آسياأخبار العالمبحوث ودراسات

الرهان على الحلم الصيني… صين العصر تحتضن العالم “

بالنظر في قيمة الرهان الذي تضعه دولة الصين الشعبية على طاولة المفاوضات العالمية، الموصوف لدى عدة مقيمين وشهود حاضرين بالنزاهة والحكمة والرصانة على مستوى السجالات والأعمال الدبلوماسية المقامة، نظير أصدقائها ومنافسيها، وفي بعض اللحظات الفارقة والمريبة أحيانا من تاريخ البشرية نعتبرهم مثلما يعدهم البعض أعداء لها إن صح التعبير، من ضمن أولائك اللاعبين السابقين المتحكمين في أدوات اللعبة، الذين يفرضون أنفسهم اليوم كخصم ورقم صعب إزالته أو تنحيه عن سدة ريادة العالم وحكم الأسواق والمجتمعات، كما هم يقدمون أنفسهم لا كطرف منافس فقط للعملاق الصيني الصاعد، بل كأساتذة ورواد وخبراء قد بالغوا بغرورهم وغطرستهم الفكرية والفعلية في تلقين قواعد وخفايا لعبة الملك العالمي..

أيضا، بقلب صفحات التحدي والنضال التاريخي كما هو في أيامنا المعاصرة الذي ترفعه رموز وأعلام شعب الصين العظيم الموسوم بالشجاعة والطموح المستحق وألا محدود في قلب معادلة الحكم العالمي وبالتالي تغيير وجه العالم من خلال زعزعة كيان وأركان عديد العروش والدول والأنظمة السابقة التي حادت عن مبادئ وقيم التعايش الإنساني السلمي في كنف المنافسة العادلة والشريفة..

هذا التحدي أو هو هذا الهدف المشروع، هو اليوم محاط بإرادة سياسية ثابتة وحكيمة متجسدة في شخص الرئيس الصيني شي جين بينغ وقوة دفع جماهيري سواء من الداخل الصيني أو من خارجه، والتي إن دلت فهي تدل عن ثقة كبيرة غير قابلة للشك في قدرات وإمكانية الصين التي تؤهلها اليوم قبل غد لقيادة دفة العالم، كما هي تضمن نجاح هذه العملية الإنتقالية بكل سلاسة ويسر في التنفيذ..

في مقابل توجه كل الأنظار صوب صور الصين العظيم شوقا لكسر هذا الحاجز واكتشاف المزيد عن هذا البلد الجميل، وتركيز عقول وعيون الإنسانية اليوم على قراءة كتاب واحد تحمل صفحاته مضمونا واحدا، هو ثقافة وتقاليد الصين العظيمة ومزايا وخصال المجتمع الصيني والرجل الصيني والمرأة الصينية، وعلى لوحة رسم وحيدة فريدة من نوعها، مشاهدها وصورها من حضارة وآثار ومعالم الصين الفاتنة..

تموقع الصين اليوم الجغرافي والسياسي والإقتصادي شبيه بوضعية الرجل الواحد المحايد المنفرد الكادح نهارا بجد، والحالم المتأمل في ملكوت الأرض والسماء، هذا التموقع بالإضافة إلى تسارع نسق تقدم الصين التكنولوجي والتقني وازدهارها الإقتصادي والصناعي وتلك القوة الزراعية الحديثة جلب لها عديد المشاهدين والمتابعين والزائرين المحبين والأنصار والداعمين، وخصها موقفها المحايد بميزة الرجل الحكيم والحل الوسط الذي ممكن أن تلجأ له جميع الأمم.

الصين اليوم إن صح التعبير هي بمثابة الأم التي تحتضن العالم، تحتضن أبناءها.

كل العيون اليوم منصبة بانبهار شديد على تتبع الخطوات الجادة التي أقدمت عليها الصين مع ملاحظة وتقفي أثر المراحل التاريخية التي مرت بها هذه الإمبراطورية الشاهقة والضاربة في عمق التاريخ، وتسجيل مواقفها خاصة تجاه أمهات القضايا العالمية وعلى رأسها القضية الإنسانية ألا وهي القضية الفلسطينية.

أمر الإستئناس هذا بالتجربة الصينية والثقة المتبادلة جر بعض الدول والمؤسسات العالمية إلى التسريع وتكثيف الجهود نحو تحويل بوصلة القرار والنظام صوب الوجهة الصينية مع إعتزام إجراء إتفاقيات شراكة ومشاريع صداقة صينية أجنبية في انتظار وترقب مآلات هذه الخطوات والمشاريع بحرص وإمعان شديد في النظر.

إن التمشي الذي توخته وإختارته الصين اليوم وطريق الحرير الذي تعتزم أغلب دول العالم السير عليه لبلوغ ومعانقة الحلم الصيني في رسم مستقبل باهر وواعد للإنسانية يحثنا جميعا على المساهمة فيه والتفاعل معه ودعمه بكل ما أوتينا من قدرات ومهارات، كما هو يستنطق أصحاب القرار في الصين حول الإجابة على عدة تساؤلات قد حيرت بعض المحللين والسياسيين ومن أهمها، فيما يتمثل هذا الحلم الصيني؟

 ما العرض المقترح الذي ممكن أن تقدمه الصين؟

أي أمل متجدد ستقدمه الصين للإنسانية ؟.

كما أن لدى الصين من الأوراق والإثباتات ومؤشرات التقدم والغلبة ما يؤهلها لسيادة هذا العالم وكسب هذا الرهان نحو بناء عالم جديد ملؤه الحب والتسامح والإحترام وشعاره الحرية والعدالة الإنسانية.

لذلك، فإن مبادرة الحوكمة العالمية التي إقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ بأبعادها الإستراتيجية ودلالاتها وتأثيراتها على التحولات السياسية والإجتماعية الراهنة هي مبادرة على درجة عالية من المسؤولية والإنسانية، إلا أنها تستدعي بالنظر في أهميتها وحساسية وخطورة هذه المسألة إلى تشريك عديد الدول والمتدخلين العالميين وإجراء عديد اللقاءات الدورية وإتفاقيات الشراكة الرسمية مع إعداد عدة ورشات نقاش وأعمال وأنشطة متعلقة بهذا الموضوع.

 وفي هذا الإطار تتنزل ورشة العمل والنقاش التي أقامها المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتاريخ 16 أكتوبر 2025 على شرف ونبالة شعب الصين العظيم وتحت إشراف وإعداد الدكتورة المتألقة على الدوام رئيسة المركز الدولي الأستاذة بدرة ڨعلول التي قادت هذه الورشة بكل مسؤولية ومهنية فائقة وسهرت على ختامها على أكمل وجه وبنجاح وفاعلية.

أما في خصوص فحو هذه المبادرة في جوانبها الفكرية التأسيسية فهي تستدعي كذلك طرح عديد التساؤلات وتقديم عديد المقترحات ومن أهمها ما سنتلوه على مسامعكم كالآتي :

  • كيفية تأسيس نظام الحكم هذا العالمي الجديد؟ أين ومتى وكيف؟ وهل بدأ بالفعل أم لا؟ مع الإشارة إلى كون أغلب الرؤى وجميع المعطيات والأحداث الجارية على الساحة الدولية تبين وتدفع بقوة إلى تأسيسه، بل إن أغلب الأقاويل المرتكزة على دراسات دقيقة ومؤشرات عالمية تذهب إلى الإقرار بكون الصين ستكون رائدة في ذلك؟

في رأيي أن أول عقبة وأول تحدي سيعترض المنظرين من جهة لهذه الحوكمة العالمية بكل نواميسها وكل استراتيجياتها والمنفذين والمسؤولين المباشرين على تطبيقها هو كيفية “إدارة الأزمات” الحاصلة في الوقت الراهن قبل المرور إلى مرحلة تأسيس الأنظمة والقوانين ومعالجة الإشكاليات التي تمر بها الدول والشعوب.

 أيضا نسأل هنا، هل سيؤسس هذا النظام على أنقاض نظام حكم زائل أم أنه سيشيد على شرف حرب أو سلام عالمي مستند لوثيقة هدنة أو إنهاء للصراع الدائر بالوكالة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين؟ أم أننا سنمضي نحو إستلام المشعل عمن سبق وقاد سفينة العالم الغارقة اليوم في أعماق الأوحال والإضطرابات والفاقدة لكل معايير التوازنات السياسية والإجتماعية، هل سنبني نظامنا على ما فات أم أنه سيكون لنا أنموذج حكم  يمثلنا وخاص بنا؟ من يحكم العالم اليوم؟ هل هو طرف واحد أم عدة أطراف متضاربة المصالح أم هي كما يقول بعضهم هي الدولة العميقة؟ وضعية العدالة اليوم وحال المجتمعات والشعوب في ظل نظام عالمي ضعيف مرتبك ومقطع الأوصال، نظام بائد شارف على الزوال؟

  • ما هي الأطر والنظم القانونية والسياسية التي سيتم إتباعها بغية تأسيس نظام الحكم العالمي الجديد؟
  • كيف سيتم التعاطي والتعامل مع الإشكاليات والأزمات العالمية االمحدثة اليوم كالأزمات الإقتصادية والإجتماعية والحروب وبؤر الصراع المنتشرة هنا وهناك والنزاعات الدولية المقامة في شتى المجالات والميادين؟
  • كيف سيتم كذلك حل المشاكل العالقة والعقبات التي تتعرض لها بعض شعوب ودول العالم كمعضلة الفقر والخصاصة والأوبئة وآفة المجاعة والركود الإقتصادي، أيضا وكأبرز عائق والذي يتمثل كحجرة عثرة كما هو شكل فجوة كبيرة وفتح فوهة أكبر بين العالم المتقدم والعالم النامي حيث هيمنة الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية على ثروات الشعوب والدول الفقيرة فاقت الحد، الإستغلال المفرط هذا والفاحش لثروات الدول ومقدراتها تزايد أكثر مع إنتهاج بلاد العم سام وحلفائها لطرق وسياسات دبلوماسية غير شرعية ولا أخلاقية وركونهم لمنطق القوة والمكائد عبر إختراق مؤسسات وأجهزة الدول بصفة متكررة والتدخل في شؤونها الداخلية، قضية الجوسسة والعمالة والمآمرات الخارجية.

في حين تعاني هذه الدول النامية ونأخذ الدولة التونسية كمثال على ذلك من عدة أزمات إقتصادية وإجتماعية متتالية جراء تراكم الديون الخارجية وتفاقم مشكل العجز التجاري والمالي وإملاءات الصناديق العالمية المانحة للقروض والتي تحاول دولة مثل تونس اليوم التخلص من تبعاتها والتحرر من أغلالها المكبلة لحركة المنوال التنموي بها وذلك عبر الإنخراط في إتفاقيات شراكة جديدة مغايرة تماما لما عهدته في السابق والإلتحاق بكوكبة العالم الجديد المتحرر.

  • ما هو مخطط الصين ونظرتها الثقافية والعلمية لقضايا كبرى كقضية الهوية، اللغة، الدين، الصحة، التعليم، الإقتصاد، الطاقة و المناخ؟ هل ستفسح المجال أمام المنافسة الحرة والتبادل الثقافي المستقل بذاته؟ أم أنها ستحاول فرض أنموذج ثقافي أحادي الجانب وهوية معينة مع غزو الأسواق العالمية دون قيد أو شرط أو قوانين خاصة؟
  • كيف سيكون شكل ومفهوم هذا النظام العالمي الجديد؟ هل سنعتمد فيه على نظام حكم مركزي يعود بالمرجع والنظر القطب الواحد أم أننا سنتوخى فيه فكرة ألامركزية العالمية على مستوى الحكم وتسيير شؤون العالم؟ أم هو سيكون نظام تشاركي تعددي متنوع الأقطاب؟ أم أننا سنترك الدول حرية تقرير مصيرها واتخاذ قرارها والتعويل على قدراتها وإمكانياتها الذاتية؟
  • السؤال السابق يحتم علينا التساؤل المحض والصريح حول إمكانية أو نية التفكير في إنشاء دستور عالمي يؤم مختلف الشعوب والأمم  تحت مضلة قانونية شاملة وعادلة؟
  • هل سيقع إرساء منظمات إنسانية جديدة وإنشاء مقرات وبنوك عالمية مغايرة وهيئات وهياكل قانونية أممية وليدة العصر كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية واليونيسيف والإسيسكو ومنظمة الصحة العالمية والمحكمة الدولية وغيرها؟ أم سنكتفي فقط بالتعويل على إرث ومؤسسات العالم القديم مع العمل على إيجاد صيغة وألية لمحو عثرات الماضي وحلحلة المشاكل والمظالم المتراكمة وإنصاف الملفات والأطراف المنتهكة حقوقها؟ إذا هناك مخرج وحيد لهذه المسألة إما باختراق هذه المؤسسات أو إفتكاكها أو ربما إجراء تفاوض سلمي معها قصد تسلمها سلميا.
  • كيف سيتم تبادل المعارف والمنافع وتقسيم وتوزيع ثروات وخيرات العالم على كافة البلدان دون طغيان بلد على الآخر أو ميول نحو مظاهر الجشع والإحتكار والإستنزاف والإستغلال الداخلي؟
  • إتفاقية البريكس التي على إثرها تم إنشاء منظمة حكومية دولية تتألف من مجموعة من الدول والتي من خلالها أيضا تولد بنك تنمية جديد، هذه الإتفاقية كيف سيتم تطويرها في المستقبل؟ وأي خطوات وقرارات أو هيئات جديدة سيتم اتخاذها في سبيل ترسيخ بنودها والحفاظ على ديمومتها؟

أخيرا نجدد شكرنا لجمهورية الصين الشعبية ولرئيس الصين شي جين بينغ على هذه المبادرة التي نباركها نحن في تونس ساعين بجد لدعمها وتحقيقها والتفاعل مع مخرجاتها، آملين في مستقبل أفضل للإنسانية، مستقبل سمته نبذ الكراهية والعدوان بين الشعوب وعنوانه تحرير الأمم من براثين ظلامها وتحقيق العدالة الإنسانية.

تحيا تونس، تحيا الصين، تحيا الإنسانية…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق