أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

الحرب بالوكالة : جمهورية إفريقيا الوسطى

تقرير وحدة البحوث و الدراسات الافريقية و الدولية

تقديم : صبرين العجرودي

تونس 18-03-2021

تتعدد مزايا القارة الإفريقية فهي مجالا مغريا  وجاذبا ، تكالبت عليه القوى الدولية الكبرى و القوى الإستعمارية في فترات ما قبل و حتى ما بعد الإستقلال ، فلا تزال الى اليوم تهيمن عليها السياسات الأجنبية  و ضحية التنافس و الصراعات القائمة بين القوى الإستعمارية ، و قد أخذا التنافس من أجل بسط النفوذ أشكالا مختلفة، منها توظيف العناصر المحلية المتنازعة لعناصر اخرى للقتال بدلا عنها.

 يُطلقُ على هذا الشكل من الحروب مفهوم ” الحرب بالوكالة ” و قد تبلور مع بداية ظهور القوى الإقليمية أو الدولية التي تسعى لبسط نفوذها في منطقة ما  و تتفادى القيام بحروب مباشرة فيما بينها أو تعجز عن التدخل مباشرة في المناطق التي تسعى إليها، و هو ما يجعلها تعتمد على تدخلات استراتيجية أو جغرافية أو اقتصادية أو تقوم بدعم جهة معادية لأعدائها بتوقيع اتفاقيات عسكرية و تدريبات عسكرية و تقديم السلاح …

و قد مثّل التنافس بين روسيا و فرنسا من أجل استغلال جمهورية إفريقيا الوسطى مثالا هامّا على ذلك، حيث يتصارع الطرفان باستخدام حلفائهم الداخليين.

1- تكالب القوى العالمية على جمهورية إفريقيا الوسطىالهيمنة الفرنسية

الهيمنة الفرنسية

في الفترة الإستعمارية الممتدة بين عامي 1910 و 1934 كانت فرنسا تملك نفوذا تاريخيا هامّا في وسط إفريقيا، حيث تتوزّع مستعمراتها داخل القارة على منطقتين هما : ” غرب إفريقيا الفرنسية ” و ” إفريقيا الإستوائية الفرنسية ” و تتكوّن الأخيرة من التشاد و الغابون و الكونغو و منطقة أوبانغي – شاري  (Oubangui-Chari ) التي تقع في وسط إفريقيا.

 تميّز المُستعمر الفرنسي خلال احتلاله لهذه المنطقة بسياساته القمعية و إدارته الفاسدة وسوء استغلاله للموارد، و قد تمادى في الإعتداء على حقوق السّكان المحليين و ممارسة الإنتهاكات في حقهم إلى أن ظهرت تحرّكات مقاومة للسياسات الإستعمارية ، و قد استمرت السياسات في أوبانغي-شاري بهذه الوتيرة إلى غاية اليوم. و رغم ما يتلقاه المستعمر الفرنسي من ردع و مقاومة داخلية، إلا أن جمهورية إفريقيا الوسطى تُعد من المعتمدين بصفة رئيسية على الدعم الفرنسي، و يتجلى ذلك بوضوح في فترة ما بعد استقلالها في عام 1960، حيث استمر الحضور العسكري داخلها إلى عام 1997 .

فضلا عن ذلك، كانت فرنسا تُهيمن على الحكومات المركزية في البلاد إلى الحد الذي تسمح فيه لنفسها بتعيين الرؤساء الذين يدعمون مصالحها داخل البلاد، و كانت تستبعد الذين يعرقلون تدخّلها و يقفون حاجزا أمامها، و نتيجة لذلك شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى سلسلة  من الإنقلابات العسكرية، فمثلا وقع تعيين الرئيس ” فرانسو بوزيزيه ” عام 2003 في انقلاب عسكري، و كان ذلك على خلفية عدم رضا المستعمر الفرنسي على سياسات الرئيس السابق ” أنجي فيليكس باتاسيه ” التي لم تُحقق طموح فرنسا داخل الدولة في فترة حكمه.

