الجزائر توقع مع الصين ” الخطة التنفيذية للبناء المشترك”
اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
منذ بداية شهر فيفري 2023 وقعت الجزائر مع الصين على خطتين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما.
تمّ التوقيع على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك” لمبادرة الحزام والطريق، و”الخطة الثلاثية للتعاون” في المجالات المهمة وخاصة البناء والطاقة.
هذا التوقيع المهم والذي بدأت مظاهره تكتمل وتظهر يحمل في طياته قدرا كبيرا من الطموح الاقتصادي للجزائر في ظرفية تاريخية هامة جدا بالنسبة اليها وبالنسبة للمنطقة وللعالم فان تغتنم الجزائر الفرصة لصالحها فهذا يعتبر هدفا مشروعا وحقا من حقوقها.
كونها توقع اتفاقا كبيرا مع أكبر قوة اقتصادية عالمية، فإنها كذلك تتضمن رهانا سياسياً يرتبط بالتحولات الاستراتيجية على المستوى الدولي والتوجه السياسي الخارجي للجزائر.
فقد جاء توقيع الجزائر والصين على هاتين الوثيقتين، في 5 ديسمبر 2022، بعد إبرام الطرفين منذ أقل من شهر واحد، في 5 نوفمبر 2022، الخطة الخماسية لـ”الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، في خطوة تؤكد الشراكة القوية بين الطرفين وهي غير جديدة كما لا ننسى انظمام الجزائر الى “البريكس” والموافقة المباشرة من الصين على انظمام الجزائر منذ البداية وبالتالي الجزائر تمرّ بقوة وسرعة الى الانظمام الى أكبر القوى العالمية من أجل الصعود بالاقتصاد الجزائري الى أعلى مستوياته وذلك بخطة سياسية وجرأة وشجاعة قرار سياسي أدرك اهمية اللحظة التاريخية.
يأتي التوقيع بمثابة ردا ورسالة ذات مغزى على الضغط الأمريكي الأوروبي على الجزائر، وما صدر عن نواب من الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأمريكي من مطالبات بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب التقارب مع “الشرق”، وأيضاً صفقات الأسلحة مع روسيا، فلم يتردد المسؤوال الجزائري على الرد على الضغط والتهديد.
وتتطلع الجزائر إلى الشراكة مع الصين في مسعى لتعزيز حضورها، ليس فقط الاقتصادي، ولكن السياسي أيضاً، خارج محيطها المغاربي والأفريقي، خاصة أن تنويع الشركاء الدوليين، والارتباط بـ”شريك قوي”، كالصين، وأيضاً روسيا، يرتبط بالعلاقات الدولية والحسابات الاستراتيجية والتحالفات، بالنظر إلى ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية راهناً.
1- الخيار الجزائري المتعلّق بالشراكة مع محور “الشرق” والابتعاد عن محور الاستعمار:
الشراكة الجزائرية الصينية المتجسدة في مشاريع عملاقة، تُمثل خطوة سياسية ترمي من خلالها الجزائر إلى تأكيد موقعها الجيوسياسي في شمال أفريقيا، وموازاتها لجنوب أوروبا، خصوصاً أن الاستثمارات الصينية في الجزائر تُشكل خطوة استراتيجية في اتجاه أوروبا، حيث ستصبح السوق الأوروبية أمام البضاعة الصينية، التي ستصل إليها في وقت قياسي. واللافت أن إصرار الجزائر على سياسة تنويع الشركاء، يأتي في إطار توتر العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، منذ توقيع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إعلاناً يعترف فيه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما أدى بالجزائر إلى تغيير البوصلة علانية نحو الصين وروسيا. فضلاً عن عدم الارتياح الجزائري للرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، من منظور أنه كان قد قدم لائحة ضد الجزائر حين كان نائباً في الكونجرس، بزعم سعيها لامتلاك سلاح نووي.
2- طموح اقتصادي تنموي جزائري عملاق
الجزائر تراهن على جعل سنوات 2022-2023 و2024أعواماً للمشاريع الاقتصادية الطموحة وانتعاشة اقتصادية استثمارية عملاقة، وسط توجه إلى مراجعة قوانين مهمة مثل قانون الاستثمار، وقانوني البلدية والولاية اللذين يرتبطان بالتنمية على نحو وثيق. وبحسب معطيات رسمية، نقلاً عن لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، فقد أنهى الاقتصاد الجزائري عام 2021 بأرقام مُشجعة، حيث عرفت 2021 ارتفاع الصادرات غير النفطية، التي قاربت 4.5 مليارات دولار، في نهاية شهر نوفمبر 2021، محققة طفرة استثنائية (وصلت إلى 160 بالمائة، مقارنة بالعام 2020).
وبالتالي، تأتي الشراكة مع الصين كمحاولة جزائرية لتقوية الاقتصاد، إذ يبدو التأثير الواضح للعلاقات الجزائرية الصينية، والنمو المتزايد في حجم التجارة بينهما، التي حولت الصين إلى أهم متعامل تجاري للجزائر خلال العقود الأخيرة. كما ارتفع حجم التعاملات التجارية بين الجزائر والصين من 292 مليون دولار عام 2001، إلى 5.15 مليارات دولار في عام 2010، لتقفز في عام 2020 إلى 6.58 مليارات دولار. بل إن التزايد الكبير للصادرات الصينية نحو الجزائر يوضح كيف أن السوق الجزائرية أصبحت محطة مهمة لصادرات الصين، حيث سجلت هذه الصادرات ما قيمته 5.59 مليارات دولار في عام 2020، وهو ما يُمثل نسبة 36.27 بالمائة من صادرات دول الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر، التي بلغت 15.41 مليار دولار في العام نفسه.
3- الجزائر تتحول إلى قوة اقتصادية في جنوب المتوسط
اعلنت الجزائر في العديد من المناسابات عن رغبتها في اكتساب مكانة اقتصادية مهمة في ظل “نظام اقتصادي متعدد الأقطاب”، وتحاول الاستفادة من الشراكة مع الصين في تنمية اقتصادها. فبالإضافة إلى الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، التي تم التوقيع عليها بالموازاة مع “خطة التعاون” في المجالات المهمة، فقد تمّ إبرام اتفاق بين مجمع “سوناطراك” النفطي الحكومي وبين شركة “سينوبك” الصينية بهدف التنقيب والإنتاج المشترك للنفط، تقدر قيمته بـ490 مليون دولار. أيضاً، تم التوقيع على عقد لاستثمار سبعة مليارات دولار في مشروع للفوسفات، يستهدف إنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية سنوياً.
الخلاصة:
في هذا السياق، يمكن القول أن الجزائر قد نجحت ولا تزال تسعى الى تحقيق نجاحات كبرى وبصورة مباشرة بتواجدها ضمن الخطوط الرئيسية لمبادرة “الحزام والطريق” كما تحظى بأهمية كبيرة ضمن المبادرة.
وتأتي هذه الأهمية بسبب مسارها التاريخي الحافل مع الصين، وعلاقاتهما الاقتصادية المتميزة التي تترجمها الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتجارة والاستثمار، فضلا عن مكانتها في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وكذلك بصفتها إحدى البوابات المهمة لغرب أفريقيا.
وهكذا، تحتل الجزائر مكانة استراتجية وفعّالة في المشهد الاقليمي والدولي بل أنها اصبحت “فاعل اقليمي” حيوي ومؤثر جدا بالنسبة لدول جوارها الجغرافي شمال افريقيا ومنطقة الساحل الافريقي ودول جنوب المتوسط وجنوب أوروبا.