الجيش الوطني التونسي : العسكري المنقذ والمساهم الفاعل في حلّ الأزمات
تونس–أميرة زغدود: 28-09-2021
لم تأت ثقة الشعب التونسي في المؤسّسة العسكرية من فراغ، فهي التي تميّزت منذ تأسيسها في العام 1956، بقيم عمل لم تتغيّر يوما، أساسها الحياد في كلّ ما يتعلّق بالشأن العام، فضلا عن الانضباط والتنظيم التي تعمل في كنفه على الدوام.
تتولّى جميع أصناف المؤسّسة العسكرية من القوات المسلّحة البريّة والبحريّة والجوّية وأجهزة المخابرات العسكريّة، مهمّة حماية سيادة البلاد من أي عدوان خارجي قد يمسّ من سيادتها كاختراق حدودها الإقليمية، وفي تونس أثبتت المؤسّسة العسكريّة قدرتها الفعليةّ للسهر على أمن وأمان البلاد والعباد على حدّ سواء، حتى يكون الجيش الوطني حاضرا متى استحقته البلاد .
ولئن، اضطلعت المؤسسة العسكريّة بدور رائد خلال أحداث ثورة الـ 14 يناير من خلال سهرها على حسن سير عمليّة الانتقال الديمقراطي بالبلاد وتعزيز استقرارها في ظلّ التحدّيات الأمنيّة الداخليّة والخارجيّة التي واجهتها البلاد، فلقد اكتسب الجيش التونسي مكانة هامّة في وقفته إلى جانب معارضي نظام بن علي، ملتزمين الحياد التامّ، دون اعتماد نفس نهج المنظومة الأمنية البوليسيّة التابعة لنظام بن علي، ساهرين على حماية إرادة الشعب التونسي من القمع وعدم قمع الحراك الشعبي، لتبدأ المحاولات تدريجياً في جرّ المؤسسة العسكريّة إلى الصراعات السياسيّة، خاصّة في فترة ما بعد تولي الرئيس قيس سعيد الحكم والتي آلت إلى الفشل.
العسكري المنقذ
تنصّ النصوص الدستورية في فصلها 18، والتي سار على نهجها الجيش التونسي منذ تأسيسه، جعلته جيشًا جمهوريًا بجدارة فلم تقتصر مهمّته على الدفاع عن الوطن وحماية ترابه فقط، بل عاضد أيضا مجهودات الدولة فيما يتعلّق بمشاريع التنمية كمدّ الجسور والطرقات ومقاومة التصحّر ومجابهة الكوارث الطبيعية من فيضانات وحرائق، واليوم يمكن الإشارة إلى المشاركة الاستثنائية للجيش الوطني في مجابهة فيروس كورونا “كوفيد-19” ومؤازرة مجهودات الطواقم الطبيّة ..
لقد انخرط الجيش الوطني الآن، ميدانيًا بموجب ‘قانون التسخير’ الناجم عن عجز المؤسسات المدنيّة، المتمثّلة في المؤسّسة الصحيّة، والتي لم تعد قادرة على مواجهة جائحة كورونا ولا على استكمال المشاريع التنموية والصحيّة، حيث لا تمتلك المقوّمات الكافية سواء على المستوى البشري أو اللوجستي أمام الخطر الداهم بالبلاد.
وفي هذا السياق، تمّ تركيز المستشفى الميداني العسكري بمنطقة الحامّة من ولاية قابس، حيث سخّرت المؤسسة العسكرية طاقما طبّيا لضمان عدم تفشّي الوضع الوبائي.
وعلاوة عن الخدمات التي قدّمها الطاقم ذات الصلة بمجابهة الوباء، فقد قدّم أيضا عيادات يوميّة مجانية إلى المواطنين في عديد الاختصاصات كالأمراض الصدريّة والجرثوميةّ والطب الإستعجالي والطب الباطني والطب العام.
كما تمّ تركيز المخبر العسكري المتنقّل للتحاليل الجرثومية بالمستشفى العسكري بقابس، بالتنسيق مع وزارة الصحة للقيام بالتحاليل اللازمة حول التقصّي عن حالات الإصابة بالوباء بما يرفع من عدد التحاليل وكذلك التسريع في الحصول على نتائجها.
وقدّمت عناصر الجيش الوطني حصصا توعويّة في سبل الوقاية من خلال الحملات التحسيسيّة للتوقّي من الإصابة بفيروس كورونا، فضلا عن فحص المواطنين وتقديم العلاج لفائدة أصحاب الأمراض المزمنة.
كما وقد ساهمت عناصر القوات العسكريةّ مساهمة جليلة في مجابهة انتشار فيروس كورونا بالبلاد عبر إخماد لهيب الاعتصامات والاحتجاجات التي حدثت في عديد جهات البلاد تزامنا مع التفشي المتزايد للوباء وعجز المؤسسة الصحية في السيطرة على الجائحة..
مُساهم فاعل وقت الأزمات
لا ننسى، الجهود التي قامت بها عناصر القوات العسكريّة في ولاية تطاوين بالجنوب الشرقي لتونس، في يونيو الماضي، من انتشار واسع لوحدات الجيش التونسي لتأمين المؤسّسات العمومية بالمدينة في الوقت الذي استمرّت فيه المواجهات بين القوات الأمنيّة والمحتجيّن.
ففي فترة الحكم التي ترأّسها رئيس الحكومة الاسبق يوسف الشاهد، وعلى خلفيّة عدم تطبيق الاتفاق الموقّع بين الحكومة والمحتجيّن، عاش الجنوب التونسي على صفيح ساخن ضمن عُرف بـ “اعتصام الكامور”، حيث بلغ التصعيد في الموقف حدّ إيقاف إنتاج النفط والدخول في إضراب مفتوح، ونتيجة لذلك، تولّى الجيش تأمين المنشآت الحيويةّ ومهمّة التخفيف من حدّة الغضب الشعبي لأهالي المنطقة.
ولم ينحصر دور الجيش التونسي في المهام الدفاعيّة على الحدود الترابيّة، بل تمّ إشراكه كذلك في التدخّل السريع في المشاريع التنموية كمشروع مدينة الأغالبة بالقيروان بالوسط التونسي، حيث أشرف الرئيس التونسي قيس سعيّد، في يوليو الماضي، بقصر قرطاج على اجتماع لجنة قيادة تجسيد مشروع مدينة الأغالبة الطبيّة بالمنطقة، وشارك بالاجتماع ممثّلون عن الإدارة العامة للصحّة العسكريّة والإدارة العامّة للهندسة العسكريّة والإدارة العامّة للأشغال العسكريّة وممثّل عن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.
وبهذه المناسبة، ثمّن رئيس الدولة الجهود الجباّرة التي تبذلها عناصر المؤسسة العسكرية، لافتا إلى إنهائها للدراسات الأوليّة المتعلّقة بالمشروع في وقت قياسيّ، وجاء تكليف الرئيس قيس سعيد للقوات العسكريّة بالإشراف على مشروع مدينة الأغالبة الطبيّة خوفا من عدم إمكانيّة تنفيذه في الآجال المحدّدة كما يحدث مع أكثر من 90% من المشاريع التنمويّة السابقة بالبلاد.
الورقة الأخيرة
إنّ الدور الذي اضطلعت به قوات الجيش الوطني التونسي هو دور ريادي بامتياز فهو الورقة التي يُلتجأ إليها في الأخير ليكون المنقذ دوما في كنف احترام تقاليده الراسخة.
كما تتوفر للمؤسسة العسكرية القدرة على التدخّل السريع في وقت الأزمات حيث تعمل الكفاءات العسكرية بتدخلّها السريع على إنشاء طواقم معينة أو وحدات ميدانية لمجابهة الكوارث الطبيعيّة.
ففي 09 من فبراير 2012، تمّ ارسال فريق متخصّص في مجال الدّعم اللّوجستي والإعلام والتّفكير والتّخطيط حول الكوارث الطّبيعية، مدعوما بخبير دولي في هذا المجال إلى ولاية جندوبة بالشمال الغربي للبلاد في نطاق تكاتف الجهود الوطنيّة لمجابهة موجة البرد التي شهدتها الجهة والتي تسبّبت فيها الثلوج في قطع الطرقات الرئيسية التي تربط بين كلّ من مدينة عين دراهم بجندوبة وحمام بورقيبة والتبانيّة وفرنانة وغار الدماء وبني مطير.
لتتمكّن التّعزيزات العسكريّة التي وصلت إلى جهة جندوبة من فتح العديد من الطّرقات الرّئيسية لتسهيل عمليّة مرور السيارات.
ولم يتغيّب الجيش الوطني عن المشاركة في تشييد مشروع ‘رجيم معتوق’ بمنطقة قبلي جنوبي البلاد حيث ساهم في بناء المصدّات لوقف زحف الرمال الصحراويّة والعمل على تأمين عملية التشجير المكثّفة بمنطقتي “المطروحة 1” و “المطروحة 2” وبقرية “رجيم معتوق”.
وتعدّ مشاركة المؤسسة العسكرية في هذا المشروع مفخرة للجيش الوطني التونسي الذي يستحق تحيّة تقدير واكبار، لاعتبار هذا المشروع واحدا من أنجح المشاريع في الجنوب التونسي من خلال إحداث واحات نخيل لفائدة المتساكنين الرُحّل بالمنطقة منذ ما يناهز 30 عاما بغية تركيزهم وتحسين ظروف عيشهم وكذلك حماية الحدود الصحراوية.
المؤسسة العسكرية التونسية مؤسسة عريقة شهد لها التاريخ بتسجيل مواقف جبّارة في مساندة الجهود الوطنيّة لحفظ أمن واستقرار البلاد من خلال قيامها بتنسيق الجهود مع وزارة الداخليّة لضمان الأمن والحفاظ على المنشآت العموميّة الحيويّة، وكان لها دور كبير في تأمين نقل المساعدات الاجتماعية للعائلات المتضرّرة من الكوارث الطبيعيّة كالفيضانات والحرائق، ولا ننسى الدور الأكبر وتأمين العمليات الانتخابيّة في البلاد التي سهر على تأمينها في كنف الشفافيّة والحياد.