أخبار العالمالشرق الأوسط

الحرب الكونية لم تكن أشدّ سوءً من سكين التقسيم الإستعماري

الوطن العربي: 22-02-2022

في مثل هذا اليوم 22 فبراير عام 1958 وقف التاريخ العربي رافعاً رأسه، وشاهراً بأسه، ومهنّئاً نفسه بقيام دولة الوحدة السورية – المصرية: “الجمهورية العربية المتحدة” بعد توقيع ميثاقها من قبل الرئيسين المصري جمال عبد الناصر، والسوري شكري القوتلي، حيث تنازل الأخير عن الرئاسة للأول، واختيرت القاهرة عاصمة للجمهورية الوليدة.


في ذلك الزمن العربي المجيد، التقت وفود من مصر وسوريا، لتوقع أكبر وحدة في تاريخ العرب حقق من خلالها الرئيس جمال عبدالناصر أكبر الأحلام والآمال التي ظلت تراود أحرار العرب منذ بدايات القرن العشرين.
حينها قال عبد الناصر:”لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق.. قامت دولة كبرى فى هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتُطيق”..

وقد تكون هذه المناسبة صدفة جميلة لنورد مقالا موحيا بقلم الكاتب والصحفي اللبناني الكبير فوزي الصايغ.. جاء فيه بالخصوص:


في مطلع القرن الفائت، وبعدما فازت فرنسا وبريطانيا في دحر “الرجل المريض”، أرستا الكيانات المبتدعة، و”وهبتا” كل كيان لأرومة أو سلالة أو طائفة (أو طوائف) وحذرتا الكيانات المبتدعة من المس بحدود الكيانات. فالوحدة ممنوعة، والقومية رجس، والإستقلال مرهون بالولاء لدول الغرب المهيمنة.


لم تكن الحرب الكونية أشد سوءً من سكين التقسيم. حدود الكيانات، ألغام، انفجرت مراراً وما تزال. خلقوا كيانات متعادية، وهذا ما جعل الإنتداب أو الإستعمار، مطمئناً إلى أن الحرية ستكون الضحية المثالية، لأنظمة استبدادية وظلامية ومتخلفة، وأن الضحايا في ما بعد، يمكن قراءتهم من خلال المسارات العربية خلال مئة عام.


راهناً، تتظهر الصورة النهائية لمسار مئة عام: حروب الإخوة الأعداء، وعداوات الجيرة الإلزامية التي تفرضها الجغرافيا المسكونة بالخوف وشهوة العدوان.. نظرة سريعة راهنة إلى النزاعات والحروب البينية: المغرب والجزائر، منذ أكثر من ستين عاماً، والعداء يستفحل. شهد البلدان حروباً لم تفضِ إلى حلول، ولكنها أرست عداوات وحدوداً مغلقة. ومن المغرب إلى المشرق، حروب متتالية.. الخليج المتصالح، بات متعادياً. دماء تسابق النفط…


هل تروى سلسلة الحروب التي خيضت بين الأشقاء “القوميين” في العراق وسوريا؟


ثمّ، وهنا الطامة الإستراتيجية الكبرى، فلسطين. حذفوا شعباً برمته، دعموا حركة عنصرية. زرعوا في الأرض العربية ما رفضوه في بلادهم. عداؤهم لليهود، (وهم غرب حضاري!) نفثوه في وجوه العرب. لم يندم الغرب أبداً، وقف دائماً إلى جانب العنصرية الإسرائيلية التي شتتت شعباً، وأنجبت حروباً متتالية، ولم تتورع دول الغرب في الوقوف خلف الإحتلال وتوسيعه.


هذه أمور مبتوتة، واقعية، وصادقة، وعليه يلزم أن نعيد النظر في فهمنا للغرب. الغرب الذي يبدع في مكان، ويدمر في مكان آخر.. ليس صعباً أبداً أن نميز بين الشعارات العربية الجميلة والمثالية، وسلوك الغرب المشين ضد الحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم والتنمية والإستقلال.


أسئلة كثيرة تُثار.. السؤال الأول: لماذا يتقدم الغرب وأشباهه، ويتراجع العالم الثالث والرابع؟ متى كانت دول الغرب تهتم بالتحوّل الديمقراطي الممكن؟.. لماذا وقفت وشجعت الإنقلابات العسكرية وتعاملت معها؟.. كيف تبرر انحيازها الدائم والداعم لـ”إسرائيل”؟.. المعادلة واضحة: الغرب مع إسرائيل مهما فعلت، ومع أنظمة العرب ترغيباً وترهيبا.. وبعد مئة عام، صارت “اسرائيل” قبلة العرب، والممانعون شياطين العالم!


طبعاً، الأذكياء والمثقفون يعرفون أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، سلاح بيد الغرب يغفو عنه إذا كان له مصلحة في ذلك، ويستيقظ دفاعاً عنه إذا اعترضت سلطة وطنية على سياسة الغرب. الغرب هذا، دعم أعتى الدكتاتوريات. كان الظن أن الولايات المتحدة شجعت الدكتاتوريات في أميركا اللاتينية. لكنها كانت داعمة لعدد منها في الفيافي العربية. خرَّب الغرب الدول غير المنحازة للغرب، أو التي تقربت من الإتحاد السوفياتي. كان الغرب وبعض كيانات العرب ضد جمال عبد الناصر على طول، حاربوه مرارا: العدوان الثلاثي 1956، حرب يونيو 1967، حرب أكتوبر 1973.

كانت المساعدات العسكرية تتدفق من مصانع الاسلحة في اميركا إلى جبهات القتال فوراً.
سجل الغرب حافل بالعداء، للديمقراطية في البلاد العربية…
هل نسيتم أن أميركا تخوض بعصاها وعقوباتها حملات ضغط على كيانات لتطبع مع “إسرائيل” العدوانية دائما؟.
لنقلب الصفحة.


المسؤولية في خلال قرن مطحون وبائس، لا تقع على الغرب فقط. من تولى السلطة في الكيانات، فجَّر التناقضات البينية بأسباب ذات طابع سلطوي فقط. حروب الإخوة الأعداء كثيرة. وهذه الحروب كانت بين جيران وبين الحزب الواحد.
الرد القومي كان طبيعياً وحتميا.. هذا التيار ازدهر بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر. اجتاحت القومية العربية شرائح واسعة من شعب مزّقته الكيانية وعصفت به السلطوية وازدهر في ظلها الفساد والتبعية والإتكاء على ولاء الغرب “الحامي” ..


شيء جديد ولد من رحم الواقع وفكر الوحدة وإرادة الدولة القوية. من رحم معركة البقاء ورد التحدي الإسرائيلي والغربي. (حرب السويس 1956 نموذج عدواني غربي إسرائيلي)… ولكن للأسف، تغلبت الكيانية على القومية، ودخل الأشقاء في حروب سياسية وأحيانا في حروب واغتيالات..تشبه القوميون، بالقبائل العربية، وانتهى بهم الأمر، إلى حروب أهلية.
الخريطة العربية راهنا، كارثة تولد كوارث.. ماتت الديمقراطية.. ماتت القضايا.. نُحرت التطلعات.. أُقفلت أبواب الحرية.. ما تقوله في الجزيرة، يردد في كل العواصم الجاثية على ركبها أمام العتو الأميركي -العربي – الإسرائيلي.
وأخيراً هل كان لبنان ضمن هذه القافلة؟


ولد لبنان من نصفين اثنين: واحد مسيحي وآخر إسلامي، كيان برأسين، وكل رأس ينام على وسادة: وسادة الغرب للمسيحيين ووسادة الشرق العربي الإسلامي للسنة. كان لبنان ينشطر، عندما تشتد النزاعات بين الأشقاء العرب الأشقياء. لم يتوحد لبنان إلا في أزمنة ضئيلة، أو عندما كانت تخفت الصراعات البينية. وكان ما كان على مدار السنوات من حروب أهلية مستدامة، وصراعات سياسية تشل الدولة وتهدد الكيان. جدول الذكريات حافل بالقتل والتهجير والتغيير الديموغرافي..


فازت الطائفية في لبنان فوزاً كاسحا، وقد لاقاها في ما بعد اندلاع “الربيع العربي” فوز الشلل والعصابات الدينية القادمة من قبل التاريخ. همجية ووحشية واستئصالية.. سياسة عهد الكهوف أكثر رحمة، وقعت الكيانات أسيرة صراع مذهبي، يشرط الخريطة العربية إلى فسطاطين: الفسطاط السني والفسطاط الشيعي.. لبنان موجز كل الصراعات العربية، والصراع العربي – الإسرائيلي…


هذا المسار الإنحداري يسألنا: ماذا بعد؟
المستقبل كابوس. لا شفاء لهذه المنطقة العربية، هذا ما جناه الغرب علينا. وهذا ما صنعته أيدي الدكتاتوريات العربية…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق