريقيا بأكملها في أي لحظة.
تصنف منطقة الساحل الإفريقي بالأخطر عالميا حيث شهدت تنامي لأنشطة الجماعات المتطرفة، والعمليات الإرهابية في المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر… فوفقا لأحدث التقارير الإستخباراتية المنشورةفأن منطقة الساحل الإفريقيتأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية، وفي المرتبة الأولى من حيث عدد الضحايا خلال شهر جويلية 2023 إذ شهدت 9 هجمات إرهابية، أي بما يعادل 26.5% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة ككل، مخلفتا بذلك المئات من القتلى.
هذا الهاجس المرعب بدأ يعمّأرجاء الدول المحاذية مباشرة للشريط الحدودي للساحل الإفريقي ونقصد بالذات كل من الجزائر وليبيا ومصر والمغرب وموريتانيا وكذلك تونس…
فرغم الكارثة المِؤكدة تسعى الجزائر الى لعب دور الوساطة السياسية من خلال مبادرة تشمل فترة إنتقالية بقيادة مدنية لحل الأزمة في النيجر وطرح خيارات التقاء أخرى كبديل عن الخيار العسكري، الا أنّ الخيار الأضعف هو عدم التنسيق الأمني الذي بقي غائبا مع بلدان الجوار المغاربي في مواجهة خطر الساحل الممتد،لمراقبة الحدود المشتركة والتهديدات الامنية الخطيرة وتداعياته على كامل المنطقة وخاصة الدول المحاذية مباشرة للشريط الحدودي”مع دول الساحل الافريقي حيث تثار المخاوف والتقلبات تجاه ما تعيش على وقعه القارة من عواصف وإنقلابات.
لماذا تشتعل منطقة الساحل الافريقي؟
طبقا للمسح الجغرافي العالمي المتعارف عليه،يمتد الساحل الإفريقيعلى طول 5,900 كيلومتر من المحيط الأطلسي إلى البحرالأحمر، في حزاميتراوح إلى ألف كيلومتر ليشمل كامل المسافة من غرب القارة الى شرقها فيقع في أجزاء منالجزائر والسنيغال ثم موريتانيا.
اما في جنوب القارة فتقع مالي وبوركينا فاسو ثم النيجر ونيجيريا الواقع بأقصى الشمال وجنوب السودان وتتوسط القارة السودان ثم نجد دارفور وكردفان، الرأس الأخضر وجمهوريةأفريقيا الوسطى، إريتريا وإثيوبيا .
كون الساحل منطقة عبور إستراتيجية لمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء ويمتد على مسافة 4128 كم، بإمكانيات سنوية قد تصل إلى 30 مليار متر مكعب، ينطلق من “واري” في نيجيريا ويصل إلى “حاسي الرمل” بالجزائر مرورا بالنيجر وهو مشروع بمثابة شريان نابض نحو قلب اوروبا للتزود بالغاز الطبيعي ناهيك عما تزخر به هذه المنطقة من ثروات معدنية مثل الذهب واليورانيوم والفوسفات، كما باتت الثروة النفطية عامل جذب كبير لدول العالم، حيث تصدر التشاد مثلا النفط بما يقارب 200 ألف برميل يوميا… رغم ما قد يعترض تحقيقه من مخاطر جيوسياسية ترتبط بالوضع الأمني المضطرب جدا و الخطر المحدق في المنطقة وبالتنافس الدولي الشرس على ثرواتها.
وبالتالي أصبحت تشكل أهمية بالغة لهذه الدول لما تتمتع به من موارد خام لم تستغل بعد وأصبح التنافس حول أخذ النصيب الأكبر منها وتأمين التزود بالطاقة إنشغالا لمختلف القوى الدولية التقليدية منها والصاعدة، خاصة أن هذه الثروات لا تخضع لسيطرة سلطة مركزية قوية.
ماهو الخطر الجيوأمني الأكثر تهديدا للشريط الحدودي المحاذي لدول ساحل الصحراء ؟
تتسع العمليات الانقلابية العسكرية حتى تصبح عقيدة مقدسة لدى معظم شعوب افريقيا التي سئمت الاستعمار الفاحش وباتت تطوق للتحرر الا ان هذا السلاح ذو حدين والتي تخاله الجماهير فرحة عامة ببلدانهم ستكون له تداعيات اخرى على باقي دول المنطقة المغاربية منها والتي لا تزال غير مهيئة أمنيا بعد بحسب تقديراتنا، نحاول قدر الإمكان تحليلها كما يلي :
إحتمالية تصعيد التنظيمات الإرهابية نشاطها
ما يجري في أفريقيا يمثل أحد أصعب التحديات التي يواجهها الأمن الإقليمي والدولي، حيث أضعفت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي مع تنامي دور الشركات الدولية المسلحة واختلاط الجماعات المتواجدة هناك بتعزيز معسكراتها وطاقة استيعابها وقدرتها التجنيدية واسعة النطاق وتطور مصالحا وتغيير استراتيجيتها، مما أدى إلى تنامي بؤر الإرهاب وتوسيع نفوذ المتطرفينفي منطقة الساحل الإفريقي وعدم إمكانية تصنيفهم أو السيطرة عليهم لزعزعة استقرار غرب ووسط أفريقيا، وهي المنطقة التي أصبحت مركزاً للإرهاب على مستوى العالملما يشكله تهديداً ليس فقط على الأمن الإقليمي ولكن على الأمن الدولي من خلال نشوب أزمة هجرة جديدة وتنامي أنشطة الجماعة المتطرفة والجريمة المنظمة.
2 – توسع نفوذ الجماعات المتطرفة
تشير التقديرات الاستخباراتية الواردة ببعض التقارير المنشورة إلى أن “داعش” بدأ بنقل جزءاً من مقاتليه من النيجر إلى حدود واسعة النطاق، تحسبا من تدخل قوات “إيكواس”وإغلاق حدود البلاد، ومن المتوقع أن يشكل تحركه هذا خطراً كبيراً على المنطقة بأسرها .
فبالنسبة إلى مالي وبوركينا فاسو…والسودان والنيجير وصولا الى الغابون، تفاقمت الأوضاع الأمنية نتيجةَ نشاط التنظيمات التي تصاعد دورها على الشريط الحدودي بطريقة سرية جدا لا تكاد تذكر او تأخذ بعين الاعتبار من السلط الرسمية لذلك تتزايد المخاوف من عدم القدرة على تحديد كنيتها والجهة الدولية الموالية لها او طبيعة العمل الإجرامي والهدف المرصود او رصد تحركاتها ومن ذلك تنظيمَي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة، وتنظيم داعش في الساحل ، فوجودها في الممر الرئيسي لتهريب المخدرات والسلاح والبشر عالمياً، حول الانقلاب العسكري وعدم الاستقرار فرصة لعصابات التهريب الدولية والجريمة المنظمة التي تنشط بين القارات الأمريكية والأوروبية والآسيوية.
وكضوء أحمر بدأ بالإنذار يقول التقرير الاستخباراتي و ان الهجمات المسلحة في الأراضي النيجرية، لا سيما في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي عند مثلث تيلابيري عند الحدود مع دولتَي بوركينا فاسو وماليستتكرر في مناطق عدة كثيرة لسيما وان شظايا هذه القنابل الموقوتة سافرت ووقعها ترحيلها نحو شمال افريقيا بما يضع لها موطئ قدم هناك وهو أمر على غاية من الخطورة لم تتأهب له الحكومات المجاورة.
فليبيا الواقعة بالجوار التونسي هي الاخرى تشهد انهيارا يخشى منه فقد تسببت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا إلى تدفق الأسلحة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها.
3– تفاقم الاضطرابات الإقليمية:
ربما تؤدي الانقلابات العسكرية إلى تعزيز حالة عدم الاستقرار في البلاد على الصعيدَين السياسي والأمني في المستقبل القريب، وهو الأمر الذي ستمتدُّ تأثيراته على الصعيد الإقليمي، من خلال تنامي الأزمات الأمنية وانشغال المؤسسات العسكرية في هذه الدول بمنظومة الانقلابات بدلا عن التمركز الدفاعي الحدودي وتشتت السيطرة الأمنية التي كانت تشكل سد منيع ضد أي خطر محدق على الشريط الحدودي…وهو ما ستحاول استغلالهالحركات الإرهابية في عدد من دول الساحل خصوصا مع مكسب جديد طور من امكانياتها وهو التزويد بالسلاح وبورقات التخطيط وبالمقابل في ضوء إخفاق النخبة العسكرية الحاكمة الجديدة في احتواء التهديدات الأمنية في معظم البؤر الساخنة هناك.
ذلك ان الجماعات الجهادية الناشطة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو (داعش وما تُعرف بـ حركة نصرة الإسلام والمسلمين كذلك جماعة بوكوحرام و القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) تنظيماتستستفيد من الانقلابات.
4- تصاعد التنافس الدولي على النفوذ:
تتزايد المخاوف من احتدام سباق التنافس الدولي بين القوى الفاعلة في المنطقة عقب الانقلابات. ففي النيجر مثلا سارعت موسكو لمحاولة ملء الفراغ الأمني الذي خلِّفه التراجع الفرنسي في النيجر والمنطقةوهو ما يعني تنامي النفوذ الروسي هناك عبر” فاغنر” ما قد يؤدي إلى المزيد من العسكرة في الساحل، وربما يتطوَّر الأمر إلى صدام عسكري بين القوى الفاعلة في إطار التنافس على النفوذ والموارد وما قد يعني تهديداً شاملاً للأمن والاستقرار على المستويَين الإقليمي والقاري.
5- الأجندة الفرنسية و واشنطن وفاغنر:
الأجندة السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا باعتبارها كانت حليفا مهما في مجال محاربة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية في الساحل ما يعني أن أمنها واستقرارها يُعَد جزءاً مهماً ضمن اهتماماتها الساعية إلى حماية مصالحها الاستراتيجية هناك، كما أنها موطن استراتيجي مهم للقواعد العسكرية التابعة لأمريكا والناتو لمراقبة التفاعلات الدولية في منطقة الساحل والشمال الأفريقي.
ومن ثم نتحدث عن فرصة جيدة لمجموعة فاغنر الروسية لمزيد من الانخراط الاستراتيجي في منطقة الساحل، وتطويق النفوذَين الفرنسي والغربي هناك كورقة ضغط توجهها روسيا مساومة على العقوبات المفروضة عليها وخشية من العزلة من ضمن الملفات الاستراتيجية بعد أزمة أوكرانيا وهو ما تخشاه واشنطن بالفعل حين تخسر حلفائها التقليديين لا سيما أنه يُتوقع قيام العسكريين الجدد بإعادة تشكيل علاقات بلادهم بالقوى الفاعلةمن خلال التقارب مع روسيا وفاغنر على حساب استبعاد النفوذ الغربي من افريقيا .
الخلاصة
في حالة استقرار النخبة العسكرية الجديدة المتواجدة في السلط الحكومية فأن تجربة الانقلابات العسكرية ما زالت شاخصة بما ينبئ خطرا بحدوث انهيارات مركزية وإعادة بعثرة المخططات الدولية الجديدة المستهدفة لحكومات افريقيا، ومن ثم سيكون خيارا امام المد الارهابي ان يلعب لعبة شطرنج جديدة مع القوى الدولية الفاعلة هناك ونحن نرى أثره عن كثب من فوضى وعدم استقرار وتدفق للأسلحة عبر الحدود وهنا نشير الى الجوار الليبي الجزائري التونسي الذي يهمنا كما من المرجح أن تنشب أزمة هجرة جديدة من نقاط العبور الرئيسية للهجرة غير الشرعية صوب أوروبا عبر البحر المتوسط وتنامي الجريمة المنظمة.
حتى اليوم لم يبدي الشريط الحدودي المغاربي أي تعاون امني مشترك فليس هناك من خطوات واضحة، خصوصا أن الأوراق الدبلوماسية بين بعض هذه الدول ومنها المغرب والجزائر فقد ضرب بها عرض الحائط كما تلوح أزمات اخرى في الافق في ضل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما سيجعل المستوى الأمني و السياسي أكثر اضطراباً على المدى المنظور يجعل منها منطقة هشة بكاملها إلى “المجهول”.