أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

الحرب الذكية: التكتيك القتالي الإيراني في مواجهة الكيان الصهيوني

الصواريخ الإيرانية والأهداف في الكيان الإسرائيلي

في ظل المواجهة المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية في إيران والكيان الصهيوني، برزت سمات متقدمة في التكتيك القتالي الإيراني، تُعبّر عن نضج استراتيجي استثنائي، لا سيما فيما يتعلق باختيار الأهداف، توزيع الصواريخ، وتكامل الأنماط العملياتية. ويبدو أن إيران لا تبحث فقط عن الردّ العسكري، بل عن تعديل البيئة الاستراتيجية في الإقليم، واستنزاف منظومة التفوق الإسرائيلي، وتهديد العمق الأمني والاقتصادي والعسكري الصهيوني.

تعالج هذه الورقة طبيعة التكتيك الإيراني ضمن فرضية الحرب الحالية، مركّزة على ثلاثة أبعاد رئيسية: استراتيجية القتال، استراتيجية اقتصاد الذخيرة، واستراتيجية استنزاف العدو ومخازن دفاعه الجوي، مع تحليل دقيق لطبيعة النقاط المستهدفة وتأثيراتها المرجوّة.

أولًا: استراتيجية القتال الإيراني – الرّد والتشظية المحسوبة

اعتمدت إيران استراتيجية هجومية ذات طابع عقابي تأديبي مدروس، تدمج بين توجيه الضربة القويّة بعد تلقّي الضربة المفاجئة وبين الانتشار المدروس للضربات. هذه الاستراتيجية استندت إلى عدة مرتكزات:

  • ضربة افتتاحية تكتيكية لعمليّة الرّد: توجيه صواريخ باليستية وفرط صوتية إلى عمق الكيان، على رأسها مركز قيادة الجيش ومقر الموساد.
  • توزيع جغرافي للضربات: بحيث تشمل الشمال (حيفا والجليل) والوسط (تل أبيب وكريات جات) والجنوب (عوفدا ونفاتيم)، ما أربك القيادة العسكرية وأعاق فعالية منظومات الدفاع.
  • ضرب العمق الاستراتيجي دون جرّ المعركة إلى مواجهة شاملة فوريّة مع الأميركي وحلف النّاتو: أي ضرب الرأس قبل الأطراف.

ثانيًا: استراتيجية اقتصاد الذخيرة – كثافة محسوبة وفعالية موجّهة

رغم امتلاك إيران لمخزون صاروخي ضخم، إلا أنها لم تستخدم الكم الأقصى دفعة واحدة، بل راعت عدة عناصر:

  • تفادي الاستنزاف المبكر للذخائر عالية الدقة.
  • الاعتماد على نمط موجات القصف المتقطعة بدل الضربة الشاملة، لفرض حالة إنذار دائم لدى العدو.
  • الاستخدام الانتقائي للصواريخ فرط صوتية والباليستية ضد أهداف استراتيجية فقط
  • اختبار فعالية الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإرهاقها تدريجيًا، عبر توسيع دائرة الاشتباك الزمني والمكاني.

ثالثًا: استراتيجية استنزاف العدو – تهشيم الأعصاب الصهيونية وضرب بنيته الدفاعية

استهدفت إيران في ضرباتها نقاطًا حيوية تمثل ثقلًا في الوظيفة القتالية أو الاقتصادية أو الاستخبارية للكيان، بهدف:

  • استنزاف منظومات الدفاع الجوي عبر الضربات المتزامنة من اتجاهات متعددة.
  • إجبار العدو على تشغيل مستمر لمراكز القيادة والسيطرة تحت ضغط ضربة وشيكة دائمة.
  • تشويش عمل الاستخبارات والاتصالات عبر استهداف الوحدة 8200 ومقر الموساد.
  • ضرب العمق الاقتصادي (محطات الكهرباء، مصافي النفط، مراكز الصناعة – كريات جات)، مما يؤدي إلى شلل جزئي في البنية الإنتاجية.
  • استهداف القواعد الجوية الرئيسية (تل نوف، عوفدا، نفاتيم، قاعدة الجليل) مما سيقلّص من فعالية سلاح الجو الإسرائيلي تباعاً والّذي بدوره سيقلّص مدى الرّدع الجوي.

رابعًا: نقاط الثقل المستهدفة وتحليل عسكري لتأثيراتها

  • مركز قيادة الجيش ووزارة الحرب: ضربة معنوية كبرى تقطع التسلسل القيادي العسكري.
  • الوحدة 8200 ومقر الموساد: إنهاك الجهاز الاستخباري وتعطيل خطوط الإنذار المبكر.
  • المراكز العلمية والصناعية (وايزمن، رفائيل، كريات جات): تعطيل إنتاج الذكاء الاصطناعي العسكري والمسيّرات.
  • محطات الكهرباء والبنية النفطية: خلق أزمة طاقة داخلية وشلل بنيوي.
  • الموانئ: شلّ حركة التجارة واللوجستيات.
  • القواعد الجوية: سحب المبادرة من سلاح الجو وإضعاف قدرته على الرد والمناورة.
  • المراكز النووية والعلمية: رسالة استراتيجية ضد التفوق النووي أو التفوّق العلمي الصهيوني.

خامسًا: الطابع العام للتكتيك الإيراني – حرب غير متماثلة بطابع استراتيجي

تكتيك إيران لا يعتمد على الصّدام الشامل بل على ضربات محسوبة ذات طابع تكتيكي تحمل أهدافًا استراتيجية بعيدة المدى.

إيران تخوض ما يمكن تسميته بـ “حرب الوزن الثقيل الصامت”:

  • إحداث تأثير نفسي مركّب: الشعب الصهيوني لم يعد يشعر بالحماية.
  • إجبار العدو على استنزاف موارده في الدفاع لا الهجوم.
  • فرض معادلات ردع جديدة: الرد الإيراني لم يعد بالوكالة بل مباشر، وهذا قلب معادلة الردع.
  • اختبار الجاهزية الأميركية: من خلال خلق مواقف محرجة لحليفها.

الخاتمة:

إن التكتيك القتالي الإيراني في هذه المعركة يعتمد على استراتيجيات ناضجة لا تنجرّ إلى ردود فعل آنية بل تستهدف عمق الخصم، مركزه العصبي، ومصادر طاقته، الاقتصادية والعسكرية. إنها معركة العقول والثقل الاستراتيجي، حيث تُخاض الحرب بأقل كلفة ميدانية ممكنة، وأعلى تأثير سياسي وعسكري وأمني.

التّكتيكات التّصاعديّة الّتي من الممكن الاستمرار فيها:

  • استمرار استهداف مراكز الأعصاب الحيوية للاقتصاد والدفاع.
  • تصعيد تدريجي منظّم لاستنزاف منظومات الدفاع.
  • خلق بيئة ردع سيكولوجي داخل المجتمع الصهيوني.
  • التركيز على المرافق الاستراتيجية البحرية.
  • الضغط الإعلامي لتأطير الانتصارات ضمن معادلة الحق والرد المشروع.
  • ربط كل ضربة بإنجاز سياسي إقليمي يعزز حضور محور المقاومة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق