الحرب الحديثة المدمّرة: حرب العصابات والبرغوث والكلب
إعداد الدكتورة بدرة قعلول : المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية بتونس
يعيش العالم اليوم حربا قذرة ومدمرة تظهر معالمها وتجلياتها خاصة في مناطق معينة من العالم كالشرق الأوسط، وبلدان الخليج وشمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء الإفريقية و بعض الأماكن الأخرى الساخنة، وقد زرعت فيها حشرات البرغوث ممثلة في الإرهابيين والمتطرفين ليخوضوا حروبا ضد استقرار بلدان ومناطق وأقاليم بعينها.لكن السؤال الذي يُطرح: من زرع هذا البرغوث ولفائدة من يشتغل؟
في ظل التحولات الجيوستراتجية والتطورات الكبرى في العالم والصراعات الدولية وتغير المفاهيم العسكرية والإنتقال من حروب كلاسيكية إلى حروب العصر،ير ى الكثير من الخبراء العسكريين في العالم أن حرب العصابات ستكون هي طابع القرن الواحد والعشرين وربما ستطول إلى بدايات القرن الثاني والعشرون، لنجاعتها وسرعة تحقيق الأهداف بأقل التكاليف، بمعنى أنها ستكون وسيلة لدمار بلدان وزعزعة استقرار أخرى، كما ستُستعمل هذه العصابات من قبل قوى كبرى للسيطرة ، تحقيقا لأجنحتها العسكرية وتمريرا لأجنحتها السياسية عبر ما يسمى بالاحتلال المدني بطريقة حرب المليشيات الإلكترونية والمثقفين الموالين والعنف الإيديولوجي والإعلام، وغيرها من طرق حرب العصابات بأنواعها أو من خلال ما يسمى بالحرب الهجينة التي لها الكثير من الأذرع الأخطبوطية.
ويرى الخبراء أن حرب العصابات ستكون لها الغلبة وأن فرص انتصارها على الجيوش النظامية ستكون أكبر.
لذا بدأ التفكير في إعادة النظر في تركيبة الجيوش النظامية وربما الذهاب إلى خوصصة هذه الجيوش عبر عقود وشركات ،وهذا الموضوع هام جدا خاصة و أن تجربة الحروب بالوكالة لم تكن تجربة ناجحة، وربما يكون الإنتقال إلى تجربة الشركات العسكرية المتعاقدة أكثر ترجيحا.
1- لماذا سميت حرب العصابات بحرب البرغوث و الكلب؟ عندما نتحدث عن البرغوث فان ذكر هذه الحشرة يثير اشمئزاز الكثيرين نظرا إلى خطورة هذه الحشرة على الإنسان أو الحيوان،مع الإشارة إلى صعوبة القضاء على هذه الحشرة التي تخلف في الكثير من المضاعفات وخاصة الأعضاء الضعيفة. واللافت أن هذه الحشرة لها من الصبر وطول النفس مدة زمنية طويلة للقضاء على الجسم الذي تصيبه.
هذه الحشرة المتناهية في صغر حجمها تستطيع أن تتسلل إلى دم الكلب ببطء، إلا أنها بالتأكيد توصله إلى الموت، أو إلى أن يفر بجلده كما يقول المثل الشعبي. والإرهاب الذي يضرب بقوة كل المجتمعات العربية وينخر جسم الدول هو بالتأكيد عبارة عن حرب البرغوث،،وتتلخص في سبع نقاط تتمثل في:
– مساحة كبيرة للدفاع – عدو شديد الصغر ليست له قيمة – عدو صغير منتشر في كل مكان ويكوّن جماعات صغيرة في كامل الجسم – تميّزِ هذا العدو بسرعة تحركاته حيث يصعب القبض عليهمجال عيشه في كل مكان وخاصة في الأماكن الهشّة والضعيفة قدرته الكبيرة على التخفي
انسحابه أو هروبه من مكان ليعود إليه.. يعتقد الكلب أنه تم تطهير المكان لكن سرعان ما يُفاجئه البرغوث الذي لا يستسلم – احتمال مغادرة البرغوث المكان إلا أنه يترك البيض الذي يصعب الكشف عنه وهو سريع التكاثر.
لكن ماذا لو طالت الحرب بين الكلب و البرغوث، ولمن ستكون الغلبة؟ في هذه الحالة إن دامت الحرب وطال أمدها سينهار الكلب وربما يموت أو يخسر جزءً من جسمه بسبب الإجهاد الكبير والتشتت، وأهم شيء في هذه الحرب بالنسبة للكلب فقدانه الدم .
والخطير في الحرب مع البرغوث أنه يلسع الكلب ويحدث به جروحا ويهرب، فيقوم الكلب بعض نفسه وهرش جلده، وما إن يبدأ في التعافي حتى يعود إليه البرغوث ويلسعه مرة أخرى، وهكذا دواليك حتى يفقد الكلب توازنه وينهك ويموت ، وهذه نفسها هب حرب الإرهاب، الأجهزة الأمنية والعسكرية وتستنزفها وتشتتها، ويعود البرغوث أي الإرهاب في كل مرة بمبررات وأهداف ووجوه جديدة.
من الناحية العلمية لا يموت الكلب بسبب فقر الدم فقط بل لأنه يضعف باستمرار وتقل لديه المناعة. ومن أهم أسباب الإنهيار أو الموت لدى الكلب إذا تم تطبيقها على واقع الدول.
: 1- انتشاره إذا استعملنا المصطلحات العسكرية
. 2- عدم شعبيته إذا استعملنا المصطلحات السياسية. 3- زيادة الكلفة إذا استعملنا المصطلحات الإقتصادية
. 4- عدم القدرة في النهاية على الدفاع عن النفس
. 5- في هذه الفترة يكون البرغوث قد تكاثر وتحول إلى وباء بفعل مجموعة كبيرة من انتصارات صغيرة، استطاع في كل واحد منها أن يمتص قطرة من الدم، على شكل أسلحة مسلوبة ، وعندها يركز ويستنفر قواه ينقض على الجسم ويحسم المعركة وبذلك ينتصر البرغوث المتناهي الصغر على الكلب الكبير.
الشروط الأساسية لحرب العصابات: في الحرب التي تخوضها الدول العربية والدول الإقليمية هناك وباء كبير اسمه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين،وهو تنظيم مهيكل ومنظم وله قيادات على جميع المستويات السياسية والعسكرية والإقتصادية، وعلاقات دولية ممتدة، ويتّبع في حربه الشرسة من أجل التمكن والسطو على الدول منطلقات عديدة:
أولا: وجود قضية “مشروعة”
ثانيا: وجود قيادة متجانسة عقلا وروحا وفكرا ومنهجا، وتتوفر هذه القيادة على شروط عديدة،من بينها: -الجامع لكل الكوادر والجهود والقدرات والخبرات التي تمتلكها الحركة تحت مظلة واحدة
. -الصائغ لإستراتيجية العمل والحركة والتكتيك والخطط.
-المنظم للموارد البشرية والكوادر والمكتسبات لوضعها في أماكنها الصحيحة. -المنفذ تكون لديه القدرة على اتخاذ خطوات عملية جريئة لتنفيذ المخططات والأفكار.
-الخبير، ضمن أهل الخبرة والمعرفة والدراية. -المخترع والمبتكر لأساليب وطرق مواتية لكل الظروف.
ثالثا: الإلمام بالظروف المواتية: عندها يكون الإلمام بالأوضاع والأحداث والتيارات القائمة في منطقة الصراع،والقيام بدراسة الأوضاع والظروف والمتغيرات والتيارات الموجودة في المنطقة دراسة واقعية ، وتحديد الظرفية الزمنية لبدء حرب العصابات.
رابعا: الإنتباه إلى أمر الشعب :العمل على توفير بعض من حاجياته ومتطلباته، والإقتراب منه، فإذا وصلت العصابات إلى هذا المستوى فسيتحقق لها القبول لدى الناس وهو ما نسميه بالإستجابة الشعبية.
وفي هذه النوعية من الحروب وجب التركيز على البند الرابع لأهميته. خامسا: النظر إلى جميع المسائل بعين الإعتبار: إذ تدعي العصابات أنها تقاتل من أجل الأمة ومستقبلها، لذا تهتم بجميع الجزئيات التي يمكن أن تؤثر في مسيرة العمل سلبيا والتعامل المباشر والسريع وخاصة استعمال أسلوب النفاق و المراوغة.
سادسا: الإنحناء امام العاصفة إن كان هناك مصلحة: وذلك حتى اكتمال الشروط والتجهيزات والظروف المواتية، مع الإجتهاد في خلق المناخ المناسب واستكمال باقي الشروط والمتطلبات لقيام حرب عصابات ناجحة بعد أن تمر العاصفة.
سابعا: المعرفة بفنون الحرب النظامية وغير النظامية: هم يتدربون جيدا على الأسوإ والإستعداد لمتطلبات الواقع والإستعداد النفسي، وتحمل الأخطار والتصدي لها، علاوة على تنويع فنون القتال وأساليبه حسب الظروف والتضاريس الجغرافية الموجودة في المنطقة
. ثامنا: التأقلم مع الظروف الجغرافية الممكنة: فتضرب في الجبال كما تضرب في السهول والمدن والسواحل، وكل له أسلوبه وطريقته وتكتيكه وهذا ما نلاحظه عند الجماعات الإرهابية المدرية على العديد من أنواع الحروب في مختلف التضاريس. تاسعا: التقييم والتقدير: تقييم للموقف، وقراءة صحيحة للوضع الداخلي والخارجي وهذه الخطوة التقييمية تعتبر من أهم بنود الحرب عند الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
عاشرا: إنشاء أجهزة وإدارات منتجة وفعالة: غالبا ما تكون القيادة خلية عمل متكاملة ومترابطة حادي عشر: وضع خطوط عريضة يسير عليها التنظيم.
ثاني عشر: تخطيط الأعمال وتنظيمها وتقسيم الأدوار والوظائف: وذلك بالإستفادة من القدرات والطاقات والكوادر وتفعيلها وتدريبها على أساسيات الحروب وتشكيلاتها.
ثالث عشر: معرفة العدو الذي تقاتله: من اخطر الشروط لدى هذه التنظيمات هي التسلل إلى مفاصل الدولة ومعرفة تحركاتها .
رابع عشر: دراسة علم الجيوش وتقسيماته والوقوف على تحين أي علم جديد أو ابتكار في مثل هذه العلوم وتدريب الأفراد على هذا العلم.
التحضير لتشكيل عصابات محاربة دخلت حرب العصابات في التقنيات السياسية والعسكرية مسارا يختلف عن حرب العصابات التقليدية التي لا تعدو أن تكون قطع طريق من قبل مجرمين أو استعمال التقنيات غير النظامية للحرب من قبل تشكيلات عسكرية نظامية.
واستنادا إلى التجارب السابقة والحديثة لا تنتهي حرب العصابات بالقوة العسكرية وإنما بالحوار السياسي والتفاوض ودائما نرجع إلى تجربة البرغوث والكلب.
لكن العنف المنظم له شروطه و قواعده حتى يتم قبوله من الناس لأن المرجعيات التاريخية لا تقبل بسهولة العنف غير المنظم وعمل العصابات وخاصة من قيادات مجتمعية لها قيمتها ووزنها وخاصة ادعاؤها “النضال”، وحتى يتقبل الناس العنف المنظم تعتمد هذه العصابات والتنظيمات الإرهابية على عنصر الدمغجة التي تجعل من الشباب يشرعن لهذا العنف بل تصبح بعض فئات من المجتمع محتضنة له.
المرحلة التحضيرية لعمل العصابات يتلخص التحضير لتشكيل عصابات مسلحة بشقين رئيسين هما السياسي و العسكري:
الشق الأول: الشق السياسي لتشكيل حرب عصابات: تتطلب حرب العصابات في معظم الحالات المساعدة الفعلية من تنظيم سياسي له فرعان أحدهما خفي ، والآخر علني وشبه شرعي، وصفات هذا التنظيم السياسي ما يلي: –
لا يشكل جزءً عضويا منها.
يقدم على أساس أنه الذراع المدني للحراك.له القدرة على تأمين المساعدة لجماعته بوسائل شرعية أو غير شرعية. -افتعال إلهاء أو تحريض في الأوقات المناسبة.
إقامة الإتصالات وبذل الجهد على المستوى الخارجي بتحريك الاذرع الخارجية الموالية له لإثارة شعور بأن الثورة تأخذ مجراها حتى ولو لم تكن تحرز أي تقدم.
تحتاج هذه العصابات إلى متعاطفين معها لا يعملون في الخفاء – تعتمد على أشخاص يمتلكون اتصالات غير مكشوفة مع العناصر العاملة في الخفاء التي تؤمن لها الإتصالات مع العصابات في الأرياف، لكن عملها الحقيقي إعطاء الثورة واجهة محترمة كجبهة مدنية، أو كما يقول الكوبيون: مقاومة مدنية، مؤلفة من: مثقفين وتجار وموظفين وطلاب وعمال وخاصة الإعتماد على العنصر النسائي وكل هؤلاء يجب أن يكونوا قادرين على: – جمع العرائض. – تنظيم مقاطعة النظام. – إقامة التظاهرات. – إعلام الصحفيين الأصدقاء.
نشر الشائعات
تغذية دعاية مكثفة بكل الوسائل المتصورة بغية تحقيق هدفين: إضاءة صورة الثوار وتقويتها، وتشويه سمعة النظام.
الشق الثاني: الشق العسكري لتشكيل حرب العصابات: تحتاج حرب العصابات إلى إعداد من نوع خاص فهي تبدأ من الصفر بإعداد تشكيلات مسلحة، وتهيئة المناخ السكاني والطوبوغرافي للعمل، فضلا عن توفير الحد الأدنى اللازم من العتاد والمؤن والأسلحة والذخيرة.
ونلاحظ في هذا المجال عدة مراحل: – مرحلة التجنيد : حيث تقوم المجموعة الأولى من حرب العصابات وهم قادة الحزب السياسي القائد ببث الدعوة السياسية لدى أقرب الناس فكريا ، مستهدفة بذلك استقطابهم إلى تشكيلات العصابات، ومن ثم إرسال هؤلاء المتطوعين في مجموعات صغيرة إلى المناطق لحث السكان على التطوع في حرب العصابات، إذكاء الروح التطوعية بين السكان استنادا إلى الإعتبار القومي أو الديني أو الوطني أو رفع الظلم والقضاء على الفساد، ونيل الحرية ضد الحكومة الظالمة.
ملاحظة مهمة جدا: المتأمل في سلوك العصابات على النحو السابق يرى فيه نوعا من التآمر، ويعترف رجال العصابات بذلك، ويبررون مسلكهم بالإحتكام إلى الشعب ليقول كلمته في إعطاء الشرعية لعقيدتهم السياسية باعتبار أن شرعية الثورات تكمن في قبولها من الشعب. –
مرحلة الإنتقاء : حيث يتم خلالها إجراء الإختبارات اللازمة لفرز المتطوعين على أسس موضوعية حسب الإختصاصات والخبرات، وهذا يتطلب منهم وقتا غير قصير.
مرحلة التوزيع : حيث يتم توزيع الأفراد بعد الإنتقاء توزيعا مناسبا لإمكانياتهم الفكرية والجسدية والنفسية. ملاحظة مهمة جدا: لا مجال في هذه المرحلة للوساطة أو العوامل الشخصية، فرجل العصابات لا يعمل إلى في ظل الرضا التام والشعور بالإقتناع.
مرحلة التدريب : تبدأ هذه المرحلة فور نهاية المرحلة السابقة، ولا شك في أن مرحلة التدريب تعد من أصعب وأخطر مراحل الإعداد لحرب العصابات وذلك يرجع إلى صعوبة إجراء التدريبات العسكرية أو حتى شبه العسكرية، دون أن يحس الطرف الأخر (العدو النظامي) ويسرع باجتثاثها، في حين لايزال فيه وضع العصابات هشا.
تهيئة الحاضنة السكانية ويقصد بذلك المناخ العريض من السكان المحليين للتعاطف مع رجال العصابات سواء بأدنى درجات التعاطف سواء بهدم الإبلاغ عنهم، أو بتموينهم وإخفائهم وتضليل القوات المعادية وهو ما يعني إيجاد حواضن اجتماعية .
الحرص التام على السلوك المثالي في التعامل مع السكان.
إنزال العقاب الصارم بالخونة من هؤلاء السكان.
– الإعتماد على بعض أهالي المنطقة كمرشدين بشأن مداخل الطرقات ومخارجها .