السياسة القطرية في ظل التنافس الامريكي -الصيني
اعداد رباب حدادة قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
يشهد العالم نموا سريعا في اقتصاد الصين الذي اصبح شريكا تجاريا لاغلب دول العالم،ووجدت الدول الخليج الوفية لشريكها الامريكي امام معادلة صعبة وهي ضرورة اتعزيز العلاقات الاقتصادية مع العملاق الشرقي في وقت تجد نفسها مرتبطة امنيا وسياسيا مع الولايات المتحدة الامريكية.
تعاني قطر من هذه المعادلة أكثر من غيرها من دول الخليج التي لم تتوان في بلورة تعاون شامل مع العملاق الاسياوي خاصة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة. فالدوحة وان وجدت نفسها امام حتمية التعاون الاقتصادي مع الصين بقي مثقلة بتبعية سياسية وخاصة امنية وعسكرية للولايات المتحدة الامريكية التي ستظل الشراكة معها اطارا عاما يحدد الخيارات السياسية لقطر.
1/شراكة قطرية-صينية واعدة
منذ ازمتها الدبلوماسية في جوان 2017 تغيرت السياسة الخارجية القطرية واصبحت تبحث اكثر على تنويع حلفائها السياسيين واتجهت اكثر لتعزيز تعاونها مع بكين.
المحور الاول للتعاون بين البلدين هو الطاقة،اذ ان الدوحة اصبحت المزود الاساسي للصين من الغاز الطبيعي السائل الذي يمثل 35 بالمئة من واردات الصين من الغاز الطبيعي،ويقدر نموواردات الصين من الغاز الطبيعي القطري بين بين 2017-2023 بـ60 بالمائة.
الملف الطاقي كان نقطة التقارب بين بكين والدوحة وتجاوزت المسألة التوريد والتصدير الى الانتاج المشترك وابرز العمليات تمت في منطقة”North Field”بالشراكة بين كل من الشركة القطرية” Qatar Petroleum” والشركتين الصينييتين “PetroChina” “Sinopec”.
وكان مجال الاتصال من المجالات المتعددة التي تم الاستثمار فيها من الجانب الصينيحسب التقديرات الاولية فان الحركية الاقتصادية تضاعفت مئات المرات منذ بداية العلاقات بين البلدين، فبعد ان كانت قيمة المبادلات التجارية تقدر بحوالي 50 مليون يورو سنة 1988 بلغت في سنة 2020 ما يقارب 10 مليار يورو.
اغلب دول مجلس التعاون الخليجي،تقيم شراكات مع الصين ضمن مجال المشاريع الكبرى للبنى التحتية،ولم تشذ الدوحة عن ذلك،ولعل اقدم المشاريع التي تسلمتها الصين في الدوحة هو مشروع بناء “ميناء حمد” سنة 2011 وهو الميناء الذي يتم انشاؤه لتعويض ميناء الدوحة،وقد تسلمت شركة” CompanyChina Harbor Engineering” المشروع بكلفة 897 مليون دولار.من اضخم المشاريع كذلك التي تسلمتها شركات الانشاءات الصينية نجد مشروع ملعب Lusail،الذي يتم بناؤه من اجل احتضان فعاليات كأس العالم في 2022 وهو تاريخ تسليم المشروع الذي تشرف عليه شركة” China Railway Construction Corporation”.
انضمت قطرللمخطط الصيني لبادرة الحزام والطريق “Belt and Road Initiative (BRI)” بعد سنة واحدة من الاعلان عنه في 2013 من قبل الرئيس الصيني تشي جين بين، حيث تم توقيع اتفاق شراكة حول مشروع الحزام والطريق بين الدولتتين في 2014، ويعكس المخطط القطري للتحديث والاتصال المساعي القطرية لكسب الاستثمارات الصينية،وهو المخطط الوطني للرؤى القطرية لسنة 2030 المعروف بـ”Qatar National Vision 2030″.
شراكة الصين مع دول الشرق الاوسط هامة وتشمل بلدان لدان المنطقة،اهمهاقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان،هذه الشراكة تتجاوز بلدان الخليج اذ تشمل ايضا ايران، وتتخذ شراكة الصين مع بلدان المنطقة شكل اتفاقيات ثنائية او متعددة الاطراف.
من الضروري التفريق بين المستويات المختلفة من هذه الشراكة الصينية-الخليجية،حيث تتمتع المملكة العربية السعودية بأعلى مستوى من الشراكة الاستراتيجية الشاملة،تلتي مرة ثانية الامارات العربية المتحدة التي تتقدم في مستوى الشراكة على باقي بلدان الخليج ولكنها تتساوى مع ايران في باقي منطقة الشرق الاوسط، تأتي الشراكة الصينية- القطرية في مستوى ثالث قائمة على شراكة استراتيجية بالاساس.
شهد العقد الأخير زيادة هائلة في العلاقات المتبادلة بين الصين وقطر، ولا سيما منذ بدء العمل بها.
في عام 2013 مثل اتفاقات عديدة بشأن التجارة والاستثمار والطيران ،وقد تم التوقيع على النقل منذ عام 2013 والاستثمار بين الصين وقطرأُنشئت لجنة تعاون لتيسير التجارة المتبادلةوالاستثمارات. افتتاح أول مركز لتبادل اليوان الصيني في منطقة الشرق الأوسط،”Renminbi Clearing Centre ” 2015 والذي كان ذا أهمية أساسية لتنفيذ البرنامج في المنطقة، حيث أنه يسّر الصفقات في المصرف الإقليمي، ويعزز التجارة.
وقع البنكان المركزيان الصيني والقطري في نوفمبر 2014 صفقة مبادلة عملات بقيمة 35 مليار يوان (5.6 مليار دولار أميركي)، وهو ما يعادل ثلاث مرات قيمة اتفاقية مبادلة عملات مدتها ثلاث سنوات بين الصين والإمارات العربية المتحدة في عام2012 فالمجال النقدي احد ابرز مجالات الشراكة القطرية الصينية قوة مقارنة مع باقي دول المنطقة.
وقع بنك قطر الوطني وبنك قطر الدولي الإسلامي (QIIB) والشركة الصينية ” Southwest Securities”اتفاق لإنشاء شركة تتعامل مع صفقات التمويل الإسلامي في الصين سنة 2015.
الاستثمار في العملة الصينية، شجع البنوك الصينية، مثلمصرف الشعب الصيني أوالمصرف الصناعي والتجاريوفتحت الصين أيضا فروعها في قطر لتعزيز التبادلالتعاون الاقتصادي.
تسمح الصفقات للبنوك المركزية بمبادلة العملات إذا لزم الأمر من أجل تيسير التجارة والاستثمار، وقد تستخدم في نهاية المطاف لتنويع الاحتياطيات الأجنبية للبنوك المركزية الخليجية.
حراك دبلوماسي واقتصادي بين البلدين دفع بالتعاون بين البلدين الى المجال التعاون العسكري والصناعات الدفاعية حيث امضت كل من بكين وانقرة اتفاقية تعاون في مقاومة الارهاب سنة 2017 وتم الاعلان عنها بعد ازمة الخليج التي عاشتها قطرلتبرز قدرتها على بناء علاقات امنية مع قوى كبرى.
الى جانب هذه الاتفاقية قامت الدوحة بشراء منظومة الصورايخ الباليستية قصيرة المدى الصينية 400 SY-التي تم الكشف عنها في استعراض عسكري في 17 ديسمبر 2017.
و الـ”400-SY” هي “راجمة صواريخ محملة بصواريخ باليستية قصيرة المدى وتجمع بين الكثافة النيرانية للراجمة والمدى الطويل والقوة التدميرية للصواريخ الباليستية وهي تتفوق على صاروخ اسكندر الروسي في عدد الصواريخ المحمولة وتساويه في المدى لكن تقل عنه في حجم الراس المتفجر فقط فالاسكندريحمل راي حربي زنة 480 ﻛﻠﻎﻟﻠﻨﺴﺨﺔﺍﻟﺘﺼﺪﻳﺮﻳﺔﻭﺣﻮﺍﻟﻲ 800 ﻛﻠﻎﻟﻠﻨﺴﺨﺔﺍﻻﺻﻠﻴﺔ فحتى هذه ﻻﺗﻌﺪﻣﻴﺰﺓ ولاتعطيه الافضلية ﺍﺫﺃﻋﻠﻤﻨﺎﺍﻥﺑﻮﺳﻊﻋﺮﺑﺔﺍﻝsy-400ﺍﻃﻼﻕ 8 ﺻﻮﺍﺭﻳﺦﺩﻓﻌﺔﻭﺍﺣﺪﺓﺯﻧﺔﻛﻞﺻﺎﺭﻭﺥ 200 ﻛﻠﻎﺍﻱ 1600 ﻛﻠﻎ بل يعطيه ﺍﻻﻓﻀﻠﻴﺔ عليه ويفوقه في القوة التدميرية.” حسب التعريف والخصائص التي عرضها المنتدى الدولي لتحالف علوم الدفاع.
وكان الكشف عن منظومة الدفاع هذه استهداف مباشر لبلدان المنطقة خاصة المملكة العربية السعودية، وأتى هذا التوجه العسكري في تلك الفترة على خلفية انتشار الشائعات بامكانية غزو قطر من قبل جيرانها من الخليج العربي.
في تعليقه على التقارب في العلاقات القطرية-الصينية يقول “جون لوب سمعان” الباحث بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”كل هذه العناصريمكن أن تقودنا إلى استنتاج مسار واضحفي التقارب بين قطر والصين، ومن الواضح أن المنطق الكامن وراء هذا التقارب هو ادراك قطر صعود بكين إلى السلطة في مواجهة واشنطن، وبالتالي يقع على عاتقها لتعزيز صلاتها مع السلطة العظمى الجديدة. هذا المنطق في السياسة القطرية ان كان يعمل على المستوى الاقتصادي، فإنه لا يزال عاجز على تسيير العلاقات السياسية.”
بالرغم من التعاون الاقتصادي الا ان قطر لاتزال سياسيا تحت المظلة الامريكية،وحتى الاتفاقيات التي وقعتها مع بكين قد تمت في ظل تنديد وظغط امريكي او في اطار صمت مقصود.فمقارنة بجاراتها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة تأتي قطر في مرتبة متاخرة في الشراكة مع الصين لانها عاجزة على تحقيق شراكة شاملة تظل الولايات المتحدة الامريكية تقيد السياسة القطرية باملاءات عدة تتماشى مع سياسة واشنطن في منطقة الشرق الاوسط.
2/الشراكة الامريكية :خيار دائم للدوحة
مثلت ازمة الخليج التي عاشتها الدوحة وحالة الحصار التي مرت بها في 2017 فرصة ملائمة لها من اجل تنويع علاقاتها الدولية والبحث عن شركاء جدد كانت الصين اهمهم ولكن مع ذلك لم ترتق الشراكة بين الصين وقطر الى مستوى خيار سياسي تم على اثره توجه كامل لسياسة الدولة.
بقيت قطر حذرة في تعاملها مع بكين بحفاظها على مستوى محدد من التعاون لا يفقدها الدعم الامريكي.تظل واشنطن الخيار الاول للدوحة في ظل التنافس الامريكي الصيني على العالم. قطر تدرك ضرورة التعاون مع الصين باعتبارها قوة جديدة عالمية ولكنها ليست على يقين بقدرتها على تجاوز الولايات المتحدة الامريكية،لذلك لا تراهن على شراكة شاملة معها على حساب شراكتها مع واشنطن.
فالمبادلات التجارية بين الصين وواشنطن هي المجال الوحيد الذي تفوقت فيه الشراكة الصينية القطرية على الشراكة الامريكية القطرية اما باقي المجالات فتحكمها واشنطن بدون منازع خاصة المجال العسكري.
اتفاقية التعاون العسكري مع الصين وكذلك شراء الدوحة لمنظومة الصواريخ البالستية الصينية كان بالفعل عنصر مفاجئة ولكن غير كافي لاتمام مقارنة مع التعاون الامريكي حيث تربط الدولتين اتفاقية تعاون عسكري منذ 1992 وتم تجديدها لمدة عشر سنوات اخرى في 2013.كما تضم مقر القيادة العسكرية الامريكية”CENTCOM” في الشرق الاوسط وتم تأسيس المقر بداية في قاعدة السيلية بالدوحة ثم تم نقلها الى قاعدة عديد الجوية في 2009.
وتعتبر قاعدة “العديد الجوية” اكبر قاعدة امريكية في الشرق الاوسط وتضم 10 الاف جندي امريكي وتم استخدامها مؤخرا لاجلاء قرابة 40 الف شخص من الطواقم الامريكية بعد مغادرتها افغانستان.
ساهمت بشكل اساسي في تمويل كل عمليات التوسيع والتهياة في قاعدة العديد،فمنذ امضاء مذكرة التفاهم بين قطر ووزارة الدفاع الامريكية في جانفي 2019 فقد التزمت الدوحة بتمويل عمليات التهياة في القاعدة برصد مبلغ 1.8 مليار دولار لهذا المخطط .
بلغت مساهمات قطر في مشاريع البناء العسكري الامريكي 500 مليون دولار منذ سنة 2003،اما تمويلها للعمليات العسكرية للقوات الامريكية وحلفائها في المنطقة فقد قدرت بـ 8 مليار دولار منذ 2003.
التمويلات الضخمة لانشطة القوات الامريكية في منطقتها ولعمليات البناء في “قاعدة العديد” تعكس اصرارا قطريا على الحفاظ على التواجد الامريكي على اراضي كضمان امني لها.
فعسكريا وامنيا تعتمد الدوحةبالأساس على القوات الامريكية، ففي اوج ازمة الخليج عرف دونالد ترامب بدعمه الدائم للملكة العربية السعودية،وذلك لم يجعل قطر تبحيث على شريك دولي اخر بل لجأت الى باقي السلطات في واشنطن حيث استغل الامير ال ثاني علاقاته الشخصية مع “جايمس ماتيس” المستشار الامريكي للدفاع وكاتب الدولة “راكس تيليرسون”،اللذان لعبا دورا محوريا في وقف خطر الغزو التي كان من المحتمل ان تتعرض له قطر من باقي دول الخليج،وكان لكل من ماتيس وتيليرسون دور في تنظيم ” الحوار الاستراتيجي” مع قطر الذي عقد لاول مرة في جانفي 2018 وكان له اهمية بالغة في اعادة كسب الحماية الامريكية لقطر في تلك الفترة.
تعد الولايات المتحدة الامريكية ايضا المزود الاول لقطر بالاسلحة بنسبة 70 بالمائة وحسب وزارة الدفاع الامريكية فان عقود التزويد جارية التنفيذ في 2021 بلغت 25 مليار دولار وهي اتفاقيات لا يمكن مقارنة باتفاقيات شراء الاسلحة الصين الذي بلغت قيمتها حسب “Stockholm International PeaceResearch Institute (SIPRI)” 118 مليون دولار بين 2010و2020 في حين بلغت قيمة اتفاقيات الاسلحة بين كل من قطر والولايات المتحدة الامريكية في تلك الفترة 3325 مليار دولار،وتعد فرنسا المزود الثاني لقطر باتفاقيات بلغت 2.1 مليار دولار.
حسب جون لوب سمعان”أصبحت الصين شريكاً اقتصادياً رئيسياً للدوحة، ومن المقرر أن تنمو حصتها ضمن تجارة دولة الخليج.بيد أن هذا التوسع لا يترجم في الوقت الراهن تقارب استراتيجي حقيقي بل على العكس من ذلك، تميزت السنوات الأخيرة بتوثيق العلاقات، ليس مع بكين، بل مع واشنطن، وخاصة بسبب تداعيات الحصار الذي عانت منه قطر بين جوان 2017 وجانفي2021، ولذلك فنحن بعيدون عن فكرة التحول القطري إلى الصين”.
رغم اهمية الشراكة المتنامية بين قطر والصين خاصة اقتصاديا،والرغبة السياسية في تطوير هذه الشراكة غير انها لن تتبلور في المستقبل القريب،اذ تحافظ الدوحة على الشراكة مع واشنطن خيار استراتيجي اولي والظرفية الحالية لا تشير الى تغير في هذا الخيار للدوحة.