الدعوة الى السلام في اليمن
اليمن-26-11-2021
أشرف التدخل العسكري في اليمن على عامه الثامن، وتتجلى هذه العملية فيما يطلق عليه “التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية”، بحيث يعمل الاخير على مساندة الحكومة اليمنية ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) وداعميه مثل ايران.
وقد تأسس هذا التحالف نتيجة ما وصل إليه الوضع الداخلي في اليمن إلى الحد الاقصى من تدهوره، فما كان على الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” المنفي حاليا في السعودية من طرف الحوثيين إلا الاستنجاد بالمجتمع الدولي، و انطلق التحالف العربي في عمليته الاولى في 26 مارس عام 2015 .
والى حد الان، مازالت الازمة اليمنية في أوجها رغم بعض المبادرات من بعض الاطراف المشاركة في الحرب على ترسيخ مبدأ السلم، بحيث قامت السعودية في 22 مارس من العام الحالي بالتعبير عن نواياها في تهدئة الاوضاع في اليمن من خلال الاعلان على مبادرة مبادرة تنص على إنهاء القتال علة كامل أنحاء البلاد، الفتح الجزئي لمطار صنعاء واستيراد مختلف المواد الغذائية عبر ميناء الحديدة، وقد دعت المبادرة أيضا الى فتح مطار صنعاء لتسهيل جميع التحركات الاقليمية والدولية للأطراف الرامية الى مبدأ السلام في إطار الامم المتحدة، تحديد آلية واضحة لتقسيم العائدات الجمركية للمطار والميناء بين الحكومة اليمنية والحوثيين وفتح حساب مصرفي مشترك لتسديد رواتب الموظفين الحكوميين واخيرا استئناف المفاوضات السياسية بين الطرفين.
ولم يتوانى الحوثيون في رفضهم لهذه المبادرة واعتبارها مجرد دعاية وليس لها علاقة بما يجري واقعيا وذلك على حسب تعبير كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام، كما اعتبرت الجماعة أن الفتح الجزئي لميناء صنعاء والحُديدة لا يلبي مطالبهم .
وبينما رفض الحوثيون قطعا مبادرة السلم السعودية، عبّر العديد من الاطراف الدولية الاخرى عن ترحيبهم بها واصفين اياها بـ “الايجابية”، إذ قبلت بها الحكومة اليمنية في عدن، وحتى أن الطرف الايراني أعلن موافقته عليها (بشروط)، وكذلك مصر والاردن وقطر والبحرين والكويت والسودان والامارات الى جانب مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الاسلامي والجامعة العربية، كما نالت المبادرة استحسان “فرحان حق” نائب المتحدث باسم الامين العام للأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية، حتى أن الاتحاد الاوروبي اعتبرها نطقة انطلاق ايجابية لتكريس السلام الداخلي في اليمن …
معارك دامية بين التحالف العربي والحوثيين
حفلت السنوات التي لعب فيها التحالف العربي دورا عسكريا داخل اليمن بعديد الهجمات المتبادلة التي خلّفت أزمة بشرية كبيرة من الجانبين، إذ استهدف التحالف عديد المواقع التي يتركز فيها الحوثيين باستخدام غارات جوية مما أدى الى مقتل بعض القيادات في صفوف جماعة الحوثي، لكن هذه النزاعات كلفت التحالف العربي أيضا خسائر بشرية في صفوفها وخاصة السعودية التي استهدفها الحوثيون بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية، وفي هذا السياق أشار المتحدث الرسمي باسم التحالف “تركي المالكي” أن التحالف العربي دمر 550 طائرة حوثية بدون طيار و 62 زورقا مفخخا من طرفهم مجند ضد أمن الملاحة البحرية والتبادلات التجارية في مضيق باب المندب وجنوبي البحر الاحمر.
وقد تمكّن التحالف خلال هذه السنوات من استعادة الكثير من مناطق ومحافظات شمال وجنوب اليمن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين(عدن، شبوة، أبين)، والسيطرة على أغلب محافظات لحج والضالع وتعز فيما ظلت بعض المناطق الاخرى تحت سيطرة الحوثيين.
أما في الغرب فقد تمكن التحالف من الوصول الى نتائج ايجابية من خلال تطويق أغلب المحافظات (كالحديدة وحجة) في ظل استمرار المعارك، ولم يشهد الشمال الكثير من التغيرات منذ انطلاق عمليات التدخل العسكري للحلف العربي (سيطرة الحوثيين على على صنعاء والكثير من المحافظات الواقعة في الشمال).
نتيجة لهذه الهجمات المتبادلة، تمر اليمن بأسوأ أزمة إنسانية على الاطلاق، بحيث أشارت تقارير الامم المتحدة أن هذا النزاع بين الطرفين منذ عام 2015 أدى يحياة 233 ألف شخص، في حين أن عدد النازحين قد بلغ ما يقارب 4 ملايين شخص هم يعيشون أسوء درجات الفقر والخصاصة، وقد بلغت حالات المجاعة أقصاها بحيث نسبة اليمنيين الذين بحاجة لتدخل طارئ على سوء اوضاعهم نسبة 80%، كما أثرت الحرب في اليمن على مختلف المرافق الصحية مما ساهم في تفشي الأمراض والاوبئة، إذ فتكت الكوليرا بالالاف في حين أن 2.5 مليون شخص يُشتبه باصابتهم(وفق منظمة الصحة العالمية).
الملف اليمني اولوية لدى الولايات المتحدة الامريكية
وجد تصنيف الحوثيين ضمن قائمة التنظيمات الارهابية من طرف الادارة الامريكية السابقة ترحيبا واسعا خاصة من الحكومة اليمنية التي دخلت في حرب واسعة طيلة السنوات الفارطة واشتدت معانتها من الهجمات الارهابية المكثّفة من طرف الحوثيين، ممّا أدى الى تفاقم الازمة وانهيار الوضع بالكامل في اليمن، وقد أثار هذا التصنيف غضبا شاسعا من الحوثيين على إدارة دونالد ترامب، ولم تقبل كل من الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الدولية في اليمن وضع الحوثيين على القائمة الارهابية الامريكية معتبرة انّ ذلك لن يزيد الا من سوء الاوضاع في اليمن وأنّ هذه الحركة الامريكية ستثير استفزاز الحوثيين وستعرقل مسار ترسيخ السلام في اليمن والمساعدات الانسانية.
دفع ذلك بأمريكا بمجرّد تولي الرئيس جوبايدن الحكم إعادة النظر في هذا القرار وخاصة التركيز على مسألة العقوبات الموجهة ضد الحوثيين والتي تعيق وصول المساعدات الى اليمنيين، ومن ضمن الاسباب السياسية التي جعلت الادارة الامريكية تتراجع عن تصنيف الحوثي ضمن قائماتها الارهابية هو الادعاء بأن ذلك يعد بمثابة إعلان الحرب عليهم وبالتالي سيدفع ذلك هذه الجماعة الى مزيد توتير الاوضاع والدخول في سلسة من الهجمات أقوى من قبل حيث قال المتحدث باسم مكتب الامين العام للأمم المتحدة “ستيفان ديوجاريك” “أن هذا التصنيف قد يؤثر سلبا على الجهود الرامية الى استئناف العملية السياسية في اليمن، ويؤدي الى مزيد من الاستقطاب في مواقف اطراف النزاع” ، إلا أن الاطراف المساندة لهذا التصنيف كانت متأكدة أنه سيساهم في إضعافهم وتشتيتهم والضغط عليهم للعودة الى طاولة الحوار.
كذلك عبرت الكثير من المنظمات الاغاثية والانسانية في اليمن على غرار الصليب الاحمر الدولي عن مخاوفها حول ما يمكن أن تزيده العقوبات الامريكية على الحوثيين من خطر انساني، لذلك فقد ضغطت هذه المنظمات على إدارة الرئيس جوبايدن للتراجع عن هذه الخطوة المتسرعة التي اعتمدها ترامب.
لكن ذلك لا ينفي رغبة الادارة الامريكية الجديدة في التراجع عن هذا التصنيف خاصة وأنّ ضمان الاستقرار في اليمن كان من ضمن الوعود الانتخابية لجوبايدنالى جانب رغبته في تهدئة الاوضاع مع ايران والدخول في اتفاق معها حول الملف النووي، لأن تصنيف الحوثيين المُسانَد من طرف ايران قد يُعد مواجهة غير مباشرة للأخيرة.
وحاليا يُعد الملف اليمني اولوية بارزة الاهمية بالنسبة لواشنطن، حيث تسعى بكل جهودها الى تكريس الأمن الداخلي في اليمن، إذ اشارت وزارة الخارجية الامريكية في الشهر الجاري أن مبعوثها الى اليمن سيحرص على تنسيق كل الجهود بين الاطراف المشاركة في الحرب للوصول الى حل كما سيقع التركيز على جانب احتجاز الحوثيين للكثير من الموظفين اليمنيين في السفارة الامريكية، وفي هذا الصدد رد الحوثيون أنهم مستعدون لأي عملية سلام في حال تمّ رفع الحصار وسحب كل القوات الاجنبية لترك الشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه . وبالتالي فإن هذه الجماعة تسعى الى السيطرة بنفسها على كامل الوضع في اليمن واستبعاد الحكومة الشرعية دون أي تدخلات خارجية ترمي الى السلام.
أما فيما يتعلق بموقف المملكة السعودية اتجاه قضية السلام في اليمن، فهي تريد تهدئة الاوضاع في اليمن والوصول الى حل في أقرب وقت ولا ترى مانعا في اجتماع كل الاطراف المشاركة في الحرب على طاولة المفاوضات.
وقد أشار الكثير من المحللين أن الولايات المتحدة الامريكية تسعى الى تهدئة الوضع مع الحوثي فقط لترك هذه الورقة جانبا واستغلالها في الظروف المناسبة ضد السعودية.