الرئيس زرع شجرة في عيدها الوطني وقصف زرع خصومه
تحت هذا العنوان، كتب الصحفي عبد الحميد الرياحي في جريدة “الصحافة” الصادرة اليوم،مقالا جاء فيه:
…وزرعهم كأعجاز نخل خاوية…!
بقلم : لطفي العربي السنوسي
اختار الرئيس قيس سعيد العيد الوطني للشجرة للردّ على خصومه يوم مسيرتهم بتاريخ 14 نوفمبر 2021… زرع الرئيس شجرة ثم نفض يديه ورماهم بقوله :«في أماكن أخرى هناك من لا يزرع الاشجار بل يزرع بذور الفتنة… لكن زرعهم سيكون كأعجاز نخل خاوية وقد بدأت تتآكل بل تآكلت منذ أعوام لأن السوس قد نخرها وستأتي على من يريدون ضرب الدولة التونسية ووحدتها وآمال شعبها ريح عاتية لن تترك منهم بقية باقية…»
هذا أشرس حديث جرى على لسان الرئيس منذ توليه الرئاسة وهو هنا يدعو على خصومه بالهلاك ويتوعّدهم وقد استعار الرئيس قيس سعيد ما تيسّر من قوله تعالى :«تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية» وفي التفسير الميسّر للآية ما يبيّن مدى شدّتها… فقوله تعالى «تنزع الناس» (أي الريح) فترفعهم الى السماء بقوة ثم تدفعهم إلى الأرض فتهلكهم فيصبحون كأنهم «أعجاز نخل خاوية» أي كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوية التي اصابتها الريح فسقطت على الأرض…
والله سبحانه في آيته إنما يتوعد المشركين من «قوم عاد» بنزعهم أي بانهائهم عن بكرتهم :«وأما عادُ فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتية سخرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانية أيام حُسَومََا فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية…» و«النخل الخاوية» وَعْدُ الله الحقّ بهلاك جحيمي لقوم «عاد»…
يخاطب قيس سعيد خصومه بقوّة ما استعاره من النصّ القرآني (بحيث يخاطب الله سبحانه عباده المشركين بما يريد) والرئيس يخاطبهم – هنا – لا كمواطنين من حقهم الاختلاف وإنما كأعداء و«كمشركين» لا يؤمنون بوجوده «الانقلابي» على رأس الدولة (كما في توصيفهم) وهم يعتبرون كل ما قام به منذ 25 جويلية 2021 انقلابا على الدولة وعلى دستورها وعلى مؤسّساتها ولهم برهانهم الذي يبرّرون به هذا الاختلاف مع قيس سعيد والذي يعتبرهم اعداءً مطلقا وخونة ومتآمرين على الدولة ويسعون لضربها من الداخل وهو يعتبرهم بلا ثقل حقيقي لذلك توعّدهم بريح عاتية لن تترك منهم بقية باقية «كأنهم اعجاز نخل خاوية»… قيس سعيد يرى (خصومه – اعداءه) من سماء متعالية وهو يطلّ عليهم من علوّ شاهق بحيث يسمع عنهم ولا يراهم ولا يرغب – أصلا – في رؤيتهم (بل في هلاكهم) لذلك يَعِدُهم «بالريح العاتية» ما يزيد – في الواقع – في افساد المزاجات وفي تعميق أسباب الازمة وفي تقسيم التونسيين الى «قوم قيس من جهة» في مواجهة «المشركين» بوجوده «الانقلابي» على رأس الدولة… وهذه حال لا يمكن لها ان تستمر وعلى الرئيس قيس سعيد ان ينزل من «سماء التعالي» وأن يخاطب مواطنيه بما في ذلك خصومه بالتي هي أحسن أي باسم الدولة وباسم قوانينها وباسم دستورها وبين يديه كل الصلاحيات وكل السلطات (بلا رقيب وبلا حسيب) التنفيذية والتشريعية والقضائية (وفق الامر الرئاسي عدد 117) والتي تمكنه – في العمق – من إجراء كل ما ينوي زرعه من بذور طيبة على هذه الارض المغدورة فيأكل منها الناس ويدعون له وعليه بما «يطيل من حكمه الرشيد»…
ثمّة أشياء كبرى لا بد وأن تتغيّر الآن…
لقد فرح التونسيون – وهذا كلام حق – بما أجراه الرئيس قيس سعيد ليلة 25 جويلية 2021 وفرحوا – أساسا – لسقوط منظومة حكم فاسدة أذلّتهم وأذاقتهم الامرين… فرحوا للسقوط المدوّي للحركة الاخوانية التي جثمت على رقابهم وخنقت أرواحهم وضيقت عليهم الحياة والارزاق… وقد فعل قيس سعيد في تلك الليلة المشهودة ما عجز عنه كل من سبقه من الرؤساء وما عجز عنه المجتمع المدني بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل… لقد استعصت النهضة على كل التونسيين وعلى كل مؤسسات الدولة وجاء قيس سعيد ليضربها في مقتل ولينهي وجودها «بدَفْعَةٍ واحدة» فسقطت بل هي تهاوت بلا مقاومة وبلا ضجيج ما عدا صراخها في الفراغ وتحريكها للمرتزقة بدفعهم الى شوارع الاحتجاج على غرار جماعة «مواطنون ضد الانقلاب» التي تدير شؤونها التنظيمية والمالية حركة النهضة…
– فعلا – لقد انجز قيس سعيد ما لم يكن متوقعا وفي اللحظة غير المتوقعة وخرج له المواطنون – ليلا – لتحيته ولاسناده على «همّ» رفعه عنهم وغمّ رحل عن سمائهم… لكن هذا غير كافٍ «لردّ الاعتبار» للدولة التونسية ومواطنيها فالأيادي ممدودة لاصلاح الحال على المستويين الفردي والجماعي… أي اصلاح حال الافراد وإصلاح حال الدولة… ولا يصلح حال الأول الا بصلاح حال الثاني أي الدولة والتي تعيش انهيارا ماليا واقتصاديا واجتماعيا وقيميا واخلاقيا بلا مثيل اضافة الى تفاوت جهوي عميق وتوسّع دائرة البطالة وانهيار كل مؤشرات النمو الاقتصادي والتي عبر عنها التقرير الأخير الذي أصدره المعهد الوطني للاحصاء مؤخرا وفيه أرقام مفزعة تؤكد عمق الازمة المجتمعية بحيث لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي عن الثلاثي الثالث للسنة الجارية نسبة ٪0.3 مع ارتفاع نسبة البطالة لتبلغ ٪18.4 أي قرابة 760800 عاطل عن العمل بما في ذلك الشباب المعطل من حملة الشهائد العليا وتعتبر سنة 2021 الأسوأ على التونسيين على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مقارنة بسنة 2019 – مثلا – وستكون سنة 2022 سنة ارتدادية… أي سنة الاخفاقات الكبرى ما لم تتحرك حكومة السيدة بودن للتقليص من الحجم الكارثي للمديونية وما لم تتعاط بعقلانية مع الملفات الاجتماعية العالقة بما في ذلك الزيادة في الأجور غير الممكنة موضوعيا وعليها أن تفتح أبواب الحوار والتشارك مع الاتحاد العام التونسي للشغل حتى لا تصطدم «بتسونامي» من المطلبية القطاعية وقد بدأت تعلن عن صوتها بقوة غير خافية…
كيف ستنتهي الخلافات في تونس وهل من آليات أو مقاربات جديدة لفضها…؟ ألم يتحدث الرئيس قيس سعيد عن مقاربة جديدة وغير تقليدية لادارة الشأن العام…؟ ثمة أشياء لا بد أن تتغيّر… أولا ننتظر تغيّرا عميقا في مستوى الخطاب الرئاسي المطالب بمخاطبة مواطنيه بما في ذلك المختلفين معه بالتي هي أحسن و أن ينزع نزوع حكمة وتسامح وتواضع وأن ينصت للأفكار المغايرة ولأصوات الحق غير المتهافتة على السلطة وأن لا يدفع نحو مزيد تقسيم التونسيين الى «أنصار» للرئيس و«أعداء له»..
فقيس سعيد يدرك جيدا ويعي عميقا أنّ الطريق أمامه شاغرة وأنه قد تمكن ـ بالفعل ـ من كنسها ـ تماما ـ وأنه يمكنه ـ الآن ـ أن يعيد «انتاج» صورة أخرى ومحتوى جديد لتونس التي نريد والتي أفرغها أعداؤها من كل قيمها ومن كل ما يجعل منها «بلدا عميقا» في مضامينه.. بإمكان الرئيس أن يتحرك الآن بالسرعة القصوى لبناء جمهورية مواطنين لا تتكلم باسم الله ولاباسم الدين ولا باسم المؤمنين وإنّما باسم دولة المواطنين، دولة العدل والحق، دولة الحقوق والحريات، دولة المعرفة والفن والجمال.. لا دولة القبح والغدر والمؤامرات حيث بذور الفتنة مزروعة في الخطب وفي الكلمات…
لقد زرع الرئيس شجرة في ساحة معهد ابن رشيق بمدينة الزهراء الذي شهد حادثة اعتداء التلميذ على أستاذه لكنّه نسي أن يسقيها بماء الحياة وبما يجعل منها شجرة مباركة تضيء سماء البلد…
لا «عادَ» ولا «هود» على الأراضي التونسية بل الكلُّ كلٌّ حرّ من حقه أن يكون مختلفا فلا ضير في ذلك ما دام صراخه في الفراغ سلميّ وعليه فإنّه لا داعي «لريح صرصر تحوّلهم الى أعجاز نخل خاوية…»!؟.