أخبار العالمبحوث ودراسات

الجولاني في رحلة “إعادة التدوير”: من العمامة إلى الكرافات ومن الجولاني الى الشرع

في اليوم الخامس عشر على وصوله “فاتحاً دمشق”، بتاريخ الأحد 22 ديسمبر 2024 لبس أبو محمد الجولاني الكرافات الزيتية على بدلة سوداء رسمية، في رحلة “تدوير” جاوزت عامها العشرين.

الرجل الذي طالما ظهر بالعمامة الأفغانية الجهادية، ثم بالبيريه الثورية والقبّعات العسكرية، جرّب ملابس العسكر المرقّطة، والملابس السوداء، وصولًا إلى القميص الأبيض ذي الياقة المنشّاة، مع جاكيت من طراز جيورجيو أرماني، التي بدا واضحًا عدمُ تحرّكه المريح فيها، خلال أيّامه الأولى في تجربة البدلات الرسمية.

ذهبت أيام العمامة الجهادية البيضاء والسوداء، وولّى زمن المعطف العسكري الثقيل، وحدها اللحية الكثّة والطويلة بقيت صامدة أمام تدخّلات استشاريّي الشكل والمظهر واللباس، الذين ارتأوا في الأيام الأولى، أن يظهر الجولاني ببدلةٍ زيتيةٍ داكنةٍ شبيهةٍ ببدلة كاسترو.

 أما الجاكت البلايزر المائلة إلى اللون الأزرق، فتبدو كأنما أحضرت على عجل، لأنّ أكمامها بدت في الصور قصيرة تكبّل حركة الرجل الذي لم يهدأ، منذ صدرت إليه الأوامر بالتحرك، فتحرّك وحرّك العالم معه.

السيرة الذاتية للجولاني ومراحل تدوير الشخصية

  • بحسب تقارير الأمم المتحدة، وُلد الجولاني بين عامي 1975 و1979، وبحسب تقارير الإنتربول ولد عام 1975. وفي بعض التقارير الصحافية ولد في العام 1981. يقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
  • ذهب إلى العراق بعد الغزو الأميركي 2003، ارتقى في صفوف “القاعدة”، وأصبح من المقربين لأبي مصعب الزرقاوي حيث بقي حتى العام 2006.
  • انتقل إلى لبنان بعد مقتل الزرقاوي في 2006: أشرف على تدريب الجماعة اللبنانية المسلحة “جند الشام”، ثم عاد إلى العراق فاعتقله الجيش الأمريكي واحتجزه في معسكر بوكا.
  • أطلق سراحه في 2008 فاستأنفَ عمله إلى جانب أبو بكر البغدادي رئيس زعيم داعش آنذاك. برزَ في المعارك فعُيّنَ رئيسًا لعمليات ما سمي دولة العراق الإسلامية في محافظة نينوى.
  • عاد إلى سوريا في أغسطس2011 بعد التحرّكات ضد الرئيس بشار الأسد. أسّس “جبهة النصرة” كفرعٍ لدولة العراق الإسلاميّة بقيادة أبو بكر البغدادي الذي ساعده ومدّهُ بالمُقاتِلين والأسلحة والمال.
  • عُيّنَ أميرًا لجبهة النصرة في سنة 2012 التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية “منظمة إرهابية”.
  • اكتسبَ مكانة بارزة في أبريل 2013 عندما رفض محاولة البغدادي تصفية جبهة النصرة كمجموعة فرعية وإدماجها مباشرة ضمن (داعش). أعلن بيعته حصرا للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة بقيادة الظواهري.
  • صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية الجولاني كـ “إرهابي عالمي” في مايو 2013، وأعلنت لاحقًا عن مكافأة 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدّي إلى القبض عليه
  • أصدرَ بيانًا صوتيًا في 28 سبتمبر  2014 صرّح فيه بأنه سيحارب أميركا وحلفاءها وطلب من أتباعه رفض مساعدة الغرب في المعركة ضد داعش، وتراجع عن تهديد أمريكا. دخلت جبهة النصرة في قتال مع “تنظيم الدولة” الذي انتزع منها مناطق كثيرة بما فيها المناطق السورية المنتجة للنفط
  • في مايو 2015 أجرت قناة الجزيرة حوارًا غطّى فيه وجهه ولم يكشف عن شخصيته. قال خلالها: “جبهة النصرة ليس لديها خطط أو توجيهات لاستهداف الغرب. تلقينا أوامر واضحة من أيمن الظواهري بعدم استخدام سوريا كمنصة انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة أو أوروبا. ربما تفعل القاعدة ذلك ولكن ليس هنا في سوريا. تُقاتلنا قوات الأسد من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، وداعش على جبهة ثالثة”. وفي 2015، دعا إلى شنّ هجمات على القرى العلوية في سوريا قائلًأ: “لا يوجد خيارٌ سوى تصعيد المعركة واستهداف البلدات والقرى العلوية في اللاذقية” كما دعا إلى شنّ هجمات ضدّ الروس بسبب دعمهم للنظام السوري.
  • قطع علاقاته بالقاعدة في 2016 وغيّر اسم جماعته وتوجّهها وأصبح الحاكم الفعلي لمنطقة إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا.
  • أنشأ في سنة 2017 جبهة مدنية تسمى “حكومة الإنقاذ السورية” عملت كدولة مصغّرة، في ميادين التعليم والصحة وإعادة الإعمار، مع الحفاظ على مجلس ديني يسترشد بالشريعة الإسلامية.
  • بدأ في 2019 توحيد الفصائل العسكرية التي لجأت إلى إدلب بعد صراعات داخلية بينها، فأسس “غرفة عمليات الفتح المبين” لتكون مسؤولة عن تنسيق العمليات.
  • اتخذ قرارا في سنة 2020 بتوحيد الجهد العسكري، ومنع تشكيل أي فصيل أو غرفة عمليات أخرى في المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. وخاض معارك ضارية ضد تنظيم الدولة وتنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة.
  • سنة 2021 ظهر في برنامج “فرونت لاين” مع مارتن سميث على محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية (بي.بي.إس) من دون غطاء، مرتديًأ قميصًا وجاكيت، حيث أعلن أنه من الظلم تصنيفه إرهابيًا، وأن هيئة تحرير الشام لا تشكّل تهديدًا لأميركا، وذكر أن النصرة لن تستهدفَ الأقليّة العلوية في البلاد على الرغم من دعمها لنظام الأسد، وأنهم في الإسلام يُعتَبرون زنادقة، وأن ارتباطه بالقاعدة انتهى.
  • سنة 2022-2023 انشغل بإعادة تشكيل صورته فانخرط بأنشطة تقرّبه من الجمهور، زار مخيمات النازحين وحضر الفعاليات، وأشرف على جهود الإغاثة بعد زلازل عام 2023.
  • نهاية نوفمبر 2024، قاد عملية “ردع العدوان” ودخل مدينة حلب في زيٍ عسكري مصدرًا أوامره عبر الهاتف وموجّها رسائل سياسية. زار قلعة حلب ملوّحًا بعلم “الثورة السورية” الذي رفضته جبهة النصرة من قبل باعتباره رمزا إلحاديًا. وفي 8 ديسمبر وصل العاصمة دمشق بعد مغادرة الأسد إلى روسيا.

التغيّرات التي اشتغلت عليها الأطراف التي “صنعت الجولاني” 

تغيّر الاسم

  • جرى تبديل الاسم الحركي ولقب “الجولاني”، بعبارة “القائد أحمد الشرع”، ما دعا ببعض الناس للتساؤل عمّن يكون صاحب الاسم.
  • جرى تبديل الصفة التعريفية، من “قائد جبهة النصرة” و”رئيس هيئة تحرير الشام” إلى “القائد العام للقوات العسكرية”.
  • إنّ التبديل الذي طرأ على الاسم، يرتبط مباشرة برغبة بعض الجهات بتقديم صورة جديدة ومغايرة، للرجل الذي طُلب منه تأدية دورٍ جديد في مرحلة زمنية معيّنة.

تغّير الخطاب

  • الرجل الذي سبق لواشنطن أن عرضت صورته كإرهابيٍ مطلوبٍ للعدالة الدولية، مقابل ملايين الدولارات للقبض عليه، استضافته شبكة “سي إن إن” ليتحدّث عن إنجازاته ومواقفه ورؤاه المستقبلية.
  • من مصطلحات القتل والانتقام والثأر في شخصية الجولاني، إلى مصطلحات الدولة والشعب والمكوّنات التعدّدية في شخصية أحمد الشرع.
  • في مقابلته مع “سي إن إن” بعد دخول حلب، تحدّث الجولاني عن الماضي كحقبة زمنية ماضية انتهت من حياته، وأكّد أن أفكاره الحالية لا تتشابه مع التنظيمات التي انتمى إليها سابقًا، وأنه لم يشارك من قبل في ترويع المدنيّين أو استهدافهم، وأن هدفه تحرير سوريا فقط.
  • حرص أحمد الشرع على الابتعاد عن الخطاب العقائدي، وركّز على انتقاد السلوك السياسي لحكومة الأسد.
  • تجنّب أحمد الشرع الخطاب الطائفي الذي كان سمة من سمات المشهد السوري خلال السنوات الماضية، ووجّه رسائل طمأنة إلى العلويين والدروز والإسماعيليين، واليوم يتمّ تصفيتهم على يد أنصاره.
  • شدد الشرع على أنه لا يحقّ لأحد أن يلغي طوائف أخرى أو يهمشها، وأن حكم القانون يُفترض أن يسود على الجميع.
  • طمأن أحمد الشرع الأكراد أيضًا، وأرسل رسالة إليهم مفادها أن “التنوع قوة نفخر بها”.
  • تحدّث عن العفو عن الأشخاص الذي خدموا في الجيش السوري.

تغّير الشكل

  • كان الظهور الأول في مايو 2015 حين أجرت قناة الجزيرة حوارًا مع الجولاني. ظهر يومها وقد غطّى وجهه ولم يكشف عن شخصيته، بحيث بقي شكله مجهولًا.
  • في العام 2021 ظهر في برنامج “فرونت لاين” مع مارتن سميث على محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية (بي.بي.إس) من دون غطاء الوجه، وبقلنسوة سوداء على الرأس، مرتديًا قميصًا عاديًا، في محاولة تبدو كأنه يريد التبرؤ والانتهاء من الماضي والتخفّي وبدء الظهور بصورة جديدة.
  • على الرغم من أحداث كثيرة حصلت إلّا أن اللافت، عدم وجود أرشيف إعلامي لشخصية أبو محمد الجولاني. هناك فقط عدّة لقطات محدودة جدًا، ما يفسّر بأنه حرصٌ وغموض في التعامل مع الإعلام خلال عشرين عامًا مضوا.
  • مع التحرك نحو حلب ودمشق، ظهر الجولاني في مقابلة خاصة على شبكة “سي إن إن” الأميركية، التي طالما وصفته بالإرهابي وزعيم المليشيات، كان يتحدّث براحة وتلقائية وثقة.
  • بدأ خروجه بين الناس حين زار قلعة حلب، بلباس عسكري زيتي غير مرقّط، وبمعطفٍ شتوي بلا عمامة. كانت الملابس هي نفسها التي ظهر بها على “سي إن إن”. ويبدو أنه لم يغيّرها لأيام متتالية، لأنه عاود الظهور في دمشق وفي زيارة المسجد الأموي.
  • في الأيام التي تلت وصوله إلى دمشق، ومع بدء استخدام الاسم الجديد والصفة التعريفية الجديدة له، باشر استقبالات الوفود الدولية بمظهر جديدٍ ولباسٍ رسمي، تمظهر في البدلة الغربية الرسمية وفي جاكت البلايزر، ومع الألوان الفاتحة أحيانًا، وصولًا إلى قمة التغيير الذي بدا في ربطة العنق/الكرافات ورمزيتها الدلالية الكببرة، والرسالة الواضحة للجميع: أنا أحمد الشرع، الرئيس “المودرن” ذو الشكل المألوف والخطاب المعتدل، ولستُ الجولاني صاحب العمامة أو بدلة العسكر، فأنا الآن مشروع رجل السياسة الذي يقود دولة.
  • بعد تغيير الشكل والمظهر واللباس، لم يتبقّ سوى اللحية من رمزية الماضي الجهادي والقتالي، والأيام المستقبلية كفيلة بمعرفة مصيرها، إن كانت ستبقى أو ستذهب كما العمامة واللباس المرقّط، وليس المهم أن يتغيّر الشكل أو طريقة اللباس، لأنّ الأهم، تغيير التفكير والسلوك، ليتناسب مع الدور والموقع الجديد، الذي يتطلّب تحدّياتٍ سياسيةً ووطنية وإدارية، تستطيع نقل سورية، من الفوضى إلى الحرية ومن الإفقار إلى البحبوحة والحرية الحقيقية.

تغيّر الأهداف

من الواضح أن أهداف الجولاني – كما ملابسه – عرضة للتغيير الشامل. وهو تغيير تمظهر بصورٍ مختلفة على مدى عشرين عامًا. فالشاب الذي كان يهدف إلى دراسة الطب في جامعة دمشق غيّر أول أهداف حياته، فاستبدل الدراسة الجامعية بالذهاب إلى العراق لمقاومة الاحتلال الأميركي. ومن القتال في العراق، إلى القتال في لبنان، ثم في سوريا، ومن التوافق مع البغدادي إلى الانقلاب عليه ومحاربته بشراسة، تغيّرت أهداف الجولاني مرّات عديدة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه:

  • تغيّرت الأهداف من التخفّي وعدم الظهور إلى اعتلاء المنابر والظهور اليومي.
  • من حمل شعارات الذبح والقتل والانتقام والثأر، إلى شعارات الدولة والشعب والمكوّنات التعدّدية.
  • اعترف بلسانه وأكّد (لقناة سي إن إن) أن أفكاره الحالية لم تعد تشبه التنظيمات التي انتمى إليها سابقًا.
  • قال إنّ هدفه اليوم تحرير سوريا فقط.
  • بعد أن كان من أول أهدافه استنهاض المجموعات لقتالٍ ديني وطائفي وعقائدي، صار هدفه اليوم الحفاظ على المكوّنات الطائفية والعقائدية الموجودة في سورية.
  • من عداءٍ دموي مع العلويين والدروز والاسماعيليين والأكراد، صار أحمد الشرع اليوم، مناديًا بحقوقٍ لهم. زمن الإلغاء للآخر، إلى زمن الاعتراف به، يشدّد الشرع اليوم على عدم تهميش الطوائف والمذاهب والجماعات الأخرى.
  • من مواجهة القانون، وعدم الاعتراف بشرعية القوانين، صار احمد الشرع اليوم ينادي بحكم القانون الذي يُفترض أن يسود على الجميع.

ملامح عامة في شخصية الجولاني/ الشرع

 الحديث عن سمات معيّنة لشخصية الجولاني يفتقد إلى المدى الزمني الواسع الذي ظهر خلاله في دائرة الضوء. فالرجل الذي خرج إلى العلن منذ أسابيع فقط، لا يمكن الحديث عن أطرِ شخصيته لسببٍ بسيط، هو عدم الإحاطة بتفاصيل سيرته ومواقفه وأفكاره.

لذلك، فإن الحديث عن شخصيته قائمٌ على ما ظهر منه خلال الأسابيع الأخيرة فقط، وعلى بعض المفاصل العامة في سيرته الشخصية. من هنا يمكن رصد بعض السمات، التي ستكون على محكّ آخر، هو إن كانت هذه السِمات حقيقية أو تمثيلية!

على سبيل المثال يمكن القول إنه شخصية ديبلوماسية، بدليل ما قدّمه من صورة الرجل الديناميكي، المنشغل باستقبال الضيوف العرب والأميركيين والأوروبيين والإعلاميين ووجهاء البلد، والمنشغل بإعداد مقال يتناسب مع أي مقام.

لذلك يمكن الحديث عن سمات: الذكاء، التدرّج السريع في المهام والمسؤوليات، التأقلم السريع مع المتغيّرات، الضبابية وعدم الوضوح (بسبب مراحل التغيّر والتبدّل التي مرّ بها وجعلت شخصيته لا يمكن التكهّن بما ستكون عليه غدًا) / الثقة بالنفس والاعتداد (برز في اللغة والخطاب والديبلوماسية والقدرة على تغيير الدور) ولكن كل هذه النقاط يعيبها عنوان واحد عريض جدا، هو “التبعية” فالرجل لا يتصرّف اليوم أي تصرّف بشكل شخصي، بل يتحكّم بسلوكه توجيه دولي بارز.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق