“الرياضة القوة الناعمة ” تكتيك العمالقة وكرة القدم… رياضة الشعوب أم أفيونها؟

إعداد: فاتن جباري باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول

المقدمة:

مما لا شك فيه أن المسابقات الرياضية الكبرى، تعكس واقع العالم وتشكل نموذجا مصغرا للعلاقات الدولية. فهي تعيد بشكل رمزي إنتاج المنافسات بين الدول.

وكرة القدم بصفة خاصة تحشد حولها مليارات المشجعين والمتابعين  ليشكل المونديال حدثاً من بين الأبرز عالميا على مر السنين… فالأكيد أن السياسة هنا تتداخل مع الرياضة بل وتستخدم الرياضة كقوة ناعمة من بين الأكثر فعالية…

كرة القدم تحولت الى صناعة تنفق عليها المليارات وتحقق أرباحا بمئات المليارات مع مركز “إدارة الفيفا “بمثابة مركز إستثمار ضخم… مما يجعلها تتخطى التحدي الرياضي الى الاقتصادي فالسياسي.

في هذا التقرير سنحاول مناقشة التأثير الكبير للرياضة على الشعوب والمكانة التي تحتلها في المجتمعات ثم العلاقة بين السياسة والرياضة.

كيف ترسم الرياضة الاقتصاديات العملاقة:

الأرجنتين، المنتخب الدوري الإنجليزي، ريال مدريد، مانشستر سيتي، الليفربول،  كأس الأبطال الأفريقية،   المونديال القطري، الهلال السعودي… كلها ألقاب تجمع النخب الدولية ولا تقصيها وكالات الأنباء والفضائيات العالمية،  هذا وبلغت الرمزية الكروية مستوى قياسي  غير متوقع بناءً على العائدات والأرباح السنوية، حسب إحصائية سنوية تصدرها منصة ديلويت للأندية الأعلى دخلاً في كرة القدم، تسمى “الـ Deloitte Football Money League 2023. “.

 تيعد ميدان الرياضة وعلى وجه الخصوص، لعبة كرة القدم مصدرًا رئيسيًا لتحقيق أرباح مالية هائلة، إذ تبلغ إيرادات الأندية الأوروبية الكبرى مليارات الدولارات بشكل إجمالي، من خلال مبيعات التذاكر والبث التلفزيوني والإعلانات التجارية ومجالات الاستثمار التجاري، إضافة إلى صفقات بيع وانتقال اللاعبين.

فعلى سبيل المثال يحقق نادي مانشستر سيتي الصدارة العالمية على مستوى عائدات الارباح المالية ضمن افضل 20 نادي كرة قدم في العالم بحسب احصائيات منصة الديلويت .

“السيتيسينز”  او مانشيستر سيتي هو النادي الأعلى دخلاً في العالم، مع بلوغ إيراداته 731 مليون يورو 795 مليون دولار من مصادر ربح مختلفة.

وانعكس نجاحه على الصعيد المالي على قوة الفريق خلال مشاركاته في مختلف المسابقات في السنوات الأخيرة، إذ يشرف عليه أحد أبرز المدربين،  “بيب غوارديولا”، مع امتلاكه عددًا من اللاعبين المميزين.

الرياضة العالمية وعلى مر التاريخ تصدرت فيها كرة القدم مجالات الاستثمار واكتسحت ثقافات الشعوب واقتصاديات الدول في مجال الترويج والتسويق والأعلام والبورصة والعملات. ولكن ليس هناك من حرب تضاهي القيمة الرقمية في هذا المجال وليس الحظ هو الفيصل بل الاستراتيجيات القوية  التي تبنتها دول العصر في بناء اقتصاداتها على هذا الكأس العملاق.

 بل إن الرياضة أصبحت في أكبر السياسات هي سيدة الموقف وهنا يقول الكاتب الإسباني مانويل فاسكيز مونتلبان في مقدمة كتابة الصادر عام 1972 “السياسة والرياضة”: إن “اليسار ينتقد الرياضة بسبب أنها تميل إلى صالح اليمين، وذلك من خلال تحويلها إلى أداة للضغط القوي.”

كرة القدم تلعب دورا في توجيه السياسة الدولية :

لو نلقي نظرة على السياسات منذ أعقاب الحرب العالمية الاولى ونرى تخطيط القادة الكبار، أدرك هتلر وموسوليني قيمة الرياضة في تعزيز الكرامة الوطنية وخاصة تجاه السلطات الحاكمة.

وقد عزز موسوليني موقفه من خلال الهيبة التي اكتسبها بعد حصول بلادة على كأس العالم مرتين في عامي 1934 و 1938، بينما أصبحت ألمانيا بطل الأولمبياد عام 1936 كرمز للتقدير ولقوة النظام الحاكم وقوة عقيدته.

وخلال الحرب الباردة، أولت الولايات المتحدة وروسيا اهتماما كبيرا بتعزيز قدراتهما الرياضية كنوع من الدعاية لقوة بلادهما وذلك عبر إذاعة موسكو وإذاعة صوت أمريكا، وهذا ما يفسر جزئيا تغاضي السلطات الرياضية في الدولتين عن قضايا تعاطي المنشطات، وحتى في الحالات الأكثر وضوحا للعيان.

وكانت أبرز حالات التنافس بين القوى العظمى هي مقاطعة الولايات المتحدة وعدة دول غربية لدورة الألعاب الأولمبية بموسكو عام 1980 احتجاجا على غزو الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان، وفي المقابل قاطعت موسكو دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجيلوس عام 1984.

هناك أيام لا تنسى في تاريخ كرة القدم في أمريكا اللاتينية فأحد أعنف مباريات كرة القدم هو ما يعرف بمعركة سانتياغو  في عام 1962 حينما واجهت تشيلي إيطاليا، وذلك في إحدى مباريات كأس العالم في تشيلي والتي فاز فيها المنتخب التشيلي على منتخب إيطاليا بهدفين نظيفين.

وتوصف هذه المباراة بأنها من أسوأ المباريات في تاريخ اللعبة نظرا للعنف المتعمد الذي شهدته بين لاعبي الفريقين والذي أدي إلى اصابات بالغة بين اللاعبين كما برزت الى الوجود فكرة “حرب كرة القدم” منذ 1969  حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس والسلفادور وذلك بعد سلسلة من المباريات تركت كارثة دموية وأزمة دبلوماسية.

رهان سعودي بمليارات الدولارات على كرة القدم كـ”قوة ناعمة”

في قراءة لما ينتهجه محمد بن سلمان الذي يبحث عن تغيير سياسي دولي في”القمة”، نجد ان الرياضة اليوم  هي من أكثر مجالات التركيز والتقنين والتحكيم… لقد عمدت الحكومات الى فهم الدور الريادي لمجال كرة القدم في التأثير على شعوبها والكسب السياسي في توحيد الاصطفاف الاجتماعي، فما تفسده السياسة تصلحه الرياضة  حيث تسعى  العربية السعودية من خلال التوسع الاستثنائي في كرة القدم ضمن “مشروع طويل الأمد” إلى جعل دوري المملكة من أفضل الدوريات العالمية، ويقول”دورسي” وهو احد المتخصصين في الرياضة والسياسة  “إنه شيء يشبه “الخبز والسيرك”، في إشارة إلى القول الروماني المأثور بأنه عندما يتمتع المواطنون بالترفيه ويحصلون على طعام جيد، فإنهم لن يهتموا بالسياسة.

حقيقة هذا المشروع جزء من مشروع تحولي ينقل هذا البلد إلى المكان الذي يريده فهو يجمع مختلف ابطال العالم مثل اللاعب ” نيمار من دولة البرازيل و البرازيل عضو في البريكس، النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الفائز بالكرة الذهبية خمسة مرات،  لاعب كرة القدم البريطاني، جوردان هندرسون، أحد أحدث المنضمين إلى الدوري السعودي يشير ذلك الى لعبة سياسية ودعاية اعلامية ما لكن تأثيرها الإعلامي كان الابعد .

وكان ذلك من خلال  صندوق الاستثمارات العامة، كأحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بأصول تتجاوز 620 مليار دولار، استحوذ على أربعة أندية كرة قدم مؤخرا، هي الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، ما سمح لها عقد صفقات كبيرة بمبالغ طائلة مع لاعبين كثير منهم أتوا مباشرة من الدوري الإنكليزي والإسباني والإيطالي.

كما تعد الحملة السعودية المنسقة للعب دور أكبر بكثير في كرة القدم الدولية جزءًا من الخطة الطموحة “رؤية السعودية 2030” للدولة الخليجية الغنية بالنفط.

وتهدف الخطة إلى تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن دخل النفط، عبر تنمية قطاعات السياحة والإعلام والترفيه والبورصة… وهو نفس المنهج الذي سارت عليه قطرفي كاس مونديال قطر العالمي.

لقد اكتسحتالمجال العالمي من خلال ما حملته من رسالة دعائية توجت من خلالها بالقاب السلام العالمي من الفيفا الدولية بما مكنها من الخروج من زاوية سياسية دولية ضيقة جدا…  وهي التي تغطي من حيث المساحة  11,437 كيلومتر مربع على شبه جزيرة اصبحت قطبا عالميا استثماريا يحقق رقم خدمات محترم بشعار ورسالة مضمونها ان “تحييد الرياضة كان ولا يزال ممكنا وذلك بمجرد الاقتناع بأن الرياضة ليست ديانة ولا مذهبا سياسيا ولا نظاما اجتماعيا أو اقتصاديا بل هي قيمة كونية، ورؤية إنسانية شاملة بل أنها تحمل الرمزية الوطنية ففي المباريات ترفع الشعارات الوطنية والأعلام وتصبح قضية وطن وشرف وينخرط فيها كل المواطنيين وكأنه “الجيش الوطني” يخوض الحرب.

الخلاصة

 للرياضة  دور عالمي في تعزيز العلاقات الدولية بالمنطقة العربية وخصوصا العربية السعودية الدولة التي غيرت من ملامحها كثيرا بالنظر لخصوصية المنطقة ومحددات العلاقات الدولية  والقطبية الروسية  الصينية والامريكية بها والتي تتسم بمجموعة من التوترات كالصراع العربي الإسرائيلي والملف الإيراني والوضع غير المستقر بالعراق والحراك الديناميكي ضد بعض الأنظمة السياسية بدول المنطقة.

المصادر المعتمدة :

• الإتحاد الدولي لكرة القدم ، منظمة الفيفا العالمية .
• إحصائية سنوية تصدرها منصة ديلويت للأندية الأعلى دخلاً في كرة القدم
• فاسكيز مونتلبان ،”السياسة والرياضة”  كتاب صادر سنة 1972