وبالتالي فقد استمرت السياسات الإستعمارية في فرنسا من خلال الدعم المتبادل بينها و بين الحكومات المركزية، و في حالة عدم التوافق، كانت فرنسا تسعى جاهدة لإطاحة من يقف في وجهها عن السّلطة.

و بالعودة إلى مخلّفات الحكومات المركزية المدعومة من فرنسا، نجد حكم الرئيس ” فرانسو بوزيزي ” ، حيث اتسمت فترة تولّيه السلطة بالقمع و الديكتاتورية، دفع ذلك إلى شن حرب ضد القادة و ظهور ميليشيات في الواجهة قامت بتشكيل حلف ” سيليكا ” (Séléka) عام 2012 المتكوّن من مجموعة مقاتلين ذات انتماء إسلامي و معارضين لحكم ” فرانسو بوزيزيه ” ، و قد نجح هذا الحلف في إقصاء الرئيس و تولى زعيمه ” ميشال دجوكوديا ” في عام 2013 كأول رئيس مستقل عن القوة الإستعمارية الفرنسية.

لم تقف الأوضاع عند ذلك، فقد زادت توترا مع سير ميليشيات سيليكا نحو التّمرد و استفزاز الأنظمة السابقة، لم يجد رئيس الحلف مهربا في سعيه لتكريس استقرار البلاد إلا حل الحلف ويعود ذلك لعجزه عن السيطرة على مقاتليه.

في الأثناء كانت فرنسا تفكّر في طريقة لإسترجاع مكانتها ووزنها داخل الدولة، دفعها ذلك لتشكيل حلف مناهض لـ ” سيليكا ” اسمه ” انتي بالكا ” (Anti- Balaka)   و يتكوّن الحلف من مقاتلين مسيحيين ، انطلقو في التمرّد و الهجوم على المناطق ذات الأغلبية المسلمة  في جمهورية وسط إفريقيا، و قد توصّلت فرنسا إلى غايتها حيث قامت بعملية ” سنغاريس ” المتمثّلة في التّدخل العسكري المزعوم بأنه ” قصير الأمد ” و هو بطاقة للحفاظ على النفوذ الفرنسي  تحت غطاء حفظ الإستقرار.

تراجع النفوذ الفرنسي

غير أنّ ذلك لم يُساهم في تهدئة الأوضاع، فقد استمرت سلسلة الهجمات بين المسلمين و المسيحيين، أدّى ذلك إلى انسحاب الرئيس ” دجوتوديا “،  كما أدركت فرنسا لاحقا  أنّ تدخّلها العسكري لم يُحقّق الأهداف التي ترجوها بل أصبح كاهلا ثقيلا عليها، و هو ما جعلها تضطر لسحب قواتها من العاصمة بانغي  بالتّوازي مع انتخاب ” تواديرا ” رئيسا للبلاد في عام 2016، و لحماية منشآتها أرسلت عددا محدودا من الجنود و قد شاركت بعثة الأمم المتحدة ” مينوسكا ” في عملياتها في حفظ السلام في منطقة إفريقيا الوسطى.

و يدل ذلك على أنّ الوجود الفرنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى قد استنفذ قواه تقريبا نتيجة موجات العنف الثقيلة في المنطقة، بحيث  تمّ استنزافها عسكريا للحد الذي جعلها تنسحب من المنطقة مُنهكة.

ظهور روسيا في الواجهة

ساهم الإنسحاب الفرنسي من دولة جمهورية إفريقيا الوسطى في ظهور روسيا في الواجهة  كقوة تسعى إلى استغلال هذا الفراغ داخل المنطقة لتقوم بدورها بترسيخ نفوذها و استغلال الثروات.

 و لم يكن تاريخ العلاقات بين البلدين ينطوي عن تبادلات أو علاقات عسكرية أو أمنية، إلا أنّ روسيا سعت إلى استدراك هذه الأوضاع خاصة و أنّ المجال أصبح خال من المنافس الفرنسي، لتقوم باستغلال المنطقة لتعزيز قوتها و حضورها بين القوى العالمية.

و تختلف الإستراتيجية الروسية في بسط النفوذ عن استراتيجيات كل من الولايات المتحدة و اوروبا، و يعود ذلك لمحدودية مواردها، حيث تعجز عن اعتماد الدعم الإقتصادي كوسيلة رئيسية في العلاقات مع المنطقة التي تمكّنت منها الصراعات كانت نتيجته اقتصادا مدمّرا بالكامل،  بالتالي فإنها تحتاج إلى دعم اقتصادي كبير.

 لذلك يمكن تفسير أهداف روسيا على أنها استراتيجية و منظورها إلى جمهورية إفريقيا الوسطى أنها منطقة تقع في مركز إفريقيا، ويعزز لها الحضور العسكري داخلها  سهولة وصولها إلى بقية مناطق القارة، فضلا عن بناء قوتها من خلال دعم شركاتها و استغلال مناجم الذهب.

اتساع النفوذ الروسي

في عام 2017، انطلقت روسيا في رحلة البحث عن النفوذ داخل جمهورية إفريقيا الوسطى، و قد تزامن ذلك مع حاجة المنطقة للسلاح على خلفية حظر الأسلحة المفروض عليها، و كان الرئيس ” تواديرا ” قد اعتمد آنذاك على فرنسا التي عرضت بدورها أسلحة القراصنة الصوماليين المحجوزين لديها، إلاّ أن روسيا استخدمت حق الفيتو في منع توظيف أسلحة محجوزين لأغراض اخرى، و اقترحت أسلحة خفيفة على تواديرا، حيث وافق جميع الأطراف على ذلك.

 و قد تمكنت روسيا من التمدد أمنيا داخل المنطقة تحت غطاء حراسة منشآتها التي هناك باعتماد المرتزقة الروسيين و مجموعة فاغنر Group wagner  التي يقودها يفغيني بريغوجين Yevgeny Prigozhin.

تمكن هؤلاء العناصر من الإقامة في قصر قرب مدينة بانغي و قد تمكنوا من استخدام ساحته كمطار في ظل سيطرة فرنسا على مطار بانغي .

 و سرعان ما تزايد التمدد الروسي داخل المنطقة إلى حد السيطرة على جميع المجالات الأمنية حتى أن جماعات بريغوجين و المرتزقة الروسيين تقربوا من الرئيس ” تواديرا ” و عملو كحراس له، و قامت روسيا بتعيين ضابط مخابراتها السابق مستشار الأمن القومي لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، وبذلك حققت روسيا غايتها بالسيطرة على كافة الأنشطة الأمنية والعسكرية في المنطقة عبر مختلف الأنشطة الاخرى و أعلن الرئيس “تواديرا” أن المجال مفتوح لروسيا حتى تقوم بإنشاء قاعدة عسكرية و تم إمضاء اتفاق بين البلدين في عام 2018 يقضي بتدريب ضباط المنطقة في روسيا.

 تطوّرت الأحداث بسرعة و بالتوازي مع انسحاب الأطراف المتدخلة في عمليات حفظ السلام بعد تحقيقها فشلا ذريعا، أصبحت روسيا الراعي الرسمي لحل النزاعات السياسية، و نتيجة لذلك ظهر العداء بين الطرف الفرنسي و الروسي داخل البلاد و انطلق صراع سياسي داخلي بين أتباع روسيا و فرنسا برز في البرلمان، وكانت النهاية الصراع بالفوز الروسي  بجدارة و إقالة رئيس البرلمان ” عبد الكريم ميكاسوا ” التابع للطرف الفرنسي.

2- التآمر مع الوكلاء

تمكنت روسيا عام 2019 من إبرام اتفاق سلام مع السودان، لتضم إليها  من خلاله 14 جماعة مسلحة كبرى  للإبقاء على الرئيس” تواديرا”  و حزبه التابعين لها، و قد قامت هذه الجماعات بالحصول على الدعم المالي من روسيا حتى تتمكن من السيطرة.

و قد انطلقت روسيا في التآمر مع الجماعات المسلحة للعمل على تعطيل الإنتخابات و حصول الرئيس ” تواديرا ” على ولاية اخرى، و كان لهذه الجماعات إلا أن تقف على الهيئات الإنتخابية، في المقابل كانت فرنسا تقوم بدعم خمس جماعات مسلحة تابعة لها التي كوّنت تحالف عسكريا هدفه طرد ” تواديرا” و حزبه من الحكم.

و تتمثل هذه الجماعات الخمس في : 

  • الجبهة الشعبية لإعادة إحياء إفريقيا الوسطى FPRC  
  • الجبهة الديمقراطية لشعب إفريقيا الوسطى FDPC  
  • الإتحاد من أجل السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى UPC
  • العودة و الإصلاح و التأهيل R3   
  • الحركة الوطنية لجمهورية إفريقيا الوسطى MPC  

كانت فرنسا تسعى جاهدة للإطاحة بنظام ” تواديرا ” عبر وكلائها في المنطقة  و قد أعلنت رغبتها في القيام بذلك، اعتمدت  على دعم الجماعات المتمردة سرا و ساهمت بذلك في انتشار أعمال العنف و قد مارست عديد الضغوط على حكومة تواديرا مستغلة الأطراف المحلية التي ترتبط مصالحها بفرنسا، حيث انطلقت هذه الأطراف في القيام بتشويه و اتهام الحكومة بالفساد و بتوجيه الإنتخابات.

كما قامت فرنسا في منتصف عام 2020 بتقديم منحة قدرها 90 ألف يورو للمحكمة الدستورية حتى تعيد النظر في القرار الصادر عنها و الذي يقضي بتمديد حكم تواديرا، و كان للمحكمة الدستورية إلا أن تستجيب لفرنسا مقابل هذه المنحة، حيث أصدرت حكم يرفض نهائيا بقاء تواديرا و حتمية القيام بالإنتخابات دون إعادة تأجيلها .

بالتوازي مع ذلك، ساهم حلفاء فرنسا الدخليون في عودة الرئيس السابق ” فرانسو بوزيزي ”  وعملت فرنسا على إحياء شعبيته تدريجيا دون الترشح للرئاسة و لكن بهدف إسقاط ” تواديرا “، حيث قامت فرنسا بدعم مرشحين اخرين.

 لم تقف روسيا صامته أمام التحرك الفرنسي، لكنها لم تولي اهتماما كبيرا للمرشحين المدعومين من فرنسا لقناعتها بضعف شعبيتهم و تورطهم السابق في قضايا فساد، لكنها في المقابل كانت تسعى لحل التحالف العسكري التابع لفرنسا و المعادي ” لتواديرا ” بإقناع  أحد قادة الحلف بتفكيك هذا التحالف و إجبار عناصره بانتخاب ” تواديرا ” عبر تقديم اغراءات الحصول على مناصب حكومية، لكن خطة مساعي أحلاف روسيا لم تنجح في القيام بذلك.

ساهم ذلك في إثارة غضب الشق المعارض الذي قام كرد على هذه الإجرءات بتكوين تحالف الوطنيين من أجل التغيير، حيث قام فيما بعد بتعطيل سير الإنتخابات عبر السيطرة على اربعة مدن تحيط بالعاصمة بانغي.

لم تستجب الحكومة لضغوط المعارضة و تشبثت بقرارها في القيام بالإنتخابات و دعت بعض الأطراف لمساعدتها حتى تتمكن من القيام بها في ظروف آمنة، لكن التضييقات تواصلت من المعارضة حتى أن عدد هام من المواطنين لم يتمكنوا من الانتخاب بالإضافة إلى عدم اكتساب عملية الإنتخابات الشفافية، و هو الأمر الذي استخدمته المعارضة حتى تبرر عدم مصداقية الإنتخابات.

كانت نتائج هذه الإحتدامات القيام بالإنتخابات في 27 ديسمبر عام 2020، و تفيد المؤشرات الأولية باقتراب ” تواديرا بنسبة 53 %، كان ذلك بعد اتهام ” فرانسو بوزيزي ” بجرائم و استبعاده من الترشح بقرار من المحكمة الدستورية، فضلا عن استبعاد عناصر اخرين من المعارضة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق