أخبار العالمبحوث ودراسات

ما هو التخطيط الإستراتيجي الروسي لإجتثاث المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط؟

لا يزال المشهدفي الشرق الأوسط لم تنكشف معاليمه بعد، الكثير من الأوراق لا تزال مخفية ولم تلعب بعد، فالحرب طويلة والبقاء لمن له النفس الأطول وقد علمتنا حرب أكرانيا أنه من له طول نفس هو “الكسبان” فلننتظر ولنشاهد الوضع بالكثير من الدقة وفي تفاصيله، فالشيطان يسكن في التفاصيل، واللاعبين الدوليين الكبار يتفننون في التفاصيل وربما يندهش الشيطان من قدراتهم ليعتبر نفسه مبتدأ.

 ربما يخفي العام 2024 مخططا تدميريا لإجتثاث المصالح الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط،وأبعد من ذلك أن الأمريكيين والإسرائيليين يعلمون جيدا بل ومدركين جيدا بأن هناك قوةجاذبة، هي اليوم أكثر حظوظا وخاصة أكثر ترحيبا في اعتناق مشرق عربي جديد أكثر طوقا للحرية وللسلام الإنساني الدائم والتجارة البينية العادلة، لذلك وبمعنى الصحوة لشعوب المنطقة في الشرق الأوسط فهم اليوم يدعمون كيان الإحتلال ويرسخونه حتى لا تنقلب الطاولة عليهم وبالتالي فهم يحتاجون لتغيير طبيعة الشرق الأوسط حسب مخططاتهم الغربية والإمبريالية كي تصبح أكثر ملاءمة لمخططاتهم ومصالحهم…. والمشهد الحالي والمناخ اليوم في الشرق الأوسط يقول عكس ما يخططون له فالأرض أصبحت مهتزة تحت أقدامهم والدب الروسي والتنين الصيني لن يترك الملعب فارغا للاعب واحد، فقد إنتهت فترة اللاعب الواحد الذي يرسم قواعد اللعبة ويفوز باللعبة ويتحصل على “الكأس” و”البطولة”….

نفهم هذه اللعبة من خلال النظر في الصيرورة الزمنية وثورات التحرر كما هي في أكثر من نظام إفريقي أين تمتد مصالح الغرب على كل شريط القارة من المخزون الحيوي الكامن هناك…

أما العديد من الدولالأخرىفقد عاشت على وقع حالة من التمردضد عنهجية  وهيمنة الإرادة الأمريكية الصهيونية المتغطرسة…

النفط هو ثاني أهم ثابت في الاستراتيجية الأمريكية بعد إسرائيل، لذلك جاز القول بأنه من الطبيعي أن تحمل أمريكا سلاحها وعباراتها وأساطيلها وأن تناصر حليفها الإسرائيلي في العدوان المتمرد على قلعة طوفان الأقصى “فلسطين”، أنها الجسر البريّ الوحيد الذي يربط قارة آسيا بقارتي أفريقيا وأوروبا، وهي بمثابة البوابة الجنوبيّة لبلاد الشام، وخط الدفاع الأول عنها،ومن هذا المنطلق فإنَّ هذه الأهمية الاستراتيجيّة لها شكّلت مطمعاً لكلّ الأمم والغزاة الذين سيطروا على مناطق آسيا وأفريقيا.

إذ أنَّ التجارة والقوافل الدولية العابرة من هناك القادمة من آسيا، والهند، وشبه الجزيرة العربية تصل إلى موانئ فلسطين من خلال البحر الأبيض المتوسط، ثمّ تتجه نحو أوروبا.
فكانت أمريكا الحاضرة الأولى بدعمها التاريخي في هدم فلسطين وبناء إسرائيل…يتفق الخبراء أن منطقة الشرق الأوسط  قد صارت  “سركا حافلا بالصراعات ” هنا تحاول أمريكا أن لا تفقد مخالبها، بينما تعتمد روسيا والصين سياسة التظليل الاستراتيجي للإحياء تراث النظام السوفياتي والمعسكر الشرقي التاريخي الذي يريد الإطاحة بالإمبريالية العالمية وهيمنة القطب الواحد هناك. 

قد يبدو التحدي  الروسي  في الشرق الأوسط  غير واضح المعالم خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية لكن موسكو لم تغفل عن السياسة الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط.في هذا السياق يتعيّن على إدارة بايدن النظر إلى الصورة الكبرى عندما يتعلق الأمر بروسيا في الشرق الأوسط، أي إلى أهداف موسكو الكبرى وكيفية توافقها مع أنشطتها في أوروبا والشرق الأوسط، فضلاً عن علاقة روسيا بالصين، تلك الدولة التي تشكل، وفقاً لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ” أكبر اختبار جيوسياسي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين.

من زاوية أخرى  تكون الحرب الدائرة حاليا، تدور في رحى  محاولة كلى القطبين اكتساب نفوذ أكبر في الشرق الأوسط  وهذا سيجعل الكرملين أقرب إلى تحقيق أولى أولوياته، وهي إضعاف النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

فإنتصار روسيا يتطلب:

  •  خسارة الولايات المتحدة من ناحية عسكرية “باستخدام ذخيرة السلاح”
  •  أو اقتصادية من خلال مفاقمة أزمة الديون وإعاقة حركة الملاحة البحرية، وتراجع رقم معاملاتها ومقاطعة الدولار الأمريكي، وتعويضه بعملات أخرى،
  •  أما على الصعيد السياسي فأن أمريكا لما وضعت نفسها في الحرب الدائرة كانت قد خسرت تأييدا دوليا بعدم إرساء منطق السلام العالمي وعدم القدرة على إدارة الأزمات.
  • سوريا نقطة إستراتيجية

تشكل سوريا جزء أساسي في هذا اللغز الأكبر، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى موقعها الاستراتيجي فالبحث عن موانئ المياه الدافئة، بما فيها موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط، بقي أولوية ثابتة لدى الحكّام الروس منذ عهد بطرس الأكبر على أقل تقدير وليس فلاديمير بوتين مختلفاً من هذه الناحية، وقد سمح له تدخله في سوريا بالنجاح  أي إقامة وجود عسكري دائم يمكنه من خلاله إبراز قوته في اتجاهات متعددة والنقطة المهمة بعد نجاحه العسكري في سوريا فكل شعوب المنطقة أصبحت ترحب بروسيا بل وتطلبها للتعاون الإستراتيجي.

فأمريكا تعتمد تارة عمليات تحسس النبض من خلال استهداف مواقع عسكرية روسية سورية وفي أغلب المناطق قد فشلت ومنيت بهزيمة كبرى….ولا تزال سوريا المسرح الرئيسي لمصالح الكرملين وربما أكثر ما يوضح ذلك هو النصب التذكاري لقديس الجيش الروسي، الأمير ألكسندر نيفسكي، الذي تم كشف الستار عنه مؤخراً في قاعدة حميم الجوية الروسية في سوريا. ويجسّد وسام ألكسندر نيفسكي الدفاع عن أرض الأجداد.

إذا تُركت روسيا تتصرف بدون عراقيل في الشرق الأوسط، فسوف تواصل تقاربها العميق بالفعل مع إيران (ووكلائها من كل صوب وهذا ما حصل فعلا فالتقارب الإستراتيجي اصبح واقعا وأذرع إيران في الشرق الأوسط كلها تحت عنوان التعاون والشركات مع الدب الروسي والقيصروما كانت تخشاه أمريكا فقد حصل…

من العراق الى اليمن الى سوريا ولبنان والمقاومة المسلحة بكل فصائلها العسكرية و الجهادية هي اليوم تكون حلفا مع القيصر بوتن،مما سيؤدي إلى ظهور رابطة مؤلفة من روسيا وإيران والأسد،وستكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة بشأن مستقبل سوريا ومجاورها.

من هنا، ينبغي على إدارة بايدن التعامل مع المنطقة من هذا المنظور الأوسع، علماً بأن ذلك قد لا يجدي نفعاً إلا في نطاق الهدف الحالي المقتصر على  إبادة الفلسطينيين وهذا ما يسعى إليه إدارة بايدن، فإما السيطرة الكاملة على المنطقة أو إعتماد سياسة الأرض المحروقة.

بخصوص الشأن الإيراني فالعلاقة جد معقدة بين أمريكا وإسرائيل وإيران خصوصا فيما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني في كل المنطقة وتهديدات السلاح واحتكار المسالك البحرية الرئيسية بما لم يُظهر بوتين  أي رغبة حقيقية في تجاوز الملف الايراني الامريكي.

 وستساعد هذه الرؤية الأوسع أيضاً على فهم السبب الذي يدفع موسكو إلى إضافة طبقة أخرى من التعقيدات بدلاً من التعاون بشأن أولوية رئيسية لدى بايدن في المنطقة – وهي العودة إلى الاتفاق الإيراني وهذا قد إنتهى حتى وإن أبدت واشنطن رغبة في ذلك فالمشهد في المنطقة بدأ يتشكل وقد أخذ مساره فعلا… وزيارة الرئيس الإيراني أمس 07 ديسمبر موسكو وجلسة عمله مع القيصر قد دامت 5 ساعات من دون إنقطاع فهو مؤشر واضح وصريح من أن القطب قد تشكل والعمل قد بدأ والأيام القادمة ستكون حبلى بالمتغيرات الميدانية والسياسية…

يؤدي التقارب بين روسيا وإيران إلى منح روسيا، بمرور الوقت، قدرة أكبر على الوصول إلى موانئ المياه الدافئة في الخليج العربي، الذي هو أحد الممرات المائية الأكثر استراتيجية في العالم – جزيرة عائمة على بحور النفط والبترول ومسالك التجارة البحرية العالمية… وتحقيق حلم آخر بعيد المنال من أحلام “بطرس الأكبر” الذي كانت رؤيته للتوسع الروسي تمتد إلى حدود بعيدة تصل إلى المحيط الهندي وسيؤدي أي خط مفتوح لروسيا إلى الخليج العربي إلى إضعاف النفوذ الأمريكي إلى حد كبير.

هنا تأتي زيارة الرئيس بوتين الأخيرة الى الجزيرة العربية من العربية السعودية الى الإمارات لتعقبها مباشرة زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى موسكو يقول المحتوى  الإعلامي وأن هدف الزيارة يعزز البلدان الخاضعة لعقوبات غربية علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية… الا أن المسألة أعمق من ذلك ….

وبالطبع يفخر الإيرانيون اليوم بالتقارب الروسي الإيراني  بلاد القياصرة وبلاد فارس، بلدان الحضارات والجبابرة والتاريخ العظيم… فلئن يحظر الدستور الإيراني منح حقوق إقامة قواعد دائمة لدول أخرى لكن الحكومة الإيرانية الموالية للكرملين أعطت الضوء الأخضر لروسيا حيث  تشير معطيات استخباراتية وأن قاعدة “شهيد نوجه” الجوية بالقرب من مدينة همدان الإيرانية قد منحت روسيا تواجدا قاعديا سريا لاستخدام القاذفات الروسية والقيام بعمليات عسكرية لاتزال قيد الكتمان وستسعمل في والوقت المناسب…

 التقارير السرية  تظهر كذلك بأن المناورات البحرية المشتركة بين روسيا وإيران والصين قد أسفرت عن وجود سفينة حربية روسية وصلت إلى ميناء تشابهار في جنوب إيران كما أن طهران عرضت على موسكو إستخدام ثلاثة قواعد:هي (تشابهار وبندر عباس وبندر بوشهر)  وفي حين أن الكثير لا يزال غير واضح بشأن هذا العرض الذي تناقلته التقارير الإستخبارتية، فمن المؤكد أنه يثير مخاوف بشأن ما قد تتطور به الآمور في ظل التعاون التكنولوجي النووية الإيراني الروسي بالمنطقة المغلقة عسكريا المنشأة النووية  ” بوشهر “.

ربما بدأنا نفهم بالتالي بعض التفاصيل،لذلك لا بد من الاستمرار الأمريكي الصهيوني بالتهديد بشكل معقول ومتواصل من خلال استخدام القوة ضد وكلاء إيران وروسيا أي ضد القواعد اليمنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والعراقية والسورية…فيجب على الولايات المتحدة أن تبقى منخرطة في المنطقة ضمن إطار المنافسة الاستراتيجية الكبرى بين القوى العظمى  كأكبر عنصر اسرائيلي منخرط مباشرة في الحرب وتحت التأهب… ولكن ربما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن… فالفضائح قد كثرت للكيان الصهيوني والوحشية الأمريكية قد ظهرت للعيان وأصبح التواجد الصهيوني الأمريكي غير مرغوب فيها بل وتضرب اليوم كل المصالح الأمريكية خاصة في الدول التي تعتبر نفسها قد دمرتها وسيطرت عليها.

بدأ التقارب الروسي الصيني منذ حوالي ثلاثين عاماً، وهو أكثر بكثير من مجرد تحول تكتيكي قصير الأمد.وقد مالت الدولتان إلى العمل جنباً إلى جنب في الشرق الأوسط – والعمل سوياً مع إيران.

ربما ترسم روسيا وإيران والصين الشرق الأوسط الجديد فعلا شكلا ومضمونا، وفقاً لقيمها ومصالحها الجديدة، والتي تتعارض مع القيم والمصالح الغربية وستضر بالولايات المتحدة من هذا المنطلق، يفترض أن تكون مواجهة التحدي الروسي في الشرق الأوسط مسألة رئيسية ومحورية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل جزءاً من هذه الرؤية الجغرافية الاستراتيجية الأوسع نطاقاً بينما تمارس روسيا التكتيك الاستراتيجي لإجتثاث المشروع الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط وكذلك الشرق الأدني في المرحلة الثانية…

سلعة استراتيجية يتيمة ألا وهي النفط، هاجس أمريكي  تستورد  إسرائيل كل مستلزماتها الدفاعية من أمريكا وتعتمد على الحماية الأمريكية  في الدفاع عن المصالح المشتركة هناك…بينما تخطط روسيا والصين وإيران الى زعزعة النفوذ الغربي في المنطقة كاملة بأحياء تراث بلاد فارس وطريق الحرير…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق