التواطؤ النووي بين واشنطن وتل أبيب كشف زيف ادعاءات الغرب وكرّس منطق الهيمنة

قسم الأخبار الدولية 23/06/2025
بينما تتعرض إيران لحملة ضغوط متواصلة وتهديدات عسكرية بسبب برنامجها النووي السلمي، تكشف الوثائق والتقارير عن مفارقة صارخة في السياسة الدولية: القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي من شجعت سرًا امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، بل ووفرت لها الغطاء اللازم لتمرير أكبر عملية خداع في تاريخ الانتشار النووي الحديث.
منذ خمسينات القرن الماضي، شرعت إسرائيل في بناء برنامج نووي عسكري بدعم مباشر من فرنسا وموافقة ضمنية من واشنطن، رغم أن ذلك كان خرقًا واضحًا لكل المعاهدات والمبادئ التي تدّعي الولايات المتحدة الدفاع عنها. فقد ساعدت باريس في إنشاء مفاعل “ديمونة” السري، ووفرت النرويج “الماء الثقيل”، بينما كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية على علم كامل بما يجري، واختارت الصمت مقابل تحالف استراتيجي طويل الأمد.
بل إن إسرائيل، حين بدأت الشكوك تحيط بأنشطتها، عمدت إلى التضليل المتعمد، وزوّرت مواقع ومنشآت لخداع المفتشين الأميركيين، فيما كشفت لاحقًا تقارير مثل كتاب “خيار شمشون” للصحافي سيمور هيرش، أن تل أبيب أخفت منشآت لإعادة المعالجة النووية، ودرّبت طاقمها على التضليل خلال الزيارات التفقدية. ورغم ذلك، لم تتحرك واشنطن، بل وقّعت عام 1969 تفاهمًا سريًا مع رئيسة الوزراء غولدا مائير يقضي بغضّ الطرف عن الترسانة النووية الإسرائيلية ما دامت “غير معلنة”.
هذا التواطؤ المخزي يفضح ازدواجية المعايير الغربية، التي تصمت أمام امتلاك إسرائيل لما يُقدّر بنحو 90 رأسًا نوويًا وفق “اتحاد العلماء الأميركيين”، بينما تفرض عقوبات وعزلة على إيران لمجرد امتلاكها برنامجًا نوويًا خاضعًا لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لقد تذرعت واشنطن بالأمن الإقليمي لمحاصرة إيران، في حين ساعدت فعليًا على زعزعة التوازن بتمكين كيان الاحتلال من امتلاك قدرة تدمير شامل خارج أي رقابة أو مساءلة.
وفي هذا السياق، يبدو مفهوماً لماذا تسعى طهران إلى امتلاك قدرات ردع قوية، خصوصًا في ظل الأخطار التي تتهدد أمنها القومي من قبل كيان مسلّح نوويًا وبدعم لا مشروط من قوة عظمى تدّعي الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الدولية. فكما لم تخضع إسرائيل يوماً للمساءلة، لا يمكن مطالبة إيران بالامتثال المطلق في ظل هذا الانحياز الفاضح.
إن قصة البرنامج النووي الإسرائيلي ليست سوى دليل إضافي على أن ما يُسمّى “النظام الدولي” ليس إلا أداة في يد الأقوياء لفرض الهيمنة وحرمان الدول المستقلة من حقها المشروع في حماية نفسها وتطوير قدراتها.