أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

“الجوار المغاربي… وحلم المغرب العربي الكبير” لماذا أصبح الأمل مجرد سراب؟


بموقع استراتيجي مطل على سواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي شمال افريقيا و في قلب المغرب العربي، تشارك تونس كل من ليبيا،المغرب ،الجزائر، وموريتانيا وهم “دول الجوار”، أصول جغرافية وثقافية واقتصادية. إلا أن العلاقات بينها معقدة و تتراوح بين التعاون والتوتر حسب الظروف.
منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين،مع وصول المستعمر الأوروبي، تغيرت المعطيات بشكل كبير بالمنطقة ففرضت حدودًا سياسية، مما أدى إلى انقطاع أو تراجع التواصل بين المجتمعات المغاربية. و بعد حصول هذه الدول على الاستقلال،واجهت تحديات في إعادة بناء العلاقات بسبب الاختلافات الأيديولوجية والسياسية، ومع ذلك، ظهرت محاولات لتعزيز التكامل الإقليمي من خلال إنشاء اتحاد المغرب العربي في عام 1989.لكن الاتحاد المغاربي فشل منذ تأسيسه في تحقيق أهدافه ، حيث اصبح كيانا إداريا ليس إلا

تعيش ليبيا وضع معقد منذ 2011، يتمثل في فوضى سياسية وأمنية تلت الثورة الليبية. بعد الإطاحة بالقذافي، انهارت مؤسسات الدولة لتتفرق السلطة بين العديد من الفصائل المسلحة والجماعات المتنافسة، مما جعل ليبيا تعاني من غياب سلطة مركزية قوية. هذا الوضع أدى إلى تفاقم الأزمات الداخلية في البلاد، مثل الصراعات المسلحة بين الجماعات، وغياب القانون والنظام، والتدخلات الخارجية.

لتصبح تونس تحت تهديد مباشر على أمنها القومي، حيث تواجه تحديات مستمرة في مراقبة حدودها الطويلة مع ليبيا. و ذلك بالتكثيف في الإجراأت الأمنية، بما فيه بناء حواجز وحفر خنادق على الحدود، وزيادة التعاون الاستخباراتي مع الدول المجاورة. ومع ذلك، لا يزال خطر تسلل الجماعات الإرهابية وتهريب الأسلحة محتمل.
عدم استقرار في ليبيا، زدا من نشاط التهريب على الحدود. ليشمل أيضا تهريب الوقود والسلع الغذائية، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي، حيث يُضعف من عائدات الدولة ويفتح الباب أمام ازدهار الاقتصاد غير الرسمي. المناطق الحدودية التونسية تأثرت بشكل خاص، إذ أصبحت تعتمد على الاقتصاد الغير الرسمي، ما يزيد من صعوبة تطبيق القانون وتعزيز الاستقرار الاقتصادي بشكل عام

تأثيرات عدم الاستقرار في ليبيا على تونس تعد متعددة الأبعاد وتؤثر على الأمن، الاقتصاد، والسياسات الخارجية، مما يفرض على تونس تحديات مستمرة في إدارة هذا الوضع الصعب وتحقيق توازن بين حماية مصالحها الوطنية والمساهمة في إيجاد حل للأزمة الليبية.و هو احد اهداف التحالف الثلاثي الذي يجمع بين تونس و الجزائرو ليبيا.
و مع استمرار النزاع في ليبيا، ازدادت أهميته بتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التعاون الوثيق في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ويدل على أهمية التنسيق بين دول الجوار لمواجهة التحديات المشتركة.

في السنوات الخمس الأخيرة،تطورت العلاقات بين تونس والجزائر بشكل ملحوظ على عدة أصعدة.
لكن هذا التطور لم يمنع ظهورحساسيات جديدة بين تونس والجزائر. فالإجراء الاخيرة الذي اتخذته الجزائر بإغلاق الحدود أمام التونسيين الذين كانوا يحاولون العودة إلى تونس محملين بسلع جزائرية يمكن أن يُفسر كإجراء اقتصادي أو حتى كإجراء سياسي في سياق التوترات الحالية لكنه يعتبر اسلوب جديد من الجزائر.
كما لا ننسى تصريح تبون خلال لقائه مع الرئيس الإيطالي “سيرجيو ماتاريلا” الذ ي يعكس رغبة الجزائر فالبحث عن دعم دولي لمساعدة تونس في استعادة الديمقراطية.
التحولات في العلاقات بين تونس والجزائر في السنوات الأخيرة تبرز تعقيدات كبيرة في التنسيق الأمني والتعاون بين البلدين.

و في خصوص علاقة تونس بالمغرب اصبحت تشهد تحولات تعكس التوتر بين البلدين، والتي تركزت بشكل رئيسي حول مسألة الصحراء الغربية واستقبال الرئيس التونسي لقائد جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي خلال منتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي تسبب في رد فعل سريع من المغرب، والذي قرر عدم المشاركة في القمة واستدعاء سفيره من تونس. التوترات بين البلدين توسعت إلى المجال الرياضي، حيث قرر الاتحاد المغربي لكرة اليد ومؤسسات رياضية أخرى مقاطعة البطولات التي تستضيفها تونس.
تتجلى الأبعاد الاقتصادية في هذا النزاع أيضاً، حيث أن التبادل التجاري بين المغرب وتونس ليس ضخماً ولكنه يمثل جزءاً من العلاقات الاقتصادية الثنائية. على الرغم من ذلك، فإن تدهور العلاقات يمكن أن يؤثر على التعاون الاقتصادي ويزيد من التوترات بين البلدين.

هذا الصراع يعكس تعقيدات السياسة الإقليمية في شمال إفريقيا وتأثير قضايا مثل الصحراء الغربية على العلاقات الدولية. وتبقى المتابعة الدقيقة للتطورات السياسية والدبلوماسية مهمة لفهم كيفية تأثير هذه التوترات على العلاقات بين الدول وأثرها على الاستقرار الإقليمي.
اما في خصوص علاقة تونس بموريتانيا تُعتبر بالفعل جيدة، لكن تأثيرها ليس بنفس مستوى العلاقات مع المغرب أو الجزائر لأسباب متنوعة:
لبعد الجغرافي: فموريتانيا وتونس تفصل بينهما مسافة جغرافية كبيرة، وهذا يجعل التواصل المباشر والتعاون في بعض المجالات مثل التجارة أو البنية التحتية أقل سهولة. على عكس الجزائر والمغرب، اللتين تشتركان مع موريتانيا بحدود برية، يُشكل هذا البعد تحديًا أمام تعزيز التعاون الاقتصادي واللوجستي بشكل مكثف.
لكل من المغرب والجزائر وزن إقليمي أكبر داخل المنطقة، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا، مما يجعل علاقاتهما مع موريتانيا أكثر تأثيرًا. تونس تُعتبر شريكًا مهمًا لموريتانيا في بعض القضايا، لكنها ليست ذات تأثير إقليمي واسع كالجزائر أو المغرب، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية مثل الصحراء الغربية أو مكافحة الإرهاب في الساحل.

إعادة احياء ” الوحدة المغاربية ” حتى وإن أندثر “حلم المغرب العربي الكبير ” ؟

اتحاد المغرب العربي، اتحاد كونته خمس دول تشاركت التاريخ و الجغرافيا، لكن الاتحاد لم يتجاوز الحبر الذي كتب به إعلان قيامه في 1989، وعبارات خشبية تعبر عن قيم الأخوة والصداقة بين شعوب وقادة المنطقة.

أكثر من 30 عامًا مرت على تأسيس”الاتحاد”، الذي بقي رهين الخلافات ، ليبقى الاتحاد في حالة من الجمود السياسي والعملي بسبب غياب الإرادة السياسية الفعلية. حتى أن بعض الدول بالكاد تحتفل بذكرى تأسيسه.
فتونس،الدولة الوحيدة التي ضمنت فكرة الاتحاد في دستورها لعام 2014، حيث نص الفصل الخامس على أن “الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها”.
ما يُظهر التزام تونس بفكرة الاتحاد، على الرغم من الصعوبات التي تعوق تحقيقها على أرض الواقع.رغم هذا الالتزام النظري.
فيما يرى خبراء ان فكرة ” اتحاد المغرب العربي هو أشبه بوهم، وأنه فكرة تأثرت أو رُسمت بتصورات خارجية، خاصة من الاتحاد الأوروبي، أكثر من كونها رغبة حقيقية وملحة لدى دول المنطقة” و المقصود أن فكرة الاتحاد كانت نتيجة لضغوط أو تأثيرات خارجية تعود إلى تقسيم دول البحر الأبيض المتوسط إلى ثلاث مناطق منها منطقة المغرب العربي لأغراض جيوسياسية أو اقتصادية. وهذا يفسر ما يجري، على أرض الواقع، لم يكن هناك إرادة فعلية أو تنسيق جدي بين دول المغرب العربي لتحقيق هذا الحلم، فهو كيان شكلي وغير فعّال.
كما يشار في تقارير إلى أن تفعيل اتحاد المغرب العربي على أنه تهديد محتمل للاستقرار الأوروبي. هذا الرأي ينبع من الفكرة القائلة بأن إنشاء تكتل مغاربي قوي يمكن أن يغير التوازنات الاقتصادية والسياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويؤثر على مصالح الاتحاد الأوروبي و ذلك من خلال دخول الاتحادين في منافسة و هو ما لا يمكن للاتحاد الأوروبي .


إذا تم تفعيل اتحاد المغرب العربي بشكل فعال، قد يؤدي لتحقيق تكامل اقتصادي أكبر بين دول المنطقة، مما يعزز من قدرتها التنافسية في مواجهة الأسواق الأوروبية.
وتقليل الاعتماد الاقتصادي على أوروبا، حيث يمكن لدول المغرب العربي تطوير تعاون اقتصادي داخلي يعزز من استقلالها ويقلل من هيمنة الأسواق الأوروبية.
زيادة التأثير الجيوسياسي، حيث يمكن لدول المغرب العربي أن تصبح كتلة تفاوضية أقوى في القضايا الدولية، سواء في الملفات الاقتصادية أو السياسية، مما يغير من طبيعة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وهذه الدول.
من هذا المنطلق، فإن استقرار المنطقة المغاربية وتوحيد دولها قد يشكل تحديًا مباشرًا لبعض مصالح أوروبا، خصوصًا فيما يتعلق بالتحكم في تدفقات الهجرة، التجارة، والطاقة. تفعيل التكتل المغاربي قد يساهم في خلق قوة إقليمية جديدة، وهو ما قد يُعتبر “تهديدًا” من منظور أوروبا التي ترغب في الحفاظ على توازن القوى الحالي لصالحها.

“اللامغرب” يؤدي إلى تضييع فرص التعاون الاقتصادي والسياسي ويزيد من التحديات التي تواجه هذه الدول في التعامل مع قضايا مثل التنمية المستدامة، الأمن، والاستفادة من الموارد المشتركة، إضافة إلى ضعف موقفها في المفاوضات الدولية مقارنة بالكتل الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق